معرض الكتاب السوري 2022.. هل من وقت للقراءة؟
أنور محمد 28 أكتوبر 2022
آراء
من المعرض
شارك هذا المقال
حجم الخط
هل من وقتٍ للقراءة عند الإنسان السوري في هذه الزلزلة/ الحرب، وهل هناك فعلًا أوقات (فراغ) للقيام بمثل هذا العمل السري أمام الفقر والعوز وافتقاد أساسيات الحياة وتحوّلُ هذا الكائن إلى ضحية؟.. القراءة في تقهقر في هذه الحرب اللعينة، فما عاد هناك وقتٌ للقراءة والتأمُّل، ولا للسهرات. مع أنَّ القراءة هي فعل امتلاء بالثقافة والمعرفة، ودعوة إلى التفكير، وليست لشغل زمن فارغ.
في المعرض المُقام للكتاب السوري في مكتبة الأسد بالعاصمة السورية دمشق، والذي جاء تحت عنوان (نقرأ لنرتقي)، وهو الدورة الثانية، الأَولى كانت عام 2021، والذي أقيمَ ليسدَّ فراغًا بعد توقُّف معرض دمشق الدولي للكتاب بسبب الحرب التي انفجرت عام 2011، كما توقَّف بسببها مهرجان دمشق السينمائي الدولي ومهرجان دمشق المسرحي، سنرى نوعين من الكتب ذات عناوين تكشف عن أنَّ هناك كتابا مُصنَّعا، أو هو نصٌّ صناعي كما تُصنع مستحضرات التجميل أو قطع تبديل السيارات وغيرها؛ وقد تخصَّصت بهذا النوع من صناعة الكتاب الكثير من دور النشر المشاركة في المعرض، وهناك كتبٌ ذات نصٍّ إبداعي/وِلَادي، غايتها إقامة علاقة عضوية ما بينها- مؤلِّفها، وما بين القارئ. وهذه الكتب ذات روح، أو هي أرواحٌ تعيش معنا، وإن لم نقرأها.
معرض الكتاب السوري هذا والذي شاركت فيه 11 دار نشر عامة و39 دار نشر خاصة- 12 منها متخصِّصة في إصدار كتب الأطفال- وبأكثر من عشرة آلاف كتاب، بدا معرضًا تقليديًا مثل سوقٍ لترويج بضاعة – هنا الكتب. ولو إنَّنا ذهبنا إلى الكتاب المُصنَّع باعتباره بضاعةً تبغي الربح سنجد أنَّ له زبائنه من مُدَّعي القراءة الذين يرتادون المعارض للتسوق؛ تسوُّق الكتب للتزيُّن؛ لحيازتها، أو بقصد الزينة، كمن يعلِّق على صدره نياشين الفهم والعلم والنصر، باعتبار أنَّ هذه العناوين المُصنَّعة، وتلك المُبدَعة، إنَّما هي شهادات لمحو أمِّيته. وهؤلاء، أو هذه الطبقة/ الشريحة، من أثرياء الحرب أو من مُحدثي النعمة. وقد شاهدنا كيف يتسوّقون الكتب ذات العناوين الكبيرة من كتب التراث الأدبي والتاريخي والديني، فيما قرَّاء آخرون يرمقون الكتب بنظرات تَحَسُّر، وأيديهم على جيوبهم التي سرق تجَّار الحرب ما فيها بما في ذلك ثمنَ لقمة عيشهم، التي صار السوري لا يعرف كيف يحصل عليها برغم أنَّ أغلب العناوين التي جاوزت عشرة آلاف كتاب مكرَّرة عن نسخة معرض عام 2021.
