لماذا لا تتجمّد أقدام الطيور في الشّتاء؟
نستعدُّ كلّ عامٍ لاستقبال الشتاء بجواربٍ سميكة، وتتسابق الأمهات ليبتعن لأطفالهنّ الأحذية المحشوّة بالفرو لتحمي أقدامهم الصغيرة من برد الشتاء القارس. وما إن يشتد البرد وتتساقط الثلوج نسرعُ كبارًا وصغارًا لارتداء المعاطف السميكة والقفازات والأحذية الجلدية ونخرج لنلهو في الثلج. لكن، هل فكرت يومًا في تلك الطيور والعصافير المسكينة، كيف تقاوم هذا البرد اللاسع على أغصان الأشجار العارية؟ ألا تموت تجمّدًا؟ كيف تنجو أقدامها العارية من عض الصّقيع؟
إن كنت قد فكّرت في الأمر، لا تقلق! فإنها لن تموت.. وليست بحاجة لمدفأة مثلنا، إنها حقًّا أقوى مما تعتقد.
لعلّ أكثر اللحظات تشويقًا في الطبيعة هي تلك التي نرى فيها أسراب الطيور المهاجرة تحلّق عاليًا في السماء، إنها تنطلق في رحلاتٍ سنوية في الخريف إلى مناخاتٍ أكثرُ دفئًا!
طيور اللقلق المهاجرة
لكن ليست هذه الطريقة الوحيدة لتحمي نفسها من البرد، فهناك العديد من أنواع الطيور التي تبقى في الشتاء دون أن تغادر موطنها، تحظى مثل هذه الطيور بفرصة أكبر للحفاظ على أعشاشها وأراضيها على مدار السنة، وتتجنب مخاطر الهجرة، لكن يجب عليها في المقابل أن تتحمل البرد، فكيف لها ذلك؟
إليك بعض الطرق والسلوكيات التي تلجأ إليها الطيور لتحمي نفسها من البرد
قبل البدء، دعني أحيطك علمًا أن الطيور من ذوات الدم الحار وبإمكانها التكيف مع البيئة المحيطة؛ فهي لا تتخذ وضع السُّبات- إلا ما ندر منها- بالإضافة إلى أنّ أقدامها صغيرة نسبيًّا إذا ما قورنت بحجمها الكلي، لذلك فإن فقدان الحرارة عن طريق الأقدام لن يكون كبيرًا.
المحافظة على درجة حرارة الجسم عن طريق زيادة معدل الأيض
تستغلّ الطيور الحرارة المتولّدة بشكلٍ مستمر من معدل الأيض الأساسي المرتفع لديها، حيث يعتقد العديد من علماء نظم البيئة والفيسيولوجيا التطوريّة أن معدل الأيض الأساسي عند الطيور ودرجة حرارة أجسامها قد ارتبطا مع بعضهما البعض منذ نشأتهما، إلا أن بعض الافتراضات تقول أنه لربما قد تعرّضت الطيور لضغوطاتٍ انتقائية قويّة على معدّل الأيض الأساسي لتعويض الفاقد الحراري في البيئات شديدة البرودة، الأمر الذي أدّى إلى زوال الرابط بين معدّل الأيض الأساسي ودرجة حرارة الجسم ونتج عنه العديد من المسارات التطوريّة، ويمكن القول باختصار، عندما تنخفض حرارة الوسط المحيط، ترفع الطيور معدل الأيض مما يمنع انخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية.
طائر الترمجان
اكتناز الدهون
تعمدُ الطيور إلى تناول كميات كبيرة من الطعام خلال أشهر الشتاء الباردة، مما يساعد على تكون طبقة طبيعية عازلة من الدهون، ولذلك تقضي بعض الطيور معظم ساعات النّهار في البحث عن مصادر الطّعام الدّهني مثل القرقف والعصافير.
القرقف السّمين
سلوكيات ومهارات حركية
تتناوب الطّيور على الوقوف على قدمٍ واحدة في كلّ مرة في حين تسحب القدم الأخرى للأعلى لتدسّها في ريشها الدافئ تاركةً القدم الأخرى في البرد، وتقوم بذلك بعض طيور الشاطئ مثل طائر السّمان الشائع، ويشتهرُ بهذه الحركة طائر الفلامينغو.
طائر الفلامينغو يقف على قدم واحدة
يمكن للطيور عندما تجلس أن تغطّي أقدامها بجسمها وريشها، وبذلك تحافظ على دفء أقدامها وريشها معًا.
كما تحاول بعض الطيور الاختباء في جحور ثلجية مثل طيهوج الثلج، ويبحث بعضها مثل العصافير عن مأوى لها بين أوراق الشجر الكثيفة إن وُجدت، وتتجمع معًا لمشاركة الدفء وتقليل مساحة سطحها الإجمالية.
