ملتقى القاهرة الدولي للرسوم المتحركة.. الأفلام للجمهور والمراسم لصُناعها!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ملتقى القاهرة الدولي للرسوم المتحركة.. الأفلام للجمهور والمراسم لصُناعها!

    ملتقى القاهرة الدولي للرسوم المتحركة.. الأفلام للجمهور والمراسم لصُناعها!
    وائل سعيد 30 أكتوبر 2022
    سينما
    ملصق ملتقى القاهرة للرسوم المتحركة
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    بعد توقف دام ثلاث سنوات، عاد ملتقى القاهرة الدولي للرسوم المتحركة إلى إصدار نسخته الثالثة عشرة، التي أقيمت فعالياتها على مدار ثمانية أيام في المدة (17 ـ 24) أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وكان قد توقف جراء ظهور فيروس كورونا في عام 2019، رغم أن العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية تحايلت على الحظر العالمي، وأصدرت دوراتها في شكل جزئي حتى تعافت البشرية نسبيًا وعادت المياه إلى مجاريها.
    شارك في دورة هذا العام 112 فيلمًا، من 32 دولة عربية وأجنبية. واستضاف مسرح الهناجر في دار الأوبرا المصرية حفل انطلاق الدورة، بحضور بعض السفراء الأجانب، ورئيس صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة، الجهة المنظمة للملتقى، بالتعاون مع الجمعية المصرية للرسوم المتحركة.
    بدأ الملتقى عام 2008، كحدث محلي لمدة سبع دورات، ثم انتقل تدريجيًا ليصبح إقليميًا ودوليًا. ويهدف الملتقى، بحسب ما ورد في لائحته، إلى: "نشر تيار من الوعي العام والاستنارة بأهمية فن التحريك والتعريف بأهميته، الارتقاء بالذوق الفني لدى جمهور المشاهدين"، حيث يمثل "النافذة الوحيدة لفن الرسوم المتحركة في مصر".

    "شارك في دورة هذا العام 112 فيلمًا، من 32 دولة عربية وأجنبية. واستضاف مسرح الهناجر في دار الأوبرا المصرية حفل انطلاق الدورة"


    رغم أهمية الملتقى، إلا أنه لا يلقى تغطية إعلامية لائقة مقارنة بمهرجانات السينما، أو المسرح، والمسؤولية هنا لا تقع على عاتق الإعلام والصحافة فقط ـ المعنيين بالنجوم والريد كاربت ـ وإنما الجانب الأكبر يخص إدارة الملتقى والجهة المُنظمة، والتي يتلخص تعاملها مع الملتقى كمجرد نشاط ـ حكومي ـ لا يتم التخديم عليه كما ينبغي، اللهم إلا يوم الافتتاح لالتقاط الصور والقيام بمراسم التكريمات والبروتوكولات، وكان الله بالسر عليم في ما بعد؛ حيث تستمر الفعاليات في قاعات هزيلة، وإمكانيات عرض فقيرة لا تتناسب مع المادة المعروضة.


    تكريمات ومعرض وورش فنية
    كرم المهرجان هذا العام خمسة أسماء كان في مقدمتهم الفنان سامي مغاوري، الذي قدم على مدار أربعة عقود العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية بجانب المسرحيات، مكتفيًا بمساحة الأدوار المساعدة التي برع فيها بعيدًا عن البطولة، وقد بدأ رحلته مع الفن منذ الطفولة، من خلال دبلجة الأفلام الروسية التي كانت تُعرض في مصر. هنالك أيضًا تجربة مميزة في مسيرة مغاوري، من خلال الرسوم المتحركة، حيث قدم عددًا كبيرًا من أفلام ومسلسلات الكارتون بصوته المميز، منها شخصية الدكتور علام في مسلسل التحريك المصري "المغامرون الخمسة وآلة الزمن" (2003)، إلى جانب تجسيد عدد من الشخصيات المختلفة في أفلام من إنتاج شركة ديزني.
    من ضمن الأسماء المكرمة أيضًا المخرجة عطية خيري، ابنة الفنان الكبير عادل خيري، التي قدمت عددًا من أفلام التحريك، منها فيلم "القلم والأستيكة"، الحائز على الجائزة الذهبية في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة. كما قدمت عددًا من مسلسلات الكارتون والأوبريتات، مثل "حكايات الأراجوز. القدس عربية"، وقامت بإخراج أفلام إرشادية عن البيئة.

