هذا المقال على لسان جميل زكي، الأستاذ المساعد في علم النفس في جامعة ستانفورد، وهو من تأليفه.
يحصل التقليد على سمعة سيئة، وهو غالبًا ما يستحق ذلك.
يسيء الناس استخدام الأدوية، يخربون المنتزهات الوطنية وينفقون آلاف الدولارات على حقائب الماركات العالمية بعد رؤية الآخرين يفعلون ذلك.
ورغم ذلك لا يبدو الانسياق وراء الجماعة سيئًا أبدًا.
يقلّد الناس بعضهم بعضًا في التصويت والأكل الصحي وجهود الحفاظ على البيئة.
يقتبسون أيضًا التعاون والكرم من بعضهم.
أخبر شخصًا معيّنًا أنّ جاره تبرّع لمؤسسة خيرية وهذا سيدفعه ليقوم بذلك أيضًا ولو بعد سنة.
التقليد الجيد كهذا يبدو واعِدًا، ولكنه ضيّق أيضًا.
في تجارب سابقة، على سبيل مثال، كان التركيز مقتصرًا فقط على أناس يلاحظون أشخاصًا يقومون بفعل إيجابي (على سبيل المثال، إعادة التدوير من أجل الحفاظ على البيئة) ليستلهموا لاحقًا الفعل نفسه.
في مجموعة دراسات جديدة، سلّطنا -أنا وزملائي- الضوء بشكل أوسع على موضوع التقليد الإيجابي.
وجدنا أنّ الناس لا يحاكون أفعالًا إيجابيّة معينة فحسب وإنما الروحية التي تكمن ورائها.
هذا يؤكد أنَّ اللطف بحد ذاته مُعدٍ، وأنَّه يمكن أن ينتقل بين الأشخاص واحدًا تلو الآخر مُتَّخذًا أشكالًا متنوعة.
فالتقليد الإيجابي يحتاج إلى تلك المرونة ليكون فعّالًا اجتماعيًا.
لا يستطيع كل إنسان أن يتبرع لمؤسسة خيرية، أو أن يقضي وقته في الأعمال التطوعيّة.
إنّ ملاحظة هِبات الآخرين قد تمنح الأشخاص الجيدين شعورًا باليأس إذا لم يستطيعوا مجاراة تلك الهِبات.
على الرغم من ذلك، فإنّ بحثنا يقترح أنّ اللطف على مستوى فرديّ قد يلهم الآخرين لينشروا الإيجابيّة بطرق أخرى.
في دراستنا، أُعطيَ الناسُ دولارًا واحدًا كمكافأة بالإضافة للمبلغ المدفوع لإكمال الدراسة.
بعدها عُرِض عليهم شرح مختصر لمئة مؤسسة خيرية، وطُلب منهم أن يُقرِّروا ما إذا كانوا يريدون أن يتبرعوا بهذه المكافأة لأيٍ منها.
بعد كل تبرع، رأى المشاركون ما كان باعتقادهم متوسط التبرع الذي تم من قبل آخر مئة شخص في الدراسة.
في الحقيقة، نحن تلاعبنا بمجموع التبرّعات بهدف التأثير على اعتقادات المشاركين بالدراسة.
جعلنا بعض المشاركين يظنّون أنهم يعيشون في عالمٍ من الكرم، حيث تبرّع الناس بثلاثة أرباع علاواتهم لمؤسسة خيرية.
بينما جعلنا الآخرين يظنّون أنهم يعيشون في عالم من البخل حيث تبرع كل من الناس بحوالي ربع مكافأتهم فقط.
مثل العلماء الآخرين، وجدنا أَنَّ المشاركين الذين اعتقدوا أنّهم في عالمٍ كريم أصبحوا هم أكثرَ كرَمًا.
نحن اختبرنا السؤال الحقيقي: هل أنَّ انتقال اللطف بالعدوى مجرد زيف؟ في دراسة المتابعة، لاحظ الناس أشخاصًا يتبرعون بسخاء وآخرين ببخل، بعدها أكملوا ما اعتقدوا أنها مهمة كتابيّة لا علاقة لها بالدراسة.
قرأوا ملحوظة يصف فيها شخصٌ آخر الأشياء الجيدة والسيئة التي حصلت معه خلال الشهر، وكتبوا تعليقًا عليها.
