قطز (مظفر مملوكي)
Qutuz (al-Muzaffar al-Mamluki-) - Qotoz (al-Mozaffar al-Mamlouki-)
قطز (المظفّر المملوكي)
(…ـ 658 هـ/… ـ 1260م)
قطز بن عبد الله، الملك المظفر سيف الدين المعزي، أصله من مماليك المعز أيبك التركماني أول سلاطين المماليك في مصر، كان مملوكاً لتاجر في حي القصاعين المعروف بالقصاع حالياً بدمشق، وقيل لم يكن رقيقاً وإنما أُخذ من سبايا التتر، وقدم إلى الملك المعز فرّقاه في المناصب.
كان قطز منذ صغره يطمح إلى اعتلاء السلطة، وأن يكون له شأن في الشام ومصر، وهذا الطموح جعله يستعد ويعمل كل ما من شأنه الوصول إلى هذا المنصب الكبير مهما كلّفه ذلك من تضحيات، فشهد معارك كثيرة مع الأيوبيين أكسبته خبرة في الحروب، وأهلته صفاته الخلقية والجسمية لأن يكون قائداً، حيث كان يثور لكرامته، ويتأسى بأخلاق الملوك، ويعتز بعقيدته الإسلامية ويفاخر بها. وكان قوي البنية، توجه منذ صغره نحو التدرب على فنون الفروسية، وأجاد استخدام الرمح، وتميز بخفة حركته على حصانه، وكان يحمل الضغينة والحقد على المغول لما ارتكبوه من أعمال وحشية، وهذا ما يفسر اندفاعه واستجابته اللامحدودة للتصدي لهم في معركة عين جالوت.
خدم قطز عند السلاطين الأيوبيين والمماليك بكل إخلاص، وكاد أن يكلفه ذلك حياته؛ إذ تعرّض بسبب ذلك لمخاطر كثيرة، فاشترك مثلاً في القضاء على الأمير فارس الدين أقطاي الذي ثار على الملك المعز أيبك وأراد اغتصاب الحكم منه عام 652هـ/1254م، وكذلك قبض على الأمير علم الدين سنجر الحلبي الذي أراد أن يزيح السلطان علي بن الملك المعز أيبك عن الحكم عام 655هـ/1257م.
وفي عام 657هـ/1259م استغل قطز صغر سن السلطان المملوكي القائم على العرش الملك المنصور علي ليعلن عزله ويتولى مكانه، مبرراً ذلك أن السلطان الصغير لا يحسن تدبير أمور مصر في ذلك الوقت المضطرب الذي يحتاج إلى سلطان قوي وجريء، واحتج على عدم قدرة السلطان علي على ترتيب الأوضاع التي تحتاج إلى حزم وحدّة وقيادة قادرة على حشد الطاقات البشرية والاقتصادية لصد المغول، فقبض على الملك المنصور علي وأعلن نفسه سلطاناً، ولما أنكر عليه الأمراء هذا العمل اعتذر إليهم بقوله: «إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر، ولا يأتي ذلك بغير ملك فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم».
وقد وصلت لقطز وللمماليك أخبار المغول بقيادة هولاكو، وتدميرهم بغداد عاصمة الدولة العباسية، ثم دهمهم حلب التي خربوها وقتلوا أهلها وهدموا قلعتها، ثم استسلام دمشق لهم، ووجّه عند ذلك هولاكو خطاباً إلى قطز في عام 658هـ/1260م، يطلب منه الاستسلام، فما كان من قطز إلا أن عقد اجتماعاً عاجلاً مع أمراء دولته انتهى به إلى قرار يرفض إنذار هولاكو، ولم يكتف بذلك بل أقدم على قتل رسله الذين حملوا الإنذار، وفي تلك الأثناء غادر هولاكو بلاد الشام متوجهاً إلى عاصمته بعد أن سمع بقيام صراع على السلطة هناك، ولخوفه على أملاكه في إيران، موكلاً قيادة الجيش للقائد كتبغا.
