جديد السينما
ضفة ثالثة 5 يوليه 2022
سينما
شارك هذا المقال
حجم الخط
فيلم The Wrath of God
في الفيلم الأرجنتيني الروائي الطويل The Wrath of God "غضب الله"، من إخراج سباستيان شيندل، عن رواية للكاتب غاليرمو مارتينيز، تحمل عنوان "الموت البطيء لـ لوسيانا ب"، لا تواجه الشابة التي تتكسب رزقها من طباعة أعمال الكتّاب غير المتحمسين للجلوس على الحاسوب وطباعة إبداعاتهم، مفاعيل الموت البطيء فقط، بل الموت الكثير، أيضًا، اللحوح، الضاغط على موجبات وجودها. كل أفراد عائلتها يموتون تباعًا (يُقتلون من زاوية رؤيتها)، والقاتل هو، بحسب اعتقادها، الكاتب الشهير الذي عملت لديه زمنًا تطبع له رواياته البوليسية المركّبة، إلى أن تجرأ مرّة، وكانا وحدهما في بيته، وحاول تقبيلها، فنفرت الصبية المنحدرة من أسرة متدينة، وغادرت بيته وعملها معه إلى غير عودة، محاولة أن تنسى ما جرى إلى أن شجّعتها والدتها ومحامية من طراز والدتها وعمرها، على رفع قضية ضده، تجني من ورائها مبلغًا كبيرًا يتناسب مع مدى شهرته الواسعة في الأرجنتين. وبالتالي، هي تعتقد أن كلوستر، الروائي الجلف الغامض (أدى دوره دييغو بيريتي)، ينتقم منها بقتل أسرتها واحدًا تلو الآخر، خصوصًا أن زوجته وابنته الصغيرة توفيتا في يوم واحد، عندما وقعت زوجته مصادفة على ورقة الإنذار المرسلة من محامية لوسيانا (هذا اسم الشابة التي أدت دورها الممثلة ماكارينا أتشاغو)، متضمنة نوع التهمة: التحرش الجنسي، فعاد إليها اكتئابها المرضيّ الذي عانت منه زمنًا، وأدت عاصفة الاكتئاب لأن لا تتحمّل صراخ ابنتها وهي تقوم بتحميمها فأبقتها تحت ماء الحوض إلى أن فارقت الصغيرة الحياة، صدمة أيقظت بعض صحوها وعقلها، فزادت كآبتها، ودفعها الحزن والندم إلى الانتحار بتناولها علبة كاملة من حبوب الاكتئاب. لوسيانا متيقنة أن وراء الظروف الغامضة لرحيل أهلها على مدار عشر سنوات تقريبًا، هو كلوستر الذي يكبرها بعشرين سنة على الأقل. تحاول إقناع غيرها بهذا الأمر، لكن كل محاولاتها تبوء بالفشل، حتى الصحافي الذي صدق روايتها في البداية، عاد وتراجع، بعد تعرضه لضغوط من رئيس تحريره. بقيت تتبنى سرديتها وحدها، ووحدها ذهبت له خلال حفل توقيعه رواية جديدة، طالبة منه وعدًا أن لا يؤذي (فالن) شقيقتها الأصغر منها، ومن بقي لها من كل أسرتها، وبعدما وعدها ألقت نفسها من الطابق الثالث في قاعة توقيع الرواية، لينسكب دمها على أغلفة نسخ روايته الجديدة.
في واحد من أهم حوارات الفيلم باللغة الإسبانية، المنتج عام 2022، يتطرق كلوستر خلال مواجهة بينه وبين استيفان ري (جوان مينوجن)، الصحافي الوحيد الذي تابع شكوك لوسيانا فترة من الزمن، إلى "شريعة حمورابي"، قائلًا له "العين بالعين.. والسن بالسن"، مؤكدًا لستيفان (وهو اللاأدري) أن انتقام السماء حقيقة واردة، جارًا له نحو لعبة الاحتمالات الممكنة، وخاتمًا بالقول "إن كان الخيال يحيي، فإن بإمكانه أن يميت"، ويزيد "أمران كاملان فقط ومثاليان: العدالة والانتقام السماويّ".
خلال دقائقه الـ 97، يتقلّب الشريط بين التشويق البوليسي المباشر، وبين التحليل النفسيّ العميق، ويذهب بنا نحو فكرة خطيرة تتعلق بإمكانية أن يتقمص كاتبٌ ما وقائع قصة كتبها من وحي الخيال، كما لو أنه يريد أن نستنتج أن لا حدود واضحة بين الخيال والواقع.
فيلم The Justice of Bunny King
العناد المثابر في أقصى وأقسى تجلياته، يجد له في الفيلم النيوزيلندي الروائي الطويل The Justice of Bunny King "عدالة بوني كينغ" إخراج Gaysorn Thavat جايسورن ثافات، مطارح ضاربة في العمق.
