باراجانوف (أنا فنان ﮔرافيك ومخرج سينمائي يبحث في تشكيل الصور)
ترجمة علي كامل
أجرى هذا اللقاء المُصوَّر على شريط سينمائي الصحفي والناقد والمؤرخ السينمائي والمخرج الوثائقي الألماني رون هولواي (١٩٣٣ ـ ٢٠٠٩) في برلين عام ١٩٨٨حين ذهب سيرغي باراجانوف لحضور عرض فيلمه الأخير (عاشق غريب) في مهرجان الفيلم في ميونيخ ثم نيله جائزة المهرجان، وكذلك لافتتاح معرضه الغرافيكي هناك. وقد وظف رون هولواي مادة هذا اللقاء ليصنع منها بعد ست سنوات فيلماً وثائقياً رائعاً حمل عنوان (باراجانوف: ترتيلة لراحة نفوس الموتى).
نص المقابلة:
الحلقة الأولى
(الإخراج هو الحقيقة وهي تتحول إلى صور: حزن، أمل، حب، جمال إنه شكل فني يعالج موضوعات كالحقيقة، الله، الحب والمأساة) س. باراجانوف
س: سيرغي، كيف أصبحت مخرجاً؟
ج: أعتقد أنه ينبغي على المخرج أن يولد مُخرجاً. الأمر مثل مغامرة طفل، أن تأخذ روح المبادرة وسط أطفال آخرين وتصبح مخرجاً، مبتكراً بذلك لُغزاً. عليك أن تصوغ الأشياء في شكل ما وتعيد خلقها من جديد. أن تعذّب الناس بموهبتك الفطرية "artistismus" ، أن تُرعب والدتك وجدّتك في منتصف الليالي. أن ترتدي ثياباً أشبه بثياب عمنا شابلن، أو مثل هنس كريستيان أحد بطال أندرسون.
أن تستخدم الريش المخبأ في صندوق الثياب، أن تحوّل نفسك إلى ديك أو طائر النار. هذا هو ما كان يشغلني ويستحوذ عليَّ دائماً، وهذا هو الإخراج.المُخرج لن
صبح مُخرجاً عبر التدريب ولا حتى في التحاقه بمعاهد سينما كمعهد "فغيك" (معهد السينما وفن الفيلم لعموم الإتحاد السوفييتي).
الإخراج أمر لا يمكن تعلّمه. ينبغي أن يولد معك. أن تمتلكه وأنت في رحم أمك. يجب أن تكون أمك ممثلة لكي ترث ذلك. أمي وأبي كانا معاً موهوبان فنياً.
س: ما هو فيلم التخرج الذي أخرجته في معهد "فغيك" السينمائي؟
ج: كان فيلماً قصيراً للأطفال: حكاية جن مولدافية. كان ذلك في عام ١٩٥١. حين شاهده الكساندر دوفجينكو قال: "دعني أراه ثانية". (*)
إنها المرة الأولى في تأريخ معهد فغيك السينمائي تطلب لجنة الامتحان مشاهدة فيلم تخرّج مرتين.
روستوسلاف يورينيف، وهو الآن ناقد فني وسينمائي ناجح قال التالي:"باراجانوف قد نسخ دوفجنكو. إنه مذهل وملحمي. لقد شاهد باراجانوف فيلم دوفجنكو (زفينيغوراZvenigora ) ١٩٢٨".
أما دوفجنكو فقد رد عليه قائلاً: "أنت متشدق في الكلام. اجلس واسمعني. باراجانوف لم يشاهد فيلمي هذا".. مضيفاً: "أين أنت أيها الشاب؟" مشيراً إليَّ. نهضتْ. سألني: "قل لي بصدق، هل شاهدت فيلم (زفينيغورا)؟" قلت له: " لا". قال: "أرأيت هذا مجرد هُراء".
لم يكن يورينيف معروفاً في ذلك الوقت. كان شخصاً هزيلاً، شاب يتأسس تواً، يعدو من مخرج لآخر. على أي حال، يحتمل إن فيلم تخرجي ذاك كان قريباً جداً مما أعددته حقاً للتعبير عن نفسي كمخرج سينمائي.
س: لكن فيلمك مفقود...
ج: كلا، إنه في البيت.
