أسماء عزايزة: "شحرور" بيت للغة العربية والقراءة للأطفال
ربيع عيد 22 ديسمبر 2022
حوارات
أسماء عزايزة
شارك هذا المقال
حجم الخط
انطلق في مدينة حيفا دكان "شحرور" للأطفال (أونلاين) ليكون، بحسب القائمين عليه، بيتًا يُحتفى فيه باللغة العربيّة؛ عبر القراءة ونادي الكتاب، وورش الكتابة والمحاضرات وغيرها. بيت يلتقي فيه أمّهات وآباء، شركاء في الوالديّة، ويلتقي فيه الأبناء ليجدوا رفّهم في المكتبة، وليجدوا ويجدن ركنًا حميمًا لتفكيرهم/نّ وتعبيرهم/نّ وخيالهم/نّ الحرّ.
للحديث عن مبادرة "شحرور" المخصصة للأطفال كان هذا اللقاء مع مؤسسة المبادرة، الشاعرة الفلسطينيّة أسماء عزايزة.
(*) من أين بدأت فكرة "شحرور"؟
أذكر المرّة الأولى التي فكّرت فيها بتأسيس مكتبة للكتب المستعملة في حيفا كانت قبل نحو عشر سنوات. لكنّها كانت فكرةً عابرة، داستها الحياة العشرينيّة المليئة بالمشاريع واللاثبات. ثمّ جاء مشروع تأسيس "متجر فتوش للكتب والفنون" في حيفا، واكتشفت نفسي كبائعة كتب. لم يكن الأمر يبدو بعيدًا آنذاك. فحين طلب منّي الصديق وديع شحبرات، صاحب "فتوش"، تأسيس المتجر كانت سيّارتي التويوتا البيضاء مليئة بكتب ناشرين أصدقاء كنت اقترحت عليهم أن نبيعها، كيفما اتّفق، في الداخل الفلسطينيّ، في ظلّ وجود ربّما متجر أو متجرين للكتب. كذلك فإن آدم، زوجي وشريكي في المشروع، ولد في عائلة قارئة ولأمّ تقرأ بنهم شديد كلّ ما يقع بين يديها. ثمّ في لحظة جاءت فكرة شحرور، أوّلًا كدكّان كتب للكبار، ثمّ وفي خضمّ البحث والتفكير الأوّلي فهمت بأنّ عالم الأطفال هو ما سيجعل مشروعًا كهذا مثيرًا ومثمرًا. الآن أفضى البحث والتفكير إلى مشروع حقيقيّ وأمام النّاس.
(*) ما هي المشاريع التي تقومون بها؟
نحن دكّان أونلاين لكتب الأطفال واليافعات واليافعين. إلى جانب الدّكان نقوم بمشاريع وأنشطة افتراضيّة وأخرى وجاهيّة. ترمي هذه إلى الذهاب مع القراءة إلى أبعد من مجرّد اقتناء كتاب. قد نقتني كتابًا، نقرأه مرّة أو مرّتين ونرميه على الرّف. يواجه الكثير من الأمّهات والآباء لأطفال بأعمار معيّنة أو ليافعات ويافعين تحديّات لجعل القراءة عادة وفعلًا يوميًّا مستمرًّا. ولهذا، جئنا بفكرة صناديق القراءة. وهي صناديق تصل الأطفال بشكل دوريّ، منسجمةً مع أعمارهم/نّ والعوالم التي تستهويهم/نّ. نحن نختار هذه الكتب، على أن تصل بشكل موسميّ ومفاجئ للطفل. أمّا المشروع الذي سيذهب عاموديًّا في عمق العلاقة مع الكتاب، فهو نادي شحرور للكتاب. وهو نادٍ معدّ للأجيال 5 حتّى 7. نخلق مساحة ذات جودة يصعب أحيانًا على الأهل خلقها وسط حياتهم اليوميّة المجنونة. نقرأ بصوتٍ عالٍ، نناقش القصص معهم، ونحفّز خيالهم وإبداعهم في أنشطة تربطهم وتربط تجاربهم الشخصيّة ووجهات نظرهم بالقصّة. هكذا، يكتشفون عالم الكتب الواسع، وبأنّ الكتب غير مفصولة عن حياتنا، كما أنّها ليست مجرّد قصّة بل هي عالم يمتد وقد نجد أنفسنا في هذا العالم. سيعمل النادي مع هذه الأجيال بالذات لأنّها أجيال مفصليّة، تفصل الأطفال عن لحظة استقلالهم في القراءة. عند هذه النقطة بالذات، سنوثّق علائقهم مع الكتاب والقراءة بكونها متعةً خالصة وليست مهمّة ملقاة على أكتافنا. أبحاث كثيرة أثبتت بأنّ المتعة هي مفتاح التعلّم. افتتحنا التسجيل لثلاثة أندية؛ في حيفا وبرلين ونادٍ افتراضيّ. بالإضافة، نحن نتواجد في أنشطة وجاهيّة مثل معارض كتب وقراءة قصص في مدن وقرى فلسطينيّة.