ما ذنب السوري وقد تردَّى وضعه الاقتصادي بسبب الحرب، بالتالي تردَّى أو تراجع فعل القراءة عنده؛ كانت قراءته للكتب الأدبية والعلمية والدينية والتاريخية.. إلخ، أو لقراءة المجلات والصحف التي جفَّ حبرها من على الورق- لا صحف ورقية؛ لقد صارت إلكترونية. بل إنَّ وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب هي الأخرى قامت بإصدار الكتاب الإلكتروني، ربَّما توفيرًا للورق، مع أنَّها الجهة الرسمية الوحيدة التي تدعم الكتاب ولا تفكِّر بالربح- جميع كتب الهيئة تباع خلال أيام المعرض بحسم مقداره 50 بالمئة من سعر الغلاف- و35 في المئة لباقي دور النشر الخاصة، وإن كان البعض منها لا جدوى ثقافية؛ معرفية وفكرية من قراءتها، كأنَّ لا سياسة إستراتيجية أو ممنهجة لإصداراتها كما كانت تعمل أيَّام كان المفكِّر أنطوان مقدسي يترأس هيئة تحرير إصدار الكتب، وكذلك القاص الناقد محمد كامل الخطيب. لقد تردَّى وضعها، وضع مطبوعاتها، خاصة النصوص (المُبْدَعة)، ربَّما لتعاقب رؤساء لهيئة الكتاب غير أكفاء أو ليسوا أصحاب رؤى ومشاريع ثقافية. لندقِّق في عناوين مطبوعاتها المشاركة في المعرض التي بلغت نحو 1600 عنوان كتاب مُؤلَّف ومُترجم في مختلف المجالات الأدبية والفكرية والثقافية والسياسية، إضافة إلى المنشورات الصادرة عن الهيئة والموجَّهة إلى الطفل والسلاسل والدوريات- نستثني منها كتب الأطفال وبعض الإصدارات المؤلَّفة والمُترجمة، سنجد أنَّها لا تصلح للقراءة، وينسحب هذا على مطبوعات اتحاد الكتَّاب العرب المُشارك في عناوين أغلبها لا تشفي من مرض. بل تزيد من أمراض التخلف والجهل، كونها لا تنفع العقل ولا تشبع حاجة معرفية. ما هذا النهم لإصداراتٍ تتكدَّس في مستودعات هاتين المؤسَّستين ولا تجد سوقًا لها حتى في مثل هذه المعارض. لننظر إلى معارض الكتب العربية إن في مصر أو الشارقة أو المغرب.. إلخ، كّمْ تجتذب قرَّاءً وقرَّاء، وتستضيف مبدعين يحملون مشاريع فكرية نهضوية في أعمالهم النقدية والروائية والمسرحية والفلسفية وغيرها من فروع العلم والمعرفة؟
أين ذاك العقل السوري الذي يشتغل بغيرة على عقل إنساننا في التفكير الفلسفي في سائر العلوم كانت نظرية أو تطبيقية؛ في الأدب والاجتماع والسياسة والتاريخ والطب والرياضيات واللغة وفقه اللغة.. إلخ؟. إنَّ بعض العناوين المشاركة في المعرض يمكن مقارنتها بدليل محطات الوقود أو الحانات أو المطاعم والمقاهي. طبعًا أنا لا أطعن في هذه الكتب، إنَّما الواقع هو كذلك. حتى تلك الفعاليات المرافقة والمصاحبة لمعرض الكتاب السوري 2022 لم تكن بأحسن حالٍ من حال الكتاب- خاصة الندوات النقدية ذات العناوين الضخمة: ندوة عن "المكتبة السميساطية.. رؤية معاصرة"، ندوة عن "ترميم المخطوطات وأساليب حفظها"، ندوة بعنوان "حماية الملكية الفكرية.. ضرورة وصناعة النشر"، ندوة بعنوان "العود.. تاريخ وصناعة ومزايا"، ندوة بعنوان "أدب الأطفال"، ندوة بعنوان "السردية الروائية بين الواقعية والفضاء المكاني"؛ والتي شارك فيها كتَّاب ونقَّاد سوريون. وكذلك العروض السينمائية لمجموعة أفلام من إنتاج المؤسَّسة العامة للسينما: فيلم "الإفطار الأخير" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، فيلم "حكاية في دمشق" للمخرج أحمد إبراهيم - أنظر "ضفة ثالثة"، 15 مايو 2022، فيلم "الظهر إلى الجدار" للمخرج أوس محمد، فيلم "غيوم داكنة" للمخرج أيمن زيدان- أنظر "ضفة ثالثة"، 3 يونيو 2021 ، فيلم "نجمة الصبح" للمخرج جود سعيد- أنظر "ضفة ثالثة"، 6 يناير 2021 ، فيلم "الرحلة 17" للمخرج علي الماغوط. فماذا فعلت؟ أو ماذا ستترك من أثر؟
عمليًا وإن كان لا وقت للقراءة في هذه الحرب التي لم تنتهِ، فإنَّنا نتذكَّر تساؤل الفيلسوف والمفكِّر جان بول سارتر: ما قيمة الأدب في عالمٍ يجوع؟.. لنسأل بدورنا: ما قيمة القراءة في عالمٍ أفقرت الحرب الناس؛ بل صاروا عالةً على الحياة؟ ونجيب مع سارتر: لا قيمة له، لا قيمة لها.
أنور محمد 28 أكتوبر 2022
آراء
من المعرض
شارك هذا المقال
حجم الخط
هل من وقتٍ للقراءة عند الإنسان السوري في هذه الزلزلة/ الحرب، وهل هناك فعلًا أوقات (فراغ) للقيام بمثل هذا العمل السري أمام الفقر والعوز وافتقاد أساسيات الحياة وتحوّلُ هذا الكائن إلى ضحية؟.. القراءة في تقهقر في هذه الحرب اللعينة، فما عاد هناك وقتٌ للقراءة والتأمُّل، ولا للسهرات. مع أنَّ القراءة هي فعل امتلاء بالثقافة والمعرفة، ودعوة إلى التفكير، وليست لشغل زمن فارغ.