س: إذاً لماذا لم يُعرض هنا في برلين في المعرض الاستعادي لأعمالك؟
ج: الجواب ببساطة.. لقد نسيته. لقد تم عرض فيلم "أنريش" فقط، النسخة الأطول. لكن ليس للأطفال، لسوء الحظ، بل للبالغين.
س: كيف كانت الدروس التي تلقيتها من دوفجنكو وإيغور سافشينكو؟
ج: ألكسندر دوفجنكو وإيغور سافشنكو كانا خصمين. يتشاجران دائماً، ولم ينسجما أبداً. كلاهما كان موهوباً، بارزاً، مهّماً واستثنائياً. أحدهم يعمل بطريقة الرسام البولوني جان ماتيجكو، يجرب نماذج عصر النهضة. أما الثاني، فقد كان يصّور تفاحةً، موت رجل عجوز، لقلق يحط ويحلّق. بتعبير آخر، كان فنه يرتكز على طفولته الملحمية.
هذا التباين الجمالي بطرازه المهجور بين هذين المعلّمين أثار حينها صراعاً محتدماً في ستوديو دوفجنكو.
سافشينكو توفي شاباً. كان عمره ٤٣ عاماً فقط. لكن حين وضعوه في النعش بدا عجوزاً. تلاميذه كانوا أكبر سناً منه: فلاديمير نائوماف كان عمره ستون عاماً وأنا أربعون.
إن رحيله أحزن دوفجنكو من أعماق روحه. لقد أخذ دوفجنكو على عاتقه مسؤولية امتحاناتنا ووقّع على دبلومات التخرج بدلاً عنه. كان شخصاً شهماً. كان متحمساً بشأن الكساندر ألوف ونائوموف، على وجه الخصوص، ومؤخراً فليكس ميرونار.
س: كان معهد (فغيك) آنذاك كما يبدو محتشداً بالمواهب.
ج: كان بيننا أناس رائعون بضمنهم دوفجنكو بالطبع. أنا حزين من أجل زملائي الذين فارقوا الحياة. أربعة منهم لم يعودوا بيننا. لقد تجمّع شملنا مؤخراً، ووضعنا على مائدتنا أربع صحون فارغة أشبه بأربع شموع، وفكرنا بأصدقائنا
الذين غادرونا: أولوف، الذي أمضى حياته يصور مع نائوموف، وميرونار الذي عمل مع مارلين خوتسيّيف فيلم "ربيع في شارع زاريتشنايا" ١٩٥٦. غريشا (غريغوري أرونوف) وسيفا (فسيفولود فارونين). آه، أربعة أصدقاء غادرونا، ولا أحد يعرف من سيكون اللاحق.
لقد تم اختيارنا من قبل سافشينكو الموهوب. كان يحبنا ويؤلّهنا. كان ملهماً لنا. كان ينتظر اليوم الذي نقدّم فيه المعجزة. كان سعيداً جداً حين وقّع خوتسييف وميرونار عقداً مع وكالة الفيلم السوفييتي الحكومي للتوزيع على أول سيناريو لهما وهو "ربيع في شارع زاريتشنايا".
لقد اصطحبهما بسيارته المرسيديس في شارع غوركي وجعلهم يخلعون جواربهم الخشنة العتيقة في داخل السيارة ثم يلقونها من نافذة السيارة مرتدين بدلها جوارب جديدة. لم يكونوا طلاباً فحسب، إنما مخرجين سينمائيين بدون أساس مالي أيضاً. أولوف ونائوموف أخرجا أفلاماً مشتركة: "شباب قلق" ١٩٥٨ و "بافل
كورتشاكن" عام ١٩٥٧، وفيلم "الريح" ١٩٥٨. لقد كانا رواداً للأفانغارد (الطليعة).
س: مرة أخرى، ماذا يعني الإخراج السينمائي لك؟ هل هو الواقع، الحلم، أم هو لُغز؟
ج: الإخراج في الأساس هو، الحقيقة وهي تتحول إلى صور: حزن، أمل، حب، جمال. إنه شكل فني يعالج موضوعات كالحقيقة، الله، الحب والمأساة.
