الدورة 38 لمهرجان الإسكندرية السينمائي.. "اضحك للسينما تضحك لك"
وائل سعيد 13 أكتوبر 2022
سينما
محمود حميدة يلقي كلمته في المهرجان، وملصق المهرجان
شارك هذا المقال
حجم الخط
اختتم مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط فعاليات نُسخته الثامنة والثلاثين التي استمرت على مدار ستة أيام، 5-10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتنافس هذا العام ما يزيد عن السبعين فيلمًا بمشاركة 29 دولة عربية وأجنبية، منها 36 فيلمًا عرض عالمي أول، فيما بلغ عدد العروض الأولى على مستوى الشرق الأوسط عشرة أفلام، و12 فيلما عرض أول في مصر بالإضافة إلى عدد من الأفلام تُعرض خارج التنافس، وكان شعار الدورة "اضحك للسينما تضحك لك"، واستضاف مسرح مكتبة الاسكندرية حفلتي الافتتاح والختام من إخراج محمد مرسي.
شارك الفنان محي إسماعيل بموقف كوميدي ضمن فعاليات الافتتاح لا يُعرف إن كان مخططًا له أم أنه مرتجل- ولكن الاحتمال الأكبر ألا يكون مرتجلًا، فدائمًا ما يُفاجئ إسماعيل جمهوره من وراء الكواليس حتى أصبحت فقرة متكررة في عدد من المهرجانات خلال السنوات الماضية سواء سينمائية أو مسرحية. ففي أثناء تكريم محمود حميدة كان يقف بجوار رئيس المهرجان يُتابعان فيلمًا قصيرًا يُعرب فيه حميدة عن شكره وامتنانه لهذا التقدير ويحكي عن طقوسه مع الإسكندرية صيفًا وشتاءً، وإذ بمحي إسماعيل يقتحم المسرح صائحًا للجمهور "ستوب". ووسط التصفيق الحاد يعترض إسماعيل على تسمية الدورة باسم محمود حميدة ويتساءل لماذا لا تكون دورة محي إسماعيل؟ ثم يحكي عن يومه وكيف جهز نفسه واستيقظ من الفجر وركب "أوبر" وقام بشراء بدلة وحذاء جديدين لحضور الحفل. بعد ذلك يتدارك إسماعيل ويقول "أنا عرفت ليه محمود حميدة" مُعددًا مزاياه السينمائية والإنتاجية وحبه للعب البلياردو.
قدّم محي إسماعيل على مدار مشواره الفني كاراكتر الشخصية النفسية، بداية من فيلم "الأخوة الأعداء، 1974"، ودائما ما يُردد أنه أول من ابتكر منهج "السايكو دراما" الذي جسد من خلاله 17 عقدة تُعتبر هي عُقد الإنسان النفسية المُتعارف عليها، ولكن المؤكد أن كاراكتر إسماعيل الذي يتبعه في الحفلات والبرامج ومن خلال السوشيال ميديا يُضاف إلى هذه العقد السابقة.
قبل انطلاق دورته الجديدة، أثار مهرجان الأسكندرية السينمائي الكثير من الجدل مرتين، مرة حين ألغى الاحتفال بمئوية ميلاد الموسيقار متعدد المواهب منير مراد، على خلفية عدم التأكد من تاريخ ميلاده الحقيقي، أما الأخرى فكانت بسبب استفتاء قائمة أهم 100 فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية.
القوائم.. هنا والآن
في عام 1996 احتفلت السينما المصرية بمرور قرن على بداية عرض أول فيلم في مصر تحت عنوان "100 سنة سينما"، كان من ضمن الاحتفالية استفتاء قام به مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته العشرين لاختيار قائمة بأفضل 100 فيلم مصري في القرن العشرين، اشترك في هذا الاستفتاء العديد من النقاد والسينمائين وأشرف عليه الكاتب سعد الدين وهبة، رئيس المهرجان في هذا الوقت. حظي المخرج يوسف شاهين بأكبر عدد من الأفلام في القائمة، يليه مخرج الواقعية صلاح أبو سيف بفارق فيلم واحد، فيما تصدر الكاتب نجيب محفوظ قائمة المؤلفين ويليه الكاتب يوسف السباعي، أما في مجال التمثيل فكانت الصدارة للفنان القدير محمود المليجي.
