مهرجان فلسطين الوطني الثالث للمسرح: استلهام الحصار
تحسين يقين 23 ديسمبر 2022
مسرح
مشاهد من مسرحيات "صور" و"لغم أرضي" و"معتقلة"
شارك هذا المقال
حجم الخط
يمكننا الآن تأمل اتجاهات مهرجان فلسطين الوطني الثالث للمسرح الذي عقد مؤخرًا، حيث نجد الموضوع الفلسطيني قد حضر إنسانيًا، من خلال إحالات أو تكييفات النصوص عبر قراءة فلسطينية للنصوص العالمية.
وربما هو صدفة أو تقليد لتعامل المسرحيين عالميًا مع الفضاء، أو بسبب الحالة الفلسطينية الموضوعية، فقد تمت ملاحظة الاتجاه نحو التعامل مع فضاء الأمكنة على الخشبة، ما يشي بسطوة موضوع حصر الفلسطينيين مكانيًا، حيث لجأ المسرحيون هنا إلى الاشتباك النفسي والاجتماعي بل والسياسي، بدلًا من تصوير حالة التدافع التي وُجد الناس فيها.
اعتمد هذا المقال على عروض مهرجان فلسطين الوطني الثالث للمسرح، باستثناء غير مقصود لعرضي المسرح من قطاع غزة، وهما: "الرماديون" لرأفت العايدي، و"يافا وأبوها" لسعيد البيطار، حيث لم يتيسر لي مشاهدة كافية للفيديو الذي تم تسجيله وعرضه.
فهذه "خراريف"، من بيت جالا، تصور الفضاء الذي وجد فيه الزوج والزوجة، كحالة مغلقة، وسط مجتمع متنازع، على حدود الصراع، أما في "معتقلة" فهو فضاء السجن والتحقيق، كذلك في "صور" لمسرح سنابل، حيث ذات الفضاء المحدود، الذي زادت من محدوديته التحولات السياسية التي مرت بها فلسطين، في حين كان فضاء "ممثل انتحاري" لفرقة مسرح مجد الكروم حيث يفرّ الرجل ليجد نفسه في فضاء آخر، أسيرًا ربما، لنكتشف أنهم جميعًا في ذات الحصار. كذلك الحال في "ثنائية هذيان وسنة حلوة يا ذبيح"، لمسرح المجد -حيفا، حيث الفضاء الاجتماعي والسياسي في المكان والزمان، الذي حوصرت فيه المرأة، من المجتمع والنظام القمعيين. أما "لغم أرضي" لمسرح القصبة، فإننا أيضًا إزاء فضاء محدد مطوق بألغام، حيث يصبح الاشتباك حالة خلاص. بينما مسرحية "الفيل" المقتبسة عن مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس، هي فضاء الحريات والعدالة، من خلال توظيف الحجر الصحي في البيوت خشية الكورونا. وقد تجلت الاتجاهات المسرحية إذًا في اختيار المحيط النفسي الاجتماعي الوطني والفلسفي؛ من زوجين وسط حياة صراع كما في "خراريف" و"صور"، و"لغم أرضي"، وعالم المرأة المعتقلة إلى عالم البحث عن خلاص لكل شخصيات، "ممثل انتحاري"، وخلاص المرأتين في "ثنائية هذيان وسنة حلوة يا ذبيح"، وانتهاء بموضوع الحكم من خلال خلاص الناس. وهو قلق وجودي في رحلة البحث عن الخلاص، والذي يشكل وجود المتدافعين ملاذًا لهما/لهم، وللمجموع بشكل عام.
وأظن أن اختيار الشكل الإخراجي هنا، قد انسجم مع الموضوع، حيث تم توظيف ما يلزم من ديكور وسينوغرافيا، والذي بدا أحيانًا أنه تمت المبالغة به، كون النص والفكرة كانت كافية لحمل العرض كما في "ممثل انتحاري".
لقد كان تعامل المخرجين مع الفضاء منسجمًا، وإن كان متفاوتًا إبداعيًا، سواء في اختيار مسرحية "خراريف" لثلث خشبة المسرح، في حين كان فضاء السجن محدودًا في "معتقلة"، حيث تم تصوير التوتر من خلال الرقص التعبيري، وأكثر ما تجلى إبداعًا في اختيار فضاء الدائرة في "لغم أرضي"، أما في "ثنائية هذيان وسنة حلوة يا ذبيح"، فتم التعامل مع فضاءين: زمان ومكان.
