في أيام فلسطين السينمائية.. مواجهة قضايا النساء بجرأة
ندى الأزهري 6 نوفمبر 2022
سينما
من الفيلم التونسي "تحت أشجار التين"
شارك هذا المقال
حجم الخط
المقاومة فعلٌ حقيقيّ لدى هؤلاء النساء، مقاومة ضد التحرش والاستغلال والنظرة الضيقة التي تحصرهن في جسد مرغوب. المرأة سواء أكانت في فيلم التونسية الفرنسية أريج سحيري "تحت أشجار التين"، أو في فيلم الإيراني علي عسكري "إلى الغد فقط"، هي ضحية، لكنها لا تمتثل، بل تسعى بإصرار لتحسين ظرفها وشرطها النسوي، وامتلاك زمام حياة يقررها في الأغلب آخرون لها.
في ثلاثة أفلام معروضة في النسخة التاسعة من أيام فلسطين السينمائية (1 ـ 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، يبدو وضع المرأة في الشرق محورًا مركزيًّا. لكن إن صوّر في أحدها ظرف النساء على نحو كاريكاتوري سطحيّ، فيمكن اعتبار أنّ الاشتغال السينمائي في الفيلمين الباقيين قد مسّ جوهر الموضوع، وكان محرضًا ناجعًا على التأمل في حالات واقعية تعاني منها النساء، إمّا من خلال إبداء شروط عمل وشخصيات عاملات بسيطات كما في "تحت أشجار التين"، أو في كيفية التعامل مع معضلة أخلاقية تواجهها النساء في مجتمعات محافظة، كما في "إلى الغدّ فقط". في الفيلمين، مواضيع غنيّة تمّ تكثيفها زمانيًّا في يوم واحد في الفيلم الأول، وفي ليلة واحدة في الفيلم الثاني. أما مكانيًا فقد شكّل الفضاء الخارجي في الفيلمين اختيارًا ذكيًا للتعبير عن اختناق ما تعاني منه البطلات حتّى في أجواء مفتوحة.
خلال موسم القطاف الصيفي في "تحت أشجار التين"، يزرع الشبان والشابات مشاعر جديدة، ويحاكمون بعضهم بعضًا، يحاولون فهم بعضهم، وتشكيل علاقات جديدة، والهروب من أخرى. رغبت سحيري في الاهتمام على وجه الخصوص بعاملات القطاف في البساتين والمزارع، بإعطاء أولئك النساء غير المرئيات وجهًا وصوتًا. تابعت يوم عمل لهن، وفي أسلوب سينمائي يختلط فيه الروائي بالوثائقي، ويجعل المشاهد يتساءل في أحيان كثيرة أين الحقيقة من الخيال، قدمت فيلمًا رقيقًا مؤثرًا بعفوية أبطاله، بل حتى بأدائهم المرتبك أحيانًا. إذ تبدو بطلاته، وهن ممثلات هواة من منطقة زراعية في شمال غربي تونس، غاية في التلقائية، كأن ما يقدمنه حياتهن العاديّة، يومياتهن منذ أن ينحشرن في الشاحنة الصغيرة كل فجر ومساء للذهاب إلى عملهن في قطف التين. تدور الكاميرا على وجوه فتية، شباب وبنات يستقبلون يومهم بابتسامة ومرح، هكذا ينهونه أيضًا بعد يوم حافل بعملٍ ونقاشات، تافهة أحيانًا كتلك التي يتداولها الناس عادة من نوع أعطني، وماذا تفعل، وإلى أين؟ ولمَ فعلت كذا وكذا... ولكن هنالك أيضًا نقاشات أخرى فيها بوح مدهش عن حبّ يبدأ وآخر ينتهي، وغرام من طرف واحد، وعلاقات تتبدل، وخصام ووئام، وفضح تحرش (المالك)، وخيبة وأمل... كل ما يدور في يومٍ عاديّ، لكنه شاق يجري تحت شمس ساطعة تحرق الأعصاب والوجوه. إنّما أشجار التين هي هنا ليتظللوا بفيئها، تلك الأشجار التي تشبههم في هشاشة ثمارها وطيبتها، وفي قوة أغصانها وصلابتها. قد تكون حاميتهم، ملجأ لهم ومخبأ، لكن كثافتها قد تخنقهم وتحدّ من آفاق رؤيتهم كما يفعل المجتمع من حولهم. شعور الاختناق هذا يُوحى به من خلال تصوير كثافة هذه الشجرة، وحصرها في إطار ضيق.