منذ ذلك الحين وعلى مدار ربع القرن الفائت، كثيرًا ما خرجت مطالبات بإعادة النظر في تلك القائمة أو على الأقل تحديثها لتضم عددًا من الأفلام أُنتج خلال هذه الفترة وتستحق أن تكون ضمن أهم الأفلام. كانت المشكلة التي تواجه الباحثين هي الطريقة؛ هل يتم وضع قائمة جديدة تُضاف للقديمة أم يتم استكمالها بالجديد، وعلى هذا بقيت القائمة ثابتة ومشروع تحديثها ظل مُعلقًا لحين أن يجد جديد في المسألة.
ولا شك في أن فكرة القوائم - حتى العالمية منها- دائمًا ما يكون مصيرها التأرجح بين الرفض والقبول سواء في مُجملها أو على المستوى الفرعي، وهو ما حدث مع قائمة مهرجان الإسكندرية السينمائي في استفتاء أهم 100 فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية في دورته الحالية وبالتعاون مع الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، الجهة المُنظمة للمهرجان، حيث استنكر البعض وجود أفلام مثل "بحب السينما أو انتبهوا أيها السادة" ضمن القائمة باعتبار أنها أفلام اجتماعية في المقام الأول وإن تخللها الحس الكوميدي. كما تم معارضة بعض الأفلام كـ "طير أنت. اللمبي. اللي بالي بالك وقلب أمه" وهو من أحدث الأفلام إنتاجا في القائمة- 2018، وأيضا لم يفلت فيلم "فوزية البرجوازية" من الانتقاد إلا أن كاتب سيناريو الفيلم السيناريست عاطف بشاي كتب في جريدة "المصري اليوم" عقب إعلان الاستفتاء موضحًا أهمية الفيلم تاريخيًا والتي بدأت في مطلع الثمانينيات "عندما شرع التلفزيون المصري فى تمويل أفلام روائية طويلة تُصور بكاميرا سينمائية، وتقدم سينما جديدة جادة مختلفة عن الأفلام المعروضة السائدة الخاضعة لمتطلبات السوق التجارية، بعد توقف مؤسسة السينما عن الإنتاج وسيادة القطاع الخاص".
تكونت لجنة اختيار الأفلام من 32 اسمًا، ما بين نقاد سينما مثل كمال رمزي. ماجدة خير الله. عصام زكريا ومخرجين، أمير رمسيس والمخرج السوداني أمجد أبو العلا، وأكاديميين، د. ناجي فوزي ونادر رفاعي، بالإضافة لكاتب السيناريو هيثم دبور، وحرصت اللجنة في تشكيلها على أن تُمثل أجيالًا وتيارات مختلفة، في ضوء تواجد مُلفت لجيل الشباب بداية من المشرف على وضع الاستفتاء الناقد أحمد شوقي، رئيس لجنة تحكيم النقاد "فيبريسي" في الدورة الفائتة من مهرجان "كان". وفي رده على بعض الانتقادات في اختيار الأفلام أكد شوقي أن القائمة - مثل غيرها- لا تُعبر بالضرورة عن الرأي العام الذي لا يمكن تمثيله بأي شكل من الأشكال لشسوع ذائقته وتعدد معايره، وأن القائمة تُسجل فقط أنه في هذه الفترة الزمنية ارتأت مجموعة من السينمائيين أن هذه الأفلام يمكن تجميعها في قائمة لأهم الأفلام الكوميدية في السينما المصرية، وهو أمر سيبقي مطروحًا للنقاش والحذف والتعديل مُستقبليا.
استحوذ عادل إمام على أكبر عدد من الأفلام المختارة، ومن المخرجين فطين عبد الوهاب، ومن كتاب السيناريو أبو السعود الابياري، فيما تم اختيار جميع أفلام الفنان نجيب الريحاني ضمن القائمة.