في سيناريوهاتي أحكي أحياناً قصصاً للآخرين، وأسأل: ترى، هل أنا من اختلقها، أم هي الحقيقة؟" الجميع يقول: "انها مختلقة". وهذا غير صحيح. إنها ببساطة، الحقيقة مثلما أدركتها أنا.
س: أفلامك الأولى عملتها بمزاج واقعي، ما الذي جعلك تغيّر أسلوبك؟
ج: كنت أعمل كثيراً جداً في تلك الأيام إشباعاً لرغباتي الخاصة. كانت الحقبة واقعية آنذاك: الجيل، الخلفية، القماشة التي كنت أشتغل عليه. كنت أعمل وأعاني تحت ظل ثلاثة مستبدين. وهؤلاء المستبدون كانوا في الكرملين. واليوم تسعى "بيريستريوكا" أن تصبح مخطّط قلب الحقبة. ربما، سيظهر كتاباً في يوم من الأيام يتحدث عن تلك الأيام، شيء ما يشبه مخطط قلب.
كان ستالين وهو في طريقه إلى الصعود يخفض سعر الجوارب والناس كانوا قانعين. الجوارب كانت تباع بكوبيكن أرخص من السابق. أما هو فقد كان يقوم بإنزال سعر الجوارب والقمصان التحتانية كل ستة شهور. لكن سعر الخبز لم يتغير. إنه مخطّط قلب.!!!
كانت الأفلام السوفييتية لتلك الفترة، وليس أفلامي فقط، أشبه بمخطط للرعب. مخطط للخوف. الخوف من أن تفقد فيلمك، الخوف من الفقر. الخوف على عملك.
(*) ألكسندر دوفجنكو (١٨٩٤-١٩٥٦) مخرج وكاتب سيناريو، سوفييتي أوكراني، غالباً ما يُستشهد به بوصفاً واحداً من أهم صانعي الأفلام السوفييتية الأوائل، جنباً إلى جنب سيرجي أيزنشتين، درزيغا فيرتوف وفيسيفولود بودوفكين. فضلاً عن كونه رائداً في نظرية المونتاج السينمائي. فيلمه "الأرض" ١٩٣٠ يعتبر الفيلم الذي أسس للسينما الشعرية السوفييتية.
ا
ترجمة علي كامل
أجرى هذا اللقاء المُصوَّر على شريط سينمائي الصحفي والناقد والمؤرخ السينمائي والمخرج الوثائقي الألماني رون هولواي (١٩٣٣ ـ ٢٠٠٩) في برلين عام ١٩٨٨حين ذهب سيرغي باراجانوف لحضور عرض فيلمه الأخير (عاشق غريب) في مهرجان الفيلم في ميونيخ ثم نيله جائزة المهرجان، وكذلك لافتتاح معرضه الغرافيكي هناك. وقد وظف رون هولواي مادة هذا اللقاء ليصنع منها بعد ست سنوات فيلماً وثائقياً رائعاً حمل عنوان (باراجانوف: ترتيلة لراحة نفوس الموتى).
نص المقابلة:
الحلقة الأولى
(الإخراج هو الحقيقة وهي تتحول إلى صور: حزن، أمل، حب، جمال إنه شكل فني يعالج موضوعات كالحقيقة، الله، الحب والمأساة) س. باراجانوف
س: سيرغي، كيف أصبحت مخرجاً؟
ج: أعتقد أنه ينبغي على المخرج أن يولد مُخرجاً. الأمر مثل مغامرة طفل، أن تأخذ روح المبادرة وسط أطفال آخرين وتصبح مخرجاً، مبتكراً بذلك لُغزاً. عليك أن تصوغ الأشياء في شكل ما وتعيد خلقها من جديد. أن تعذّب الناس بموهبتك الفطرية "artistismus" ، أن تُرعب والدتك وجدّتك في منتصف الليالي. أن ترتدي ثياباً أشبه بثياب عمنا شابلن، أو مثل هنس كريستيان أحد بطال أندرسون.
أن تستخدم الريش المخبأ في صندوق الثياب، أن تحوّل نفسك إلى ديك أو طائر النار. هذا هو ما كان يشغلني ويستحوذ عليَّ دائماً، وهذا هو الإخراج.المُخرج لن
صبح مُخرجاً عبر التدريب ولا حتى في التحاقه بمعاهد سينما كمعهد "فغيك" (معهد السينما وفن الفيلم لعموم الإتحاد السوفييتي).