(*) ما أهمية وجود دكّان متخصص لأدب الأطفال؟ وكيف يمكن ربط الأطفال بالأدب والقراءة في هذا الجيل؟
لا شكّ بأنّ عالمنا العربيّ يعيش نهضةً إنتاجيّة في عالم أدب الأطفال. قد تتّسم هذه النهضة الكميّة بعيوب هنا أو هناك، بثغرات هنا أو هناك، ولكنّها حتمًا قادرة على تحريك شيء ما وسط تحدّياتٍ إنسانيّة جمّة تواجهها مجتمعاتنا العربيّة. لذلك، كلّ قطعة صغيرة في هذا البازل، دكّان أو منصّة صغيرة في هذا الحراك الكبير، ستحاول أن تقدّم ما تستطيع من أجل أن يدفع القارب إلى الأمام. مقابل هذه النهضة وهذا المشهد المتنوّر الذي نراه في المكتبات ومعارض الكتب والمؤسّسات العربيّة، شاهدت بالأمس تقريرًا على قناة الجزيرة قابل أطفالًا سوريّين في مخيّمات اللجوء في لبنان. الحديث هناك يدور عن البرد والبطّانيّات وليس عن الكتب. حين يشاهد المرء هذه المشاهد يصبح التفكير في الثقافة والفنّ تفكيرًا مرفّهًا، على الرّغم من أنّه يجب أن يكون أساسًا وحاجةً أولى لدى الإنسان. أما بخصوص ربط الأطفال بالقراءة، فذلك يعتمد كثيرًا على الفئة العمريّة، على البيئة التي يعيشون فيها، على الأهل، هل هم قرّاء وقارئات أيضًا؟ ما هو النموذج الذي يراه الطفل أمامه؟ في طفولتهم المبكرة يبدو الأمر غاية في السّهولة. هناك تبدأ رحلة القراءة. أنا أعتقد بأنّ جميع الأطفال يخلقون قرّاء. أعني بأنّه يصعب عليّ التفكير بطفل لا يحبّ الكتب. الكتب، الجميلة طبعًا، شيء مثير جدًّا للطفل. مع كلّ صفحة يكتشف عالمًا، صوتًا جديدًا، كلمة، رسمة. السؤال كيف نقرأ لهم وعلام نكشفهم وكيف نجعل من القراءة أمرًا يوميًّا ومتعةً وحاجة، وليست مهمّة. تروّج اليوم فكرة الكتب العلاجيّة والتربويّة والنفسيّة... أنا لا أفهم كثيرًا هذه التعريفات. ما المقصود بقصّة نفسيّة؟ ثمّة دور نشر أو آباء أو أمّهات يرون بالقصص أداةً للتربية. أنا أختلف مع وجهة النظر هذه. أرى أدوات التربية خارج الأدب والقراءة. وأرى في الأخيرة رحلة متعة سيستخلص القارئ الصغير الذكي ما سيستخلص منها دون أن يوجّهه أحد.