برنامج وأفلام
إلى أي جهة يُنسب الفيلم؟ سؤال ظل كثيرًا محلًا للخلاف - ربما إلى الآن- فهناك من يرى أن هوية الفيلم تتبع بلد الإنتاج أو البلد التي صور على أرضها، أما الرأي الغالب فأرجع هوية الفيلم إلى المخرج بصفته المسؤول الرئيسي عن جميع العناصر؛ خصوصًا في ظل الإنتاج المشترك الذي يُسيطر على كافة سينمات العالم الآن. في سنة 1923 تم عرض فيلم صامت قصير من 16د بعنوان "برسوم يبحث عن وظيفة" للسينمائي الشامل محمد بيومي الذي يُعد رائد السينما المصرية وبذلك تُكمل السينما المصرية بعد عدة شهور مئويتها الأولى، ففي هذا العام انتقلت صناعة السينما من صنع في مصر إلى الإنتاج المحلي الكامل، فعزيزنا بيومي كان يمتلك عدة مهارات ويعمل بـ "السبع صنايع" كما يقال، كتب بجانب الإخراج وصور ووضع الموسيقى، وفيما بعد قام بتصنيع آلات تصوير محلية الصنع وبعناصر شعبية، ولم يُكرم بيومي حتى الآن سواء في حياته أو بعد الممات.
اختارت إدارة المهرجان أن يكون فيلم "برسوم" هو فيلم افتتاح الدورة الجديدة، لا سيما وأن أحداثه تدور في إطار كوميدي يرصد مستوى المعيشة في مصر آنذاك من خلال رحلة الشيخ متولي- بشارة واكيم في ظهوره الأول على شاشة السينما. في سياق مُشابه، تم الاحتفال بمئوية السينما التونسية وذلك بعرض فيلم "زهرة" وهو فيلم صامت 30د تم عرضه لأول مرة عام 1922 إخراج ألبير شمامة، ويأتي هذا التكريم ضمن إعلان عام الثقافة المصرية- التونسية ولذلك تحل تونس دولة ضيف الشرف لهذا العام.
تنوع البرنامج الموازى لعرض الأفلام بين عدة فعاليات منها ندوات تكريمية وماستر كلاس بجانب جولات سياحية للضيوف الأجانب لمكتبة الإسكندرية. وشمل برنامج التكريم عدة أسماء من بينها المخرج محمد عبد العزيز، حيث حصل على وسام البحر المتوسط، وقدم عبد العزيز مجموعة كبيرة من الأفلام كان للفنان عادل إمام نصيب كبير منها مثل "خلي بالك من جيرانك. على باب الوزير. وحنفي الأبهة". ومن التكريمات الدولية تم تكريم الممثلة الفرنسية ماريان بورجو التي بدأت مشوارها في التمثيل منذ الستينيات بمسلسل "اتهام"، وحصلت بورجو على العديد من الإشادات النقدية داخل وخارج فرنسا كما رشحت لجوائز عدة عن أفلام "الطلاق. الهوية السمراء. تمنى لي حظًا طيبًا". وذهب التكريم الثاني للمخرجة نورا أرماني وهي ممثلة ومخرجة ومنتجة أميركية، ولدت في مصر من أصول أرمنية، تعمل حاليًا المدير الفني لمهرجان الفيلم الاجتماعي في نيويورك.
ترأس المخرج خيري بشارة لجنة تحكيم المسابقة الدولية التي ذهبت جائزتها للفيلم الجزائري "سوالا" كأفضل فيلم، إخراج صلاح إسعاد، بالإضافة إلى جائزة رمسيس مرزوق في التصوير، وسبق أن حصد الفيلم جائزة مهرجان مالمو للسينما العربية كأفضل فيلم روائي طويل خلال دورتها الثانية عشرة. يقول المخرج في حوار سابق أن الفيلم مُستوحى من القصة الحقيقية لبطلته "سولا بحري". كما حصد فيلم "الزبالين- تأليف أحمد إيهاب وإخراج مهند الكاشف" جائزة أفضل فيلم قصير، وفاز في مسابقة أفلام الطلبة التي يترأسها مدير التصوير سمير فرج فيلم "صباح الخير يا جاري – إخراج مرام علي" بالجائزة الأولى، فيما حصد فيلم "مستحية – إخراج رحمة ياسر" الجائزة الثانية.