وإذا تحدثنا عن الإخراج إبداعيًا، فإن مسرحية "ثنائية هذيان وسنة حلوة يا ذبيح" للمخرج إياد شيتي كانت الأكثر جدية في اقتراح شكل إخراجي، بحيث جمعت عالمين، بصري وموضوعي؛ فكل جهة في المسرح لها حكاية، فصرنا إزاء حكايتين، انطبقتا في نهاية العرض، كأنما للإيحاء بأنه لا يمكن فصل ما هو اجتماعي عما هو سياسي ومجتمعي عام، وقد احتاج العرض إلى تكثيف الزمن، حتى لا يشعر المشاهد بفراغ ما.
أما "لغم أرضي"، للفنان جورج إبراهيم، فتميز بعدم وجود فراغات، حيث ظل جاذبًا الجمهور.
ولعل مسرحية "الفيل"، بالرغم من مباشرتها وخطابيتها، كانت العرض الأكثر اكتمالًا بما يلائم جمهورا عامًا ونخبويًا في الوقت نفسه. لقد نفذ أحمد الطوباسي عرضًا ممتعًا، جريئًا وجميلًا بحركة حيوية طوال العرض.
على مستوى عمق الموضوع كان "ممثل انتحاري" هو الأكثر عمقًا، حين تمت أنسنة الباحثين عن الخلاص، حتى أولئك المنضوين في جماعة إرهابية. عروض
"خراريف": "فكرك بنطلع من هون"- كان هذا أحد أهم أسئلة مسرحية "خراريف" واقعيًا ورمزيًا، وهي عن نص يوجين يونسكو، قام بإخراجها بشكل جمالي وموضوعي جاذب الفنان محمد عيد، في حين أدى الفنان نقولا زرينة وهديل تكروري دورين مميزين، من خلال اختيار بداية مشجعة وتأمل حياة كل منهما ومآلات المصير، في حين كان يختتم المشهد بزخات من الرصاص، حيث تم توطين نص يونسكو من خلال وجود زوجين يعيدان النظر في علاقتهما، فيمنحهما ذلك فرصة اكتشاف الذات، وبالتالي اللجوء لتصالحية ما، فيلوذان ببعضهما وسط هذا الصراع العنيف خارج البيت. ولقد جاء حصر العرض في الثلث الأيسر من خشبة المسرح، مجالًا بصريًا ربما للتركيز في العلبة المختصرة من العلبة الكلاسيكية نفسها. وأضفت الكوميديا حيوية خففت من حالة الاشتباك الداخلي النفسي والاجتماعي والصراع. ولعل الجاري هنا بعبثية ما يرمز إلى ممكنات الحياة معا. هو نزاع نفسي، نزاع بين زوجين، وسط مجتمع متنازع، على جانبي حالة صراع قومي.
"معتقلة": نقدت الخطاب النمطي، في البدء والأخير، لخلق حالة مفارقة ساخرة، حيث من السهل كما يبدو الحديث عن حالة الأسر للمرأة، لكن أن تعيش المرأة الحالة، فذلك مأساة كبرى. وهذا ما أرادت المسرحية نقده اجتماعيًا وسياسيًا وإعلاميًا.
المسرحية من نص وتمثيل شذى أبو حسين، وإخراج وتمثيل معتصم أبو حسن. ظهرت فيها لعبة حركية مهمة، فمن جانب الأسيرة وفق العرض باختيار الرقص التعبيري النزق. حاكى العرض الإيمائي تحقيق السجان، فظهرت أساليب التعذيب، إبداعيًا، لتوصل جوهر كل هذا العذاب بجميع أنواعه، لتنقله لنا بل لتجعلنا نعيش ذلك. ولعل العرض نجح في الخروج من هذا التوتر من خلال تذكر ما قبل الاعتقال.
"صور": ذياب المقدسي وزوجته وسط مراحل الصراع هنا تحت الاحتلال، وصولًا للتحولات، والإصرار على الأمل، حيث وأخيرًا تحدث الولادة بعد طول أحمال كاذبة، أخرج العرض الفنان نضال مهلوس، وهو من تمثيل أحمد أبو سلعوم ومايا النشاشيبي. لقد لفت النظر هنا تعامل المخرج مع الرسائل الرمزية عن البقاء والتوظيف الجيد الساخر للإعلام.
