جماليات الغناء.. العصفور والوابور وتكسي الغرام
خطيب بدلة 26 مايو 2022
موسيقى
(gettyimages)
شارك هذا المقال
حجم الخط
ذكرتُ، في مقالي المنشور في "ضفة ثالثة"، بتاريخ 11 أيار/ مايو 2022، أن العشاق يحتاجون إلى وسائط نقل، كالجَمَل، والسيارة، والقطار، لكي يحققوا المعادلة التي عَبَّرَ عنها الشاعر سعيد أحمد البوسعيدي بموالٍ غناه كل من أديب الدايخ، ولطفي بوشناق، وأصالة نصري، يقول:
يا مَن هواهُ أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك؟ دلني
وفي بعض الأحيان لا يعثر العاشقُ على وسيلة نقل واقعية مجسدة، فيلجأ إلى الخيال، مثلما فعل موسيقار الأزمان فريد الأطرش في أغنية "يا ريتني طير لأطير حواليكْ، 1937"، من كلمات وألحان يحيى اللبابيدي (وهي أولى أغاني فريد). وفيها يتمنى أن يكون له جناحان، فيطير حول حبيبته، ليحرسها من الرجال الآخرين:
يا ريتني طير لأطير حواليك
مطرح ما تروح عيوني عليك
ما تخلي غيري يقرب ليك
أحيانًا؛ وبشطح من خيال شاعر مبدع؛ يتحول (الطائرُ) إلى مراسل بين العاشق والعاشقة، ويكون بين الأطراف الثلاثة لغة تفاهم لا ندري ما هي أبجديتُها. ففي سنة 1962، لحن فيلمون وهبي للسيدة فيروز أغنية "جايبلي سلام عصفور الجناين"، من كلمات الأخوين الرحباني، وفيها أن العصفور نقل إلى فيروز عتبَ المحبوبِ عليها، وقدم لها مقترحاته لفض خلافها مع محبوبها:
شو قال لي؟ شو قال لي؟ عتبان المحبوبْ
ما بدك تطلّي؟ ابعتيلو مكتوبْ
وَدّيلو شي ورقة، عليها كْتيبة زرقة
وامرقي لك مَرقة، مطرح مانُّو ساكنْ
وبالمناسبة: هذا النوع من الوساطة العصفورية كثير في التجربة الرحبانية.
طيور الأبنودي ونجاة الصغيرة
يختلف "الطير المسافر" الذي تغني له نجاة الصغيرة، من كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي، عن الطير الفيروزي، في أنه مجرد حامل للأشياء التي يريد العشاق إرسالها: (جواب، وعتاب، وتراب من أرض أجدادي، وزهرة من الوادي)، بينما يكتب عبد الرحمن الأبنودي لنجاة نفسها، قصيدة يجعل المكتوب فيها يُرْبَط بجناح الحمام:
على طرف جناحَك يا حمامي، حَ اربط لك مكتوبي
واملاه أشواقي وسلامي، توصلها لمحبوبي
وأحلف له يمين، بعيني التنين
قلبي اشتاق له، وبينده له
في البعد أنا عايشة لأحلامي، وحنيني لحبيبي
المفاجئ في هذه الأغنية أنها من ألحان عز الدين حسني، شقيق نجاة الصغيرة. وللتوضيح؛ نقول إن نجاة الصغيرة شامية الأصل، اسمها نجاة حسني البابا، وأختها سعاد حسني، وشقيقها عز الدين حسني (1927- 2013)، ملحن متميز، له مئة لحن، ولكن يبدو أن شهرة شقيقتيه نجاة وسعاد قد غطت عليه، فلم ينل مما يستحق من الشهرة إلا القليل. ولكي نأخذ فكرة عن أهمية عز الدين حسني نقول إنه لحن لنجاة: على طرف جناحك يا حمام، وحقك عليا وسامح، وفي يوم واحد، وما زلتُ أهواهُ. ولشادية: الأسمر في كل مكان، ولسعاد محمد: يا بخت المرتاحين، ولهدى سلطان: أنا حرة، ولليلى مراد: لأ ما تْغِيرشي.