(*) ما هي المعايير التي تعتمدونها في اختيار كتب أدب الأطفال مع وجود كثير من الكتب التجاريّة؟
نعتمد أوّلًا وأخيرًا على ذائقتنا الشّخصيّة، كأمّ وأبّ وقرّاء. أتابع، بشكل يوميّ، ما يصدر وما يُترجم. أحلم بأن أكون محاطة حرفيًّا وجسديًّا بكل ما يصدر في العالم العربيّ للأطفال والناشئة وأن أختار بهدوء ورويّة. لكن أمر امتلاك دكّان مثاليّة ومتنوّعة وكبيرة تحتوي على كتب عظيمة فقط هو أمر يحتاج إلى بعض الوقت. نعم، هنالك الكثير من الكتب الرديئة والكتب السيئة التي لا تراعي ذكاءً ولا ذائقة. لكن ليس من الصّعب أن يجري المرء بعض الغربلة. ثمّة مثلًا دور نشر تقدّم جودةً ممتازة. فلا يُعتبر توفير كتبها مجازفة. لكن قد أحبّ كتبًا أكثر من غيرها لهذه الدور، وأحيانًا قد أجد كتبًا لا أستهويها البتّة. أحاول ما استطعت أن أضع نفسي مكان الطفل. كما أسلفت، لا أعتقد أن الطفل سيحبّ القصّة التي تهدف إلى تعليمه الأخلاق والصدق والسلوك الحسن. نحن ننهره وننهيه كلّ الوقت. الطفل يبحث عن الخيال والأشياء المختلفة. في كثير من الأحيان، ما إن يبدأ نشر قصص لأجيال 9 فما فوق، ترى بأنّ الخيال قلّ وبدأت تتسلّل الجديّة والواقعيّة للقصص. لماذا؟ هل رواية المعلّم ومارغريتا خالية من الخيال لأنّها للكبار؟ الخيال هو وقود الأدب العظيم. هذه ربّما أحد التحدّيات التي أواجهها في اختيار كتب لفئات عمريّة متقدّمة أو لليافعات واليافعين.
(*) كيف وجدت تفاعل العائلات مع مبادرتكم حتى الآن؟ هل هنالك إقبال على الكتب وحلقات القراءة؟ وما هي ردود الفعل؟
حتّى اللحظة، تلقّينا ردود فعل مشجّعة تثني على المشروع وترى فيه أهميّة كبيرة، كونه يجلب معه مشاريع أخرى عدا عن كونه دكّانًا للكتب. نحن في بداية المشوار، أفكارنا كثيرة ومهامنا كثيرة كذلك. نحتاج إلى إيمان الناس وثقتهم مقابل إيماننا بالمشروع وثقتنا بالفائدة التي سيعود بها على الأطفال.
(*) كيف تقيمين طبيعة الإنتاج الأدبي للأطفال في العالم العربي مقارنة مع الإنتاج الغربي؟ وهل هناك ترجمات هامّة للغة العربيّة تحصل؟
لا أدري إن كنت قادرة على إعطاء تقييم تعميميّ. ربّما من المجحف فعل ذلك. فالتعميم في تقييم الإنتاج سيظلم مشاريع رهيبة تنشط في المنطقة العربيّة وفي فلسطين. ذكرت بأنّي أرى من عندي نهضة إنتاجيّة ما. هي محيط من الإنتاج الكمّي. تظل مسألة الجودة مقتصرة على النخبة التي تقف من وراء صناعة كتب الأطفال. مقارنة هذا الإنتاج مع الإنتاج الغربي برأيي ليست مهمة. الأهمّ، أن ينتج الكتّاب/الكاتبات والفنّانون/ات والناشرون كتبًا أصيلة ونوعيّة. وأن تشبع حاجة الطفل القارئ بالعربيّة ومخياله الواسع. المؤسّسات الغربيّة تعيش في بيئات سياسيّة واجتماعيّة وتربويّة واقتصاديّة مستقرّة. ولا يمكن أن تُقارن بالبيئات التي تعيش فيها صناعة الكتاب العربيّ. بل ثمّة جغرافيّات عربيّة، كما أسلفت، تعترك يوميًّا مع الحروب والعنف والبرد واللجوء.
(*) ما طبيعة التحدّيات التي قد تواجهونها في توفير الكتب من دور نشر عربيّة إلى فلسطين؟
الطريق إلى فلسطين طويلة. فمثلًا، بدل أن يصل كتاب من بيروت عبر جنوب لبنان إلى شمال فلسطين، عليه أن يعبر البرّ من لبنان إلى سورية فالأردنّ فالضّفة فشمال فلسطين. هذه الطرق الطويلة تزيد من ثمن الكتاب بالضرورة. التحدي الأكبر، الذي واجهته بشكل شخصيّ عندما كنّا نقيم معرض فتوش للكتاب، هو القانون الإسرائيليّ الذي تبنّته إسرائيل من عهد الانتداب البريطانيّ والذي يمنع المتاجرة مع من تعرّفها إسرائيل بأنها "دولة عدوّ". في عام 2019 أرجعت إسرائيل شحنة كبيرة من الكتب التي كنّا ننتظرها قبل أسبوع من بداية معرض الكتاب في حيفا. هذا القانون سارٍ وقد حرمنا من الكتب لعقود حين تحوّلنا إلى أنصاف بشر طبيعيّين نعرف ما يجري حولنا ونتابع حياة البشر العاديين الذين يُنتجون ويطبعون ويقرأون. قالوا مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق تقرأ؟ حينها كانت فلسطين في السّجن لا تدري ماذا يحصل.