وفي ظل هذه الأوضاع استقر رأي المماليك في مصر على مقاومة العدو، فوضع المظفر قطز مع الظاهر بيبرس خطة عسكرية محكمة، وحدثت المعركة، فالتقى بالمغول في موضعين، في «عين جالوت» في فلسطين بين بيسان ونابلس، وفي «بيسان» في رمضان سنة 658هـ، فانتصر عليهم وشتت شملهم وقتل قائد جيشهم كتبغا واستولى على كثير من أسلابهم، وتوجه نحو دمشق ودخلها، ثم سيطر على سائر بلاد الشام من الفرات إلى حدود مصر، واستناب نوابه على كل من دمشق، وحماة، وحلب، والمعرة، والسلمية، والساحل، وغزة.
كانت معركة عين جالوت من المعارك الحاسمة في التاريخ العربي والإسلامي لما ترتب عليها من نتائج مهمة، حيث ظهرت دولة المماليك على أنها القوة الأساسية في المنطقة، ولقي المغول ولأول مرة في تاريخهم في الشرق هزيمة حاسمة، وبذلك قُضي على الخرافة التي تقول إن المغول لا يغلبون. وأنقذت هذه المعركة العرب والمسلمين وأوربا من خطر عظيم، لأن المغول كانوا ماضين في زحفهم، كما أدى انتصار المماليك إلى احتفاظ مصر بحضارتها ومدنيتها على عكس ما حدث لبغداد من الدمار والخراب.
كانت نهاية قطز بعد معركة عين جالوت مباشرة في ذي القعدة من السنة نفسها، إذ اتفقت جماعة من المماليك بزعامة الأمير ركن الدين بيبرس على قتل السلطان المظفر قطز، وكان قطز قد وعد بيبرس عند الانتصار على المغول أن يعطيه حلب، ولكنه ولّى عليها غيره فأثّر ذلك في بيبرس، ولكي يصل هؤلاء إلى تحقيق ما اتفقوا عليه من الغدر بالسلطان تقدم إليه بيبرس طالباً منه العفو عن أحد رجاله، وقيل طلب منه امرأة من سبي التتار، فأنعم عليه بها، وتقدم بيبرس يقبل يده (وكانت هذه إشارة بينه وبين أصحابه) فانتهزوا الفرصة وانقضوا على قطز بسيوفهم ورموه عن فرسه، ورشقوه بالنشاب حتى قتلوه وتركوه ملقى على الأرض إلى أن دفنه بعض خدمه.
عمار النهار
Qutuz (al-Muzaffar al-Mamluki-) - Qotoz (al-Mozaffar al-Mamlouki-)
قطز (المظفّر المملوكي)
(…ـ 658 هـ/… ـ 1260م)
قطز بن عبد الله، الملك المظفر سيف الدين المعزي، أصله من مماليك المعز أيبك التركماني أول سلاطين المماليك في مصر، كان مملوكاً لتاجر في حي القصاعين المعروف بالقصاع حالياً بدمشق، وقيل لم يكن رقيقاً وإنما أُخذ من سبايا التتر، وقدم إلى الملك المعز فرّقاه في المناصب.
كان قطز منذ صغره يطمح إلى اعتلاء السلطة، وأن يكون له شأن في الشام ومصر، وهذا الطموح جعله يستعد ويعمل كل ما من شأنه الوصول إلى هذا المنصب الكبير مهما كلّفه ذلك من تضحيات، فشهد معارك كثيرة مع الأيوبيين أكسبته خبرة في الحروب، وأهلته صفاته الخلقية والجسمية لأن يكون قائداً، حيث كان يثور لكرامته، ويتأسى بأخلاق الملوك، ويعتز بعقيدته الإسلامية ويفاخر بها. وكان قوي البنية، توجه منذ صغره نحو التدرب على فنون الفروسية، وأجاد استخدام الرمح، وتميز بخفة حركته على حصانه، وكان يحمل الضغينة والحقد على المغول لما ارتكبوه من أعمال وحشية، وهذا ما يفسر اندفاعه واستجابته اللامحدودة للتصدي لهم في معركة عين جالوت.
خدم قطز عند السلاطين الأيوبيين والمماليك بكل إخلاص، وكاد أن يكلفه ذلك حياته؛ إذ تعرّض بسبب ذلك لمخاطر كثيرة، فاشترك مثلاً في القضاء على الأمير فارس الدين أقطاي الذي ثار على الملك المعز أيبك وأراد اغتصاب الحكم منه عام 652هـ/1254م، وكذلك قبض على الأمير علم الدين سنجر الحلبي الذي أراد أن يزيح السلطان علي بن الملك المعز أيبك عن الحكم عام 655هـ/1257م.