أغاني الوابور
أميل إلى الاعتقاد أن سبب إكثار المصريين من ذكر "الوابور" في أغانيهم، هو الوضع الاقتصادي المتردي عند غالبية أبناء الشعب، فالقطار (ويسمونه: القَطر، والوابور) وسيلة نقل شعبية رخيصة، في حين أن السيارات الخاصة (الملاكي) مرتفعة الثمن، ومصروفها كبير، ولم يكن يستخدمها سوى البيهَاوات.
مَن يود التحدث عن الوابور في الغناء لا بد أن تتبادر إلى ذهنه، في الحال، رائعةُ محمد عبد الوهاب "يا وابور قل لي رايح على فين" 1938، التي يرسم فيها الشاعر الكبير أحمد رامي أجواء حيوية بالغةَ الجمال، عامرةً بالصور المتحركة الناطقة:
عمال تجري قبلي وبحري
تنزل وادي تطلع كوبري
حَوِّدْ مرة وبعدين دُغري
ما تقول يا وابور رايح على فين
صوتك يدوي وانتَ بتهوي
والبعد أليمْ نارُه بتكوي
والأرض بساط وأنت بتطوي
ما تقول يا وابور رايح على فين
وعلى ذكر الوجهين القبلي والبحري، نلاحظ أن المصريين ينحتون منهما أفعالًا، كما في رائعة عبد العزيز محمود:
بَحّرْ يا بوي وقَبِّلْ
قَبِّلْ يا بوي وبَحِّرْ
لما العيون بتزغللْ
نار القلوب بتشعللْ
بَحّرْ يا بوي وقَبِّلْ
وينحتون من المصطلحين ما يسمى في العربية (اسم الفاعل)، فيقولون: مبحّر، أي ذاهب إلى الوجه البحري، ومقبّل، ذاهب نحو الوجه القبلي.. ومن ذلك أغنية "الفلاحة" التي يغنيها فريد الأطرش ضمن إحدى عربات القطار (الوابور)، ويشاركه غناءها الركاب، وترقص عليها نجمة الاستعراض التي كانت ترافقه في كل أفلامه سامية جمال:
يا مقبل يوم وليلة، اطوي السكة الطويلة
وديني بلدي الــمـحبوب
وديني للزينة الفلاحة، مشتاق وقاتلني الشوق
والعشق يا بوي مش بالراحة لا لعاشق ولا معشوق
من يوم ما رأيت الفلاحة، تـخطر في الغيط الفلاحـة
قلت أنا حبيت الفلاحة، وسافرت وجيت الفلاحة
والشوق دوبني دوب، يا مقبل يوم وليلة
اطوي السكة الطويلة
ملاحظة 1: هذه الأغنية قدمت في فيلم أنت حبيبي، 1957، وهي من كلمات محمد فهمي إبراهيم، ولحن فريد.
ملاحظة 2: ومن ميزات الوابور، عدا عن سعره الرخيص، أنه يحقق للركاب جوًا اجتماعيًا حميمًا، وهذا الأمر لخصه أحمد رامي في أغنية يا وابور بقوله: (إن طال الوقت على الركاب، يجري كلامهم في سؤال وجواب، وبعد شوية يبقوا أحباب، وده يعرف ده رايح على فين).