طيور تحاول أن تدفئ بعضها بعضًا
يمكن لبعض الطيور أن تنثر ريشها لتحصر الهواء بين طبقات الريش والحصول على دفءٍ إضافيّ من الرأس إلى أسفل القدمين كما يفعل طائر البوم، وقد تتشارك في هذا السلوك مجموعة من الطيور فتتجمع لتقوم بذلك معًا.
من المعروف أن طيور البطريق الإمبراطوري تعيش في القارة القطبية الجنوبية أبردُ مكانٍ على سطح كوكبنا، إنها تتجمهر في مجموعاتٍ مكتظّة وتطبق على أنفسها للاحتماء من الرياح الشديدة، إنها مُنظمة بشكلٍ مثيرٍ للدهشة حيث أن هذه التجمعات لا تعيق حركتها بل على العكس يمكنها التجول داخل المجموعة دون عناء، لكن قد تتسبب هذه التّجمّعات في رفع درجة حرارتها بشكلٍ يزيد عن احتياجاتها وبالأخص أنها لا تخسر الحرارة إلا عن طريق الرأس- وهو صغير نسبيًّا- أو عن طريق التنفس؛ فتصبح درجة حرارتها داخل التّجمّعات 37.5° م وهي أعلى بكثيرٍ مما تحتاجه، فتعمد حينئذٍ إلى كسر التجمهر لتحصل على مساحة صغيرة لتبريد أجسامها، وحين تشعر بالبرد تعود للتجمهر مرّةً أخرى.
مجموعة البطريق الإمبراطوري
من المؤكد أنك تشعر أحيانًا بالقشعريرة في الطقس البارد، وكذلك فإن الطيور قد ترتجف من خلال تنشيط مجموعة العضلات المعارضة، فتتقلّص العضلات دون ملاحظة ارتجافٍ واضحٍ مثل البشر .
الطيور ووضع السبات؟!
بما أن الطيور من ذوات الدم الحار فإنها لا تدخل بوضع السُّبات، لكن هل هناك استثناءات؟
الطائر الطنّان
نظرًا لكونها أصغر الطّيور على وجه الأرض، قد تبدو لك الطيور الطنانة ضعيفة، وغير قادرة على تحمل الطقس البارد، إلا أن الطنان يدخل في وضع الحفاظ على الطاقة أو ما يسمّى “بالسبات”، ووفقًا لعالم البيئة في ولاية أوريغون آدم هادلي فإن الطيور التي تبقى في الشمال لقضاء الشتاء تدخل في سباتٍ صغيرٍ “ليليٍّ” والذي يمكّنها من خفض درجة حرارة أجسامها البالغة 107° إلى 48°، وأثناء السبات يتباطأ أيضًا معدل ضربات القلب، مثلًا ينخفض معدل ضربات قلب الطنان ذو الحلق الأزرق من 1260 إلى (50_180) نبضة في الدقيقة.
نظام تبادل التيار المضاد
يعد الريشُ الذي يكسو الطيور عازلًا فعّالًا ضد البرد، ولذلك فإن معظم الناس يميلون لشراء المعاطف الشتوية المسكوة بالريش، لكن ماذا عن الأقدام والتي لا يغطيها الريش؟ فليست كل أرجل الطيور مكسوة بالريش مثل البوم الثلجي.
البوم الثلجي
لعلك تساءلت يومًا كيف لبعض الطيور مثل النوارس والبجع والبط والإوز أن تقف لساعاتٍ على سطح البحيرات المتجمّدة دون أي ضرر يُذكر!
زوج البجع على الجليد
على الرغم من أن أرجل هذه الطيور كبيرة ومسطحة- وهذه خصائصٌ ذات أثرٍ سلبيٍّ بالنسبة لتقليل فقد الحرارة- إلا أن لديها حيلة منمقة تمكنها من غمر أقدامها في الماء المثلج لمدةٍ طويلة، وذلك من خلال استخدام نظام تبادل التيار المعاكس في أرجلها فما هو هذا النظام؟
إنه نظام تدفّق دم مدهش، ويزيد من فعاليته تقارب الأوعية الدموية (الأوردة والشرايين) من بعضها في أرجل الطيور، حيث يغادر الدم جوف الطائر عند درجة حرارة دافئة، ليأتي الدم البارد من القدمين نحو الجوف والذي يكتسب خلال عملية الانتقال هذه أكبر كميّة حرارة من الدم الشرياني بواسطة التوصيل الحراري، وعليه فإن الدم الدافئ المتدفق إلى الجسم يحمي الطائر من البرد، في حين أن الدّم المبرّد حديثًا في القدمين يقلل من فقدان الحرارة فيهما، وبما أن الدورة الدموية للطيور سريعة جدًّا؛ فإن الدم لن يبقى في القدمين فترة كافية للتجمّد.