الناس الذين شهدوا أشخاصًا آخرين يتبرعون بسخاء كتبوا بوديّة، وكانوا متعاطفين وأكثر دعمًا من أولئك الذين شاهدوا الآخرين يتصرفون ببخل.
هذا يقترح أنَّ اللطف يتطور أثناء انتشاره، فيؤثر على الأشخاص ويغيّر من سلوكهم بإيجابيّة.
لم يحتج الناس في دراستنا حتى إلى رؤية الآخرين يقومون بأي شيء كي يقلّدوا لطفهم.
في دراسة متابعة أخرى، قرأ الناس قصصًا حول معاناة المشردين.
بعد كل قصة، شاهدوا ما اعتقدوا أنَّه متوسط معدل التعاطف الذي شعر به المشاركون السابقون مع الناس في القصة.
جعلنا بعض الناس يظنّون أن جماعاتهم كانوا مهتمين بشكلٍ كبير، وجعلنا الآخرين يظنّون أنَّ جماعاتهم كانوا من قساة القلب.
في نهاية الدراسة، أعطينا المشاركين دولارًا واحدًا مكافأة، وأخبرناهم أن لديهم الفرصة ليتبرعوا بما يشاؤون لمأوى المشردين المحلي.
الناس الذين اعتقدوا أنَّ الآخرين شعروا بالتعاطف للمشردين كانوا مهتمين وتبرعوا ضعف ما تبرع به الذين اعتقدوا أنَّ الآخرين شعروا بالقليل من التعاطف.
حتى الآن، نحن غير قادرين على أن نحيط فهمًا بالقوى النفسية التي تمنح عدوى اللطف القوة.
الاحتمالية التي وضعناها، مدعومة بعملنا، أنَّ الناس يقدرون قيمة أن يكونوا بنفس الصنف مع الآخرين.
مثالًا على ذلك وجدنا أن الأشخاص الذين علموا أن آرائهم الشخصية مطابقة لآراء الآخرين في المجموعة، أظهر دماغهم نشاطًا في منطقة من الدماغ مشابهًا لتلك التي تنشط في دماغهم أثناء تجربتهم الحصول على جائزة، وهذه المنطقة من الدماغ تحفظ محاولتهم للانتظام داخل المجموعة.
وهكذا، فإنّ الناس قد يزدادون لطفًا حينما يعلمون أنّ الأخرين يتصرفون بلطف أيضًا.
بالتأكيد، التقليد ليس دائمًا قوة للخير.
في الحقيقة، فإنّ المرض الذي يصيب بلدنا الآن مصدره أنَّ الأشخاص يتبعون بعضهم بعضًا.
الناسُ المتطرفون يرفعون أصواتهم عاليًا، وحينما يتبعهم الأشخاص المعتدلون، تنمو المجموعات وتصبح أكثر ثباتًا وتطرفًا.
الهوّة المستمرة في التوسّع بين سياسيي اليمين وسياسيي اليسار في الولايات المتحدة تسلط الضوء على النتائج المتقلبة لمثل هذا الاستقطاب.
عملنا، على أية حال، يقترح أن التقليد يمكن أن يقود ليس إلى العداء فقط، وإنما الوسطيّة، والتسامح وأيضًا.
المعركة بين خير التقليد وشرّه من المحتمل أن تعتمد على المعايير الحضارية التي يشهدها الناس غالبًا.
الشخص المحاط بالعداء يميل لأن يكون عدائيًا وبنفس التصرفات الاستعبادية.
أما الشخص المسالم الذي يعلم أن الناس يقدرون التعاطف فسيركز جهدًا أكبر على أن يجعل نفسه متعاطفًا، حتى مع أولئك الذين يختلفون عنه.
بالتركيز على المعايير الخاصة بإيجابيّة التعاطف، يمكننا ربما أن نكون قادرين على رفع قوة التأثير الاجتماعي لمحاربة عدم المبالاة والصراع بطرق جديدة.
والآن حين يأتي الحديث عن حل الانقسامات الأيديولوجية وتشجيع اللطف، نحن نحتاج إلى كل استراتيجية يمكن أن نجدها.
المصدر:.ibelieveinsci