"ممثل انتحاري": لفرقة راس عروس مسرح مجد الكروم، تمثيل فزع حمود، وإبراهيم نعامنة، وخالد مروات، وسماهر منصور، من نص للفنان إبراهيم خلايلة، الذي قام بإخراجه.ولعلها الأكثر عمقًا، فبالرغم من أن العرض يعيد فلسطينيي عام 1948 إلى السطح السياسي والإعلامي، إلا أنه في العمق تجري حالات من التحليل النفسي لكل من شخصية الممثل الذي يلجأ لجماعة دواعشية، وأيضًا للشخصيتين الدواعشيتين، اللتين يبدو أنه تم اصطيادهما بل توريطهما، حيث ما زال في داخلهما، وداخل شخصية المرأة، حنين إلى الحياة العادية بعيدًا عن كل هذا الصخب المجنون.على مستوى عناصر الخشبة، لم يكن النص بحاجة للكثير من الديكور، فقد كان النص والتمثيل كافيين.
"ثنائية هذيان وسنة حلوة يا ذبيح": نص العراقي هيثم السعدي، لمسرح المجد- حيفا، للمخرج إياد شيتي، تمثيل رلى نصار وآلاء محمد.
فضاؤه المجتمع العراقي، وربما ينطبق ذلك على مجتمعات أخرى بالطبع. كما قلنا وضعنا المخرج في حالتي انفصال شكلانيًا، من خلال تقسيم خشبة المسرح لحكايتين، لامرأة مقموعة سياسيا، كما يبدو من خلال نظام الحكم، وما يتم ضغطها به، والأخرى التي تعاني من القمع الاجتماعي. تفسير ذلك هو ربما اختراع شكل إخراجي يقدم بالتناوب شريحتين شفافتين، يجعل المشاهد مفكرًا بالسياقين الاجتماعي والسياسي وسط صراعات، ليصل إلى أنهما يشكلان معًا منظومة حكم وحياة.
"لغم أرضي": النص للكاتب اللبناني ايلي كمال وإخراج جورج إبراهيم، تمثيل أميرة حبش وغسان أشقر. تغوص المسرحية فينا نفسيًا واجتماعيًا وسياسيًا ودوليًا بل ووجوديًا، أو نغوص فيها، وفي نفس كل منا أكثر؛ فهي وإن تظهر علاقة الزوجين ببعضهما بعضًا في منحى رمزي مغلّف بمسحة وجودية، إنما ترى هذا العالم، باتجاه تحرير الإنسان من سلطة التحكم، إلى سرور العيش نفسه، فلن يكون الزمن سخيًا جدًا، حتى ينتظر الإنسان ليجد وقتًا للحياة، ووقتًا لمن يحبه، حتى وإن نتف غسان شعيرات ذقنه البيضاء ليبدو أصغر كثيرًا؛ فسيأتي وقت يرحل فيه الأحبة، حتى وإن كنا غير متقبلين لفكرة العيش بدونهم.
أغنتنا المسرحية في تأملنا الحياة الزوجية كجزء من الواقع الاجتماعي، كما هو الواقع الظاهري لها، والإيحاء عن مشاعر الشوق والشغف والشك والأنانية، حيث بذرت بذورًا فكرية هنا، فيما يخص المرأة، والتي تخص ربما المرأة في عقدي الثلاثينات والأربعينات من عمرها، حيث ترفض "ندى" (والنساء) بأن تكون المرأة هنا "فشة خلق" للذكر المتعرض لأي أزمة وضغط من الحياة، فرغم "تحملها" في الماضي، إلا أنها لم تعد نجد مبررًا لذلك، ولا بد أن يبدأ التغيير، حتى لا يظل "غسان" والرجال ساخرين من ذهاب النساء بالجملة للحمام، كفضاء خاص وحيد للبوح والفضفضة. وسيكون التغيير بكسر الصور النمطية للمرأة في الحية والتراث (قصة الأمير) حيث تسخر "ندى" من صورة المرأة في القصة التي جعلتها جارية.