إصدارات وعناوين
شهدت الدورة الجديدة إصدار 11 كتابًا تنوعت بين إصدارات المهرجان وسلسلة كتاب السينما التي تصدر عن الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما وكلاهما -المهرجان والجمعية- برئاسة الناقد الأمير أباظة، الذي يُكمل بهذه الدورة من المهرجان عشر سنوات متقلدًا للمنصب يقول عنها في كلمته التي تصدرت جميع إصدارات المهرجان "عشر سنوات تمضي ومعها قصة كفاح حقيقية من أجل أن يتبوأ هذا المهرجان مكانته التي يستحقها بعد سنوات صادفت فيها حظًا عاثرًا".
لعل أكثر العناوين إثارة للدهشة في كتب العام هو "دنيا.. بنت سمير ودلال" من تأليف الناقد طارق الشناوي، وهو كتاب تم وضعه ضمن تكريم الفنانة الشابة بدورة المهرجان. ورغم أن الشناوي يُعد من المخضرمين في المجال؛ إلا أن التعبير خانه في هذا العنوان حتى وإن كان المقصود به المثل الشائع "ابن الوز العام". يتكون الكتاب من مقدمة تتتبع مسيرة دنيا ثم حوار مطول معها بالإضافة إلى مجموعة من المقالات القديمة للمؤلف نُشرت وقت عروض أفلام لدنيا مثل "أنا وخالتي. الفرح. طير أنت. لف ودوران" ومن ضمنها أيضًا مقال عن أحدث الأفلام - عرض هذا العام- "تسليم أهالي" والذي جمع الممثلة الشابة مع والدتها الفنانة دلال عبد العزيز في آخر ظهور لها.
كتاب آخر لا يقل إدهاشًا في عنوانه من تأليف السيناريست عاطف بشاي "محمود حميدة.. نجم الفن السابع" الذي تحمل الدورة اسمه، وفي هذا - التخصيص- الذي يحمله العنوان ثمة إجحاف لأسماء عديدة وكبيرة تُعد نجومًا في سماء هذا الفن وإن انضم إليهم اسم حميدة فلن يكون سوى نجم بين النجوم الأخرى. وفي العموم حمل الكتاب احتفاءً كاد أن يقترب من المغالاة أحيانًا أو المبالغة التي لا تخلو من تغليب المشاعر والهوى الشخصي، وهو يُفصح عن هذا بداية من مقدمة الكتاب فيقول عن حميدة "هو الدرة الغالية في أحداق السينما المصرية.. العزف المبهر واللحن الشجي في مواسم المبدعين الكبار.. يشع وهجًا براقًا ونبلًا في الأداء وفي التعبير والتقمص.. يستدعي كل مهارات الإبداع وعصارة ثقافته العريضة".
في إطار كتب المكرمين أيضًا هناك كتابان أحدهما بعنوان "إمام عمر.. مذيع الزمن الجميل – إعداد أحمد سعد الدين" وينقسم إلى جزأين، خصص الأول لحديث عمر عن رحلته الفنية الطويلة متطرقًا إلى بعض المحطات الهامة من خلالها وعدد من الأسماء، فيما تضمن الجزء الثاني شهادات مجمعة من عدد من السينمائيين والإعلاميين والصحافيين عن تجربة هذا الإذاعي، من بينهم الإعلامية سناء منصور، ومدير التصوير سعيد شيمي، الذي يحكي عن بداية تعارفه بإمام بطريقته السينمائية البسيطة التي يتبعها في الكتابة عن رفقاء الطريق من جيله: "ما اسمك؟ إمام عمر.. أنت ابن حسن إمام عمر. لا هو عمي، بتحب الفرجة على أفلام السينما؟ قال إنها هوايتي.. من تلك اللحظة بدأت صداقة العمر".
أما الكتاب الآخر فبعنوان "سعيد حامد.. رائد السينما الشبابية" من تأليف عرفة محمود، وفيه حوار مطول مع حامد يستدعي من خلاله البدايات وكيف قامت والدته بعمل "عزومة" مكونة من "الزلابية والشاي بالحليب" احتفالًا بمسرحيته الأولى التي عرضها تليفزيون السودان. ويُخصص باقي الكتاب لمقالات مجمعة عن أفلام سعيد حامد وسينماه.