(*) ما هي النصائح التي تقدّمينها كأم وكفاعلة في الحقل الثقافي وشاعرة للأهل الذين يرغبون في توفير كتب لأطفالهم وتشجيعهم على القراءة؟
الكتب المناسبة والجميلة متوفّرة، لكن إيجادها قد يكون مركّبًا بعض الشيء، السؤال عن أيّ جغرافيا نتحدّث؟ الخليج العربيّ يختلف عن فلسطين وفلسطين تختلف عن أوروبا من حيث توفير الكتاب وإتاحته. في فلسطين، كما في كثير من الدول العربيّة، تكثر المتاجر التي تبيع الكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، ومنها ما هو دون رؤية أو تفكير. نحن في "شحرور" وضعنا سهولة التجربة وبساطة الاقتناء ضمن أولويّاتنا، كما أنّنا نقوم بتوصيل كتبنا إلى معظم أنحاء العالم. بالإضافة طبعًا إلى توفير البرامج التي ذكرتها والتي تسهم في جعل القراءة بالنسبة للطفل أكثر من مجرّد اقتناء كتاب. أمّا وقد توفّر الكتاب وتوفّرت البرامج، فما على الأهل برأيي فعله هو أن يضمنوا متعة أطفالهم. معظم الآباء والأمّهات في هذا العصر الحديث يفكّرون، كما يفكّر النظام العالميّ، بكيفيّة تحضير أطفالهم لمستقبل من العمل والنجاح في السوق والجامعة. لكن ما يحتاجه الأطفال، كي يصلوا إلى أماكن يحبّونها فعلًا، هو أن يتعلّموا ممّا يجذبهم ويستمتعون بصحبته.
ربيع عيد 22 ديسمبر 2022
حوارات
أسماء عزايزة
شارك هذا المقال
حجم الخط
انطلق في مدينة حيفا دكان "شحرور" للأطفال (أونلاين) ليكون، بحسب القائمين عليه، بيتًا يُحتفى فيه باللغة العربيّة؛ عبر القراءة ونادي الكتاب، وورش الكتابة والمحاضرات وغيرها. بيت يلتقي فيه أمّهات وآباء، شركاء في الوالديّة، ويلتقي فيه الأبناء ليجدوا رفّهم في المكتبة، وليجدوا ويجدن ركنًا حميمًا لتفكيرهم/نّ وتعبيرهم/نّ وخيالهم/نّ الحرّ.
للحديث عن مبادرة "شحرور" المخصصة للأطفال كان هذا اللقاء مع مؤسسة المبادرة، الشاعرة الفلسطينيّة أسماء عزايزة.
(*) من أين بدأت فكرة "شحرور"؟
أذكر المرّة الأولى التي فكّرت فيها بتأسيس مكتبة للكتب المستعملة في حيفا كانت قبل نحو عشر سنوات. لكنّها كانت فكرةً عابرة، داستها الحياة العشرينيّة المليئة بالمشاريع واللاثبات. ثمّ جاء مشروع تأسيس "متجر فتوش للكتب والفنون" في حيفا، واكتشفت نفسي كبائعة كتب. لم يكن الأمر يبدو بعيدًا آنذاك. فحين طلب منّي الصديق وديع شحبرات، صاحب "فتوش"، تأسيس المتجر كانت سيّارتي التويوتا البيضاء مليئة بكتب ناشرين أصدقاء كنت اقترحت عليهم أن نبيعها، كيفما اتّفق، في الداخل الفلسطينيّ، في ظلّ وجود ربّما متجر أو متجرين للكتب. كذلك فإن آدم، زوجي وشريكي في المشروع، ولد في عائلة قارئة ولأمّ تقرأ بنهم شديد كلّ ما يقع بين يديها. ثمّ في لحظة جاءت فكرة شحرور، أوّلًا كدكّان كتب للكبار، ثمّ وفي خضمّ البحث والتفكير الأوّلي فهمت بأنّ عالم الأطفال هو ما سيجعل مشروعًا كهذا مثيرًا ومثمرًا. الآن أفضى البحث والتفكير إلى مشروع حقيقيّ وأمام النّاس.
