دونما "أنت" تصبح قصتي مستحيلة*
سمر يزبك 5 ديسمبر 2022
قص
(إبراهيم برغود)
شارك هذا المقال
حجم الخط
ما زلتُ سلمى. قطعتُ حدودًا، اجتزتُ وديانًا وسهولًا وهضابًا، وما زلتُ سلمى! تركتُ المدينة ورائي، ولم تأتِ على رأسي أية ذكرى لامرأة أخرى. كل مَنْ حولي وخلال الأشهر الماضية كانوا يعتقدون أني سلمى! جواز سفري يحمل الاسم نفسه. أسهل شيء حصل في تلك الأوقات هو تزوير جواز السفر، لقد قلتُ ببساطة للرجل الذي سألني عن اسمي وهو يُدوّن المعلومات لإصداره: اسمي سلمى خيّاطة. أسمعُهم يردّدون حكاياهم، فأنسجُ من حيواتهم حياةً ما، لتلك المُسمّاة سلمى!
هكذا وجدتُ نفسي أخترع حكاياتٍ يودُّ سماعَها الآخرون، كان هذا سهلًا بالنسبة لامرأةٍ خرجت من تحت الأنقاض، يموت الجميع وتبقى. نعم أسهل أمرٍ وجدْتُه يُخفي فراغ رأسي أن أقول: مات أهلي. حسنًا ثم ماذا؟ يريد الآخرون دائمًا معرفة المزيد، ولو تسنّى لهم لَحشروا رؤوسهم في مؤخرتك! أين وُلدتِ؟ من أية عائلة؟ أتتبّعُ خطّ حكايتي الأولى بحرص، من دون أن أترك مجالًا للشكّ في ما أقوله، أتعلّقُ بأية مجموعة وألحق بها، مجموعاتٌ خرجت من المدينة تتفرّق، تتجمّع، أو تهيم وحدها.
اعتقدتُ أني عندما نزلتُ الساحة في الصباح، وقبل أن تشتدّ شمس الظهيرة؛ أن هناك أمرًا ما سيتغير؛ حدَثٌ يجعلني أعود إلى رأسي، ومَنْ كنتُ! الحذر واجب، وهو حذر لم يخصّني وحدي، فقد كنّا جميعًا حذرين، نستمع إلى حكاياتنا بتوجّس، ربما سيُتاح لأي واحد منّا فرصة العبور قبل الثاني؟ تلك الهواجس المدفونة في أعماق كل منّا لم أجعلها تسيطر عليّ، عندما رأيت مئات الأشخاص يتوزّعون حولي. كنّا قد قضينا نهارات وليال نعبر الحواجز ونهرب من حرّاس الحدود. تركنا كل ما يمكن أن يجعلنا نلتفت للخلف، نحن لا نستطيع النظر وراءنا ولو فعلنا لانزلقنا في العالم التحتي، ما زلتُ أعتقد أني، وما إن أطأ بقدمي أرض الساحة سأستعيدُ ذاكرتي، كنتُ مخطئةً! فما إن تدافعنا وتراكلنا، وبينما كنتُ أصرخ مثلما فعل الجميع؛ كل منّا يمدّ يديه ويدفع الآخر، حتى حلّت لحظةُ صمت. كنّا في عزّ الظهيرة وشمس تموز تحرقنا؛ نتصبب عرقًا، وروائح الأجساد المحيطة بي تلفُّ أنفي، لكن لحظةَ صمتٍ شعرتُ بها حين سمعتُ صوتي يلعلع وحده! انتبهت أنهم كانوا ينظرون إليّ، ولم تمضِ إلا ثوانٍ؛ ولكنها في ظهيرة تموز بدت أبدية، حيث لا نسمة تحرّك الصمت الثقيل، حينها سمعتُ صوت الشاب ذي العينين الخضراوين والشعر الأحمر والذي كان يمسك بيد فتاة: أستاذة أرجوك أن تشرحي له باللغة الإنكليزية أننا لن نستطيع الانتظار أكثر من ذلك.