الإخراج أمر لا يمكن تعلّمه. ينبغي أن يولد معك. أن تمتلكه وأنت في رحم أمك. يجب أن تكون أمك ممثلة لكي ترث ذلك. أمي وأبي كانا معاً موهوبان فنياً.
س: ما هو فيلم التخرج الذي أخرجته في معهد "فغيك" السينمائي؟
ج: كان فيلماً قصيراً للأطفال: حكاية جن مولدافية. كان ذلك في عام ١٩٥١. حين شاهده الكساندر دوفجينكو قال: "دعني أراه ثانية". (*)
إنها المرة الأولى في تأريخ معهد فغيك السينمائي تطلب لجنة الامتحان مشاهدة فيلم تخرّج مرتين.
روستوسلاف يورينيف، وهو الآن ناقد فني وسينمائي ناجح قال التالي:"باراجانوف قد نسخ دوفجنكو. إنه مذهل وملحمي. لقد شاهد باراجانوف فيلم دوفجنكو (زفينيغوراZvenigora ) ١٩٢٨".
أما دوفجنكو فقد رد عليه قائلاً: "أنت متشدق في الكلام. اجلس واسمعني. باراجانوف لم يشاهد فيلمي هذا".. مضيفاً: "أين أنت أيها الشاب؟" مشيراً إليَّ. نهضتْ. سألني: "قل لي بصدق، هل شاهدت فيلم (زفينيغورا)؟" قلت له: " لا". قال: "أرأيت هذا مجرد هُراء".
لم يكن يورينيف معروفاً في ذلك الوقت. كان شخصاً هزيلاً، شاب يتأسس تواً، يعدو من مخرج لآخر. على أي حال، يحتمل إن فيلم تخرجي ذاك كان قريباً جداً مما أعددته حقاً للتعبير عن نفسي كمخرج سينمائي.
س: لكن فيلمك مفقود...
ج: كلا، إنه في البيت.
س: إذاً لماذا لم يُعرض هنا في برلين في المعرض الاستعادي لأعمالك؟
ج: الجواب ببساطة.. لقد نسيته. لقد تم عرض فيلم "أنريش" فقط، النسخة الأطول. لكن ليس للأطفال، لسوء الحظ، بل للبالغين.
س: كيف كانت الدروس التي تلقيتها من دوفجنكو وإيغور سافشينكو؟
ج: ألكسندر دوفجنكو وإيغور سافشنكو كانا خصمين. يتشاجران دائماً، ولم ينسجما أبداً. كلاهما كان موهوباً، بارزاً، مهّماً واستثنائياً. أحدهم يعمل بطريقة الرسام البولوني جان ماتيجكو، يجرب نماذج عصر النهضة. أما الثاني، فقد كان يصّور تفاحةً، موت رجل عجوز، لقلق يحط ويحلّق. بتعبير آخر، كان فنه يرتكز على طفولته الملحمية.
هذا التباين الجمالي بطرازه المهجور بين هذين المعلّمين أثار حينها صراعاً محتدماً في ستوديو دوفجنكو.
سافشينكو توفي شاباً. كان عمره ٤٣ عاماً فقط. لكن حين وضعوه في النعش بدا عجوزاً. تلاميذه كانوا أكبر سناً منه: فلاديمير نائوماف كان عمره ستون عاماً وأنا أربعون.
إن رحيله أحزن دوفجنكو من أعماق روحه. لقد أخذ دوفجنكو على عاتقه مسؤولية امتحاناتنا ووقّع على دبلومات التخرج بدلاً عنه. كان شخصاً شهماً. كان متحمساً بشأن الكساندر ألوف ونائوموف، على وجه الخصوص، ومؤخراً فليكس ميرونار.
س: كان معهد (فغيك) آنذاك كما يبدو محتشداً بالمواهب.