    "رغم أهمية الملتقى، إلا أنه لا يلقى تغطية إعلامية لائقة مقارنة بمهرجانات السينما، أو المسرح"

    واستقبلت قاعة آدم حنين في مركز الهناجر معرضًا مُصاحبًا لفعاليات الملتقى، ضم مجموعة من أعمال خريجي أقسام الرسوم المتحركة بكليات الفنون الجميلة من جامعات حلوان والإسكندرية والأقصر، تنوعت الأعمال المعروضة بين خامات إكريليك، غواش، زيت، حفر. واهتمت موضوعاتها بالمناظر الطبيعية والحدائق والأماكن الأثرية. وكالعادة، اقتصر تواجد الحضور في المعرض على اليوم الأول من الملتقى.
    أما عن الورش الفنية المُصاحبة للفعاليات، فقد أقام الملتقى ثلاث ورش على مدار ثلاثة أيام، منها واحدة في محافظة الإسكندرية بمركز "الحرية للإبداع"، واثنتان في القاهرة. تنوعت الورش بين التحريك، والصلصال، وتصميم الشخصيات، وحددت مواعيد صباحية لكافة الفعاليات، بما فيها العروض، في ما عدا ورشة الإسكندرية التي انعقدت مساءً.


    قضايا وخيال ونوستالجيا
    من الفيلم الفرنسي "محادثات" الحائز على المركز الثاني في مسابقة الفيلم التجريبي
    تنافست أعمال هذا العام على خمسة محاور للتسابق: مسابقتا الفيلم القصير، والفيلم الطويل، ومسابقة العمل الأول، ومسابقة الإعلانات، وأخيرًا مسابقة الأفلام التجريبية. وبلغت القيمة المادية للمركز الأول ما يقارب 400 دولار، والمركز الثاني 300، واشتركت الجامعة البريطانية في القاهرة بأكثر من فيلم من إنتاجها كان لأحدهم نصيب الفوز بالجائزة الأولى في مسابقة العمل الأول، التي حصل عليها فيلم "إعادة إلى الحياة" للمخرجة مايا الشامي، وهي إحدى طالبات الجامعة. تمزج الشامي في فيلمها بين تقنية ثنائي وثلاثي الأبعاد على مدار دقيقتين تقريبًا، وتطرح حكاية "أميرة" المغرمة بمشاهدة راقصات البالية، وتتمنى أن تُصبح واحدة منهن في يوم ما. فيما ذهبت جائزة المركز الثاني لفيلم "بوب وميما"، إخراج أحمد أنسي، الذي حظي بنصيب الأسد هذا العام في الجوائز هو وشركة الإنتاج.
    في مسابقة الإعلانات ومقدمات الأفلام والمسلسلات، خرجت الأخيرتان من السباق، وفاز إعلانان بالمركز الأول والثاني، وهما "المولد بلوم"، من إخراج أحمد أنسي، و"حلواني"، من إخراج إسلام السيد. في الأول، يستعيد أنسي الأوبريت الشهير "الليلة الكبيرة"، عبر دقيقة وربع هي فترة رحلة الطفل مع أبويه بعد أن ينزلا بمنطاد إلى مدينة الملاهي، فيما تُحفزه الأغنية "فتح عينك شوف الدنيا". ولا يحيد الإعلان الثاني عن استدعاء النوستالجيا أيضًا، من خلال الأغنية الرمضانية للمطربة صباح، وفؤاد المهندس: "الراجل ده هيجنني"، التي يستبدل كلماتها باستخدام اللحن نفسه، مُعددًا أصناف المنتج التي لا غنى عنها لأي مائدة.