هكذا، إذن، أستطيع التكلّم بلغة أخرى، لغة إنكليزية سلسة، كانت هذه معلومةً جديدةً تُضاف إلى كوني لم ألمس جسد رجل حيّ من قبل! كنت أبدو في نهاية الثلاثين، أو كما كان يقدّر الآخرون. امرأة تخيط الوجوه، وتتحدّث الانكليزية بطلاقة، وعزباء! ما الذي يمكن إضافته إلى سلسلة الصفات هذه؟ انتابني ما يشبه الهوس أني كلما اقتربتُ منهم سوف أعرف نفسي أكثر، كلما صرتُ جزءًا من مجموعةٍ ما تأخذني إلى مجموعة أخرى، وتجعل مني امرأةً مختلفة. كنّا هكذا! لم أكن الوحيدة. تأخذنا الأحداث جماعاتٍ وأفرادًا، هائمين نمدُّ أيدينا وتشرئب أعناقنا، منذ خروجنا أحياء؛ يصفّوننا ويجمعوننا ويُلقون بنا في حافلات إثر حافلات، ثم أجدُ مَنْ يسألني: مَنْ أنا؟! وأجيب سلمى خيّاطة! ويدونون أشياء... وأشياء... ونهرب! ثم ألجأ من عائلة إلى أخرى، ويقولون إنهم سيتركون البلاد التي لا مكان للعيش فيها، فأذهبُ معهم، أحتمي بهم، وتصيبنا حمّى الهروب، ألحق بهم، كنّا أرتالًا من النازحين ونحن داخل الحدود، وبعد أن خرجنا صرنا نسمعهم يقولون عنّا لاجئين، أسمعهم يتهامسون أنني المرأة التي نجَتْ بأعجوبة من تحت أنقاض وركام المشفى، ثم يعدّدون أسماء وأنواع الصواريخ التي سوّته بالأرض.
في الساحة اختلف الأمر، صرت مثلي مثل غيري من البشر. كان الحشد مختلفًا، لم نكن نتحرّك بأرتال ولا نخاف الطائرات! نجد جنسياتٍ متنوّعة من البشر؛ عراقيون وأفغان وأفارقة، حتى أني لم أعرف من أي بلادٍ أتوا، عرفت منهم الشاب الليبي لاحقًا، لكنهم كانوا كُثرًا في الساحة التي حوتنا وتسمّى (بصماني)، وقد شكّلت ملاذَ مَن يريد الانتقال بين عالمين، كنتُ المرأة الوحيدة داخل مجموعة الرجال، رغم أن العائلات افترشت الأرض، حتى أن المقاهي كانت مكتظّةً ولا توجد أماكن خالية، وكان الناس يلتفّون حول بعضهم ويسألون عن أدقّ التفاصيل. بَدوْنَا جميعنا تائهين، وصرتُ أكتب تفاصيل ما حصل، ماذا فعلنا؟ ما الذي يتوجّب فعله في الخطوات القادمة؟ وأعدّ ما تبقّى معي من نقود، أحيانًا أتّبِعُ الكلام والأوامر التي أسمعها ضمن المجموعة، كالبارحة مساءً عندما صعدتُ الحافلة إلى إزمير، كنتُ أيضًا في أنطاكية مع مجموعة، وسمعتُ رجلًا يهتف بنا لنصعد، لحقتُ بهم. أنا أتنقّل بمساعدة مَنْ حولي، ألجأ إلى مكاتب منظّمات يأخذني إليها الآخرون، نصادف في طريقنا متبرّعين وهكذا...
نبّهتني عجوز في إحدى الأمسيات، ونحن نُحشَرُ مع مجموعة نساء في بيتٍ تبرّع به أحد السوريين، بأن هنالك قلادة كبيرة بسلسلة ثخينة من الذهب تحت ثيابي، استدركتُ، نعم! لقد كانت تلك القلادة موجودة طوال الوقت! هكذا أفترض مع أني لم ألحظها من قبل، فقد كنت أرتدي ثيابًا فضفاضة، وجدتُ نفسي هكذا بعد أن عثروا عليّ، ربما هي ثيابُ امرأةٍ أخرى، سَتَرُوني بها، وغطّتني من مفرق شعري إلى أخمص قدمي! قالت لي: هذه ثروة يا ابنتي؛ كوني حذرةً! تستطيعين أن تعبري بثمنها البحر، وهكذا أيضًا دلّتني كلماتُ تلك المرأة إلى حياةٍ جديدة ربما! هكذا وبعد جملة تلك المرأة ذهبتُ مع مجموعة ثانية.
القلادة تساوي ثروةً، كانت المرأة محقّة، فهي على شكل مصحف كبير مزخرفٌ على حوافّه بأشكال هندسية متداخلة، خيوط ذهبية دقيقة تحيط به، ومن الداخل كانت هناك سبيكتان سميكتان ترسمان دفّتي القرآن الكريم! متى كانت القلادة هنا؟ كيف لم ألحظها من قبل، وأنا أخيط الوجوه؟ إنها تَحْتَكُّ بجسدي! ياالله إني تائهةٌ فساعدْني! كيف لم ألحظ أن السلسلة كانت مضفورةً ومشغولةً بعناية، وكانت تصل سرّتي تقريبًا؟ القلادة تلك كانت تحوي بين دفّتيها خاتمًا؛ يبدو خاتم زواجٍ حُفرَ عليه تاريخ 1950، ما الذي يعنيه هذا؟ هل كان خاتم أمّي؟ َلمَن هذه الأشياء، وأيَّ امرأة تخصّ؟ كنتُ أرتعد وأنا أذكر جملة المرأة التي تحثُّني على عبور البحر: إذا لم يعد لديك أهل في الدنيا فعليك الاستعانة بنفسك. يا للغرابة! حتى أني نسيت وجهها، أسمع صوتها في أذني فقط وهي تؤكّد: بِيعي الخاتم والقلادة، واذهبي بعيدًا، ولا تنظري خلفك، لا تعودي أبدًا، الله وحده سيحميك.
