صوّرون ينقلون وجهَ فلسطين الآخر
مليحة مسلماني
فوتوغراف
من أعمال المصور فادي عميرة
شارك هذا المقال
حجم الخط
لعب التصوير الفوتوغرافي دوراً هاماً في نقل الأحداث في فلسطين على مرّ المراحل المختلفة في مسيرة النضال الفلسطيني، وساهم في نقل صورةٍ عن المكان كساحة للمواجهة، ومحاط بالحصار والدمار والأدوات الاستعمارية، كالحواجز العسكرية والجدار وغيرها. وقد وجدت سيطرة الحدث السياسي على الحياة في فلسطين انعكاسها في الصور الآتية منها، ما رسّخ، بشكل عام، صورة ذات بعد واحد عن فلسطين، كمكان محاط بالصراع، ورسّخ أيضاً صورة عن الفلسطيني تتراوح بين كونه بطلا وضحية.
في المقابل، بدأ المصورون الفلسطينيون منذ سنوات بالتركيز على الجوانب والتفاصيل الإنسانية في الحياة الفلسطينية، غير مكتفين بالطرح المباشر للحدث السياسي، بل بالتقاط صور لما وراء الحدث، ولتفاصيل المكان والحياة والشخوص. وقد ساعد التطور التكنولوجي من ناحية، ومواقع التواصل الاجتماعي من ناحية أخرى، في التأسيس لصورة أكثر شمولية وواقعية عن فلسطين، مكاناً، وإنساناً، وحدثاً.
خلال السنوات الماضية، حقّق مصورون فلسطينيون حضوراً بارزاً في المشهد الفوتوغرافي الفلسطيني، ومنهم من حققت صورهم شهرة عالمية. كما ألهمت العديد من الصور، التي التقطها مصورون فلسطينيون، الفنانين لإعادة الاشتغال عليها لإنتاج أعمال فنية. وفي المشهد الفوتوغرافي الفلسطيني يبرز العديد من المصورين، ومن بينهم عبد الرحمن زقوت من غزة، وعلاء بدارنة من نابلس، وفادي عميرة من القدس.
عبد الرحمن زقوت
تشكل صور عبد الرحمن زقوت في شموليّتها سرديّة فوتوغرافية، تروي حكاية غزة، بأمكنتها المختلفة، وبشخوصها في حالات ومناسبات مختلفة. وهو بقدر ما يهتم بإبراز حالة البؤس والفقر والمعاناة المحيطة بالحياة في غزة، يهتم كذلك بإبراز جماليات المكان، بحقوله وبحره، وبيوته ومساجده وكنائسه. كما تلتقط صوره اللحظات الإنسانية في حياة الشخوص، كفرح الأطفال في أوقات اللعب، وانسجام العاملين، من رجال ونساء، في أعمالهم في الأسواق، وفي أوقات الصيد ومواسم الحصاد.
يهتم زقوت بالذهاب إلى أبعد من مهمة توثيق اللحظة، فباشتغاله على عناصر بصرية أساسية، كالضوء والظل وزاوية التقاط الصورة، تصبح صوره منفتحة على تعدد التأويلات، إذ تكمن ما وراء شكلها المرئي، وفي تفاصيلها، حكايات عن المكان والإنسان، عمّا وراء الدمار والحصار، وعمّا تخلفه المعاناة التي تعيشها غزة من حزنٍ يُثْقِل الأمكنة، ومن تعبٍ وبؤس يبدو على ملامح الشخوص، التوّاقين بدورهم للفرح والحياة.
علاء بدارنة
يهتم علاء بدارنة بنقل الأحداث في فلسطين، وبالتقاط صور للشخوص الفاعلين فيها، مع اهتمامه كذلك بتصوير جماليات الحدث والمكان وتفاصيله. غير أن بدارنة لا يقف عند مهمة نقل الحدث وتوثيقه، بل يذهب إلى ما وراء اللحظة الزمنية التي يلتقطها. إذ تقترب عدسته من الشخوص، ليصورهم في حالات عدة، ومن زوايا مختلفة. كما أنه يهتم بالتقاط الصور لوجوه الشخوص، كالملثّمين في التظاهرات، والذين يظهرون في مشاهد غنية بالجماليات الفنية، ما يأخذ الرائي إلى تأمّل فيما ما وراء الحدث، وتقترب عدسته كذلك من الصحافيين الموجودين في المكان للتغطية، وتنتقل أيضاً إلى الطرف النقيض في الحدث، الجنود، فيصورهم في لحظات قيامهم بالاعتقال أو في لحظات استعدادهم لإطلاق النار.
تختفي في العديد من صور علاء بدرانة الحدود التي تفصل بين الصورة الفنية والصورة الصحفية، وذلك باشتغاله في المسافة بين عاملين أساسيين، الأول: عامل توثيق اللحظة، والثاني: هو اتخاذ العناصر البصرية، كالوضعية وزاوية ولحظة التقاط الصورة وغيرها، كأدوات لخلق صورة فنية ذات أبعاد جمالية، كما في الصورة التي التقطها بدارنة لشاب يظهر وسط دخان أسود كثيف، رأسه مغطىً بالكوفيّة، بينما وجهه مطليّ بدهان أسود، وقد حققت الصورة شهرة واسعة.