المرأة التي فقدت الحق بحضانة ولديها بعد قتلها زوجها المتحرّش بابنتها الصغيرة من زوج قبله، لم تفقد، بعد خروجها من السجن، الأمل باستعادتهما. وضعت المؤسسة التي تتابع شؤونهما، وتنقلهما بشكل محزن من بيت إلى آخر، عليها شروط صعبة إن كانت مصرة على عودتهما إلى حضنها، وهي بدورها، وبدون هوادة، تعمل ساعات طوال في مسح زجاج السيارات لتحويش ما يمكن أن يحقق لها ما عزمت عليه.
فيلم عن الأمومة في أكثر لحظاتها شلعًا للروح، عمّا يمكن أن تُقدِم عليه المرأة دفاعًا عن عالمها وأطفالها وحقوقها المدنية، عن بؤس البيروقراطية حين تنزع عنها المؤسسة غلاف الإنسانية الرقيق، عن غياب روح القانون، وبؤس الأيام، وصدق بسطاء الناس شركائها في مسح زجاج السيارات، ممن يتهمهم كثير ممن يحاولوا مسح سياراتهم، أنهم يمارسون التسوّل المقنّع، في ظل وجود مساحات تتحرك بكبسة زر في كل السيارات. فيلم عن الخيارات الصعبة، فها هي باني (إيسي ديفيس) لا تتردد ولا لحظة عندما تكتشف أن زوج شقيقتها يتحرش بابنة شقيقتها، تهاجمه وتردعه وتوسعه ضربًا، رغم أنها فقدت، بردّة فعلها هذه، المأوى المجاني الذي كان يتيح لها تحويش الملاليم القليلة التي تجنيها من مسح السيارات. مؤلم فيلم العدالة الضائعة إلى أبعد الحدود. ينتزع الدمع شئت أم أبيت. فعندما ترتبط العدالة باسم موظفة في مؤسسة تحكمها الأوراق المنتزعة من خشب الغابة، فالغابة قد تتمدد، لحظتها، لتسعنا جميعنا.
مدة الفيلم (101) دقيقة، وهو من إنتاج 2021، وانطلق الشهر الماضي بداية من بولندا.
فيلم Rise
عن رأسمالية تحقيق الأحلام غير الممكنة، تدور أحداث الفيلم النيجيري الأميركي الروائي (الحقيقي) الطويل Rise "صعود"، من إخراج أكِن أوموتوسو. عن زوج وزوجته غادرا بلدهما نيجيريا، تاركين هناك عند والدة الزوجة رضيعهما بحثًا عن فرص أفضل في اليونان. عن تجهّم (أصحاب البلد)، ونفورهم من اللائذين ببلدهم حتى ولو كانوا من أتباع ديانتهم. بـ(تناحة) يواجه Charles Antetokounmpo (أدى دوره Dayo Okeniyi) وزوجته Veronika Antetokounmpo (أدت دورها Yetide Badaki)، كل ما يتعرضا له من عنصرية سامة. وبمثابرة يواصلان إنجاب الأولاد لعل أبناءً ولدوا في اليونان يمنحونهما وأسرتهما، التي ظلت تكبر، الجنسية اليونانية. يُظهر اثنان من أولادهما، بطولهما الفارع، مهارات لافتة في لعبة كرة السلة. تبدأ دوامة الاستثمار بهما؛ وكلاء، على رؤساء أندية، على نصابين، على رافضين فكرة تمكينهم من اللعب في بلاد اليونان، إلى أن يقرر الوالد إنجاز قفزة في الهواء: إرسال واحد منهما للاحتراف في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في بدايات استقطاب أميركا لاعبين من بلاد الآخرين (تدور أحداث الفيلم في فترة نهاية ثمانينيات القرن الماضي). بعنتٍ، ومدٍّ وجزرٍ، يتحقق حلم الأسرة المتناغمة فيما بينها حول موضوع عشق أميركا واليونان والغرب عمومًا. بقليل من الحبكة الدرامية بعيدًا عن القصة الحقيقية لهذين اللاعبين، وفي تقليد (أعرج) للفيلم الأميركي King Richard "الملك ريتشارد"، بطولة ويل سميث عن قصة الشقيقتين فينوس وسيرينا ويليامز، نجمتيّ التنس الأرضي العالميتيْن، يحصر أوموتوسو نفسه في الفيلم المنتج هذا العام 2022، داخل تفاصيل القصة الحقيقية، مكتفيًا من الدراما بأقلها، غافلًا عن جماليات السينما، مهملًا لممكنات التشويق القائم على بهارات الحوار، وتجليات التفاصيل الصغيرة التي كان من الممكن إضافة بعضها دون المساس بالهيكل العام للقصة في بعدها التوثيقي.