أحاول تذكّر تفاصيلَ كثيرةٍ قبل وصولي إلى الساحة، ولا أستطيع، يبدو من هذه القلادة أن عائلتي لم تكن فقيرةً! أبدو من الخارج هادئةً، أعرف ما أريد، وأخشى أن يعرف أحدٌ سرّي. ما أزال أكتشف أشياءَ عن نفسي يخبرني بها الآخرون. نعم، علي ألّا أنسى أن الآخرين يستطيعون أن يجعلوني أصدّقُ ما يقولونه عني، هكذا ببساطة! كلما كانوا يقولون عني شيئًا ويُوحون به، أتبعه وأكتبه في دفتر صغير. لقد اشتريتُ مرآةً صغيرة، أضعها في حقيبتي، أتفقّد وجهي كل صباح إن كان ما يزال هو! أنظر في المرآة وأراهُ! ولا أخرج بنتيجة! كان وجهًا عاديًا؛ لم يعنِ لي شيئًا، ولا يبدو أنه وجهي أصلًا؟! كيف سأحدّد إن كان هذا وجهي؟ وجهٌ مدوّرٌ، ممتلئ، وشعر مجعّد قصير جدًّا، ومغطّى بقمطة، يتوضّع فوقها حجاب أسود، عينان ضيّقتان، ثم ماذا؟ لا يوجد ما يهمّ، أطراف خدودي تنفر من حواف الحجاب، أنا فعلًا ممتلئة الوجه والجسد، وماذا في ذلك؟ لن يغيّر في الأمر شيئًا سوى أني صرت أكثر حذرًا، وأنا أقضم أرغفة الخبز بلا توقّف، فقد قِيلَ لنا إنهم لا يفضّلون البدينين في قوارب العبور، عمومًا يمكن لي فهم أمر آخر من خلال معرفتي بوجهي وجسدي هذا، وهو أني أُصنَّفُ من النساء اللاتي يَعبرْنَ بسهولة من دون أن يلفتن النظر. لقد فهمت هذا من عيون الرجال.
كنت مثل هذا الحشد، وكانوا مثلي خائفين، حتى لو احتفظوا بقدرتهم على معرفة أنفسهم وتذكّر حياتهم، يمدون جسورًا، ويقطعونها. نبتعد عن بعضنا، ثم فجأة يحصل أمر يجمعنا؛ كأن نكون في حاجة إلى تشكيل مجموعة متكاملة جاهزة لركوب القارب، مجموعة يقول أصحابها إنهم ينحدرون من المدينة نفسها، ولديهم اللهجة نفسها، وهم استدلوا عليّ من لهجتي وضمّوني إليهم. لم أتردّد لأني عرفت أن كل مرحلة جديدة في رحلتي تعني دائرةً جديدةً من الخطر. كانت تجمعنا كثير من الصفات، كهذا الشيء؛ كأن يحمل كل منّا عالمه في يده، لا حياة لواحدنا من دون هذا الجهاز؛ الموبايل! نحن لا شيء يُعرّفنا أكثر من هذا الجهاز الذي نحمله. كان من الممكن ألّا نملك ما يشتري لنا الخبز، ولكن لا نستطيع إلّا أن نملك ذلك الموبايل، فهو سيجعلنا قادرين على فهم كل ما يحيط بنا ويصلنا بهدفنا، لن نستطيع التحرّك من دونه. جهازي لم يكن من النوع الذكي، ولكنه كافٍ ليجعلني واحدةً منهم، أتحرّك مثلهم، أتبعهم في خطواتهم، وبقيت خائفةً وغير متأكدةٍ مما يحصل حولي، حتى وصلنا ساحة (بصماني)، وهناك اختلف الأمر، عندما ناداني الشاب: يا أستاذة.