شملت الإصدارات أيضًا كتابين عن الكوميديان إسماعيل يس والفنان سمير صبري الذي رحل عن دنيانا منذ شهور، بالإضافة إلى كتابين عن الموسيقار علي إسماعيل والمونتير سعيد الشيخ، أحد العلامات الرائدة في فن المونتاج بمصر. بالإضافة إلى كتاب عن حياة المصورة أبية فريد، وهي أول امرأة تعمل كمديرة تصوير في المنطقة العربية، تخرجت من المعهد العالي للسينما بأوائل السبعينيات وكانت الأولى على دفعتها، عملت في بدايتها كمساعد مع كبار المصورين إلا أنها لم تقدم سوى عدد قليل من الأفلام حيث رحلت مبكرًا وهي في منتصف الأربعين.
أخيرًا يأتي كتاب د. وليد سيف "فطين عبد الوهاب.. ساحر الكوميديا" من أكثر الكتب الصادرة تماسكًا واتساقًا على مستوى تشبع المناطق المستوفاة وتقديم الشخصية وتتبع مسيرتها، حيث دائمًا ما نرى الكتب الخاصة بالمهرجانات تخضع لتوقيتات زمنية تأتي في أغلب الأحيان غير مناسبة لعملية البحث والقراءة، وتكون النتيجة احتفاء وقتيًا بالمناسبة فقط وليس كتابًا بالمعنى المطلوب.
وائل سعيد 13 أكتوبر 2022
سينما
محمود حميدة يلقي كلمته في المهرجان، وملصق المهرجان
شارك هذا المقال
حجم الخط
اختتم مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط فعاليات نُسخته الثامنة والثلاثين التي استمرت على مدار ستة أيام، 5-10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتنافس هذا العام ما يزيد عن السبعين فيلمًا بمشاركة 29 دولة عربية وأجنبية، منها 36 فيلمًا عرض عالمي أول، فيما بلغ عدد العروض الأولى على مستوى الشرق الأوسط عشرة أفلام، و12 فيلما عرض أول في مصر بالإضافة إلى عدد من الأفلام تُعرض خارج التنافس، وكان شعار الدورة "اضحك للسينما تضحك لك"، واستضاف مسرح مكتبة الاسكندرية حفلتي الافتتاح والختام من إخراج محمد مرسي.
شارك الفنان محي إسماعيل بموقف كوميدي ضمن فعاليات الافتتاح لا يُعرف إن كان مخططًا له أم أنه مرتجل- ولكن الاحتمال الأكبر ألا يكون مرتجلًا، فدائمًا ما يُفاجئ إسماعيل جمهوره من وراء الكواليس حتى أصبحت فقرة متكررة في عدد من المهرجانات خلال السنوات الماضية سواء سينمائية أو مسرحية. ففي أثناء تكريم محمود حميدة كان يقف بجوار رئيس المهرجان يُتابعان فيلمًا قصيرًا يُعرب فيه حميدة عن شكره وامتنانه لهذا التقدير ويحكي عن طقوسه مع الإسكندرية صيفًا وشتاءً، وإذ بمحي إسماعيل يقتحم المسرح صائحًا للجمهور "ستوب". ووسط التصفيق الحاد يعترض إسماعيل على تسمية الدورة باسم محمود حميدة ويتساءل لماذا لا تكون دورة محي إسماعيل؟ ثم يحكي عن يومه وكيف جهز نفسه واستيقظ من الفجر وركب "أوبر" وقام بشراء بدلة وحذاء جديدين لحضور الحفل. بعد ذلك يتدارك إسماعيل ويقول "أنا عرفت ليه محمود حميدة" مُعددًا مزاياه السينمائية والإنتاجية وحبه للعب البلياردو.
"شارك الفنان محي إسماعيل بموقف كوميدي ضمن فعاليات الافتتاح لا يُعرف إن كان مخططًا له أم أنه مرتجل- ولكن الاحتمال الأكبر ألا يكون مرتجلًا، فدائمًا ما يُفاجئ إسماعيل جمهوره من وراء الكواليس حتى أصبحت فقرة متكررة في عدد من المهرجانات" |
قبل انطلاق دورته الجديدة، أثار مهرجان الأسكندرية السينمائي الكثير من الجدل مرتين، مرة حين ألغى الاحتفال بمئوية ميلاد الموسيقار متعدد المواهب منير مراد، على خلفية عدم التأكد من تاريخ ميلاده الحقيقي، أما الأخرى فكانت بسبب استفتاء قائمة أهم 100 فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية.