سحيري كانت تريد تصوير فيلم عن شباب يعملون في نشاط إذاعي في منطقة ريفية، كما قالت، وقد غيّرت فكرتها بالكامل حين التقت بالفتاة فِدى التي لعبت الدور الرئيسي في الفيلم. لم تكن تلك مهتمة بإجراء اختبارات التصوير، وحين سألتها عن كيفية قضائها لنهارها، أخبرتها عن العمل في القطاف. اصطحبتها إلى هناك وفورًا، وأثارت مشاهد العمل مشاعر المخرجة واهتمامها، ورأت فيها مواضيع غنية عديدة، فهي كاتبة النص السينمائي أيضًا، تناقشت مع العاملات، وطريقتهن في العمل، وعلاقتهن مع الرجال والمجتمع الذكوري عامة.
في هذه البيئة الريفية نساء ورجل من كافة الأعمار يعملون معًا في البستان. النساء يقمن بدورهن في الحياة، هنّ هنا الرقيب والمحافظ على التقاليد والأعراف، يبدين ملاحظات، يصححن سلوك... في هذا، المرأة قد تكون أولّ نصير، أو أولّ خصم لبنات جنسها. وهنالك شباب مقبلون على الحياة والحبّ، ورجال يرغبون بقطاف الزهرات العاملات، لكنهنّ بالمرصاد. لم يشيطن الفيلم الرجل، فالمخرجة أشارت، وبأسلوب ذكي، ومن دون أن تظهر ذلك تمامًا، إلى رغبات ومحاولات تمّ فضحها من قبل الفتاة المعنية. الفيلم في هذا يفضل اعتماد أسلوب فيه خفة بعيدة عن ثقل الأجواء المأساوية. الإيحاء هو وسيلته للتعريف بالعاملين وسلوكهم. أغلب هؤلاء في المجال الزراعي هنّ نساء يعملن في ظروف شاقة، وينلن أجورًا قليلة، يُنقلن يوميًّا في شاحنة مخصصة لبهائم في العادة. ومع هذا، فإن انهمرت بعض دموع فالابتسامة سريعًا ما تحلّ، ومعها الغناء وسيلتهن للتخلص من أعباء يوم شاق. في "تحت أشجار التين"، لا تحكم المخرجة على الرجل، بل يبدو في الفيلم كأنه هو أيضًا سجين الواقع والمجتمع. هذا يتبدى كذلك في "إلى الغدّ (فقط)" (2021)، للإيراني علي عسكري، الفيلم الثاني المعروض في أيام السينما الفلسطينية. فإن بدا فيه الرجل جبانًا كاذبًا فهذا لأن المجتمع يشجعه على ذلك حتى لا يقف في مواجهة معه، وإن كان لا يتحمل مسؤولية فهذا لأنه مرغمٌ على إخفاء "فعلته" كي يتجنب تعنيف وإدانة، وربما حرمان من منافع مادية. أما المتحرشون في الفيلمين فهم لا يتورعون عن استخدام مراكزهم وسلطتهم المهنية لفرض أغراضهم الدنيئة. هؤلاء تظهر دناءتهم لا سيما في الفيلم الإيراني، مثل مدير المستشفى الذي يستغل حاجة الشابة فرشْته فيتحرش بها، وإجبارها على علاقة سريعة، فيما هو يدعي الشرف والاحترام.