ما يجمعنا أيضًا هو أننا كنّا بلا استثناء، بمن فينا الأطفال، نحمل حقائب الظهر! الجميع! حتى الطفلات ذوات الخمس سنواتٍ. تبتعد النساء عن جمهرة الرجال الذين يحيطون بالمُهرّب وهو يصيح بالتركية، وحين حلّتْ لحظة الصمت تلك، وسمعت صوتي يلعلع، ردّ شاب آخر بأن الرجل لا يتحدّث الإنكليزية، وأضاف بصوت خفيض: إنه مجرّد حقير آخر! وحينها برزَ رجل وكان من مدينتنا كما قالوا! كان شريكه. عادة ما يكون للمُهرّبين شركاء وهم سلسلةٌ متصلة منفصلة، والرجل ابن مدينتنا واحد من المُهرّبين الكبار. كان واقفًا إلى جانب المُهرّب التركي، وقد أثار تحفّظي برأسه العملاق الذي يلمع تحت الشمس، كانوا يسمّونه: (أبو عبدو)، بدا وجهه شبيهًا بوجه حيوان أعرفه؛ كان رأسه مثلثًا، وعيناه وأنفه تتناهى بزاويا حادّة، ربما يشبه النمس، أو هكذا خُيّل لي بعد ذلك؛ لأني أردت أن أكرهه وهو يحدّق فينا ويُعايننا بوقاحة، ثم رنّ صوته عاليًا: لا نستطيع التحرّك ما لم نختر مجموعة، هيّا اختاروا بعضكم حتى نستطيع التفاوض! نعم هكذا علينا اختيار مجموعة لتعبرَ البحر، كنّا قد فعلنا ذلك من دون تخطيط، ثم التفّتْ حولنا مجموعةُ رجالٍ يعملون مع المُهرّب كي ينظّموا حركتنا، وكنّا فعلًا في حاجة إلى التنظيم، لأن التدافع كان قويًا، وعاد الهرج والمرج، ودفعني أحدهم بين الرجال، وتلقفني رجلان! ثمّ صرخت، وحلّ الصمت ثانية، وعاد الضجيج، ونظرت مِن حولي لأتبيّن مَنْ دفعني، وأشارتْ امرأة بيدها لأنضمّ إلى النساء. الشاب الليبي اقترب وقال: يا خالة ابتعدي عن هنا، هذا مكان رجال! نحن سوف نسوّي الأمر، ثم ابتسم وغمز بعينه. الشاب ذو الشعر الأحمر قال: اذهبي مع النساء أستاذة، ووجدتني أقول له: هل تعرفني؟! فأومأ بأن: لا.
انسحبتُ من تجمّع الرجال، وبقيتُ مع النساء، كانت هنالك مجموعاتٌ على امتداد الساحة ومقاهيها، نساء يجلسن على الرصيف، يحدّقن في رجالهن وهم يتصايحون ويراقبن أطفالهن. لم أعد أتبيّن بوضوح ما يحصل، فقد انتابتني تلك اللحظة المخيفة، حين كنت أشعر بتشابه وجوه الموتى، وأفكّر في وجوه الأحياء كيف ستكون، ثم خطر لي وأنا أمرُّ بعيني على وجوههم أنهم متشابهون!
من المؤكد أنهم لا يتشابهون؛ نتشابه في أننا كنّا ننظر إلى الأعلى، مثل حالنا ونحن نغادر العالم التحتي، هكذا كنت في القبو؛ أريد الخروج إلى الأعلى، وهنا أريد العبور إلى العالم العلوي، حينها لم تراودني تلك الأفكار وأنا معهم. أحاول تفصيل وكتابة ما حصل سنة 2015! كتبت هذا، وأعيد كتابته هنا؛ نحن القوم التحتيون الهاربون إلى الشمال نعيش في قبو كبير اسمه السماء، على سعة سقفه ذاك لم يخلصني من فكرة خيّاطة الوجوه. وجوه تحمل قسمات وجهي ربما؟ أراها فأرى وجهي، ألمح من خلالها وجوهًا غائمة أعرفها ربما من زمن طويل؟ كم تمنّيت لو أننا نرتدي جميعًا أقنعة ونسير بها، ماذا لو كانت هنالك عادات بشرية تجعل من الأقنعة مثل ثياب الإنسان؟ ماذا لو كان الوجه هو الجزء الأكثر حميمية في الجسد؟ ماذا لو سرنا عراة وحجبنا وجوهنا؟ أفقد في لحظةٍ قدرتي على معرفة كيف يمكن التفكير بما تحمل وجوهنا من صور عنّا، أضيع في زحمة الحشد البشري، أتفقّد الوجوه عن بُعد، أهرب حالما تقترب، أغمض عيني وأتخيّل كل وجه يعبرُ منها، وما إن يقترب منّي، حتى أسترق النظر ثم أخشى التفاصيل! تبدو لي وجوه النساء أكثر غموضًا، أكثر حذرًا، تخفي كثيرًا! تنكمش وتتجعد كقماش، وجوه الرجال تنفرد وتستريح وتملك فضاء الساحة، أختلس النظر إليها وبالكاد أستطيع تخيّلها، إذ لا يمكن التحديق في وجوه الرجال. هكذا! تتشابه وجوه الرجال والنساء في عيني، أرسم في مخيّلتي صورها، وكيف ستبدو في القبو، وسرعان ما أجزع وأعود إلى ضجيج الساحة وتفاصيل ما يحدث في اللحظة الآنية، فأيّ تشتّتٍ سوف يجعلني أفقد خطّ سير رحلتي، ويرميني في مزيدٍ من الفراغ.
[من نصّ "سرد بلا نهاية يرويه القوم التحتيون"]
*عنوان النصّ مأخوذ من جملة للفيلسوفة الإيطالية أدريانا كافاريرو.