القوائم.. هنا والآن
في عام 1996 احتفلت السينما المصرية بمرور قرن على بداية عرض أول فيلم في مصر تحت عنوان "100 سنة سينما"، كان من ضمن الاحتفالية استفتاء قام به مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته العشرين لاختيار قائمة بأفضل 100 فيلم مصري في القرن العشرين، اشترك في هذا الاستفتاء العديد من النقاد والسينمائين وأشرف عليه الكاتب سعد الدين وهبة، رئيس المهرجان في هذا الوقت. حظي المخرج يوسف شاهين بأكبر عدد من الأفلام في القائمة، يليه مخرج الواقعية صلاح أبو سيف بفارق فيلم واحد، فيما تصدر الكاتب نجيب محفوظ قائمة المؤلفين ويليه الكاتب يوسف السباعي، أما في مجال التمثيل فكانت الصدارة للفنان القدير محمود المليجي.
منذ ذلك الحين وعلى مدار ربع القرن الفائت، كثيرًا ما خرجت مطالبات بإعادة النظر في تلك القائمة أو على الأقل تحديثها لتضم عددًا من الأفلام أُنتج خلال هذه الفترة وتستحق أن تكون ضمن أهم الأفلام. كانت المشكلة التي تواجه الباحثين هي الطريقة؛ هل يتم وضع قائمة جديدة تُضاف للقديمة أم يتم استكمالها بالجديد، وعلى هذا بقيت القائمة ثابتة ومشروع تحديثها ظل مُعلقًا لحين أن يجد جديد في المسألة.
"حرصت لجنة اختيار الأفلام في تشكيلها على أن تُمثل أجيالًا وتيارات مختلفة، في ضوء تواجد مُلفت لجيل الشباب بداية من المشرف على وضع الاستفتاء الناقد أحمد شوقي، رئيس لجنة تحكيم النقاد "فيبريسي" في الدورة الفائتة من مهرجان "كان"" |
تكونت لجنة اختيار الأفلام من 32 اسمًا، ما بين نقاد سينما مثل كمال رمزي. ماجدة خير الله. عصام زكريا ومخرجين، أمير رمسيس والمخرج السوداني أمجد أبو العلا، وأكاديميين، د. ناجي فوزي ونادر رفاعي، بالإضافة لكاتب السيناريو هيثم دبور، وحرصت اللجنة في تشكيلها على أن تُمثل أجيالًا وتيارات مختلفة، في ضوء تواجد مُلفت لجيل الشباب بداية من المشرف على وضع الاستفتاء الناقد أحمد شوقي، رئيس لجنة تحكيم النقاد "فيبريسي" في الدورة الفائتة من مهرجان "كان". وفي رده على بعض الانتقادات في اختيار الأفلام أكد شوقي أن القائمة - مثل غيرها- لا تُعبر بالضرورة عن الرأي العام الذي لا يمكن تمثيله بأي شكل من الأشكال لشسوع ذائقته وتعدد معايره، وأن القائمة تُسجل فقط أنه في هذه الفترة الزمنية ارتأت مجموعة من السينمائيين أن هذه الأفلام يمكن تجميعها في قائمة لأهم الأفلام الكوميدية في السينما المصرية، وهو أمر سيبقي مطروحًا للنقاش والحذف والتعديل مُستقبليا.
استحوذ عادل إمام على أكبر عدد من الأفلام المختارة، ومن المخرجين فطين عبد الوهاب، ومن كتاب السيناريو أبو السعود الابياري، فيما تم اختيار جميع أفلام الفنان نجيب الريحاني ضمن القائمة.