(*) ما هي المشاريع التي تقومون بها؟
نحن دكّان أونلاين لكتب الأطفال واليافعات واليافعين. إلى جانب الدّكان نقوم بمشاريع وأنشطة افتراضيّة وأخرى وجاهيّة. ترمي هذه إلى الذهاب مع القراءة إلى أبعد من مجرّد اقتناء كتاب. قد نقتني كتابًا، نقرأه مرّة أو مرّتين ونرميه على الرّف. يواجه الكثير من الأمّهات والآباء لأطفال بأعمار معيّنة أو ليافعات ويافعين تحديّات لجعل القراءة عادة وفعلًا يوميًّا مستمرًّا. ولهذا، جئنا بفكرة صناديق القراءة. وهي صناديق تصل الأطفال بشكل دوريّ، منسجمةً مع أعمارهم/نّ والعوالم التي تستهويهم/نّ. نحن نختار هذه الكتب، على أن تصل بشكل موسميّ ومفاجئ للطفل. أمّا المشروع الذي سيذهب عاموديًّا في عمق العلاقة مع الكتاب، فهو نادي شحرور للكتاب. وهو نادٍ معدّ للأجيال 5 حتّى 7. نخلق مساحة ذات جودة يصعب أحيانًا على الأهل خلقها وسط حياتهم اليوميّة المجنونة. نقرأ بصوتٍ عالٍ، نناقش القصص معهم، ونحفّز خيالهم وإبداعهم في أنشطة تربطهم وتربط تجاربهم الشخصيّة ووجهات نظرهم بالقصّة. هكذا، يكتشفون عالم الكتب الواسع، وبأنّ الكتب غير مفصولة عن حياتنا، كما أنّها ليست مجرّد قصّة بل هي عالم يمتد وقد نجد أنفسنا في هذا العالم. سيعمل النادي مع هذه الأجيال بالذات لأنّها أجيال مفصليّة، تفصل الأطفال عن لحظة استقلالهم في القراءة. عند هذه النقطة بالذات، سنوثّق علائقهم مع الكتاب والقراءة بكونها متعةً خالصة وليست مهمّة ملقاة على أكتافنا. أبحاث كثيرة أثبتت بأنّ المتعة هي مفتاح التعلّم. افتتحنا التسجيل لثلاثة أندية؛ في حيفا وبرلين ونادٍ افتراضيّ. بالإضافة، نحن نتواجد في أنشطة وجاهيّة مثل معارض كتب وقراءة قصص في مدن وقرى فلسطينيّة.
(*) ما أهمية وجود دكّان متخصص لأدب الأطفال؟ وكيف يمكن ربط الأطفال بالأدب والقراءة في هذا الجيل؟
لا شكّ بأنّ عالمنا العربيّ يعيش نهضةً إنتاجيّة في عالم أدب الأطفال. قد تتّسم هذه النهضة الكميّة بعيوب هنا أو هناك، بثغرات هنا أو هناك، ولكنّها حتمًا قادرة على تحريك شيء ما وسط تحدّياتٍ إنسانيّة جمّة تواجهها مجتمعاتنا العربيّة. لذلك، كلّ قطعة صغيرة في هذا البازل، دكّان أو منصّة صغيرة في هذا الحراك الكبير، ستحاول أن تقدّم ما تستطيع من أجل أن يدفع القارب إلى الأمام. مقابل هذه النهضة وهذا المشهد المتنوّر الذي نراه في المكتبات ومعارض الكتب والمؤسّسات العربيّة، شاهدت بالأمس تقريرًا على قناة الجزيرة قابل أطفالًا سوريّين في مخيّمات اللجوء في لبنان. الحديث هناك يدور عن البرد والبطّانيّات وليس عن الكتب. حين يشاهد المرء هذه المشاهد يصبح التفكير في الثقافة والفنّ تفكيرًا مرفّهًا، على الرّغم من أنّه يجب أن يكون أساسًا وحاجةً أولى لدى الإنسان. أما بخصوص ربط الأطفال بالقراءة، فذلك يعتمد كثيرًا على الفئة العمريّة، على البيئة التي يعيشون فيها، على الأهل، هل هم قرّاء وقارئات أيضًا؟ ما هو النموذج الذي يراه الطفل أمامه؟ في طفولتهم المبكرة يبدو الأمر غاية في السّهولة. هناك تبدأ رحلة القراءة. أنا أعتقد بأنّ جميع الأطفال يخلقون قرّاء. أعني بأنّه يصعب عليّ التفكير بطفل لا يحبّ الكتب. الكتب، الجميلة طبعًا، شيء مثير جدًّا للطفل. مع كلّ صفحة يكتشف عالمًا، صوتًا جديدًا، كلمة، رسمة. السؤال كيف نقرأ لهم وعلام نكشفهم وكيف نجعل من القراءة أمرًا يوميًّا ومتعةً وحاجة، وليست مهمّة. تروّج اليوم فكرة الكتب العلاجيّة والتربويّة والنفسيّة... أنا لا أفهم كثيرًا هذه التعريفات. ما المقصود بقصّة نفسيّة؟ ثمّة دور نشر أو آباء أو أمّهات يرون بالقصص أداةً للتربية. أنا أختلف مع وجهة النظر هذه. أرى أدوات التربية خارج الأدب والقراءة. وأرى في الأخيرة رحلة متعة سيستخلص القارئ الصغير الذكي ما سيستخلص منها دون أن يوجّهه أحد.
(*) ما هي المعايير التي تعتمدونها في اختيار كتب أدب الأطفال مع وجود كثير من الكتب التجاريّة؟
نعتمد أوّلًا وأخيرًا على ذائقتنا الشّخصيّة، كأمّ وأبّ وقرّاء. أتابع، بشكل يوميّ، ما يصدر وما يُترجم. أحلم بأن أكون محاطة حرفيًّا وجسديًّا بكل ما يصدر في العالم العربيّ للأطفال والناشئة وأن أختار بهدوء ورويّة. لكن أمر امتلاك دكّان مثاليّة ومتنوّعة وكبيرة تحتوي على كتب عظيمة فقط هو أمر يحتاج إلى بعض الوقت. نعم، هنالك الكثير من الكتب الرديئة والكتب السيئة التي لا تراعي ذكاءً ولا ذائقة. لكن ليس من الصّعب أن يجري المرء بعض الغربلة. ثمّة مثلًا دور نشر تقدّم جودةً ممتازة. فلا يُعتبر توفير كتبها مجازفة. لكن قد أحبّ كتبًا أكثر من غيرها لهذه الدور، وأحيانًا قد أجد كتبًا لا أستهويها البتّة. أحاول ما استطعت أن أضع نفسي مكان الطفل. كما أسلفت، لا أعتقد أن الطفل سيحبّ القصّة التي تهدف إلى تعليمه الأخلاق والصدق والسلوك الحسن. نحن ننهره وننهيه كلّ الوقت. الطفل يبحث عن الخيال والأشياء المختلفة. في كثير من الأحيان، ما إن يبدأ نشر قصص لأجيال 9 فما فوق، ترى بأنّ الخيال قلّ وبدأت تتسلّل الجديّة والواقعيّة للقصص. لماذا؟ هل رواية المعلّم ومارغريتا خالية من الخيال لأنّها للكبار؟ الخيال هو وقود الأدب العظيم. هذه ربّما أحد التحدّيات التي أواجهها في اختيار كتب لفئات عمريّة متقدّمة أو لليافعات واليافعين.
"التحدي الأكبر الذي واجهته بشكل شخصيّ هو القانون الإسرائيليّ الذي تبنّته إسرائيل من عهد الانتداب البريطانيّ والذي يمنع المتاجرة مع من تعرّفها إسرائيل بأنها "دولة عدوّ"!" |
حتّى اللحظة، تلقّينا ردود فعل مشجّعة تثني على المشروع وترى فيه أهميّة كبيرة، كونه يجلب معه مشاريع أخرى عدا عن كونه دكّانًا للكتب. نحن في بداية المشوار، أفكارنا كثيرة ومهامنا كثيرة كذلك. نحتاج إلى إيمان الناس وثقتهم مقابل إيماننا بالمشروع وثقتنا بالفائدة التي سيعود بها على الأطفال.
