قبط (اقباط)
Copts - Coptes
القبط (الأقباط)
وردت كلمة القبط في المعجم بمعنى أهل مصر القديمة، وهو أمر تؤيده الدراسات والمقارنات التي أجراها علماء الآثار والأجناس، والتي تشير إلى تشابه كبير بين جماجم أخذت من مقابر الأقباط وغيرها أخذت من المومياءات المصرية القديمة، كما تؤيدها ترجيحات عدد من اللغويين المعاصرين حول اشتقاق اسم مصر في اللغات الأوربية من كلمة قبط E-gypt. ولعل القبط أكثر الطوائف إثارة للاهتمام من بين سكان مصر، إذ يعتقد كثير من المؤرخين ـ ومنهم هيرودوت ـ أن الأقباط هم من سلالة الأحباش والإثيوبيين الذين أسسوا خلال تنقلهم داخل مصر مدناً عدة على جانبي وادي النيل، كما تؤكد ذلك بشرتهم الضاربة إلى الصفرة وإلى العتمة، بمعنى أنه ليس بينهم وبين الزنوج في أواسط إفريقيا أي تشابه كما أنهم لم يقدموا على الاختلاط كثيراً بالإغريق، وأقاموا أولاً في مصر العليا، ثم انتشروا نحو الوجه البحري. تكلم الأقباط لهجة من لهجات اللغة المصرية القديمة الحافلة بعدد من الكلمات اليونانية المكتوبة بألفبائية يونانية معدّلة، وتدل كلمة أقباط حديثاً على أعضاء الكنيسة الأرثوذكسية القبطية في مصر الذين يستخدمون القبطية في صلواتهم، في حين يتحدثون العربية كسائر المصريين اليوم. ولايمكن للعلم الحديث أن يتجاهل حقيقة الصلة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الإفريقية الأخرى، ويرجح عدد من اللغويين أن اللغة القبطية أشبه بلغة الولف Walf السنغالية المنتشرة في غربي إفريقيا بعد دخول المسيحية إلى مصر على يد الحواري مرقس الذي بدأ التاريخ القبطي المسيحي، أو فيما يسمى عهد الشهداء، وكان ذلك سنة 303م، إذ تذكر الدراسات اضطهاد الأقباط في العصر الروماني، كما تذكر أن تاريخ المسيحية في مصر ارتبط ارتباطاًً وثيقاُ بعلاقات الإسكندرية بالقسطنطينية.
أدى الأقباط دوراً رائداً في تطوير الكنيسة المسيحية، وقد أسدوا أهم خدماتهم للديانة المسيحية منذ القرن الثالث الميلادي حتى منتصف القرن الرابع الميلادي، عندما أسس القبطي القديس أنطونيوس الكبير[ر] الحركة المسيحية الرهبانية التي اهتمت إلى درجة كبيرة بسيرة القديسين وأقوالهم وهذا جلي فيما تبقى من الأدب القبطي الذي يهيمن عليه هذا الموضوع. وعندما فتح العرب المسلمون مصر سنة 642م، دخل كثير من الأقباط في الإسلام، وبقي عدد منهم على ديانتهم، فبنوا في تلك الفترة عدداً من أهم كنائسهم وأديرتهم.
يعد الرئيس الديني الأعلى (البابا) عند الأقباط المرجع الأول لهم في شؤونهم الدينية والاجتماعية، وهم يحتكمون إليه ولا يخالفون له أمراً، ينتخب البابا بعد اجتماع المطارنة الذي ينتخب عادة أحد أعضاء الاجتماع، والرئيس الحالي للأقباط هو البابا شنودة الثالث، في حين يحتكم الأقباط في أمورهم العامة إلى الدولة وقوانينها كسائر أبناء مصر.
أسهم الأقباط منذ العهد العثماني بجزء من العمل الإداري في الدولة، مثل مسك دفاتر الضرائب والدخول والملكيات وسجلاتها. ويعد الأقباط تاريخياً كتبة مصر الحقيقيين ومسَّاحيها، إضافة إلى ممارسة الصناعات المختلفة، وتجارة المعادن الثمينة. أخذ الأقباط عن قدماء المصريين عادة ختان الذكور والإناث، ودافعوا عن فكرة تزويج صبيانهم وبناتهم بعد سن البلوغ مباشرة؛ وذلك بسبب حرارة الجو عندهم، وإن كانوا قد أقلعوا عن مثل هذه العادات حالياً.
يعيش في مصر اليوم نحو أربعة ملايين قبطي، في حين تنتشر جاليات قبطية أخرى في كل أنحاء العالم، وفي سبعينات القرن العشرين اجتمع رؤساء كل من الكنيستين القبطية الأرثوذكسية المرقسية والكاثوليكية الرومانية لبحث إمكانية لمّ الشمل. ولعل انتشار الأقباط في سائر أنحاء مصر قد أدى إلى إنهاء العزلة التي شعروا بها قبل استقلال مصر، ولم تستطع الأحداث الطارئة أن تمنعهم من ممارسة نشاطهم على جميع المستويات وفي جميع المجالات بعدِّهم أصل أهل مصر وجزءاً لايتجزأ من شعب مصر دائماً.