برنامج وأفلام
إلى أي جهة يُنسب الفيلم؟ سؤال ظل كثيرًا محلًا للخلاف - ربما إلى الآن- فهناك من يرى أن هوية الفيلم تتبع بلد الإنتاج أو البلد التي صور على أرضها، أما الرأي الغالب فأرجع هوية الفيلم إلى المخرج بصفته المسؤول الرئيسي عن جميع العناصر؛ خصوصًا في ظل الإنتاج المشترك الذي يُسيطر على كافة سينمات العالم الآن. في سنة 1923 تم عرض فيلم صامت قصير من 16د بعنوان "برسوم يبحث عن وظيفة" للسينمائي الشامل محمد بيومي الذي يُعد رائد السينما المصرية وبذلك تُكمل السينما المصرية بعد عدة شهور مئويتها الأولى، ففي هذا العام انتقلت صناعة السينما من صنع في مصر إلى الإنتاج المحلي الكامل، فعزيزنا بيومي كان يمتلك عدة مهارات ويعمل بـ "السبع صنايع" كما يقال، كتب بجانب الإخراج وصور ووضع الموسيقى، وفيما بعد قام بتصنيع آلات تصوير محلية الصنع وبعناصر شعبية، ولم يُكرم بيومي حتى الآن سواء في حياته أو بعد الممات.
اختارت إدارة المهرجان أن يكون فيلم "برسوم" هو فيلم افتتاح الدورة الجديدة، لا سيما وأن أحداثه تدور في إطار كوميدي يرصد مستوى المعيشة في مصر آنذاك من خلال رحلة الشيخ متولي- بشارة واكيم في ظهوره الأول على شاشة السينما. في سياق مُشابه، تم الاحتفال بمئوية السينما التونسية وذلك بعرض فيلم "زهرة" وهو فيلم صامت 30د تم عرضه لأول مرة عام 1922 إخراج ألبير شمامة، ويأتي هذا التكريم ضمن إعلان عام الثقافة المصرية- التونسية ولذلك تحل تونس دولة ضيف الشرف لهذا العام.
"تم الاحتفال بمئوية السينما التونسية وذلك بعرض فيلم "زهرة" وهو فيلم صامت 30د تم عرضه لأول مرة عام 1922 إخراج ألبير شمامة، ويأتي هذا التكريم ضمن إعلان عام الثقافة المصرية- التونسية ولذلك تحل تونس دولة ضيف الشرف لهذا العام" |
ترأس المخرج خيري بشارة لجنة تحكيم المسابقة الدولية التي ذهبت جائزتها للفيلم الجزائري "سوالا" كأفضل فيلم، إخراج صلاح إسعاد، بالإضافة إلى جائزة رمسيس مرزوق في التصوير، وسبق أن حصد الفيلم جائزة مهرجان مالمو للسينما العربية كأفضل فيلم روائي طويل خلال دورتها الثانية عشرة. يقول المخرج في حوار سابق أن الفيلم مُستوحى من القصة الحقيقية لبطلته "سولا بحري". كما حصد فيلم "الزبالين- تأليف أحمد إيهاب وإخراج مهند الكاشف" جائزة أفضل فيلم قصير، وفاز في مسابقة أفلام الطلبة التي يترأسها مدير التصوير سمير فرج فيلم "صباح الخير يا جاري – إخراج مرام علي" بالجائزة الأولى، فيما حصد فيلم "مستحية – إخراج رحمة ياسر" الجائزة الثانية.
حمل كتاب "محمود حميدة نجم الفن السابع" احتفاءً كاد أن يقترب من المغالاة أحيانًا أو المبالغة التي لا تخلو من تغليب المشاعر والهوى الشخصي |
إصدارات وعناوين
شهدت الدورة الجديدة إصدار 11 كتابًا تنوعت بين إصدارات المهرجان وسلسلة كتاب السينما التي تصدر عن الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما وكلاهما -المهرجان والجمعية- برئاسة الناقد الأمير أباظة، الذي يُكمل بهذه الدورة من المهرجان عشر سنوات متقلدًا للمنصب يقول عنها في كلمته التي تصدرت جميع إصدارات المهرجان "عشر سنوات تمضي ومعها قصة كفاح حقيقية من أجل أن يتبوأ هذا المهرجان مكانته التي يستحقها بعد سنوات صادفت فيها حظًا عاثرًا".