سمر يزبك 5 ديسمبر 2022
قص
(إبراهيم برغود)
شارك هذا المقال
حجم الخط
ما زلتُ سلمى. قطعتُ حدودًا، اجتزتُ وديانًا وسهولًا وهضابًا، وما زلتُ سلمى! تركتُ المدينة ورائي، ولم تأتِ على رأسي أية ذكرى لامرأة أخرى. كل مَنْ حولي وخلال الأشهر الماضية كانوا يعتقدون أني سلمى! جواز سفري يحمل الاسم نفسه. أسهل شيء حصل في تلك الأوقات هو تزوير جواز السفر، لقد قلتُ ببساطة للرجل الذي سألني عن اسمي وهو يُدوّن المعلومات لإصداره: اسمي سلمى خيّاطة. أسمعُهم يردّدون حكاياهم، فأنسجُ من حيواتهم حياةً ما، لتلك المُسمّاة سلمى!
هكذا وجدتُ نفسي أخترع حكاياتٍ يودُّ سماعَها الآخرون، كان هذا سهلًا بالنسبة لامرأةٍ خرجت من تحت الأنقاض، يموت الجميع وتبقى. نعم أسهل أمرٍ وجدْتُه يُخفي فراغ رأسي أن أقول: مات أهلي. حسنًا ثم ماذا؟ يريد الآخرون دائمًا معرفة المزيد، ولو تسنّى لهم لَحشروا رؤوسهم في مؤخرتك! أين وُلدتِ؟ من أية عائلة؟ أتتبّعُ خطّ حكايتي الأولى بحرص، من دون أن أترك مجالًا للشكّ في ما أقوله، أتعلّقُ بأية مجموعة وألحق بها، مجموعاتٌ خرجت من المدينة تتفرّق، تتجمّع، أو تهيم وحدها.
اعتقدتُ أني عندما نزلتُ الساحة في الصباح، وقبل أن تشتدّ شمس الظهيرة؛ أن هناك أمرًا ما سيتغير؛ حدَثٌ يجعلني أعود إلى رأسي، ومَنْ كنتُ! الحذر واجب، وهو حذر لم يخصّني وحدي، فقد كنّا جميعًا حذرين، نستمع إلى حكاياتنا بتوجّس، ربما سيُتاح لأي واحد منّا فرصة العبور قبل الثاني؟ تلك الهواجس المدفونة في أعماق كل منّا لم أجعلها تسيطر عليّ، عندما رأيت مئات الأشخاص يتوزّعون حولي. كنّا قد قضينا نهارات وليال نعبر الحواجز ونهرب من حرّاس الحدود. تركنا كل ما يمكن أن يجعلنا نلتفت للخلف، نحن لا نستطيع النظر وراءنا ولو فعلنا لانزلقنا في العالم التحتي، ما زلتُ أعتقد أني، وما إن أطأ بقدمي أرض الساحة سأستعيدُ ذاكرتي، كنتُ مخطئةً! فما إن تدافعنا وتراكلنا، وبينما كنتُ أصرخ مثلما فعل الجميع؛ كل منّا يمدّ يديه ويدفع الآخر، حتى حلّت لحظةُ صمت. كنّا في عزّ الظهيرة وشمس تموز تحرقنا؛ نتصبب عرقًا، وروائح الأجساد المحيطة بي تلفُّ أنفي، لكن لحظةَ صمتٍ شعرتُ بها حين سمعتُ صوتي يلعلع وحده! انتبهت أنهم كانوا ينظرون إليّ، ولم تمضِ إلا ثوانٍ؛ ولكنها في ظهيرة تموز بدت أبدية، حيث لا نسمة تحرّك الصمت الثقيل، حينها سمعتُ صوت الشاب ذي العينين الخضراوين والشعر الأحمر والذي كان يمسك بيد فتاة: أستاذة أرجوك أن تشرحي له باللغة الإنكليزية أننا لن نستطيع الانتظار أكثر من ذلك.