سمعان سليمان خوري
Copts - Coptes
القبط (الأقباط)
وردت كلمة القبط في المعجم بمعنى أهل مصر القديمة، وهو أمر تؤيده الدراسات والمقارنات التي أجراها علماء الآثار والأجناس، والتي تشير إلى تشابه كبير بين جماجم أخذت من مقابر الأقباط وغيرها أخذت من المومياءات المصرية القديمة، كما تؤيدها ترجيحات عدد من اللغويين المعاصرين حول اشتقاق اسم مصر في اللغات الأوربية من كلمة قبط E-gypt. ولعل القبط أكثر الطوائف إثارة للاهتمام من بين سكان مصر، إذ يعتقد كثير من المؤرخين ـ ومنهم هيرودوت ـ أن الأقباط هم من سلالة الأحباش والإثيوبيين الذين أسسوا خلال تنقلهم داخل مصر مدناً عدة على جانبي وادي النيل، كما تؤكد ذلك بشرتهم الضاربة إلى الصفرة وإلى العتمة، بمعنى أنه ليس بينهم وبين الزنوج في أواسط إفريقيا أي تشابه كما أنهم لم يقدموا على الاختلاط كثيراً بالإغريق، وأقاموا أولاً في مصر العليا، ثم انتشروا نحو الوجه البحري. تكلم الأقباط لهجة من لهجات اللغة المصرية القديمة الحافلة بعدد من الكلمات اليونانية المكتوبة بألفبائية يونانية معدّلة، وتدل كلمة أقباط حديثاً على أعضاء الكنيسة الأرثوذكسية القبطية في مصر الذين يستخدمون القبطية في صلواتهم، في حين يتحدثون العربية كسائر المصريين اليوم. ولايمكن للعلم الحديث أن يتجاهل حقيقة الصلة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الإفريقية الأخرى، ويرجح عدد من اللغويين أن اللغة القبطية أشبه بلغة الولف Walf السنغالية المنتشرة في غربي إفريقيا بعد دخول المسيحية إلى مصر على يد الحواري مرقس الذي بدأ التاريخ القبطي المسيحي، أو فيما يسمى عهد الشهداء، وكان ذلك سنة 303م، إذ تذكر الدراسات اضطهاد الأقباط في العصر الروماني، كما تذكر أن تاريخ المسيحية في مصر ارتبط ارتباطاًً وثيقاُ بعلاقات الإسكندرية بالقسطنطينية.
أدى الأقباط دوراً رائداً في تطوير الكنيسة المسيحية، وقد أسدوا أهم خدماتهم للديانة المسيحية منذ القرن الثالث الميلادي حتى منتصف القرن الرابع الميلادي، عندما أسس القبطي القديس أنطونيوس الكبير[ر] الحركة المسيحية الرهبانية التي اهتمت إلى درجة كبيرة بسيرة القديسين وأقوالهم وهذا جلي فيما تبقى من الأدب القبطي الذي يهيمن عليه هذا الموضوع. وعندما فتح العرب المسلمون مصر سنة 642م، دخل كثير من الأقباط في الإسلام، وبقي عدد منهم على ديانتهم، فبنوا في تلك الفترة عدداً من أهم كنائسهم وأديرتهم.
يعد الرئيس الديني الأعلى (البابا) عند الأقباط المرجع الأول لهم في شؤونهم الدينية والاجتماعية، وهم يحتكمون إليه ولا يخالفون له أمراً، ينتخب البابا بعد اجتماع المطارنة الذي ينتخب عادة أحد أعضاء الاجتماع، والرئيس الحالي للأقباط هو البابا شنودة الثالث، في حين يحتكم الأقباط في أمورهم العامة إلى الدولة وقوانينها كسائر أبناء مصر.
أسهم الأقباط منذ العهد العثماني بجزء من العمل الإداري في الدولة، مثل مسك دفاتر الضرائب والدخول والملكيات وسجلاتها. ويعد الأقباط تاريخياً كتبة مصر الحقيقيين ومسَّاحيها، إضافة إلى ممارسة الصناعات المختلفة، وتجارة المعادن الثمينة. أخذ الأقباط عن قدماء المصريين عادة ختان الذكور والإناث، ودافعوا عن فكرة تزويج صبيانهم وبناتهم بعد سن البلوغ مباشرة؛ وذلك بسبب حرارة الجو عندهم، وإن كانوا قد أقلعوا عن مثل هذه العادات حالياً.
يعيش في مصر اليوم نحو أربعة ملايين قبطي، في حين تنتشر جاليات قبطية أخرى في كل أنحاء العالم، وفي سبعينات القرن العشرين اجتمع رؤساء كل من الكنيستين القبطية الأرثوذكسية المرقسية والكاثوليكية الرومانية لبحث إمكانية لمّ الشمل. ولعل انتشار الأقباط في سائر أنحاء مصر قد أدى إلى إنهاء العزلة التي شعروا بها قبل استقلال مصر، ولم تستطع الأحداث الطارئة أن تمنعهم من ممارسة نشاطهم على جميع المستويات وفي جميع المجالات بعدِّهم أصل أهل مصر وجزءاً لايتجزأ من شعب مصر دائماً.
سمعان سليمان خوري