(*) كيف تقيمين طبيعة الإنتاج الأدبي للأطفال في العالم العربي مقارنة مع الإنتاج الغربي؟ وهل هناك ترجمات هامّة للغة العربيّة تحصل؟
لا أدري إن كنت قادرة على إعطاء تقييم تعميميّ. ربّما من المجحف فعل ذلك. فالتعميم في تقييم الإنتاج سيظلم مشاريع رهيبة تنشط في المنطقة العربيّة وفي فلسطين. ذكرت بأنّي أرى من عندي نهضة إنتاجيّة ما. هي محيط من الإنتاج الكمّي. تظل مسألة الجودة مقتصرة على النخبة التي تقف من وراء صناعة كتب الأطفال. مقارنة هذا الإنتاج مع الإنتاج الغربي برأيي ليست مهمة. الأهمّ، أن ينتج الكتّاب/الكاتبات والفنّانون/ات والناشرون كتبًا أصيلة ونوعيّة. وأن تشبع حاجة الطفل القارئ بالعربيّة ومخياله الواسع. المؤسّسات الغربيّة تعيش في بيئات سياسيّة واجتماعيّة وتربويّة واقتصاديّة مستقرّة. ولا يمكن أن تُقارن بالبيئات التي تعيش فيها صناعة الكتاب العربيّ. بل ثمّة جغرافيّات عربيّة، كما أسلفت، تعترك يوميًّا مع الحروب والعنف والبرد واللجوء.
(*) ما طبيعة التحدّيات التي قد تواجهونها في توفير الكتب من دور نشر عربيّة إلى فلسطين؟
الطريق إلى فلسطين طويلة. فمثلًا، بدل أن يصل كتاب من بيروت عبر جنوب لبنان إلى شمال فلسطين، عليه أن يعبر البرّ من لبنان إلى سورية فالأردنّ فالضّفة فشمال فلسطين. هذه الطرق الطويلة تزيد من ثمن الكتاب بالضرورة. التحدي الأكبر، الذي واجهته بشكل شخصيّ عندما كنّا نقيم معرض فتوش للكتاب، هو القانون الإسرائيليّ الذي تبنّته إسرائيل من عهد الانتداب البريطانيّ والذي يمنع المتاجرة مع من تعرّفها إسرائيل بأنها "دولة عدوّ". في عام 2019 أرجعت إسرائيل شحنة كبيرة من الكتب التي كنّا ننتظرها قبل أسبوع من بداية معرض الكتاب في حيفا. هذا القانون سارٍ وقد حرمنا من الكتب لعقود حين تحوّلنا إلى أنصاف بشر طبيعيّين نعرف ما يجري حولنا ونتابع حياة البشر العاديين الذين يُنتجون ويطبعون ويقرأون. قالوا مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق تقرأ؟ حينها كانت فلسطين في السّجن لا تدري ماذا يحصل.
(*) ما هي النصائح التي تقدّمينها كأم وكفاعلة في الحقل الثقافي وشاعرة للأهل الذين يرغبون في توفير كتب لأطفالهم وتشجيعهم على القراءة؟
الكتب المناسبة والجميلة متوفّرة، لكن إيجادها قد يكون مركّبًا بعض الشيء، السؤال عن أيّ جغرافيا نتحدّث؟ الخليج العربيّ يختلف عن فلسطين وفلسطين تختلف عن أوروبا من حيث توفير الكتاب وإتاحته. في فلسطين، كما في كثير من الدول العربيّة، تكثر المتاجر التي تبيع الكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، ومنها ما هو دون رؤية أو تفكير. نحن في "شحرور" وضعنا سهولة التجربة وبساطة الاقتناء ضمن أولويّاتنا، كما أنّنا نقوم بتوصيل كتبنا إلى معظم أنحاء العالم. بالإضافة طبعًا إلى توفير البرامج التي ذكرتها والتي تسهم في جعل القراءة بالنسبة للطفل أكثر من مجرّد اقتناء كتاب. أمّا وقد توفّر الكتاب وتوفّرت البرامج، فما على الأهل برأيي فعله هو أن يضمنوا متعة أطفالهم. معظم الآباء والأمّهات في هذا العصر الحديث يفكّرون، كما يفكّر النظام العالميّ، بكيفيّة تحضير أطفالهم لمستقبل من العمل والنجاح في السوق والجامعة. لكن ما يحتاجه الأطفال، كي يصلوا إلى أماكن يحبّونها فعلًا، هو أن يتعلّموا ممّا يجذبهم ويستمتعون بصحبته.