وفي عام 657هـ/1259م استغل قطز صغر سن السلطان المملوكي القائم على العرش الملك المنصور علي ليعلن عزله ويتولى مكانه، مبرراً ذلك أن السلطان الصغير لا يحسن تدبير أمور مصر في ذلك الوقت المضطرب الذي يحتاج إلى سلطان قوي وجريء، واحتج على عدم قدرة السلطان علي على ترتيب الأوضاع التي تحتاج إلى حزم وحدّة وقيادة قادرة على حشد الطاقات البشرية والاقتصادية لصد المغول، فقبض على الملك المنصور علي وأعلن نفسه سلطاناً، ولما أنكر عليه الأمراء هذا العمل اعتذر إليهم بقوله: «إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر، ولا يأتي ذلك بغير ملك فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم».
وقد وصلت لقطز وللمماليك أخبار المغول بقيادة هولاكو، وتدميرهم بغداد عاصمة الدولة العباسية، ثم دهمهم حلب التي خربوها وقتلوا أهلها وهدموا قلعتها، ثم استسلام دمشق لهم، ووجّه عند ذلك هولاكو خطاباً إلى قطز في عام 658هـ/1260م، يطلب منه الاستسلام، فما كان من قطز إلا أن عقد اجتماعاً عاجلاً مع أمراء دولته انتهى به إلى قرار يرفض إنذار هولاكو، ولم يكتف بذلك بل أقدم على قتل رسله الذين حملوا الإنذار، وفي تلك الأثناء غادر هولاكو بلاد الشام متوجهاً إلى عاصمته بعد أن سمع بقيام صراع على السلطة هناك، ولخوفه على أملاكه في إيران، موكلاً قيادة الجيش للقائد كتبغا.
وفي ظل هذه الأوضاع استقر رأي المماليك في مصر على مقاومة العدو، فوضع المظفر قطز مع الظاهر بيبرس خطة عسكرية محكمة، وحدثت المعركة، فالتقى بالمغول في موضعين، في «عين جالوت» في فلسطين بين بيسان ونابلس، وفي «بيسان» في رمضان سنة 658هـ، فانتصر عليهم وشتت شملهم وقتل قائد جيشهم كتبغا واستولى على كثير من أسلابهم، وتوجه نحو دمشق ودخلها، ثم سيطر على سائر بلاد الشام من الفرات إلى حدود مصر، واستناب نوابه على كل من دمشق، وحماة، وحلب، والمعرة، والسلمية، والساحل، وغزة.
كانت معركة عين جالوت من المعارك الحاسمة في التاريخ العربي والإسلامي لما ترتب عليها من نتائج مهمة، حيث ظهرت دولة المماليك على أنها القوة الأساسية في المنطقة، ولقي المغول ولأول مرة في تاريخهم في الشرق هزيمة حاسمة، وبذلك قُضي على الخرافة التي تقول إن المغول لا يغلبون. وأنقذت هذه المعركة العرب والمسلمين وأوربا من خطر عظيم، لأن المغول كانوا ماضين في زحفهم، كما أدى انتصار المماليك إلى احتفاظ مصر بحضارتها ومدنيتها على عكس ما حدث لبغداد من الدمار والخراب.
كانت نهاية قطز بعد معركة عين جالوت مباشرة في ذي القعدة من السنة نفسها، إذ اتفقت جماعة من المماليك بزعامة الأمير ركن الدين بيبرس على قتل السلطان المظفر قطز، وكان قطز قد وعد بيبرس عند الانتصار على المغول أن يعطيه حلب، ولكنه ولّى عليها غيره فأثّر ذلك في بيبرس، ولكي يصل هؤلاء إلى تحقيق ما اتفقوا عليه من الغدر بالسلطان تقدم إليه بيبرس طالباً منه العفو عن أحد رجاله، وقيل طلب منه امرأة من سبي التتار، فأنعم عليه بها، وتقدم بيبرس يقبل يده (وكانت هذه إشارة بينه وبين أصحابه) فانتهزوا الفرصة وانقضوا على قطز بسيوفهم ورموه عن فرسه، ورشقوه بالنشاب حتى قتلوه وتركوه ملقى على الأرض إلى أن دفنه بعض خدمه.
عمار النهار