لعل أكثر العناوين إثارة للدهشة في كتب العام هو "دنيا.. بنت سمير ودلال" من تأليف الناقد طارق الشناوي، وهو كتاب تم وضعه ضمن تكريم الفنانة الشابة بدورة المهرجان. ورغم أن الشناوي يُعد من المخضرمين في المجال؛ إلا أن التعبير خانه في هذا العنوان حتى وإن كان المقصود به المثل الشائع "ابن الوز العام". يتكون الكتاب من مقدمة تتتبع مسيرة دنيا ثم حوار مطول معها بالإضافة إلى مجموعة من المقالات القديمة للمؤلف نُشرت وقت عروض أفلام لدنيا مثل "أنا وخالتي. الفرح. طير أنت. لف ودوران" ومن ضمنها أيضًا مقال عن أحدث الأفلام - عرض هذا العام- "تسليم أهالي" والذي جمع الممثلة الشابة مع والدتها الفنانة دلال عبد العزيز في آخر ظهور لها.
"يأتي كتاب د. وليد سيف "فطين عبد الوهاب.. ساحر الكوميديا" من أكثر الكتب الصادرة تماسكًا واتساقًا على مستوى تشبع المناطق المستوفاة وتقديم الشخصية وتتبع مسيرتها" |
في إطار كتب المكرمين أيضًا هناك كتابان أحدهما بعنوان "إمام عمر.. مذيع الزمن الجميل – إعداد أحمد سعد الدين" وينقسم إلى جزأين، خصص الأول لحديث عمر عن رحلته الفنية الطويلة متطرقًا إلى بعض المحطات الهامة من خلالها وعدد من الأسماء، فيما تضمن الجزء الثاني شهادات مجمعة من عدد من السينمائيين والإعلاميين والصحافيين عن تجربة هذا الإذاعي، من بينهم الإعلامية سناء منصور، ومدير التصوير سعيد شيمي، الذي يحكي عن بداية تعارفه بإمام بطريقته السينمائية البسيطة التي يتبعها في الكتابة عن رفقاء الطريق من جيله: "ما اسمك؟ إمام عمر.. أنت ابن حسن إمام عمر. لا هو عمي، بتحب الفرجة على أفلام السينما؟ قال إنها هوايتي.. من تلك اللحظة بدأت صداقة العمر".
أما الكتاب الآخر فبعنوان "سعيد حامد.. رائد السينما الشبابية" من تأليف عرفة محمود، وفيه حوار مطول مع حامد يستدعي من خلاله البدايات وكيف قامت والدته بعمل "عزومة" مكونة من "الزلابية والشاي بالحليب" احتفالًا بمسرحيته الأولى التي عرضها تليفزيون السودان. ويُخصص باقي الكتاب لمقالات مجمعة عن أفلام سعيد حامد وسينماه.
شملت الإصدارات أيضًا كتابين عن الكوميديان إسماعيل يس والفنان سمير صبري الذي رحل عن دنيانا منذ شهور، بالإضافة إلى كتابين عن الموسيقار علي إسماعيل والمونتير سعيد الشيخ، أحد العلامات الرائدة في فن المونتاج بمصر. بالإضافة إلى كتاب عن حياة المصورة أبية فريد، وهي أول امرأة تعمل كمديرة تصوير في المنطقة العربية، تخرجت من المعهد العالي للسينما بأوائل السبعينيات وكانت الأولى على دفعتها، عملت في بدايتها كمساعد مع كبار المصورين إلا أنها لم تقدم سوى عدد قليل من الأفلام حيث رحلت مبكرًا وهي في منتصف الأربعين.
أخيرًا يأتي كتاب د. وليد سيف "فطين عبد الوهاب.. ساحر الكوميديا" من أكثر الكتب الصادرة تماسكًا واتساقًا على مستوى تشبع المناطق المستوفاة وتقديم الشخصية وتتبع مسيرتها، حيث دائمًا ما نرى الكتب الخاصة بالمهرجانات تخضع لتوقيتات زمنية تأتي في أغلب الأحيان غير مناسبة لعملية البحث والقراءة، وتكون النتيجة احتفاء وقتيًا بالمناسبة فقط وليس كتابًا بالمعنى المطلوب.