هكذا، إذن، أستطيع التكلّم بلغة أخرى، لغة إنكليزية سلسة، كانت هذه معلومةً جديدةً تُضاف إلى كوني لم ألمس جسد رجل حيّ من قبل! كنت أبدو في نهاية الثلاثين، أو كما كان يقدّر الآخرون. امرأة تخيط الوجوه، وتتحدّث الانكليزية بطلاقة، وعزباء! ما الذي يمكن إضافته إلى سلسلة الصفات هذه؟ انتابني ما يشبه الهوس أني كلما اقتربتُ منهم سوف أعرف نفسي أكثر، كلما صرتُ جزءًا من مجموعةٍ ما تأخذني إلى مجموعة أخرى، وتجعل مني امرأةً مختلفة. كنّا هكذا! لم أكن الوحيدة. تأخذنا الأحداث جماعاتٍ وأفرادًا، هائمين نمدُّ أيدينا وتشرئب أعناقنا، منذ خروجنا أحياء؛ يصفّوننا ويجمعوننا ويُلقون بنا في حافلات إثر حافلات، ثم أجدُ مَنْ يسألني: مَنْ أنا؟! وأجيب سلمى خيّاطة! ويدونون أشياء... وأشياء... ونهرب! ثم ألجأ من عائلة إلى أخرى، ويقولون إنهم سيتركون البلاد التي لا مكان للعيش فيها، فأذهبُ معهم، أحتمي بهم، وتصيبنا حمّى الهروب، ألحق بهم، كنّا أرتالًا من النازحين ونحن داخل الحدود، وبعد أن خرجنا صرنا نسمعهم يقولون عنّا لاجئين، أسمعهم يتهامسون أنني المرأة التي نجَتْ بأعجوبة من تحت أنقاض وركام المشفى، ثم يعدّدون أسماء وأنواع الصواريخ التي سوّته بالأرض.
في الساحة اختلف الأمر، صرت مثلي مثل غيري من البشر. كان الحشد مختلفًا، لم نكن نتحرّك بأرتال ولا نخاف الطائرات! نجد جنسياتٍ متنوّعة من البشر؛ عراقيون وأفغان وأفارقة، حتى أني لم أعرف من أي بلادٍ أتوا، عرفت منهم الشاب الليبي لاحقًا، لكنهم كانوا كُثرًا في الساحة التي حوتنا وتسمّى (بصماني)، وقد شكّلت ملاذَ مَن يريد الانتقال بين عالمين، كنتُ المرأة الوحيدة داخل مجموعة الرجال، رغم أن العائلات افترشت الأرض، حتى أن المقاهي كانت مكتظّةً ولا توجد أماكن خالية، وكان الناس يلتفّون حول بعضهم ويسألون عن أدقّ التفاصيل. بَدوْنَا جميعنا تائهين، وصرتُ أكتب تفاصيل ما حصل، ماذا فعلنا؟ ما الذي يتوجّب فعله في الخطوات القادمة؟ وأعدّ ما تبقّى معي من نقود، أحيانًا أتّبِعُ الكلام والأوامر التي أسمعها ضمن المجموعة، كالبارحة مساءً عندما صعدتُ الحافلة إلى إزمير، كنتُ أيضًا في أنطاكية مع مجموعة، وسمعتُ رجلًا يهتف بنا لنصعد، لحقتُ بهم. أنا أتنقّل بمساعدة مَنْ حولي، ألجأ إلى مكاتب منظّمات يأخذني إليها الآخرون، نصادف في طريقنا متبرّعين وهكذا...
نبّهتني عجوز في إحدى الأمسيات، ونحن نُحشَرُ مع مجموعة نساء في بيتٍ تبرّع به أحد السوريين، بأن هنالك قلادة كبيرة بسلسلة ثخينة من الذهب تحت ثيابي، استدركتُ، نعم! لقد كانت تلك القلادة موجودة طوال الوقت! هكذا أفترض مع أني لم ألحظها من قبل، فقد كنت أرتدي ثيابًا فضفاضة، وجدتُ نفسي هكذا بعد أن عثروا عليّ، ربما هي ثيابُ امرأةٍ أخرى، سَتَرُوني بها، وغطّتني من مفرق شعري إلى أخمص قدمي! قالت لي: هذه ثروة يا ابنتي؛ كوني حذرةً! تستطيعين أن تعبري بثمنها البحر، وهكذا أيضًا دلّتني كلماتُ تلك المرأة إلى حياةٍ جديدة ربما! هكذا وبعد جملة تلك المرأة ذهبتُ مع مجموعة ثانية.
القلادة تساوي ثروةً، كانت المرأة محقّة، فهي على شكل مصحف كبير مزخرفٌ على حوافّه بأشكال هندسية متداخلة، خيوط ذهبية دقيقة تحيط به، ومن الداخل كانت هناك سبيكتان سميكتان ترسمان دفّتي القرآن الكريم! متى كانت القلادة هنا؟ كيف لم ألحظها من قبل، وأنا أخيط الوجوه؟ إنها تَحْتَكُّ بجسدي! ياالله إني تائهةٌ فساعدْني! كيف لم ألحظ أن السلسلة كانت مضفورةً ومشغولةً بعناية، وكانت تصل سرّتي تقريبًا؟ القلادة تلك كانت تحوي بين دفّتيها خاتمًا؛ يبدو خاتم زواجٍ حُفرَ عليه تاريخ 1950، ما الذي يعنيه هذا؟ هل كان خاتم أمّي؟ َلمَن هذه الأشياء، وأيَّ امرأة تخصّ؟ كنتُ أرتعد وأنا أذكر جملة المرأة التي تحثُّني على عبور البحر: إذا لم يعد لديك أهل في الدنيا فعليك الاستعانة بنفسك. يا للغرابة! حتى أني نسيت وجهها، أسمع صوتها في أذني فقط وهي تؤكّد: بِيعي الخاتم والقلادة، واذهبي بعيدًا، ولا تنظري خلفك، لا تعودي أبدًا، الله وحده سيحميك.