"الفيل": وهي لمسرح الحرية، من إخراج أحمد الطوباسي، عن نص "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس، تمثيل إيهاب عابد وجمال جعص وخالد فرج وشذا ياسين ومحمود أبو عيطة ومعتصم أبو حسن ومؤمن السعدي.
هي لعبة الحكم، من خلال لعبة مسرحية، من عالم السيرك مقدمة للإيحاء بالسيرك السياسي، وهي كوميديا استعراضية ناقدة في سخرية، تنتقد الحاكم والمحكوم. بحث الناس عن العدالة كخلاص عام، لكن بدون روافع شعبية لذلك.
ثمة جرأة فنية وسياسية هنا، استلزمتها الفكرة، ولكن كما قلت لو تم تخفيف المباشرة لكان أفضل.
تحسين يقين 23 ديسمبر 2022
مسرح
مشاهد من مسرحيات "صور" و"لغم أرضي" و"معتقلة"
شارك هذا المقال
حجم الخط
يمكننا الآن تأمل اتجاهات مهرجان فلسطين الوطني الثالث للمسرح الذي عقد مؤخرًا، حيث نجد الموضوع الفلسطيني قد حضر إنسانيًا، من خلال إحالات أو تكييفات النصوص عبر قراءة فلسطينية للنصوص العالمية.
وربما هو صدفة أو تقليد لتعامل المسرحيين عالميًا مع الفضاء، أو بسبب الحالة الفلسطينية الموضوعية، فقد تمت ملاحظة الاتجاه نحو التعامل مع فضاء الأمكنة على الخشبة، ما يشي بسطوة موضوع حصر الفلسطينيين مكانيًا، حيث لجأ المسرحيون هنا إلى الاشتباك النفسي والاجتماعي بل والسياسي، بدلًا من تصوير حالة التدافع التي وُجد الناس فيها.
اعتمد هذا المقال على عروض مهرجان فلسطين الوطني الثالث للمسرح، باستثناء غير مقصود لعرضي المسرح من قطاع غزة، وهما: "الرماديون" لرأفت العايدي، و"يافا وأبوها" لسعيد البيطار، حيث لم يتيسر لي مشاهدة كافية للفيديو الذي تم تسجيله وعرضه.
فهذه "خراريف"، من بيت جالا، تصور الفضاء الذي وجد فيه الزوج والزوجة، كحالة مغلقة، وسط مجتمع متنازع، على حدود الصراع، أما في "معتقلة" فهو فضاء السجن والتحقيق، كذلك في "صور" لمسرح سنابل، حيث ذات الفضاء المحدود، الذي زادت من محدوديته التحولات السياسية التي مرت بها فلسطين، في حين كان فضاء "ممثل انتحاري" لفرقة مسرح مجد الكروم حيث يفرّ الرجل ليجد نفسه في فضاء آخر، أسيرًا ربما، لنكتشف أنهم جميعًا في ذات الحصار. كذلك الحال في "ثنائية هذيان وسنة حلوة يا ذبيح"، لمسرح المجد -حيفا، حيث الفضاء الاجتماعي والسياسي في المكان والزمان، الذي حوصرت فيه المرأة، من المجتمع والنظام القمعيين. أما "لغم أرضي" لمسرح القصبة، فإننا أيضًا إزاء فضاء محدد مطوق بألغام، حيث يصبح الاشتباك حالة خلاص. بينما مسرحية "الفيل" المقتبسة عن مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس، هي فضاء الحريات والعدالة، من خلال توظيف الحجر الصحي في البيوت خشية الكورونا. وقد تجلت الاتجاهات المسرحية إذًا في اختيار المحيط النفسي الاجتماعي الوطني والفلسفي؛ من زوجين وسط حياة صراع كما في "خراريف" و"صور"، و"لغم أرضي"، وعالم المرأة المعتقلة إلى عالم البحث عن خلاص لكل شخصيات، "ممثل انتحاري"، وخلاص المرأتين في "ثنائية هذيان وسنة حلوة يا ذبيح"، وانتهاء بموضوع الحكم من خلال خلاص الناس. وهو قلق وجودي في رحلة البحث عن الخلاص، والذي يشكل وجود المتدافعين ملاذًا لهما/لهم، وللمجموع بشكل عام.
