الدورة الـ29 لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي.. المسرح بزحام التجريب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدورة الـ29 لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي.. المسرح بزحام التجريب

    الدورة الـ29 لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي.. المسرح بزحام التجريب
    وائل سعيد
    مسرح
    الفائزون والمكرّمون في ختام المهرجان
    شارك هذا المقال
    حجم الخط



    على مدار ثمانية أيام جرت فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في الفترة بين 1 و8 سبتمبر/أيلول الجاري. شارك فيها أكثر من ثلاثين عرضًا مسرحيًا، تراوحت في طولها وتوزعت على ثلاثة مستويات. ومنها 14 عرضًا تأهلت للتنافس على الجوائز المقدمة، واستقبلتها خشبات مسارح القاهرة- مسرح السلام، الهناجر، العرائس ومسرح الجامعة الأميركية. فيما خُصصت قاعة صلاح عبد الصبور ومسرح زكي طليمات للعروض القصيرة وعددها 16، وتوزعت بقية العروض بين عدد من المحافظات المختلفة، وهو إجراء قديم اتبعه د. فوزي فهمي بفترة رئاسته للمهرجان في دوراته الأولى. من بين المحافظات المستضيفة للعروض الدوارة بني سويف، الإسماعيلية، أسيوط والإسكندرية.
    "استحوذت مصر على النصيب الأكبر من الجوائز وشهادات التقدير في التمثيل والديكور والتميز الجماعي لفريق العمل، يليها المغرب وتونس، فيما توزعت بقية المراكز على دول الإمارات والكويت وليبيا وإيطاليا وأميركا"
    كما استحدث المهرجان هذا العام مسابقة لتأليف العروض التجريبية القصيرة تقدّم لها ما يزيد عن 200 نص، وقد اشترطت إدارة المهرجان "أن يتأسس النص على بنية غير تقليدية على مستوى الشكل"، ويبدو أن موضوع الشكل هذا سيطر تمامًا على رؤية الإدارة بداية من الكلمات الافتتاحية أو التصريحات الصحافية على لسان رئيس المهرجان التي كثيرًا ما تحدثت عن المكانة الدولية للمهرجان كونه "قبلة المسرحيين من الدول العربية والأجنبية" بالإضافة إلى أنه يُمثل قيمة مصر الثقافية والفكرية؛ وغيرها من الجمل التي لا تخرج عن الكليشيهات الإعلانية.

    حملت الدورة اسم المسرحي الإنكليزي بيتر بروك، وهو ما أعلنته إدارة المهرجان بعد قليل من رحيل بروك في يوليو/ تموز الماضي. واستحوذت مصر على النصيب الأكبر من الجوائز وشهادات التقدير في التمثيل والديكور والتميز الجماعي لفريق العمل، يليها المغرب وتونس، فيما توزعت بقية المراكز على دول الإمارات والكويت وليبيا وإيطاليا وأميركا.

    بوستر المهرجان

    الصفحة البيضاء

    يقول جون لوك - أحد فلاسفة المذهب التجريبي- إن ذهن الإنسان يشبه في أول الأمر الصفحة البيضاء ولا يكتب سطورها إلا التجريب، وهو ما يُمكن تطبيقه على مفهوم التجريب المسرحي أو عموم الفنون؛ حيث تكون الأساليب التقليدية والطُرق المعتادة معادلًا للصفحة البيضاء، في حين يأتي فعل التجريب المسرحي ليقوم بدور تكسير القواعد والخروج عن المألوف بالبحث عن مفاهيم مغايرة لطرح العمل.
    "غالبية الأساليب الإخراجية تناولت التجريب من الخارج وأعلت من الظاهر التجريبي المتمثل في الشكل وليس المضمون، على الرغم من أن عددًا من العروض استعان بالدمى أو الفضاء المغاير"
    قياسًا على هذا، نجد أن معظم العروض المقدمة في دورة هذا العام لم تُسطر جديدًا يُذكر فوق تلك الصفحة الآمنة، فغالبية الأساليب الإخراجية تناولت التجريب من الخارج وأعلت من الظاهر التجريبي المتمثل في الشكل وليس المضمون، على الرغم من أن عددًا من العروض استعان بالدمى أو الفضاء المغاير على سبيل المثال، كعرض "الطابور السادس" من الكويت، أو دمج أكثر من وسيط بصري في المشهد بالإضافة إلى الدمج بين التعبير الحركي والتمثيل مثل العرض المغربي الفائز بالجائزة الكبري "شا طا را"، أو لغة الجسد متخلية بشكل نهائي عن الحوار وهناك أكثر من عرض صامت مثل "قتال"، وهو عرض مصري يتناول الهواجس الداخلية لرجل وامرأة عن طريق الرقص، وعرض "هلاوس" وهو صامت أيضًا اعتمد على فن المايم الأدائي.