وابورات كثيرة تنقل العشاق
الأغاني التي تخاطب الوابور، أو تتحدث عنه، كثيرة على نحو ملفت، فأبو النور، محمد عبد المطلب، يبدو وكأنه قادم إلى محطة القطار ملهوفًا، قبيل إقلاع القطار الذي سيأخذ حبيبته ويُقلع، فيقول له:
يا وابور استنى دقيقتين
أنا عايز أقول لك سؤالين
ح تودي حبيب الروح فين؟
وازاي ح تفرق قلبين؟
عفاف راضي
في أغنية "يا وابور الساعة تنعشر"، تختصر عفاف راضي الأفكار التي وردت في هذه المقالة كلها، وهي أن العشاق يحتاجون وسيلة النقل لتحقيق الوصال، ومعالجة الشوق الذي يذيب القلوب، لذا تستخدم وسيلة النقل المتاحة، الوابور الذي يبدو أنه كان شهيرًا في الزمن الماضي، حيث يعرف باسم وابور الساعة 12، وهو يذهب قبلة (يقبل)، وتستجير به أن يسرع ليحقق الهدف:
يا وابور الساعة 12، يا مقبل عَ الصعيد
حبيبى قلبه دايب، وانت قلبك حديد
وانا سهرانة من شوقي، والنوم عني بعيد
بعيد عني بعيد، من مصر للصعيد
كتب كلمات الأغنية سيد مرسي، ولحنها الأخوان الرحباني.
التكسي والأوتوموبيل
أطلق المصريون على السيارة المستوردة من أوروبا اسمين اثنين؛ الأول أوتوموبيل، والثاني تكسي، وكلاهما تلقفتهما السينما التي كانت تعكس حياة الطبقات الاجتماعية المختلفة، وغنى لها كبار المطربين.
ففي فيلم "جوهرة" الذي كتبه وأخرجه وقام ببطولته يوسف بك وهبي، تظهر سينمائيًا لأول مرة الفتاة اللبنانية نور الهدى (19 سنة) التي كانوا يلقبونها "أم كلثوم لبنان"، وتغني "يا أوتوموبيل يا جميل محلاك" من ألحان العبقري رياض السنباطي، وهي الأغنية التي أطلقتها في مصر، وصار المنتجون السينمائيون يتسابقون لتوقيع عقود معها، لتمثل في مقابل نجوم السينما الكبار آنذاك:
يا أتوموبيل يا جميل محلاك
من ورا صاحبك أنا ركباك
مطرح ما تروح بيتنا هناك
ارمح يالله شمال ويمين
طير، طير، طير، يا أتوموبيل
وفي فيلم "بشرة خير" للمخرج حسن رمزي، إنتاج سنة 1952، غنت شادية مع كمال الشناوي دويتو أغنية "سوق على مهلك سوق" من كلمات خليل البنداري، ألحان منير مراد، وتقول فيها:
سوق على مهلك سوق، بكرة الدنيا تروق
على إيه تجري كفاية علينا، العمر بيجري من حوالينا
كان فى عنينا ومَلْو أيدينا، وبعد دقيقة مش بإيدينا
سوق سوق على مهلك سوق
ونشير، ختامًا، إلى الفيلم الكوميدي "تكسي الغرام" الذي أنتج سنة 1954، حيث يغني عبد العزيز محمود وهدى سلطان الأغنية الراقصة الشهيرة "تكسي الغرام"، التي كتبها خليل البنداري، ولحنها عبد العزيز محمود:
مجموعة بنات:
يا تاكسي الغرام يا مقرب البعيد
يا مسابق الحَمَام والسكة الحديد
لا لَكْ جناحين، ولا موتورين
انت وهو دور لف ع اليمين
كلكم طابور ناحية البنزين
صاحبة المحطة:
اسألوا الزبون عايز كام جالون
الزبون:
أنا طالب الهوى
صاحبة المحطة:
دا الهوى هنا، يا حبايب قلبنا
خطيب بدلة 26 مايو 2022
موسيقى
(gettyimages)
شارك هذا المقال
حجم الخط
