Saad Alkassem
صباح الخير صلحي الوادي
سعد القاسم
08 تشرين2/ نوفمبر 2021
في عام 1993 ظهرت الفرقة السيمفونية الوطنية إلى الوجود متوجةً جهود سنوات طويلة، ومحدثةً حالة اجتماعية ثقافية جديدة ومتطورة. وبعد عامين حقق صلحي الوادي حلمه الكبير الثاني بتقديم أول أوبرا في سوريه، وفي حفلها الأول تم تقليده وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
صباح اليوم التالي نشرت تعليقاً عن الحدث في الصفحة الأخيرة من صحيفة (الثورة) تحت عنوان (ها نحن نقول لك... شكراً) قلت فيه:
صباح الخير صلحي الوادي..
أصدقاء كثيرون سيسألونك اليوم رأيك في هذي الكلمات، لكن أحداً لن يقول لك: هل قرأت ما كتبوا عنك في (الثورة). فكلهم يعلم أنك تقرأ الصحف قبل أن يغادروا غرف نومهم، وأنك منذ خمس وثلاثين سنة اعتدت أن تكون في مكتبك قبل موظفيك جميعاً تتابع بالحماسة ذاتها أكبر الأمور، وأصغر التفاصيل.
أصدقاء كثيرون سيهنئونك اليوم بما لم يكن مستغرباً في بلد اعتادت تكريم مبدعيها، وحدودهم عندها حدود الثقافة لا حدود الجغرافيا المصطنعة، يتسع قلبها لكل أرض عربية وكل ناطق بالعربية ومؤمن بثقافتها وحضارتها.
فكيف معك أنت الوفي لوفائها مذ فتحت لك ذراعيها لتدريس الابتدائية في دوحتها، ثم تعود إليها شاباً في السادسة والعشرين من عمره تحمل من أكاديمية لندن الملكية شهادة في التلحين وقيادة فرق الموسيقا. فما أطلت الستينات حتى كنت أول مدير للمعهد الذي قدم أبرع عازفينا..
ترى أي صور تداعت في ذاكرتك الممتدة إلى يوم ولدت في بغداد قبل ستين سنة والأديبة الدمشقية المثقفة تضع على صدرك باسم رئيس البلاد وسام البلاد؟!
هل تذكرت فرقة الحجرة في حفلتها الأولى ببصرى قبل ثلاثين عاماً، أم حفلات الموسيقا الوفيرة في دمشق، أم قفزت بك الذاكرة إلى مطلع التسعينات يوم صار لدينا معهد عالٍ للموسيقا فكانت عمادته لك دون تردد، أم بعد ذلك بعامين حين وقفت لتقود في قصر الأمويين الحفل الأول لفرقتنا السيمفونية.
هل تذكرت البدايات وسنوات التحدي وأحلام الأيام البعيدة؟!
ربما اختلف بعضنا معك في السبل والوسائل والأولويات. لكننا جميعاً نحفظ لك إدارتك الحازمة لمعاهدنا الإبداعية، وأنك ساهمت في صنع جمهور للموسيقا الراقية. كان يشغل منذ سنوات طويلة المقاعد القليلة في قبو المعهد الموسيقي، وصار اليوم آلافاً عدة تقطع المسافة الطويلة إلى قصر الأمويين لتنصت كما ينبغي الإنصات، وتشجع كما يجب أن يكون التشجيع..
لكل هذا قلنا بالأمس شكراً..
صباح الخير صلحي الوادي..
شكراً لك.. وشكراً لمن أتاح لأحلامك أن تصبح حقائق..
صباح الخير صلحي الوادي
لكن هذه المرة ليست لاسمه، وإنما للمعهد الذي يحمل اليوم اسمه، والذي تخرج منه معظم الموسيقيين الشباب المتميزين في سورية، ومعظمهم – لحسن الحظ – يفخر بهذه الحقيقة.
لم يكن صلحي الوادي إنساناً خالياً من الأخطاء لكن تلك الأخطاء تتضاءل أمام حجم عطائه، وأهمية مشروعه الثقافي الموسيقي الذي بذل عمره لإنجازه في وجه العداء المفرط الذي واجهه، لا من قبل حماة التخلف فحسب، وإنما أيضاً ممن كان يجب أن ينتصروا لمشروعه الحضاري. لكن المشروع تحقق رغم كل ذلك العداء، واسم صلحي الوادي هو الذي استمر في الذاكرة التي سقط منها أسماء أعدائه. وأجمل الاستمرار ما شاهدناه بالأمس في الحفل الذي رعته السيدة الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة، بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس المعهد العربي للموسيقا. بدءاً من الكلمة الأنيقة الرصينة لمدير المعهد، مروراً بالفقرات الموسيقية المتقنة والممتعة والمبهجة. انتهاءً بالتكريم الوفي.
سيبقى طويلاُ الأثر الجميل لحفل المعهد الذي صار يحمل اسم صلحي الوادي لا تكريماً للاسم فحسب، وإنما تكريساً للنهج والمشروع.
ت: غيث حبوب
http://thawra.sy/.../saad_elkasem/295246-2021-11-08-13-11-13