    استمرارًا لغياب فكرة التجريب، نلمح هذا أيضًا في عرضي حفلتي الافتتاح والختام إخراج شادي سرور، وفيهما اعتمد المخرج على الإبهار سواء عن طريق الإضاءة والصوت أو استخدام المجاميع، مُستعينًا بموتيفات مكررة بنفس طُرق استخدامها تقريبًا، مصر الفرعونية في حفل الافتتاح ثم مصر المتعددة الثقافات في الختام، بالانتقال بين التراث النوبي والصعيدي والشعبي وما إلى ذلك. وفي ذلك ولأنه دائمًا ما يتكرر في عروض المهرجانات المسرحية؛ وجب التساؤل حول فكرة الاستخدام التقليدي لعرض المهرجان بخلق مجموعة من العناصر الجاهزة والمعادة سواء على مستوى التكنيك أو الرؤية، وغالبًا لم تخرج رؤى هذه العروض عما تم تقديمه فيما قبل من خلال فرق التراث والفرق الشعبية أو ما قدمه فنان الاستعراض ومصمم الرقصات محمود رضا في القرن الماضي.
    "على مستوى البوستر الرسمي للمهرجان، ثمة تشابه بينه وبين بوستر الدورة الفائتة من المهرجان القومي للمسرح؛ حيث قدم الأخير صورة خلفية للمخرج يقف قبالة فريق العرض، فيما اكتفى التجريبي بصورة خلفية لشخص يقف متأهبًا وسط فضاء حلزوني سريالي، ويتأكد لنا أن هذا الشخص هو المخرج في عرض الختام"
    أما على مستوى البوستر الرسمي للمهرجان، فثمة تشابه بينه وبين بوستر الدورة الفائتة من المهرجان القومي للمسرح؛ حيث قدم الأخير صورة خلفية للمخرج يقف قبالة فريق العرض، فيما اكتفى التجريبي بصورة خلفية لشخص يقف متأهبًا وسط فضاء حلزوني سريالي، ويتأكد لنا أن هذا الشخص هو المخرج في عرض الختام حين يتم تحريكه من الصورة إلى خشبة المسرح يقف نفس وقفته متابعًا مجاميع الممثلين. وفي موضوع التشابهات المتكررة بين المهرجانات وبعضها يتضح أن سببها الرئيسي هو تكرار نفس الأسماء وانتقالها من مهرجان لمهرجان، ولا يقتصر هذا التنقل أو التبادل على الأفراد وفقط بل على العروض أحيانًا؛ فقد اختار التجريبي المسرحية الإيطالية "وهم" لتكون العرض الإفتتاحي للدورة وهو نفس العرض الذي افتتح الدورة الرابعة 2019 من مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل أداء جماعي، ليحصل مؤخرا من التجريبي على شهادة تقدير عن تميز أداء الفريق.

    العرض المغربي " شا طا را" الفائز بالجائزة الكبرى

    "رأي عام مسُتنير"

    ربما هو عنوان غريب وفضفاض إلى حد ما؛ لكنه لا يقل غرابة عن بروتوكول التعاون - وهناك تحفظ على هذا الوصف- المُبرم هذا العام بين الهيئة العربية للمسرح بإمارة الشارقة وبين إدارة مهرجان القاهرة التجريبي المتمثلة في رئيسها، د. جمال ياقوت، "انطلاقًا من تلاقي الإرادات والقناعات والعمل المشترك، لتشكيل رأي عام مستنير من خلال المسرح... ضمن التفاهمات مع رئيس المهرجان"، كما ورد في التصريح الرسمي للهيئة. الدور الذي تمارسه الهيئة في الدعم المسرحي داخل مصر ليس بجديد ولا يقتصر على مهرجان القاهرة التجريبي فقط، ولولا بعض التفاصيل الهامة كان هذا البروتوكول سيمر كغيره من مظاهر الدعم السابقة؛ إلا أن ثمة عبارات واتجاهات وردت بالاتفاق لم يكن من السهل تمريرها.
    "الغريب في دعم هذا العام هو توجهه لمكافآت أعضاء لجان تحكيم مسابقات العروض المُشاركة، في حين أن القيمة المالية التي يحصل عليها العرض الفائز تترواح بين "5000 و20000" ألف جنيه مصري، ما يعادل أقل من ألف دولار"
    كتب الناقد المسرحي عبد الناصر حنفي من خلال صفحته معترضًا على الاتفاق "رغم بساطة الدعم إلا إنه كان بوابة لنفوذ - غير مستحب- مارسته الهيئة المذكورة على المهرجان وعلى المسرح المصري، فما بالك والدعم الآن يطال بعض الأنشطة الأساسية التي قد يصبح استمرارها واختيار المشاركين فيها مرهونًا برضاء من يدعمها!". وكانت الهيئة ذكرت ضمن بيانها "توسيع رقعة دعمها لتشمل مكافآت أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الكبرى، وأعضاء لجنة تحكيم العروض القصيرة، ودعم إصدارات المهرجان، إضافة لدعم الندوات البحثية والنقدية"، بجانب دعم للورش الفنية وتبني المشروع المُستحدث لهذا العام لنشر الرسائل الجامعية.