    "في مسابقة الإعلانات ومقدمات الأفلام والمسلسلات، خرجت الأخيرتان من السباق، وفاز إعلانان بالمركز الأول والثاني، وهما "المولد بلوم"، من إخراج أحمد أنسي، و"حلواني"، من إخراج إسلام السيد"


    يحتل الفيلم القصير النسبة الأكبر في عدد المشاركات، والتي تجاوزت نصف العدد الكلي لأفلام هذا العام، لذلك كانت المنافسة كبيرة، وذهبت الجائزة الأولى لدولة كرواتيا عن فيلم "فاكهة الموسم الجاف"، من إخراج دينكو كومانوفيتش. ويطرح من خلاله نظرة ساخرة لنقاط الضعف الإنساني من منظور أزمة تحدث بين زوجين، كما يُسلط الضوء أيضًا على بعض قضايا العنصرية، وتغير المناخ، إلى جانب مشكلات متعلقة ببعض الحيوانات المهددة بالانقراض. وفي سياق مشابه، يتتبع مؤيد الحريري من هولندا رحلة ملايين المهاجرين حول العالم في فيلمه "ديار" الحائز على المركز الثاني، حين تُحتم عليك الظروف مغادرة منزلك على عجل، فماذا ستأخذ معك، وماذا تترك خلفك؟ وقد استخدم المخرج ألوان الأسود وتدرجات رمادية قاتمة للتعبير عن حالة فقد الديار.
    أما مسابقة الفيلم التجريبي، وهي أقل الفئات مشاركة (6 أفلام فقط)، فحصل على المركز الأول الفيلم البلغاري "حرب"، من إخراج ديميتار ديميتروف، عن قصة فتاة يتيمة نشأت في ملجأ، وتُدعى "حرب"، لديها قدرات غير عادية، فحين تلمس الأزهار، أو الشجر، تذبل وتجف، كما تستطيع إشعال النار في الأشياء بمجرد لمسها، ويُشير الفيلم إلى منطقة مُظلمة قد تُسيطر على الطفل اليتيم بسبب انعزاله عن المجتمع، بداية من الاسم الذي يُضمر في داخله عداء فطريًا، ثم ما يمكن أن يُحدثه هذا العداء من دمار، وقد استخدم المخرج رسومًا متحركة غير واضحة؛ فضربات الفرشاة تكاد تكون غائمة وهلامية تمثل العالم الذي تعيشه الفتاة. أما المركز الثاني فكان من نصيب الفيلم الفرنسي "محادثات"، وهو إخراج جماعي لخمسة مخرجين، ويتناول الفيلم كيفية إنشاء علاقات مجتمعية عن طريق العديد من المحادثات.
    على خلفية حرب روسيا وأوكرانيا، وفي الوقت الذي تتحاشى فيه بعض المهرجانات المشاركات الروسية، أو تمتنع عن استقبالها من البداية؛ ذهبت جوائز مسابقة الفيلم الطويل لدولة روسيا، حيث حصد المخرج دينيس تشيرنوف المركز الأول عن فيلمه "الدب الدمية بوب"، تتشابه الفكرة عند تشيرنوف مع فيلم "ليلة في المتحف"، حين يتم الاستعانة بلص محترف كي يأتي بالباندا التي تحمل في داخلها قطعة أثرية، ولكن ذهبت إلى متجر الألعاب بالخطأ، وهناك يتعين على اللص مواجهة جميع ألعاب المتجر، والدخول معها في مغامرات بعد أن دبت فيها الحياة.
    وحصل فيلم "القصة الأبدية"، من إخراج أندريه كولبين على المركز الثاني، وهو مأخوذ عن مسلسل روسي شهير للرسوم المتحركة بعنوان "فانتسي باترول، 2016"، وفيه يستخدم كولبين رسوم الحاسب الآلي، وتطبيقات الواقع الافتراضي، مع المحافظة على التقاليد الكلاسيكية للرسوم المتحركة، وتدور قصة الفيلم حول حكاية من الأساطير الروسية الشهيرة التي يتصدى فيها المحارب الشاب "كوششي" وحبيبته "ماي" ممثلة السيرك الشابة لإنقاذ البشرية وتدمير الوحش الأبيض الذي يُهدد بدمار العالم بعد أن كان يعمه السلام، وربما في ذلك إشارة إلى الدب الروسي الجديد الذي يتطلع إليه الجميع الآن ويترقب ما يمكن أن يُقدم عليه من تحركات غير محمودة العواقب.