ذكرتُ، في مقالي المنشور في "ضفة ثالثة"، بتاريخ 11 أيار/ مايو 2022، أن العشاق يحتاجون إلى وسائط نقل، كالجَمَل، والسيارة، والقطار، لكي يحققوا المعادلة التي عَبَّرَ عنها الشاعر سعيد أحمد البوسعيدي بموالٍ غناه كل من أديب الدايخ، ولطفي بوشناق، وأصالة نصري، يقول:
يا مَن هواهُ أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك؟ دلني
وفي بعض الأحيان لا يعثر العاشقُ على وسيلة نقل واقعية مجسدة، فيلجأ إلى الخيال، مثلما فعل موسيقار الأزمان فريد الأطرش في أغنية "يا ريتني طير لأطير حواليكْ، 1937"، من كلمات وألحان يحيى اللبابيدي (وهي أولى أغاني فريد). وفيها يتمنى أن يكون له جناحان، فيطير حول حبيبته، ليحرسها من الرجال الآخرين:
يا ريتني طير لأطير حواليك
مطرح ما تروح عيوني عليك
ما تخلي غيري يقرب ليك
أحيانًا؛ وبشطح من خيال شاعر مبدع؛ يتحول (الطائرُ) إلى مراسل بين العاشق والعاشقة، ويكون بين الأطراف الثلاثة لغة تفاهم لا ندري ما هي أبجديتُها. ففي سنة 1962، لحن فيلمون وهبي للسيدة فيروز أغنية "جايبلي سلام عصفور الجناين"، من كلمات الأخوين الرحباني، وفيها أن العصفور نقل إلى فيروز عتبَ المحبوبِ عليها، وقدم لها مقترحاته لفض خلافها مع محبوبها:
شو قال لي؟ شو قال لي؟ عتبان المحبوبْ
ما بدك تطلّي؟ ابعتيلو مكتوبْ
وَدّيلو شي ورقة، عليها كْتيبة زرقة
وامرقي لك مَرقة، مطرح مانُّو ساكنْ
وبالمناسبة: هذا النوع من الوساطة العصفورية كثير في التجربة الرحبانية.
"في بعض الأحيان لا يعثر العاشقُ على وسيلة نقل واقعية مجسدة، فيلجأ إلى الخيال، مثلما فعل موسيقار الأزمان فريد الأطرش في أغنية "يا ريتني طير لأطير حواليكْ، 1937"" |
طيور الأبنودي ونجاة الصغيرة
يختلف "الطير المسافر" الذي تغني له نجاة الصغيرة، من كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي، عن الطير الفيروزي، في أنه مجرد حامل للأشياء التي يريد العشاق إرسالها: (جواب، وعتاب، وتراب من أرض أجدادي، وزهرة من الوادي)، بينما يكتب عبد الرحمن الأبنودي لنجاة نفسها، قصيدة يجعل المكتوب فيها يُرْبَط بجناح الحمام:
على طرف جناحَك يا حمامي، حَ اربط لك مكتوبي
واملاه أشواقي وسلامي، توصلها لمحبوبي
وأحلف له يمين، بعيني التنين
قلبي اشتاق له، وبينده له
في البعد أنا عايشة لأحلامي، وحنيني لحبيبي
المفاجئ في هذه الأغنية أنها من ألحان عز الدين حسني، شقيق نجاة الصغيرة. وللتوضيح؛ نقول إن نجاة الصغيرة شامية الأصل، اسمها نجاة حسني البابا، وأختها سعاد حسني، وشقيقها عز الدين حسني (1927- 2013)، ملحن متميز، له مئة لحن، ولكن يبدو أن شهرة شقيقتيه نجاة وسعاد قد غطت عليه، فلم ينل مما يستحق من الشهرة إلا القليل. ولكي نأخذ فكرة عن أهمية عز الدين حسني نقول إنه لحن لنجاة: على طرف جناحك يا حمام، وحقك عليا وسامح، وفي يوم واحد، وما زلتُ أهواهُ. ولشادية: الأسمر في كل مكان، ولسعاد محمد: يا بخت المرتاحين، ولهدى سلطان: أنا حرة، ولليلى مراد: لأ ما تْغِيرشي.