    سبق أن قامت الهيئة بدعم عدد من دورات المهرجان، ولكن صورته اقتصرت على إقامة الورش الفنية خلال دورتين "9 ورش" وطباعة كتاب تذكاري، وهو ما ورد ضمن بيان الاتفاق، "يأتي هذا البرتوكول، استمرارًا للتعاون مع هذا المهرجان المهم، حيث شهد المهرجان وقوف الهيئة إلى جانبه عند عودته بعد التوقف من 2011 إلى 2016، من خلال دعم متعدد الوجوه لفعاليات شهدها المهرجان"، الغريب في دعم هذا العام هو توجهه لمكافآت أعضاء لجان تحكيم مسابقات تلك العروض المُشاركة، في حين أن القيمة المالية التي يحصل عليها العرض الفائز تترواح بين "5000 و20000" ألف جنيه مصري، ما يعادل أقل من ألف دولار.

    من عروض الختام

    "ننفض عنها التراب"

    استحدث المهرجان هذا العام مشروعًا لنشر الرسائل العلمية التي تتناول موضوع "التجريب المسرحي والتطور التكنولوجي" رغبة في نفض التراب عن عدد كبير من الرسائل الهامة التي تقبع في أرشيف الجامعات بحسب وصف رئيس المهرجان، وتحت نفس العنوان أقيمت عدة ندوات تناقش - من خلال أربعة محاور على مدار ستة أيام- العلاقة بين التكنولوجيا الحديثة وآليات المسرح، مثل "أثر التكنولوجيا على فنيات الكتابة المسرحية المعاصرة. أنساق الصور المسرحية وتطورها في النظم الرقمية للواقع الافتراضي. الماكينة المشهدية ودور التكنولوجيا الحديثة في بناء لغة جديدة لصناع الصورة البصرية...."، واشترك في حلقات النقاش عدد من الباحثين من مصر وخارجها، وذلك بجانب 10 ورش فنية مُصاحبة على هامش المهرجان في الأداء والتمثيل وسينوغرافيا العرض المسرحي.

    أما النشرة اليومية للمهرجان فلم تخرج عن العادي والمألوف سواء على مستوى التحرير والمواد المنشورة أو الإخراج الفني، والحصيلة في النهاية بضعة أعداد متواضعة تتابع الفعاليات كيفما اتفق أو وفق حسابات مقصودة، وكان من المُفترض أن يتم إضافة لجنة جديدة بكُتاب النشرة ضمن لجان المهرجان المتعددة؛ حيث تراوحت موضوعات النشرة - خصوصًا النقدية- بين مجموعة محددة من الأسماء لا يخلو عدد منها إلا فيما ندر، بجانب هذا خُصصت مساحات لعدد من مؤلفي إصدارات الدورة لإعادة مواضيع كُتبهم الصادرة بالفعل أو حتى التماس معها وفقط، وهو ما يُطلق عليه بلغة الصحافة "حشو".
    "أصدر المهرجان هذا العام عددًا كبيرًا من المطبوعات بلغ 26 كتابًا، احتلت الترجمة نصفها، منها عدة كتب عن بيتر بروك التي تحمل الدورة اسمه"
    ضفة ثالثة

    أصدر المهرجان هذا العام عددًا كبيرًا من المطبوعات بلغ 26 كتابًا، احتلت الترجمة نصفها، منها عدة كتب عن بيتر بروك التي تحمل الدورة اسمه. من بين الكتب المهمة كتاب "دراماتورجيا العرض في أصل مسيرة مخرج – ترجمة: قاسم بياتلي" وفيه يتعرف القارئ العربي لأول مرة على السيرة الذاتية للمسرحي الإيطالي الكبير يوجينو باربا. وباربا صاحب المدرسة الدولية لأنثروبولوجيا المسرح، مُنح العديد من الدكتوراه الفخرية من جامعات بولندا وكوبا وإنكلترا، كما حصد الكثير من الجوائز من بلدان مختلفة كجائزة الأوسكار الدانماركية، وجائزة أكاديمية الفنون المسرحية في هونغ كونغ وجائزة بيرانديللو وجائزة سنينغ من جامعة كوبنهاغن، بالإضافة إلى جائزة النقاد من المكسيك، وسبق أن استضافه مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي في دورته الرابعة 2019 وتم تكريمه خلال الدورة التي قدم فيها باربا محاضرة تفاعلية عن مفهوم التجريب في المسرح أدهشت غالبية الحضور -وكنت أحدهم- وبات من الصعب نسيانها أو تحديدا نسيان أداء باربا المسرحي.

    يقول عن المسرح: هو جزيرة عائمة؛ بوصفه جزيرة حرية، كقلعة مليئة بالأوكسجين، كمركب تُجدف ضد التيار ومع ذلك تظل في موقعها كما لو كانت ضفة ثالثة للنهر، إن المسرح مثل بيت له بابان؛ أحدهما يجعلك تدلف إلى تراثك والآخر يمكنك من الهروب منه.


يعمل...
X