نستعدُّ كلّ عامٍ لاستقبال الشتاء بجواربٍ سميكة، وتتسابق الأمهات ليبتعن لأطفالهنّ الأحذية المحشوّة بالفرو لتحمي أقدامهم الصغيرة من برد الشتاء القارس. وما إن يشتد البرد وتتساقط الثلوج نسرعُ كبارًا وصغارًا لارتداء المعاطف السميكة والقفازات والأحذية الجلدية ونخرج لنلهو في الثلج. لكن، هل فكرت يومًا في تلك الطيور والعصافير المسكينة، كيف تقاوم هذا البرد اللاسع على أغصان الأشجار العارية؟ ألا تموت تجمّدًا؟ كيف تنجو أقدامها العارية من عض الصّقيع؟
إن كنت قد فكّرت في الأمر، لا تقلق! فإنها لن تموت.. وليست بحاجة لمدفأة مثلنا، إنها حقًّا أقوى مما تعتقد.
لعلّ أكثر اللحظات تشويقًا في الطبيعة هي تلك التي نرى فيها أسراب الطيور المهاجرة تحلّق عاليًا في السماء، إنها تنطلق في رحلاتٍ سنوية في الخريف إلى مناخاتٍ أكثرُ دفئًا!
طيور اللقلق المهاجرة
لكن ليست هذه الطريقة الوحيدة لتحمي نفسها من البرد، فهناك العديد من أنواع الطيور التي تبقى في الشتاء دون أن تغادر موطنها، تحظى مثل هذه الطيور بفرصة أكبر للحفاظ على أعشاشها وأراضيها على مدار السنة، وتتجنب مخاطر الهجرة، لكن يجب عليها في المقابل أن تتحمل البرد، فكيف لها ذلك؟
إليك بعض الطرق والسلوكيات التي تلجأ إليها الطيور لتحمي نفسها من البرد
قبل البدء، دعني أحيطك علمًا أن الطيور من ذوات الدم الحار وبإمكانها التكيف مع البيئة المحيطة؛ فهي لا تتخذ وضع السُّبات- إلا ما ندر منها- بالإضافة إلى أنّ أقدامها صغيرة نسبيًّا إذا ما قورنت بحجمها الكلي، لذلك فإن فقدان الحرارة عن طريق الأقدام لن يكون كبيرًا.
المحافظة على درجة حرارة الجسم عن طريق زيادة معدل الأيض
تستغلّ الطيور الحرارة المتولّدة بشكلٍ مستمر من معدل الأيض الأساسي المرتفع لديها، حيث يعتقد العديد من علماء نظم البيئة والفيسيولوجيا التطوريّة أن معدل الأيض الأساسي عند الطيور ودرجة حرارة أجسامها قد ارتبطا مع بعضهما البعض منذ نشأتهما، إلا أن بعض الافتراضات تقول أنه لربما قد تعرّضت الطيور لضغوطاتٍ انتقائية قويّة على معدّل الأيض الأساسي لتعويض الفاقد الحراري في البيئات شديدة البرودة، الأمر الذي أدّى إلى زوال الرابط بين معدّل الأيض الأساسي ودرجة حرارة الجسم ونتج عنه العديد من المسارات التطوريّة، ويمكن القول باختصار، عندما تنخفض حرارة الوسط المحيط، ترفع الطيور معدل الأيض مما يمنع انخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية.
طائر الترمجان
اكتناز الدهون
تعمدُ الطيور إلى تناول كميات كبيرة من الطعام خلال أشهر الشتاء الباردة، مما يساعد على تكون طبقة طبيعية عازلة من الدهون، ولذلك تقضي بعض الطيور معظم ساعات النّهار في البحث عن مصادر الطّعام الدّهني مثل القرقف والعصافير.
القرقف السّمين
سلوكيات ومهارات حركية
تتناوب الطّيور على الوقوف على قدمٍ واحدة في كلّ مرة في حين تسحب القدم الأخرى للأعلى لتدسّها في ريشها الدافئ تاركةً القدم الأخرى في البرد، وتقوم بذلك بعض طيور الشاطئ مثل طائر السّمان الشائع، ويشتهرُ بهذه الحركة طائر الفلامينغو.
طائر الفلامينغو يقف على قدم واحدة
يمكن للطيور عندما تجلس أن تغطّي أقدامها بجسمها وريشها، وبذلك تحافظ على دفء أقدامها وريشها معًا.
كما تحاول بعض الطيور الاختباء في جحور ثلجية مثل طيهوج الثلج، ويبحث بعضها مثل العصافير عن مأوى لها بين أوراق الشجر الكثيفة إن وُجدت، وتتجمع معًا لمشاركة الدفء وتقليل مساحة سطحها الإجمالية.