وفرشْته هذه طالبة جامعية تدرس وتعمل في طهران. إنها تريد الهجرة إلى الولايات المتحدة، ولكنها تواجه مشكلة في إيجاد الوقت لأخذ دورة في اللغة، لديها طفل يبلغ من العمر شهرين، تخفي وجوده عن والديها، ولكن عندما يعلنان فجأة عن اضطرارهما للقدوم من مدينتهما إلى طهران وزيارتها، يتعين عليها أن تجد مكانًا آخر لليلة واحدة لطفلها غير الشرعي. ما يبدو للوهلة الأولى قابلًا للحل بمكالمة هاتفية لعدد قليل من الأصدقاء سرعان ما يتطور إلى مهمة صعبة. ولا يبقى إلا صديقة واحدة مستعدة لدعم فرشته لتبدأ الصديقتان رحلة ليلية قبل قدوم الغد لإيجاد مأوى للرضيع بعيدًا عن منزل أمه. من خلال رحلة الفتاتين الليلية، يقدم الفيلم مجتمعًا بأكمله يقف ضد الأمّ العازبة، ويدين المرأة فقط في حالات خاصة، فهي وحدها التي تدفع الثمن، ففرصها في النجاة أقلّ بكثير من فرص الرجل، بل هي معدومة، فكل ما يفعله الأب الشاب هو التخلي ببساطة عنها خشية الأسرة والمجتمع. فيلم عسكري أشدّ قسوة على المجتمع، وقد أتاح له اختيار قضية معقدة، أيّ الأم العازبة، مواجهة المجتمع على نحو جريء، ووضعه أمامّ معضلات أخلاقية. وهو فيلم يشترك مع "تحت أشجار التين" في تبيان حالة الاختناق التي يعانيها الشباب والشابات معًا، والتحديات التي يواجهونها. وهذا بلا خطب ولا افتعال ولا إعطاء دروس ولا صراخ، ومع أداء موّفق للممثلين المحترفين (في الفيلم الإيراني)، والهواة (في التونسي)، يقدم الفيلمان نظرة عميقة على موضوعين جديدين.
هذان الفيلمان المعبران أتيحا للعرض في رام الله والقدس وحيفا وغزة وبيت لحم، إضافة إلى أفلام أخرى عربية وأوروبية.
ندى الأزهري 6 نوفمبر 2022
سينما
من الفيلم التونسي "تحت أشجار التين"
شارك هذا المقال
حجم الخط
المقاومة فعلٌ حقيقيّ لدى هؤلاء النساء، مقاومة ضد التحرش والاستغلال والنظرة الضيقة التي تحصرهن في جسد مرغوب. المرأة سواء أكانت في فيلم التونسية الفرنسية أريج سحيري "تحت أشجار التين"، أو في فيلم الإيراني علي عسكري "إلى الغد فقط"، هي ضحية، لكنها لا تمتثل، بل تسعى بإصرار لتحسين ظرفها وشرطها النسوي، وامتلاك زمام حياة يقررها في الأغلب آخرون لها.
في ثلاثة أفلام معروضة في النسخة التاسعة من أيام فلسطين السينمائية (1 ـ 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، يبدو وضع المرأة في الشرق محورًا مركزيًّا. لكن إن صوّر في أحدها ظرف النساء على نحو كاريكاتوري سطحيّ، فيمكن اعتبار أنّ الاشتغال السينمائي في الفيلمين الباقيين قد مسّ جوهر الموضوع، وكان محرضًا ناجعًا على التأمل في حالات واقعية تعاني منها النساء، إمّا من خلال إبداء شروط عمل وشخصيات عاملات بسيطات كما في "تحت أشجار التين"، أو في كيفية التعامل مع معضلة أخلاقية تواجهها النساء في مجتمعات محافظة، كما في "إلى الغدّ فقط". في الفيلمين، مواضيع غنيّة تمّ تكثيفها زمانيًّا في يوم واحد في الفيلم الأول، وفي ليلة واحدة في الفيلم الثاني. أما مكانيًا فقد شكّل الفضاء الخارجي في الفيلمين اختيارًا ذكيًا للتعبير عن اختناق ما تعاني منه البطلات حتّى في أجواء مفتوحة.