وأظن أن اختيار الشكل الإخراجي هنا، قد انسجم مع الموضوع، حيث تم توظيف ما يلزم من ديكور وسينوغرافيا، والذي بدا أحيانًا أنه تمت المبالغة به، كون النص والفكرة كانت كافية لحمل العرض كما في "ممثل انتحاري".
لقد كان تعامل المخرجين مع الفضاء منسجمًا، وإن كان متفاوتًا إبداعيًا، سواء في اختيار مسرحية "خراريف" لثلث خشبة المسرح، في حين كان فضاء السجن محدودًا في "معتقلة"، حيث تم تصوير التوتر من خلال الرقص التعبيري، وأكثر ما تجلى إبداعًا في اختيار فضاء الدائرة في "لغم أرضي"، أما في "ثنائية هذيان وسنة حلوة يا ذبيح"، فتم التعامل مع فضاءين: زمان ومكان.
"نجد الموضوع الفلسطيني قد حضر إنسانيًا، من خلال إحالات أو تكييفات النصوص عبر قراءة فلسطينية للنصوص العالمية" |
أما "لغم أرضي"، للفنان جورج إبراهيم، فتميز بعدم وجود فراغات، حيث ظل جاذبًا الجمهور.
ولعل مسرحية "الفيل"، بالرغم من مباشرتها وخطابيتها، كانت العرض الأكثر اكتمالًا بما يلائم جمهورا عامًا ونخبويًا في الوقت نفسه. لقد نفذ أحمد الطوباسي عرضًا ممتعًا، جريئًا وجميلًا بحركة حيوية طوال العرض.
على مستوى عمق الموضوع كان "ممثل انتحاري" هو الأكثر عمقًا، حين تمت أنسنة الباحثين عن الخلاص، حتى أولئك المنضوين في جماعة إرهابية. عروض
"خراريف": "فكرك بنطلع من هون"- كان هذا أحد أهم أسئلة مسرحية "خراريف" واقعيًا ورمزيًا، وهي عن نص يوجين يونسكو، قام بإخراجها بشكل جمالي وموضوعي جاذب الفنان محمد عيد، في حين أدى الفنان نقولا زرينة وهديل تكروري دورين مميزين، من خلال اختيار بداية مشجعة وتأمل حياة كل منهما ومآلات المصير، في حين كان يختتم المشهد بزخات من الرصاص، حيث تم توطين نص يونسكو من خلال وجود زوجين يعيدان النظر في علاقتهما، فيمنحهما ذلك فرصة اكتشاف الذات، وبالتالي اللجوء لتصالحية ما، فيلوذان ببعضهما وسط هذا الصراع العنيف خارج البيت. ولقد جاء حصر العرض في الثلث الأيسر من خشبة المسرح، مجالًا بصريًا ربما للتركيز في العلبة المختصرة من العلبة الكلاسيكية نفسها. وأضفت الكوميديا حيوية خففت من حالة الاشتباك الداخلي النفسي والاجتماعي والصراع. ولعل الجاري هنا بعبثية ما يرمز إلى ممكنات الحياة معا. هو نزاع نفسي، نزاع بين زوجين، وسط مجتمع متنازع، على جانبي حالة صراع قومي.
"معتقلة": نقدت الخطاب النمطي، في البدء والأخير، لخلق حالة مفارقة ساخرة، حيث من السهل كما يبدو الحديث عن حالة الأسر للمرأة، لكن أن تعيش المرأة الحالة، فذلك مأساة كبرى. وهذا ما أرادت المسرحية نقده اجتماعيًا وسياسيًا وإعلاميًا.
المسرحية من نص وتمثيل شذى أبو حسين، وإخراج وتمثيل معتصم أبو حسن. ظهرت فيها لعبة حركية مهمة، فمن جانب الأسيرة وفق العرض باختيار الرقص التعبيري النزق. حاكى العرض الإيمائي تحقيق السجان، فظهرت أساليب التعذيب، إبداعيًا، لتوصل جوهر كل هذا العذاب بجميع أنواعه، لتنقله لنا بل لتجعلنا نعيش ذلك. ولعل العرض نجح في الخروج من هذا التوتر من خلال تذكر ما قبل الاعتقال.