في فيلم "بشرة خير" للمخرج حسن رمزي، إنتاج سنة 1952، غنت شادية مع كمال الشناوي دويتو أغنية "سوق على مهلك سوق" |
أغاني الوابور
أميل إلى الاعتقاد أن سبب إكثار المصريين من ذكر "الوابور" في أغانيهم، هو الوضع الاقتصادي المتردي عند غالبية أبناء الشعب، فالقطار (ويسمونه: القَطر، والوابور) وسيلة نقل شعبية رخيصة، في حين أن السيارات الخاصة (الملاكي) مرتفعة الثمن، ومصروفها كبير، ولم يكن يستخدمها سوى البيهَاوات.
مَن يود التحدث عن الوابور في الغناء لا بد أن تتبادر إلى ذهنه، في الحال، رائعةُ محمد عبد الوهاب "يا وابور قل لي رايح على فين" 1938، التي يرسم فيها الشاعر الكبير أحمد رامي أجواء حيوية بالغةَ الجمال، عامرةً بالصور المتحركة الناطقة:
عمال تجري قبلي وبحري
تنزل وادي تطلع كوبري
حَوِّدْ مرة وبعدين دُغري
ما تقول يا وابور رايح على فين
صوتك يدوي وانتَ بتهوي
والبعد أليمْ نارُه بتكوي
والأرض بساط وأنت بتطوي
ما تقول يا وابور رايح على فين
وعلى ذكر الوجهين القبلي والبحري، نلاحظ أن المصريين ينحتون منهما أفعالًا، كما في رائعة عبد العزيز محمود:
بَحّرْ يا بوي وقَبِّلْ
قَبِّلْ يا بوي وبَحِّرْ
لما العيون بتزغللْ
نار القلوب بتشعللْ
بَحّرْ يا بوي وقَبِّلْ
وينحتون من المصطلحين ما يسمى في العربية (اسم الفاعل)، فيقولون: مبحّر، أي ذاهب إلى الوجه البحري، ومقبّل، ذاهب نحو الوجه القبلي.. ومن ذلك أغنية "الفلاحة" التي يغنيها فريد الأطرش ضمن إحدى عربات القطار (الوابور)، ويشاركه غناءها الركاب، وترقص عليها نجمة الاستعراض التي كانت ترافقه في كل أفلامه سامية جمال:
يا مقبل يوم وليلة، اطوي السكة الطويلة
وديني بلدي الــمـحبوب
وديني للزينة الفلاحة، مشتاق وقاتلني الشوق
والعشق يا بوي مش بالراحة لا لعاشق ولا معشوق
من يوم ما رأيت الفلاحة، تـخطر في الغيط الفلاحـة
قلت أنا حبيت الفلاحة، وسافرت وجيت الفلاحة
والشوق دوبني دوب، يا مقبل يوم وليلة
اطوي السكة الطويلة
ملاحظة 1: هذه الأغنية قدمت في فيلم أنت حبيبي، 1957، وهي من كلمات محمد فهمي إبراهيم، ولحن فريد.
ملاحظة 2: ومن ميزات الوابور، عدا عن سعره الرخيص، أنه يحقق للركاب جوًا اجتماعيًا حميمًا، وهذا الأمر لخصه أحمد رامي في أغنية يا وابور بقوله: (إن طال الوقت على الركاب، يجري كلامهم في سؤال وجواب، وبعد شوية يبقوا أحباب، وده يعرف ده رايح على فين).