أحاول تذكّر تفاصيلَ كثيرةٍ قبل وصولي إلى الساحة، ولا أستطيع، يبدو من هذه القلادة أن عائلتي لم تكن فقيرةً! أبدو من الخارج هادئةً، أعرف ما أريد، وأخشى أن يعرف أحدٌ سرّي. ما أزال أكتشف أشياءَ عن نفسي يخبرني بها الآخرون. نعم، علي ألّا أنسى أن الآخرين يستطيعون أن يجعلوني أصدّقُ ما يقولونه عني، هكذا ببساطة! كلما كانوا يقولون عني شيئًا ويُوحون به، أتبعه وأكتبه في دفتر صغير. لقد اشتريتُ مرآةً صغيرة، أضعها في حقيبتي، أتفقّد وجهي كل صباح إن كان ما يزال هو! أنظر في المرآة وأراهُ! ولا أخرج بنتيجة! كان وجهًا عاديًا؛ لم يعنِ لي شيئًا، ولا يبدو أنه وجهي أصلًا؟! كيف سأحدّد إن كان هذا وجهي؟ وجهٌ مدوّرٌ، ممتلئ، وشعر مجعّد قصير جدًّا، ومغطّى بقمطة، يتوضّع فوقها حجاب أسود، عينان ضيّقتان، ثم ماذا؟ لا يوجد ما يهمّ، أطراف خدودي تنفر من حواف الحجاب، أنا فعلًا ممتلئة الوجه والجسد، وماذا في ذلك؟ لن يغيّر في الأمر شيئًا سوى أني صرت أكثر حذرًا، وأنا أقضم أرغفة الخبز بلا توقّف، فقد قِيلَ لنا إنهم لا يفضّلون البدينين في قوارب العبور، عمومًا يمكن لي فهم أمر آخر من خلال معرفتي بوجهي وجسدي هذا، وهو أني أُصنَّفُ من النساء اللاتي يَعبرْنَ بسهولة من دون أن يلفتن النظر. لقد فهمت هذا من عيون الرجال.
كنت مثل هذا الحشد، وكانوا مثلي خائفين، حتى لو احتفظوا بقدرتهم على معرفة أنفسهم وتذكّر حياتهم، يمدون جسورًا، ويقطعونها. نبتعد عن بعضنا، ثم فجأة يحصل أمر يجمعنا؛ كأن نكون في حاجة إلى تشكيل مجموعة متكاملة جاهزة لركوب القارب، مجموعة يقول أصحابها إنهم ينحدرون من المدينة نفسها، ولديهم اللهجة نفسها، وهم استدلوا عليّ من لهجتي وضمّوني إليهم. لم أتردّد لأني عرفت أن كل مرحلة جديدة في رحلتي تعني دائرةً جديدةً من الخطر. كانت تجمعنا كثير من الصفات، كهذا الشيء؛ كأن يحمل كل منّا عالمه في يده، لا حياة لواحدنا من دون هذا الجهاز؛ الموبايل! نحن لا شيء يُعرّفنا أكثر من هذا الجهاز الذي نحمله. كان من الممكن ألّا نملك ما يشتري لنا الخبز، ولكن لا نستطيع إلّا أن نملك ذلك الموبايل، فهو سيجعلنا قادرين على فهم كل ما يحيط بنا ويصلنا بهدفنا، لن نستطيع التحرّك من دونه. جهازي لم يكن من النوع الذكي، ولكنه كافٍ ليجعلني واحدةً منهم، أتحرّك مثلهم، أتبعهم في خطواتهم، وبقيت خائفةً وغير متأكدةٍ مما يحصل حولي، حتى وصلنا ساحة (بصماني)، وهناك اختلف الأمر، عندما ناداني الشاب: يا أستاذة.