"المخرجة أريج سحيري كانت تريد تصوير فيلم عن شباب يعملون في نشاط إذاعي في منطقة ريفية، كما قالت، وقد غيّرت فكرتها بالكامل حين التقت بالفتاة فِدى التي لعبت الدور الرئيسي في الفيلم" |
خلال موسم القطاف الصيفي في "تحت أشجار التين"، يزرع الشبان والشابات مشاعر جديدة، ويحاكمون بعضهم بعضًا، يحاولون فهم بعضهم، وتشكيل علاقات جديدة، والهروب من أخرى. رغبت سحيري في الاهتمام على وجه الخصوص بعاملات القطاف في البساتين والمزارع، بإعطاء أولئك النساء غير المرئيات وجهًا وصوتًا. تابعت يوم عمل لهن، وفي أسلوب سينمائي يختلط فيه الروائي بالوثائقي، ويجعل المشاهد يتساءل في أحيان كثيرة أين الحقيقة من الخيال، قدمت فيلمًا رقيقًا مؤثرًا بعفوية أبطاله، بل حتى بأدائهم المرتبك أحيانًا. إذ تبدو بطلاته، وهن ممثلات هواة من منطقة زراعية في شمال غربي تونس، غاية في التلقائية، كأن ما يقدمنه حياتهن العاديّة، يومياتهن منذ أن ينحشرن في الشاحنة الصغيرة كل فجر ومساء للذهاب إلى عملهن في قطف التين. تدور الكاميرا على وجوه فتية، شباب وبنات يستقبلون يومهم بابتسامة ومرح، هكذا ينهونه أيضًا بعد يوم حافل بعملٍ ونقاشات، تافهة أحيانًا كتلك التي يتداولها الناس عادة من نوع أعطني، وماذا تفعل، وإلى أين؟ ولمَ فعلت كذا وكذا... ولكن هنالك أيضًا نقاشات أخرى فيها بوح مدهش عن حبّ يبدأ وآخر ينتهي، وغرام من طرف واحد، وعلاقات تتبدل، وخصام ووئام، وفضح تحرش (المالك)، وخيبة وأمل... كل ما يدور في يومٍ عاديّ، لكنه شاق يجري تحت شمس ساطعة تحرق الأعصاب والوجوه. إنّما أشجار التين هي هنا ليتظللوا بفيئها، تلك الأشجار التي تشبههم في هشاشة ثمارها وطيبتها، وفي قوة أغصانها وصلابتها. قد تكون حاميتهم، ملجأ لهم ومخبأ، لكن كثافتها قد تخنقهم وتحدّ من آفاق رؤيتهم كما يفعل المجتمع من حولهم. شعور الاختناق هذا يُوحى به من خلال تصوير كثافة هذه الشجرة، وحصرها في إطار ضيق.
"مكانيًا شكّل الفضاء الخارجي في الفيلمين اختيارًا ذكيًا للتعبير عن اختناق ما تعاني منه البطلات حتّى في أجواء مفتوحة" |
سحيري كانت تريد تصوير فيلم عن شباب يعملون في نشاط إذاعي في منطقة ريفية، كما قالت، وقد غيّرت فكرتها بالكامل حين التقت بالفتاة فِدى التي لعبت الدور الرئيسي في الفيلم. لم تكن تلك مهتمة بإجراء اختبارات التصوير، وحين سألتها عن كيفية قضائها لنهارها، أخبرتها عن العمل في القطاف. اصطحبتها إلى هناك وفورًا، وأثارت مشاهد العمل مشاعر المخرجة واهتمامها، ورأت فيها مواضيع غنية عديدة، فهي كاتبة النص السينمائي أيضًا، تناقشت مع العاملات، وطريقتهن في العمل، وعلاقتهن مع الرجال والمجتمع الذكوري عامة.