الرأسمالية تفعل الأعاجيب، ربما هذا أهم ما أراد الفيلم في (113 دقيقة) قوله لنا، فبين ليلة وضحاها أصبحت العائلة ثرية، ولديها ثلاثة أولاد يلعبون في دوري المحترفين الأميركي NBA، حتى أنها ضمّت إليها، لاحقًأ، الولد الذى كبر وترعرع في البلد الأم، نيجيريا. لكنه في الحقيقة نظام فرص مستند إلى عقلية رأسمالية احتكارية تغري الشباب الطامح بالاحتكام لها، وتركز حين تود الاستفادة من الميديا والإعلام والأفلام، على قصص النجاح، رغم أن كل قصة نجاح تسبقها، وتلحقها، حتمًا، عشرات قصص التعثر، وربما الضياع. على كل حال لا بأس بالطموح المستند إلى عقل رشيد ومبادئ راسخة.
(إعداد: م. جميل خضر)
ضفة ثالثة 5 يوليه 2022
سينما
شارك هذا المقال
حجم الخط
فيلم The Wrath of God
في الفيلم الأرجنتيني الروائي الطويل The Wrath of God "غضب الله"، من إخراج سباستيان شيندل، عن رواية للكاتب غاليرمو مارتينيز، تحمل عنوان "الموت البطيء لـ لوسيانا ب"، لا تواجه الشابة التي تتكسب رزقها من طباعة أعمال الكتّاب غير المتحمسين للجلوس على الحاسوب وطباعة إبداعاتهم، مفاعيل الموت البطيء فقط، بل الموت الكثير، أيضًا، اللحوح، الضاغط على موجبات وجودها. كل أفراد عائلتها يموتون تباعًا (يُقتلون من زاوية رؤيتها)، والقاتل هو، بحسب اعتقادها، الكاتب الشهير الذي عملت لديه زمنًا تطبع له رواياته البوليسية المركّبة، إلى أن تجرأ مرّة، وكانا وحدهما في بيته، وحاول تقبيلها، فنفرت الصبية المنحدرة من أسرة متدينة، وغادرت بيته وعملها معه إلى غير عودة، محاولة أن تنسى ما جرى إلى أن شجّعتها والدتها ومحامية من طراز والدتها وعمرها، على رفع قضية ضده، تجني من ورائها مبلغًا كبيرًا يتناسب مع مدى شهرته الواسعة في الأرجنتين. وبالتالي، هي تعتقد أن كلوستر، الروائي الجلف الغامض (أدى دوره دييغو بيريتي)، ينتقم منها بقتل أسرتها واحدًا تلو الآخر، خصوصًا أن زوجته وابنته الصغيرة توفيتا في يوم واحد، عندما وقعت زوجته مصادفة على ورقة الإنذار المرسلة من محامية لوسيانا (هذا اسم الشابة التي أدت دورها الممثلة ماكارينا أتشاغو)، متضمنة نوع التهمة: التحرش الجنسي، فعاد إليها اكتئابها المرضيّ الذي عانت منه زمنًا، وأدت عاصفة الاكتئاب لأن لا تتحمّل صراخ ابنتها وهي تقوم بتحميمها فأبقتها تحت ماء الحوض إلى أن فارقت الصغيرة الحياة، صدمة أيقظت بعض صحوها وعقلها، فزادت كآبتها، ودفعها الحزن والندم إلى الانتحار بتناولها علبة كاملة من حبوب الاكتئاب. لوسيانا متيقنة أن وراء الظروف الغامضة لرحيل أهلها على مدار عشر سنوات تقريبًا، هو كلوستر الذي يكبرها بعشرين سنة على الأقل. تحاول إقناع غيرها بهذا الأمر، لكن كل محاولاتها تبوء بالفشل، حتى الصحافي الذي صدق روايتها في البداية، عاد وتراجع، بعد تعرضه لضغوط من رئيس تحريره. بقيت تتبنى سرديتها وحدها، ووحدها ذهبت له خلال حفل توقيعه رواية جديدة، طالبة منه وعدًا أن لا يؤذي (فالن) شقيقتها الأصغر منها، ومن بقي لها من كل أسرتها، وبعدما وعدها ألقت نفسها من الطابق الثالث في قاعة توقيع الرواية، لينسكب دمها على أغلفة نسخ روايته الجديدة.