"مَن يود التحدث عن الوابور في الغناء لا بد أن تتبادر إلى ذهنه، في الحال، رائعةُ محمد عبد الوهاب "يا وابور قل لي رايح على فين" 1938، التي يرسم فيها الشاعر الكبير أحمد رامي أجواء حيوية بالغةَ الجمال" |
الأغاني التي تخاطب الوابور، أو تتحدث عنه، كثيرة على نحو ملفت، فأبو النور، محمد عبد المطلب، يبدو وكأنه قادم إلى محطة القطار ملهوفًا، قبيل إقلاع القطار الذي سيأخذ حبيبته ويُقلع، فيقول له:
يا وابور استنى دقيقتين
أنا عايز أقول لك سؤالين
ح تودي حبيب الروح فين؟
وازاي ح تفرق قلبين؟
عفاف راضي
في أغنية "يا وابور الساعة تنعشر"، تختصر عفاف راضي الأفكار التي وردت في هذه المقالة كلها، وهي أن العشاق يحتاجون وسيلة النقل لتحقيق الوصال، ومعالجة الشوق الذي يذيب القلوب، لذا تستخدم وسيلة النقل المتاحة، الوابور الذي يبدو أنه كان شهيرًا في الزمن الماضي، حيث يعرف باسم وابور الساعة 12، وهو يذهب قبلة (يقبل)، وتستجير به أن يسرع ليحقق الهدف:
يا وابور الساعة 12، يا مقبل عَ الصعيد
حبيبى قلبه دايب، وانت قلبك حديد
وانا سهرانة من شوقي، والنوم عني بعيد
بعيد عني بعيد، من مصر للصعيد
كتب كلمات الأغنية سيد مرسي، ولحنها الأخوان الرحباني.
يكتب عبد الرحمن الأبنودي لنجاة قصيدة يجعل المكتوب فيها يُرْبَط بجناح الحمام: "على طرف جناحَك يا حمامي، حَ اربط لك مكتوبي.." |
التكسي والأوتوموبيل
أطلق المصريون على السيارة المستوردة من أوروبا اسمين اثنين؛ الأول أوتوموبيل، والثاني تكسي، وكلاهما تلقفتهما السينما التي كانت تعكس حياة الطبقات الاجتماعية المختلفة، وغنى لها كبار المطربين.
ففي فيلم "جوهرة" الذي كتبه وأخرجه وقام ببطولته يوسف بك وهبي، تظهر سينمائيًا لأول مرة الفتاة اللبنانية نور الهدى (19 سنة) التي كانوا يلقبونها "أم كلثوم لبنان"، وتغني "يا أوتوموبيل يا جميل محلاك" من ألحان العبقري رياض السنباطي، وهي الأغنية التي أطلقتها في مصر، وصار المنتجون السينمائيون يتسابقون لتوقيع عقود معها، لتمثل في مقابل نجوم السينما الكبار آنذاك:
يا أتوموبيل يا جميل محلاك
من ورا صاحبك أنا ركباك
مطرح ما تروح بيتنا هناك
ارمح يالله شمال ويمين
طير، طير، طير، يا أتوموبيل
وفي فيلم "بشرة خير" للمخرج حسن رمزي، إنتاج سنة 1952، غنت شادية مع كمال الشناوي دويتو أغنية "سوق على مهلك سوق" من كلمات خليل البنداري، ألحان منير مراد، وتقول فيها:
سوق على مهلك سوق، بكرة الدنيا تروق
على إيه تجري كفاية علينا، العمر بيجري من حوالينا
كان فى عنينا ومَلْو أيدينا، وبعد دقيقة مش بإيدينا
سوق سوق على مهلك سوق
ونشير، ختامًا، إلى الفيلم الكوميدي "تكسي الغرام" الذي أنتج سنة 1954، حيث يغني عبد العزيز محمود وهدى سلطان الأغنية الراقصة الشهيرة "تكسي الغرام"، التي كتبها خليل البنداري، ولحنها عبد العزيز محمود:
مجموعة بنات:
يا تاكسي الغرام يا مقرب البعيد
يا مسابق الحَمَام والسكة الحديد
لا لَكْ جناحين، ولا موتورين
انت وهو دور لف ع اليمين
كلكم طابور ناحية البنزين
صاحبة المحطة:
اسألوا الزبون عايز كام جالون
الزبون:
أنا طالب الهوى
صاحبة المحطة:
دا الهوى هنا، يا حبايب قلبنا