"القبض على طريف الحادي": ازدراء الإنسان والقانون بحجة الأمن
أنور محمد 21 ديسمبر 2022
مسرح
(مشهد من المسرحية)
شارك هذا المقال
حجم الخط
بأداءٌ رشيق، وبإيقاعٍ حركي لممثلين، وبدعم من مديرية المسارح والموسيقى، تمَّ تقديم مسرحية "القبض على طريف الحادي" تأليف الشاعر والكاتب المسرحي ممدوح عدوان (1941- 2004) عن قصة للكاتب التركي عزيز نيسين (1915-1995)، ومن إخراج مجد أحمد يونس، على خشبة مسرح قصر الثقافة باللاذقية، وذلك ضمن احتفالية فرقة "أليسار" في مهرجانها الرابع؛ وإن ذهب الشرطيان - أدَّى دوريهما الممثِّلان أكرم الشيخ ومجد عدنان يونس- إلى الاستمتاع بأدائهما وبالغا فيه، خاصة الممثِّل مجد مع تصفيق الجمهور، فخرجا عن الانضباط الذي كان صارمًا كما بدا في مشهد المسرحية الأوَّل.
طريف الحادي- أدَّى دوره الممثِّل خالد حمادة- مواطنٌ عربي استأجر غرفة في أحد المنازل، ولمَّا تراكمت عليه الأجور مدَّة أربعة أشهر وهو يستمهل صاحبته أم سعيد - أدَّت دورها الممثِّلة نور الفيصل- بسبب البطالة والتقدم في العمر، اضطرَّ إلى ترك البيت لمدة أربع وعشرين ساعة ليجد سبيلًا يحصل فيه على المال ليُسدّد الدين، حتى قامت السيِّدة بتبليغ الشرطة عن تعرضها لعملية احتيال ونصب من السيِّد طريف الحادي. فيتولى الشرطيان القيام بالبحث عنه، فيعتقلان وقد نصبا كمينهما في المقهى كلَّ مَنْ يصادفانه في عملية تحرِّيهما عن طريف حتى لو كان صبيًا أو امرأة – تقع في شِرْكِهما امرأةٌ عابرة كانت تقوم بدور ماسحة أحذية، أدَّت دورها الممثِّلة ماسا قضيماتي- فيبلغ عدد الموقوفين/ المعتقلين 57 إنسانًا؛ كلُّهم أبرياء.
المخرج مرَّر من خلال العرض مواقف نقدية من الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي وصل إليها الكائن السوري في هذه الحرب المقتلة منذ 2011 خاصة الغلاء الذي تحوَّل إلى وحشٍ مفترس لعقل الإنسان الذي لا يُصدِّق ما آل إليه من حال، حتى إنَّه يرينا لا مبالاة المسؤولين من خلال الشرطيين اللذين يقومان بكسر الجدار الرابع والنزول إلى الصالة للقبض على مواطن من الجمهور وإذا به رئيس (فرع) اتحاد الكتَّاب العرب باللاذقية. المُخرج كان يلعب، أو يُلعِّب الصراع وعلى المكشوف، فعلى خشبة المسرح يجوز ما لا يجوز، فتجتمع الكوميديا مع التراجيديا، أو تنفردان، لتكونان صورةً عن المشاركة السياسية والاجتماعية في التعبير عن أحزان وأفراح البشر؛ إذ حاول مع الممثلين خالد حمادة، مجد عدنان يونس، نور الفيصل، ماسا قضيماتي، أكرم الشيخ، جعفر حسين، يزن عمرو، بيبرس كنعان، وغزوان إبراهيم- إضاءة وخالد حسن- صوت؛ ممارسة نقد الغباء والبلاهة والتمسحة والتنمُّر الذي تواجه به السلطة العربية مواطنيها، وكأنَّهم قطعان طائعة للذبح، فما جرى للناس الذين تمَّ توقيفهم/ اعتقالهم على أيدي الشرطة ودون دليل مادي على تورُّط أيَّ واحدٍ منهم بهذا السلوك العدواني على السيِّدة أم سعيد، إنَّما هو ازدراءٌ للقانون، واعتداءٌ على الحريَّات الشخصية للناس.
المخرج كان يذهبُ إلى السامي- عندما يصير الإنسان ضحية، ولا ناصر له؛ إنْ في تجويعه، أو في قهره واعتقاله العشوائي على الشُبهة: مطلوب رجل (واحد) وعلاماته فارقةٌ واضحة خاصة وأنَّه في السبعين من العمر، فيما يوقَّف، يُسجَن ابن العشرين، ولا تمييز إنْ كان ذكرًا أو أنثى- وهنا غاية التهكُّم والسخرية، ليضعنا في الكوميدي، ونرى كيف يتهاوى السامي، والذي سيغدو مؤلمًا لما آل إليه من مصير، من إذلال- نحن مع تضادات تراجيكوميدية، مع مواقف متشابكة ومتنافرة- هي في النص العدواني (ممدوح عدوان) عن الحكاية النيسينية (عزيز نيسين)؛ تضاداتٌ تضعنا كمتفرجين في لحظةٍ وإن ضحكنا، بأنَّنا أكثر تهديدًا، فالخطر ما زال قائمًا، والسجناء الموقوفون الـ 57 كما الملايين ما يزالون ضحايا الدولة القمعية، الدولة الأمنية، وذلك مهما كان (الأمن) آمنًا ومكفولًا وصحيًّا.
"المخرج مرَّر من خلال العرض مواقف نقدية من الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي وصل إليها الكائن السوري في هذه الحرب المقتلة منذ 2011 خاصة الغلاء الذي تحوَّل إلى وحشٍ مفترس" |
الممثِّلون في "القبض على طريف الحادي" لم يتحوَّلوا إلى أضحوكة، ولو أنَّ الممثِّل مجد عدنان يونس غرق في دوره بعض الشيء وصار يُهرِّج تجاوبًا مع ضحكات الجمهور وتصفيقه. فيما كان باقي الممثلين منضبطين، ولم ينساقوا نحو فكرة الممثلين النجوم فضبطوا حركة أجسادهم؛ أطرافًا وأجزاءً. وكنَّا نشعر بـ(الجستات)، بوقفاتهم المفتعلة، كانوا يمثلون، وكانوا يضعوننا كمتفرجين في فضاء مزدوج؛ واقعي وخيالي معًا، وكنَّا نضحك بألمٍ مع كل حركات وأنفاس الممثلين.
ويمكن القول إن المخرج في هذا العرض اشتغل كل حركة في مشاهدِه بعيدًا عن النمطية والتقليد، وبروحانية وصرامة جمالية، فحقَّق ذاك التوحد والتفاعل ما بين الممثلين والجمهور.