في هذه البيئة الريفية نساء ورجل من كافة الأعمار يعملون معًا في البستان. النساء يقمن بدورهن في الحياة، هنّ هنا الرقيب والمحافظ على التقاليد والأعراف، يبدين ملاحظات، يصححن سلوك... في هذا، المرأة قد تكون أولّ نصير، أو أولّ خصم لبنات جنسها. وهنالك شباب مقبلون على الحياة والحبّ، ورجال يرغبون بقطاف الزهرات العاملات، لكنهنّ بالمرصاد. لم يشيطن الفيلم الرجل، فالمخرجة أشارت، وبأسلوب ذكي، ومن دون أن تظهر ذلك تمامًا، إلى رغبات ومحاولات تمّ فضحها من قبل الفتاة المعنية. الفيلم في هذا يفضل اعتماد أسلوب فيه خفة بعيدة عن ثقل الأجواء المأساوية. الإيحاء هو وسيلته للتعريف بالعاملين وسلوكهم. أغلب هؤلاء في المجال الزراعي هنّ نساء يعملن في ظروف شاقة، وينلن أجورًا قليلة، يُنقلن يوميًّا في شاحنة مخصصة لبهائم في العادة. ومع هذا، فإن انهمرت بعض دموع فالابتسامة سريعًا ما تحلّ، ومعها الغناء وسيلتهن للتخلص من أعباء يوم شاق. في "تحت أشجار التين"، لا تحكم المخرجة على الرجل، بل يبدو في الفيلم كأنه هو أيضًا سجين الواقع والمجتمع. هذا يتبدى كذلك في "إلى الغدّ (فقط)" (2021)، للإيراني علي عسكري، الفيلم الثاني المعروض في أيام السينما الفلسطينية. فإن بدا فيه الرجل جبانًا كاذبًا فهذا لأن المجتمع يشجعه على ذلك حتى لا يقف في مواجهة معه، وإن كان لا يتحمل مسؤولية فهذا لأنه مرغمٌ على إخفاء "فعلته" كي يتجنب تعنيف وإدانة، وربما حرمان من منافع مادية. أما المتحرشون في الفيلمين فهم لا يتورعون عن استخدام مراكزهم وسلطتهم المهنية لفرض أغراضهم الدنيئة. هؤلاء تظهر دناءتهم لا سيما في الفيلم الإيراني، مثل مدير المستشفى الذي يستغل حاجة الشابة فرشْته فيتحرش بها، وإجبارها على علاقة سريعة، فيما هو يدعي الشرف والاحترام.
"في الفيلم الإيراني "إلى الغد فقط"، تقوم فتاتان برحلة ليلية، يقدم فيها الفيلم مجتمعًا بأكمله يقف ضد الأمّ العازبة، ويدين المرأة فقط في حالات خاصة، فهي وحدها التي تدفع الثمن" |
وفرشْته هذه طالبة جامعية تدرس وتعمل في طهران. إنها تريد الهجرة إلى الولايات المتحدة، ولكنها تواجه مشكلة في إيجاد الوقت لأخذ دورة في اللغة، لديها طفل يبلغ من العمر شهرين، تخفي وجوده عن والديها، ولكن عندما يعلنان فجأة عن اضطرارهما للقدوم من مدينتهما إلى طهران وزيارتها، يتعين عليها أن تجد مكانًا آخر لليلة واحدة لطفلها غير الشرعي. ما يبدو للوهلة الأولى قابلًا للحل بمكالمة هاتفية لعدد قليل من الأصدقاء سرعان ما يتطور إلى مهمة صعبة. ولا يبقى إلا صديقة واحدة مستعدة لدعم فرشته لتبدأ الصديقتان رحلة ليلية قبل قدوم الغد لإيجاد مأوى للرضيع بعيدًا عن منزل أمه. من خلال رحلة الفتاتين الليلية، يقدم الفيلم مجتمعًا بأكمله يقف ضد الأمّ العازبة، ويدين المرأة فقط في حالات خاصة، فهي وحدها التي تدفع الثمن، ففرصها في النجاة أقلّ بكثير من فرص الرجل، بل هي معدومة، فكل ما يفعله الأب الشاب هو التخلي ببساطة عنها خشية الأسرة والمجتمع. فيلم عسكري أشدّ قسوة على المجتمع، وقد أتاح له اختيار قضية معقدة، أيّ الأم العازبة، مواجهة المجتمع على نحو جريء، ووضعه أمامّ معضلات أخلاقية. وهو فيلم يشترك مع "تحت أشجار التين" في تبيان حالة الاختناق التي يعانيها الشباب والشابات معًا، والتحديات التي يواجهونها. وهذا بلا خطب ولا افتعال ولا إعطاء دروس ولا صراخ، ومع أداء موّفق للممثلين المحترفين (في الفيلم الإيراني)، والهواة (في التونسي)، يقدم الفيلمان نظرة عميقة على موضوعين جديدين.
هذان الفيلمان المعبران أتيحا للعرض في رام الله والقدس وحيفا وغزة وبيت لحم، إضافة إلى أفلام أخرى عربية وأوروبية.