ج: كان بيننا أناس رائعون بضمنهم دوفجنكو بالطبع. أنا حزين من أجل زملائي الذين فارقوا الحياة. أربعة منهم لم يعودوا بيننا. لقد تجمّع شملنا مؤخراً، ووضعنا على مائدتنا أربع صحون فارغة أشبه بأربع شموع، وفكرنا بأصدقائنا
الذين غادرونا: أولوف، الذي أمضى حياته يصور مع نائوموف، وميرونار الذي عمل مع مارلين خوتسيّيف فيلم "ربيع في شارع زاريتشنايا" ١٩٥٦. غريشا (غريغوري أرونوف) وسيفا (فسيفولود فارونين). آه، أربعة أصدقاء غادرونا، ولا أحد يعرف من سيكون اللاحق.
لقد تم اختيارنا من قبل سافشينكو الموهوب. كان يحبنا ويؤلّهنا. كان ملهماً لنا. كان ينتظر اليوم الذي نقدّم فيه المعجزة. كان سعيداً جداً حين وقّع خوتسييف وميرونار عقداً مع وكالة الفيلم السوفييتي الحكومي للتوزيع على أول سيناريو لهما وهو "ربيع في شارع زاريتشنايا".
لقد اصطحبهما بسيارته المرسيديس في شارع غوركي وجعلهم يخلعون جواربهم الخشنة العتيقة في داخل السيارة ثم يلقونها من نافذة السيارة مرتدين بدلها جوارب جديدة. لم يكونوا طلاباً فحسب، إنما مخرجين سينمائيين بدون أساس مالي أيضاً. أولوف ونائوموف أخرجا أفلاماً مشتركة: "شباب قلق" ١٩٥٨ و "بافل
كورتشاكن" عام ١٩٥٧، وفيلم "الريح" ١٩٥٨. لقد كانا رواداً للأفانغارد (الطليعة).
س: مرة أخرى، ماذا يعني الإخراج السينمائي لك؟ هل هو الواقع، الحلم، أم هو لُغز؟
ج: الإخراج في الأساس هو، الحقيقة وهي تتحول إلى صور: حزن، أمل، حب، جمال. إنه شكل فني يعالج موضوعات كالحقيقة، الله، الحب والمأساة.
في سيناريوهاتي أحكي أحياناً قصصاً للآخرين، وأسأل: ترى، هل أنا من اختلقها، أم هي الحقيقة؟" الجميع يقول: "انها مختلقة". وهذا غير صحيح. إنها ببساطة، الحقيقة مثلما أدركتها أنا.
س: أفلامك الأولى عملتها بمزاج واقعي، ما الذي جعلك تغيّر أسلوبك؟
ج: كنت أعمل كثيراً جداً في تلك الأيام إشباعاً لرغباتي الخاصة. كانت الحقبة واقعية آنذاك: الجيل، الخلفية، القماشة التي كنت أشتغل عليه. كنت أعمل وأعاني تحت ظل ثلاثة مستبدين. وهؤلاء المستبدون كانوا في الكرملين. واليوم تسعى "بيريستريوكا" أن تصبح مخطّط قلب الحقبة. ربما، سيظهر كتاباً في يوم من الأيام يتحدث عن تلك الأيام، شيء ما يشبه مخطط قلب.
كان ستالين وهو في طريقه إلى الصعود يخفض سعر الجوارب والناس كانوا قانعين. الجوارب كانت تباع بكوبيكن أرخص من السابق. أما هو فقد كان يقوم بإنزال سعر الجوارب والقمصان التحتانية كل ستة شهور. لكن سعر الخبز لم يتغير. إنه مخطّط قلب.!!!
كانت الأفلام السوفييتية لتلك الفترة، وليس أفلامي فقط، أشبه بمخطط للرعب. مخطط للخوف. الخوف من أن تفقد فيلمك، الخوف من الفقر. الخوف على عملك.
(*) ألكسندر دوفجنكو (١٨٩٤-١٩٥٦) مخرج وكاتب سيناريو، سوفييتي أوكراني، غالباً ما يُستشهد به بوصفاً واحداً من أهم صانعي الأفلام السوفييتية الأوائل، جنباً إلى جنب سيرجي أيزنشتين، درزيغا فيرتوف وفيسيفولود بودوفكين. فضلاً عن كونه رائداً في نظرية المونتاج السينمائي. فيلمه "الأرض" ١٩٣٠ يعتبر الفيلم الذي أسس للسينما الشعرية السوفييتية.
ا