"خلال دقائقه الـ 97، يتقلّب فيلم "غضب الله" بين التشويق البوليسي المباشر، وبين التحليل النفسيّ العميق، ويذهب بنا نحو فكرة خطيرة تتعلق بإمكانية أن يتقمص كاتبٌ ما وقائع قصة كتبها من وحي الخيال، كما لو أنه يريد أن نستنتج أن لا حدود واضحة بين الخيال والواقع" |
خلال دقائقه الـ 97، يتقلّب الشريط بين التشويق البوليسي المباشر، وبين التحليل النفسيّ العميق، ويذهب بنا نحو فكرة خطيرة تتعلق بإمكانية أن يتقمص كاتبٌ ما وقائع قصة كتبها من وحي الخيال، كما لو أنه يريد أن نستنتج أن لا حدود واضحة بين الخيال والواقع.
فيلم The Justice of Bunny King
العناد المثابر في أقصى وأقسى تجلياته، يجد له في الفيلم النيوزيلندي الروائي الطويل The Justice of Bunny King "عدالة بوني كينغ" إخراج Gaysorn Thavat جايسورن ثافات، مطارح ضاربة في العمق.
المرأة التي فقدت الحق بحضانة ولديها بعد قتلها زوجها المتحرّش بابنتها الصغيرة من زوج قبله، لم تفقد، بعد خروجها من السجن، الأمل باستعادتهما. وضعت المؤسسة التي تتابع شؤونهما، وتنقلهما بشكل محزن من بيت إلى آخر، عليها شروط صعبة إن كانت مصرة على عودتهما إلى حضنها، وهي بدورها، وبدون هوادة، تعمل ساعات طوال في مسح زجاج السيارات لتحويش ما يمكن أن يحقق لها ما عزمت عليه.
"مؤلم فيلم العدالة الضائعة إلى أبعد الحدود. ينتزع الدمع شئت أم أبيت. فعندما ترتبط العدالة باسم موظفة في مؤسسة تحكمها الأوراق المنتزعة من خشب الغابة، فالغابة قد تتمدد، لحظتها، لتسعنا جميعنا" |
مدة الفيلم (101) دقيقة، وهو من إنتاج 2021، وانطلق الشهر الماضي بداية من بولندا.
فيلم Rise
عن رأسمالية تحقيق الأحلام غير الممكنة، تدور أحداث الفيلم النيجيري الأميركي الروائي (الحقيقي) الطويل Rise "صعود"، من إخراج أكِن أوموتوسو. عن زوج وزوجته غادرا بلدهما نيجيريا، تاركين هناك عند والدة الزوجة رضيعهما بحثًا عن فرص أفضل في اليونان. عن تجهّم (أصحاب البلد)، ونفورهم من اللائذين ببلدهم حتى ولو كانوا من أتباع ديانتهم. بـ(تناحة) يواجه Charles Antetokounmpo (أدى دوره Dayo Okeniyi) وزوجته Veronika Antetokounmpo (أدت دورها Yetide Badaki)، كل ما يتعرضا له من عنصرية سامة. وبمثابرة يواصلان إنجاب الأولاد لعل أبناءً ولدوا في اليونان يمنحونهما وأسرتهما، التي ظلت تكبر، الجنسية اليونانية. يُظهر اثنان من أولادهما، بطولهما الفارع، مهارات لافتة في لعبة كرة السلة. تبدأ دوامة الاستثمار بهما؛ وكلاء، على رؤساء أندية، على نصابين، على رافضين فكرة تمكينهم من اللعب في بلاد اليونان، إلى أن يقرر الوالد إنجاز قفزة في الهواء: إرسال واحد منهما للاحتراف في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في بدايات استقطاب أميركا لاعبين من بلاد الآخرين (تدور أحداث الفيلم في فترة نهاية ثمانينيات القرن الماضي). بعنتٍ، ومدٍّ وجزرٍ، يتحقق حلم الأسرة المتناغمة فيما بينها حول موضوع عشق أميركا واليونان والغرب عمومًا. بقليل من الحبكة الدرامية بعيدًا عن القصة الحقيقية لهذين اللاعبين، وفي تقليد (أعرج) للفيلم الأميركي King Richard "الملك ريتشارد"، بطولة ويل سميث عن قصة الشقيقتين فينوس وسيرينا ويليامز، نجمتيّ التنس الأرضي العالميتيْن، يحصر أوموتوسو نفسه في الفيلم المنتج هذا العام 2022، داخل تفاصيل القصة الحقيقية، مكتفيًا من الدراما بأقلها، غافلًا عن جماليات السينما، مهملًا لممكنات التشويق القائم على بهارات الحوار، وتجليات التفاصيل الصغيرة التي كان من الممكن إضافة بعضها دون المساس بالهيكل العام للقصة في بعدها التوثيقي.
"الرأسمالية تفعل الأعاجيب، ربما هذا أهم ما أراد فيلم "صعود" في (113 دقيقة) قوله لنا، فبين ليلة وضحاها أصبحت العائلة ثرية، ولديها ثلاثة أولاد يلعبون في دوري المحترفين الأميركي NBA" |
(إعداد: م. جميل خضر)