"صور": ذياب المقدسي وزوجته وسط مراحل الصراع هنا تحت الاحتلال، وصولًا للتحولات، والإصرار على الأمل، حيث وأخيرًا تحدث الولادة بعد طول أحمال كاذبة، أخرج العرض الفنان نضال مهلوس، وهو من تمثيل أحمد أبو سلعوم ومايا النشاشيبي. لقد لفت النظر هنا تعامل المخرج مع الرسائل الرمزية عن البقاء والتوظيف الجيد الساخر للإعلام.
"على مستوى عمق الموضوع كان "ممثل انتحاري" هو الأكثر عمقًا، حين تمت أنسنة الباحثين عن الخلاص، حتى أولئك المنضوين في جماعة إرهابية" |
فضاؤه المجتمع العراقي، وربما ينطبق ذلك على مجتمعات أخرى بالطبع. كما قلنا وضعنا المخرج في حالتي انفصال شكلانيًا، من خلال تقسيم خشبة المسرح لحكايتين، لامرأة مقموعة سياسيا، كما يبدو من خلال نظام الحكم، وما يتم ضغطها به، والأخرى التي تعاني من القمع الاجتماعي. تفسير ذلك هو ربما اختراع شكل إخراجي يقدم بالتناوب شريحتين شفافتين، يجعل المشاهد مفكرًا بالسياقين الاجتماعي والسياسي وسط صراعات، ليصل إلى أنهما يشكلان معًا منظومة حكم وحياة.
"لغم أرضي": النص للكاتب اللبناني ايلي كمال وإخراج جورج إبراهيم، تمثيل أميرة حبش وغسان أشقر. تغوص المسرحية فينا نفسيًا واجتماعيًا وسياسيًا ودوليًا بل ووجوديًا، أو نغوص فيها، وفي نفس كل منا أكثر؛ فهي وإن تظهر علاقة الزوجين ببعضهما بعضًا في منحى رمزي مغلّف بمسحة وجودية، إنما ترى هذا العالم، باتجاه تحرير الإنسان من سلطة التحكم، إلى سرور العيش نفسه، فلن يكون الزمن سخيًا جدًا، حتى ينتظر الإنسان ليجد وقتًا للحياة، ووقتًا لمن يحبه، حتى وإن نتف غسان شعيرات ذقنه البيضاء ليبدو أصغر كثيرًا؛ فسيأتي وقت يرحل فيه الأحبة، حتى وإن كنا غير متقبلين لفكرة العيش بدونهم.
أغنتنا المسرحية في تأملنا الحياة الزوجية كجزء من الواقع الاجتماعي، كما هو الواقع الظاهري لها، والإيحاء عن مشاعر الشوق والشغف والشك والأنانية، حيث بذرت بذورًا فكرية هنا، فيما يخص المرأة، والتي تخص ربما المرأة في عقدي الثلاثينات والأربعينات من عمرها، حيث ترفض "ندى" (والنساء) بأن تكون المرأة هنا "فشة خلق" للذكر المتعرض لأي أزمة وضغط من الحياة، فرغم "تحملها" في الماضي، إلا أنها لم تعد نجد مبررًا لذلك، ولا بد أن يبدأ التغيير، حتى لا يظل "غسان" والرجال ساخرين من ذهاب النساء بالجملة للحمام، كفضاء خاص وحيد للبوح والفضفضة. وسيكون التغيير بكسر الصور النمطية للمرأة في الحية والتراث (قصة الأمير) حيث تسخر "ندى" من صورة المرأة في القصة التي جعلتها جارية.
"الفيل": وهي لمسرح الحرية، من إخراج أحمد الطوباسي، عن نص "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس، تمثيل إيهاب عابد وجمال جعص وخالد فرج وشذا ياسين ومحمود أبو عيطة ومعتصم أبو حسن ومؤمن السعدي.
هي لعبة الحكم، من خلال لعبة مسرحية، من عالم السيرك مقدمة للإيحاء بالسيرك السياسي، وهي كوميديا استعراضية ناقدة في سخرية، تنتقد الحاكم والمحكوم. بحث الناس عن العدالة كخلاص عام، لكن بدون روافع شعبية لذلك.
ثمة جرأة فنية وسياسية هنا، استلزمتها الفكرة، ولكن كما قلت لو تم تخفيف المباشرة لكان أفضل.