في المعرض المُقام للكتاب السوري في مكتبة الأسد بالعاصمة السورية دمشق، والذي جاء تحت عنوان (نقرأ لنرتقي)، وهو الدورة الثانية، الأَولى كانت عام 2021، والذي أقيمَ ليسدَّ فراغًا بعد توقُّف معرض دمشق الدولي للكتاب بسبب الحرب التي انفجرت عام 2011، كما توقَّف بسببها مهرجان دمشق السينمائي الدولي ومهرجان دمشق المسرحي، سنرى نوعين من الكتب ذات عناوين تكشف عن أنَّ هناك كتابا مُصنَّعا، أو هو نصٌّ صناعي كما تُصنع مستحضرات التجميل أو قطع تبديل السيارات وغيرها؛ وقد تخصَّصت بهذا النوع من صناعة الكتاب الكثير من دور النشر المشاركة في المعرض، وهناك كتبٌ ذات نصٍّ إبداعي/وِلَادي، غايتها إقامة علاقة عضوية ما بينها- مؤلِّفها، وما بين القارئ. وهذه الكتب ذات روح، أو هي أرواحٌ تعيش معنا، وإن لم نقرأها.
"في هذا المعرض سنرى نوعين من الكتب ذات عناوين تكشف عن أنَّ هناك كتابا مُصنَّعا، أو هو نصٌّ صناعي كما تُصنع مستحضرات التجميل أو قطع تبديل السيارات وغيرها؛ وقد تخصَّصت بهذا النوع من صناعة الكتاب الكثير من دور النشر المشاركة في المعرض" |
ما ذنب السوري وقد تردَّى وضعه الاقتصادي بسبب الحرب، بالتالي تردَّى أو تراجع فعل القراءة عنده؛ كانت قراءته للكتب الأدبية والعلمية والدينية والتاريخية.. إلخ، أو لقراءة المجلات والصحف التي جفَّ حبرها من على الورق- لا صحف ورقية؛ لقد صارت إلكترونية. بل إنَّ وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب هي الأخرى قامت بإصدار الكتاب الإلكتروني، ربَّما توفيرًا للورق، مع أنَّها الجهة الرسمية الوحيدة التي تدعم الكتاب ولا تفكِّر بالربح- جميع كتب الهيئة تباع خلال أيام المعرض بحسم مقداره 50 بالمئة من سعر الغلاف- و35 في المئة لباقي دور النشر الخاصة، وإن كان البعض منها لا جدوى ثقافية؛ معرفية وفكرية من قراءتها، كأنَّ لا سياسة إستراتيجية أو ممنهجة لإصداراتها كما كانت تعمل أيَّام كان المفكِّر أنطوان مقدسي يترأس هيئة تحرير إصدار الكتب، وكذلك القاص الناقد محمد كامل الخطيب. لقد تردَّى وضعها، وضع مطبوعاتها، خاصة النصوص (المُبْدَعة)، ربَّما لتعاقب رؤساء لهيئة الكتاب غير أكفاء أو ليسوا أصحاب رؤى ومشاريع ثقافية. لندقِّق في عناوين مطبوعاتها المشاركة في المعرض التي بلغت نحو 1600 عنوان كتاب مُؤلَّف ومُترجم في مختلف المجالات الأدبية والفكرية والثقافية والسياسية، إضافة إلى المنشورات الصادرة عن الهيئة والموجَّهة إلى الطفل والسلاسل والدوريات- نستثني منها كتب الأطفال وبعض الإصدارات المؤلَّفة والمُترجمة، سنجد أنَّها لا تصلح للقراءة، وينسحب هذا على مطبوعات اتحاد الكتَّاب العرب المُشارك في عناوين أغلبها لا تشفي من مرض. بل تزيد من أمراض التخلف والجهل، كونها لا تنفع العقل ولا تشبع حاجة معرفية. ما هذا النهم لإصداراتٍ تتكدَّس في مستودعات هاتين المؤسَّستين ولا تجد سوقًا لها حتى في مثل هذه المعارض. لننظر إلى معارض الكتب العربية إن في مصر أو الشارقة أو المغرب.. إلخ، كّمْ تجتذب قرَّاءً وقرَّاء، وتستضيف مبدعين يحملون مشاريع فكرية نهضوية في أعمالهم النقدية والروائية والمسرحية والفلسفية وغيرها من فروع العلم والمعرفة؟
"إنَّ بعض العناوين المشاركة في المعرض يمكن مقارنتها بدليل محطات الوقود أو الحانات أو المطاعم والمقاهي. طبعًا أنا لا أطعن في هذه الكتب، إنَّما الواقع هو كذلك" |
عمليًا وإن كان لا وقت للقراءة في هذه الحرب التي لم تنتهِ، فإنَّنا نتذكَّر تساؤل الفيلسوف والمفكِّر جان بول سارتر: ما قيمة الأدب في عالمٍ يجوع؟.. لنسأل بدورنا: ما قيمة القراءة في عالمٍ أفقرت الحرب الناس؛ بل صاروا عالةً على الحياة؟ ونجيب مع سارتر: لا قيمة له، لا قيمة لها.