    الفيلم للجمهور
    من الفيلم الكرواتي "فاكهة الموسم الجاف" للمخرج دينكو كومانوفيتش الفائز بالمركز الأول في مسابقة الأفلام القصيرة
    "اختار الملتقى مكانين لعرض الأفلام المشاركة: "مركز طلعت حرب الثقافي" في حي السيدة نفيسة، و"مدرسة العيني" في حي الدرب الأحمر، كان من الممكن لإدارة المهرجان الاستفادة من العبق الأثري للمكانين وتجهيزهما بآليات مناسبة للعرض"



    لا شك في أن ثمة هوة كبيرة بين الأفلام المصرية والعربية المشاركة هذا العام وإمكانيات الأفلام الأجنبية؛ سواء على مستوى الرؤية، أو التقنيات، فما زال الوعي العربي يتعامل مع فكرة الرسوم المتحركة من منطق طفولي يعتمد على الإرشاد المباشر، رغم أن طفل العصر الحديث تخطى هذه الفكرة بمراحل، ولذلك يتعامل معها بسخرية واندهاش، وإن كان هناك بعض التجارب القليلة التي تعاملت مع العقلية الجديدة بلغتها المعاصرة الراهنة التي تزداد مفرداتها يومًا بعد يوم بازدياد التريندات واشتقاق المصطلحات الجديدة في العالم الرقمي. في فيلم "بوب في الكلوب"، من إخراج إسلام سليم، يمزج المخرج بين رؤيتين، واحدة تقليدية توجه وترشد الطفل، والأخرى تحدثه بلغته الجديدة وبإيحاءات جنسية أحيانًا، وفي النهاية وكما قال الزعيم الخالد سعد زغلول "مافيش فايدة" تحمل أغنية نهاية الفيلم المعنى الحقيقي لما يحدث في عملية التلقي، على طريقة أغاني الراب "أدي دقني أهي لو نجحتوا في الحياة.. لو نجحت في الثانوية.. تلبس أوسخ كلية، لو لقيت أي مساعدة.. دي الحياة شطاف في قاعدة".
    اختار الملتقى مكانين لعرض الأفلام المشاركة: "مركز طلعت حرب الثقافي" في حي السيدة نفيسة، و"مدرسة العيني" في حي الدرب الأحمر، كان من الممكن لإدارة المهرجان الاستفادة من العبق الأثري للمكانين وتجهيزهما بآليات مناسبة للعرض، ومن ثم يتم استقطاب أجانب من المشاركين، وخلق حالة تفاعلية تلائم الحدث. ربما العزاء الوحيد كان الجمهور؛ لا سيما وهو جمهور غير عادي أتى في رحلات مدرسية منظمة للمشاركة في يوم مفتوح مليء بالأنشطة، عروض الأفلام واحدة منها، وكان من بين هذه الأفواج رحلات لمدارس ذوي الهمم والصم والبكم الذين تناثروا على المقاعد بحرية كاملة، في غياب صُناع الأفلام والمختصين، بل وطلبوا إعادة أفلام بعينها، فرغم حقيقة كونهم لم يستقبلوا الصوت مثل أي مشاهد عادي، إلا أنهم بلا أدنى شك، شعروا بالألوان.
يعمل...
X