ما يجمعنا أيضًا هو أننا كنّا بلا استثناء، بمن فينا الأطفال، نحمل حقائب الظهر! الجميع! حتى الطفلات ذوات الخمس سنواتٍ. تبتعد النساء عن جمهرة الرجال الذين يحيطون بالمُهرّب وهو يصيح بالتركية، وحين حلّتْ لحظة الصمت تلك، وسمعت صوتي يلعلع، ردّ شاب آخر بأن الرجل لا يتحدّث الإنكليزية، وأضاف بصوت خفيض: إنه مجرّد حقير آخر! وحينها برزَ رجل وكان من مدينتنا كما قالوا! كان شريكه. عادة ما يكون للمُهرّبين شركاء وهم سلسلةٌ متصلة منفصلة، والرجل ابن مدينتنا واحد من المُهرّبين الكبار. كان واقفًا إلى جانب المُهرّب التركي، وقد أثار تحفّظي برأسه العملاق الذي يلمع تحت الشمس، كانوا يسمّونه: (أبو عبدو)، بدا وجهه شبيهًا بوجه حيوان أعرفه؛ كان رأسه مثلثًا، وعيناه وأنفه تتناهى بزاويا حادّة، ربما يشبه النمس، أو هكذا خُيّل لي بعد ذلك؛ لأني أردت أن أكرهه وهو يحدّق فينا ويُعايننا بوقاحة، ثم رنّ صوته عاليًا: لا نستطيع التحرّك ما لم نختر مجموعة، هيّا اختاروا بعضكم حتى نستطيع التفاوض! نعم هكذا علينا اختيار مجموعة لتعبرَ البحر، كنّا قد فعلنا ذلك من دون تخطيط، ثم التفّتْ حولنا مجموعةُ رجالٍ يعملون مع المُهرّب كي ينظّموا حركتنا، وكنّا فعلًا في حاجة إلى التنظيم، لأن التدافع كان قويًا، وعاد الهرج والمرج، ودفعني أحدهم بين الرجال، وتلقفني رجلان! ثمّ صرخت، وحلّ الصمت ثانية، وعاد الضجيج، ونظرت مِن حولي لأتبيّن مَنْ دفعني، وأشارتْ امرأة بيدها لأنضمّ إلى النساء. الشاب الليبي اقترب وقال: يا خالة ابتعدي عن هنا، هذا مكان رجال! نحن سوف نسوّي الأمر، ثم ابتسم وغمز بعينه. الشاب ذو الشعر الأحمر قال: اذهبي مع النساء أستاذة، ووجدتني أقول له: هل تعرفني؟! فأومأ بأن: لا.
انسحبتُ من تجمّع الرجال، وبقيتُ مع النساء، كانت هنالك مجموعاتٌ على امتداد الساحة ومقاهيها، نساء يجلسن على الرصيف، يحدّقن في رجالهن وهم يتصايحون ويراقبن أطفالهن. لم أعد أتبيّن بوضوح ما يحصل، فقد انتابتني تلك اللحظة المخيفة، حين كنت أشعر بتشابه وجوه الموتى، وأفكّر في وجوه الأحياء كيف ستكون، ثم خطر لي وأنا أمرُّ بعيني على وجوههم أنهم متشابهون!
من المؤكد أنهم لا يتشابهون؛ نتشابه في أننا كنّا ننظر إلى الأعلى، مثل حالنا ونحن نغادر العالم التحتي، هكذا كنت في القبو؛ أريد الخروج إلى الأعلى، وهنا أريد العبور إلى العالم العلوي، حينها لم تراودني تلك الأفكار وأنا معهم. أحاول تفصيل وكتابة ما حصل سنة 2015! كتبت هذا، وأعيد كتابته هنا؛ نحن القوم التحتيون الهاربون إلى الشمال نعيش في قبو كبير اسمه السماء، على سعة سقفه ذاك لم يخلصني من فكرة خيّاطة الوجوه. وجوه تحمل قسمات وجهي ربما؟ أراها فأرى وجهي، ألمح من خلالها وجوهًا غائمة أعرفها ربما من زمن طويل؟ كم تمنّيت لو أننا نرتدي جميعًا أقنعة ونسير بها، ماذا لو كانت هنالك عادات بشرية تجعل من الأقنعة مثل ثياب الإنسان؟ ماذا لو كان الوجه هو الجزء الأكثر حميمية في الجسد؟ ماذا لو سرنا عراة وحجبنا وجوهنا؟ أفقد في لحظةٍ قدرتي على معرفة كيف يمكن التفكير بما تحمل وجوهنا من صور عنّا، أضيع في زحمة الحشد البشري، أتفقّد الوجوه عن بُعد، أهرب حالما تقترب، أغمض عيني وأتخيّل كل وجه يعبرُ منها، وما إن يقترب منّي، حتى أسترق النظر ثم أخشى التفاصيل! تبدو لي وجوه النساء أكثر غموضًا، أكثر حذرًا، تخفي كثيرًا! تنكمش وتتجعد كقماش، وجوه الرجال تنفرد وتستريح وتملك فضاء الساحة، أختلس النظر إليها وبالكاد أستطيع تخيّلها، إذ لا يمكن التحديق في وجوه الرجال. هكذا! تتشابه وجوه الرجال والنساء في عيني، أرسم في مخيّلتي صورها، وكيف ستبدو في القبو، وسرعان ما أجزع وأعود إلى ضجيج الساحة وتفاصيل ما يحدث في اللحظة الآنية، فأيّ تشتّتٍ سوف يجعلني أفقد خطّ سير رحلتي، ويرميني في مزيدٍ من الفراغ.
[من نصّ "سرد بلا نهاية يرويه القوم التحتيون"]
*عنوان النصّ مأخوذ من جملة للفيلسوفة الإيطالية أدريانا كافاريرو.