طيور تحاول أن تدفئ بعضها بعضًا
يمكن لبعض الطيور أن تنثر ريشها لتحصر الهواء بين طبقات الريش والحصول على دفءٍ إضافيّ من الرأس إلى أسفل القدمين كما يفعل طائر البوم، وقد تتشارك في هذا السلوك مجموعة من الطيور فتتجمع لتقوم بذلك معًا.
من المعروف أن طيور البطريق الإمبراطوري تعيش في القارة القطبية الجنوبية أبردُ مكانٍ على سطح كوكبنا، إنها تتجمهر في مجموعاتٍ مكتظّة وتطبق على أنفسها للاحتماء من الرياح الشديدة، إنها مُنظمة بشكلٍ مثيرٍ للدهشة حيث أن هذه التجمعات لا تعيق حركتها بل على العكس يمكنها التجول داخل المجموعة دون عناء، لكن قد تتسبب هذه التّجمّعات في رفع درجة حرارتها بشكلٍ يزيد عن احتياجاتها وبالأخص أنها لا تخسر الحرارة إلا عن طريق الرأس- وهو صغير نسبيًّا- أو عن طريق التنفس؛ فتصبح درجة حرارتها داخل التّجمّعات 37.5° م وهي أعلى بكثيرٍ مما تحتاجه، فتعمد حينئذٍ إلى كسر التجمهر لتحصل على مساحة صغيرة لتبريد أجسامها، وحين تشعر بالبرد تعود للتجمهر مرّةً أخرى.
مجموعة البطريق الإمبراطوري
من المؤكد أنك تشعر أحيانًا بالقشعريرة في الطقس البارد، وكذلك فإن الطيور قد ترتجف من خلال تنشيط مجموعة العضلات المعارضة، فتتقلّص العضلات دون ملاحظة ارتجافٍ واضحٍ مثل البشر .
الطيور ووضع السبات؟!
بما أن الطيور من ذوات الدم الحار فإنها لا تدخل بوضع السُّبات، لكن هل هناك استثناءات؟
الطائر الطنّان
نظرًا لكونها أصغر الطّيور على وجه الأرض، قد تبدو لك الطيور الطنانة ضعيفة، وغير قادرة على تحمل الطقس البارد، إلا أن الطنان يدخل في وضع الحفاظ على الطاقة أو ما يسمّى “بالسبات”، ووفقًا لعالم البيئة في ولاية أوريغون آدم هادلي فإن الطيور التي تبقى في الشمال لقضاء الشتاء تدخل في سباتٍ صغيرٍ “ليليٍّ” والذي يمكّنها من خفض درجة حرارة أجسامها البالغة 107° إلى 48°، وأثناء السبات يتباطأ أيضًا معدل ضربات القلب، مثلًا ينخفض معدل ضربات قلب الطنان ذو الحلق الأزرق من 1260 إلى (50_180) نبضة في الدقيقة.
نظام تبادل التيار المضاد
يعد الريشُ الذي يكسو الطيور عازلًا فعّالًا ضد البرد، ولذلك فإن معظم الناس يميلون لشراء المعاطف الشتوية المسكوة بالريش، لكن ماذا عن الأقدام والتي لا يغطيها الريش؟ فليست كل أرجل الطيور مكسوة بالريش مثل البوم الثلجي.
البوم الثلجي
لعلك تساءلت يومًا كيف لبعض الطيور مثل النوارس والبجع والبط والإوز أن تقف لساعاتٍ على سطح البحيرات المتجمّدة دون أي ضرر يُذكر!
زوج البجع على الجليد
على الرغم من أن أرجل هذه الطيور كبيرة ومسطحة- وهذه خصائصٌ ذات أثرٍ سلبيٍّ بالنسبة لتقليل فقد الحرارة- إلا أن لديها حيلة منمقة تمكنها من غمر أقدامها في الماء المثلج لمدةٍ طويلة، وذلك من خلال استخدام نظام تبادل التيار المعاكس في أرجلها فما هو هذا النظام؟
إنه نظام تدفّق دم مدهش، ويزيد من فعاليته تقارب الأوعية الدموية (الأوردة والشرايين) من بعضها في أرجل الطيور، حيث يغادر الدم جوف الطائر عند درجة حرارة دافئة، ليأتي الدم البارد من القدمين نحو الجوف والذي يكتسب خلال عملية الانتقال هذه أكبر كميّة حرارة من الدم الشرياني بواسطة التوصيل الحراري، وعليه فإن الدم الدافئ المتدفق إلى الجسم يحمي الطائر من البرد، في حين أن الدّم المبرّد حديثًا في القدمين يقلل من فقدان الحرارة فيهما، وبما أن الدورة الدموية للطيور سريعة جدًّا؛ فإن الدم لن يبقى في القدمين فترة كافية للتجمّد.