فادي عميرة
تحتل القدس الحضور الأكبر في صور فادي عميرة، مع اهتمامه بتصوير الأمكنة في القرى والمدن الفلسطينية. وصور عميرة غنية بالألوان، وهي تكشف عن احترافٍ للتصوير وعن دقّةٍ في اختيار المشهد المصوَّر وزاوية التصوير. يتابع الرائي في صوره جماليات الأماكن في القدس، بما فيها من مقدسات ومعالم أثرية وقِباب وبوّابات وأزقّة. وبذلك تشكّل مجمل صوره عن المدينة إطاراً يطلّ الرائي من خلاله على مشاهد مختلفة فيها.
يهتم عميرة بالتقاط الصور البانورامية للمكان المقدسيّ، بحيث تستوعب الصورة المشهدَ المقدسيّ على اتساعه. وما بين الاهتمام بالتفاصيل من جهة، وبالمشهد المتّسع من جهة أخرى، تأخذ القدس في صور عميرة أبعادا جمالية مختلفة ومتنوعة. لا يحضر الشخوص بشكل كبير في صور عميرة، غير أنها صور مُشْبَعة بحضورٍ إنسانيّ، يتم عبر أنسنة المكانِ موضوعُ الصورة.
أخيرًا، تزايدت أهمية الصورة في السنوات الأخيرة، لما تلعبه من دور أساسيّ في نقل، ليس الحدث في فلسطين فحسب، بل أيضًا إبراز ثقافة المكان وجماليّاته وما تخلّفه الأحداث من آثارٍ على ساكني المكان. وبرز العديد من المصورين الشبان الذين يتخذون من مواقع التواصل الاجتماعي منابر لنشر الصور التي يلتقطونها سواء للتظاهرات أو للوجوه وللحياة اليومية في فلسطين. غير أنه، وفي مقابل تطور الصورة الفلسطينية واتساع مواضيعها وتنوّعها، فإن ثقافة تلقّي الصورة ما زالت تحتاج إلى اشتغال كبير على تطويرها وتعزيزها، جماليًا وبصريًا ووطنيًا. على سبيل المثال، يظهر بين الحين والآخر، الجدل حول نشر صورٍ مقرَّبة لجثامين الشهداء على مواقع التواصل، حيث يرى الكثيرون أنه من الواجب نشر صور الشهداء وهم أحياء يبتسمون للكاميرا.
يمكن القول، إنه وبشكل عام، ما زالت عملية التلقي الجمعية للصورة تميل بشكل أكبر للصورة المباشرة، القاسية أو الواضحة من ناحية مضمونها، ومع الوقت تزداد الفجوة بين المصوّرين الساعين دومًا إلى تطوير صورهم، وبين الجمهور المتلقّي، وهذا يحتاج إلى العمل على تعزيز الثقافة البصرية في المجتمع الفلسطيني، وهي عملية من المفترض أن تبدأ في المدارس والجامعات.
مليحة مسلماني
فوتوغراف
من أعمال المصور فادي عميرة
شارك هذا المقال
حجم الخط
لعب التصوير الفوتوغرافي دوراً هاماً في نقل الأحداث في فلسطين على مرّ المراحل المختلفة في مسيرة النضال الفلسطيني، وساهم في نقل صورةٍ عن المكان كساحة للمواجهة، ومحاط بالحصار والدمار والأدوات الاستعمارية، كالحواجز العسكرية والجدار وغيرها. وقد وجدت سيطرة الحدث السياسي على الحياة في فلسطين انعكاسها في الصور الآتية منها، ما رسّخ، بشكل عام، صورة ذات بعد واحد عن فلسطين، كمكان محاط بالصراع، ورسّخ أيضاً صورة عن الفلسطيني تتراوح بين كونه بطلا وضحية.
في المقابل، بدأ المصورون الفلسطينيون منذ سنوات بالتركيز على الجوانب والتفاصيل الإنسانية في الحياة الفلسطينية، غير مكتفين بالطرح المباشر للحدث السياسي، بل بالتقاط صور لما وراء الحدث، ولتفاصيل المكان والحياة والشخوص. وقد ساعد التطور التكنولوجي من ناحية، ومواقع التواصل الاجتماعي من ناحية أخرى، في التأسيس لصورة أكثر شمولية وواقعية عن فلسطين، مكاناً، وإنساناً، وحدثاً.
خلال السنوات الماضية، حقّق مصورون فلسطينيون حضوراً بارزاً في المشهد الفوتوغرافي الفلسطيني، ومنهم من حققت صورهم شهرة عالمية. كما ألهمت العديد من الصور، التي التقطها مصورون فلسطينيون، الفنانين لإعادة الاشتغال عليها لإنتاج أعمال فنية. وفي المشهد الفوتوغرافي الفلسطيني يبرز العديد من المصورين، ومن بينهم عبد الرحمن زقوت من غزة، وعلاء بدارنة من نابلس، وفادي عميرة من القدس.
عبد الرحمن زقوت
تشكل صور عبد الرحمن زقوت في شموليّتها سرديّة فوتوغرافية، تروي حكاية غزة، بأمكنتها المختلفة، وبشخوصها في حالات ومناسبات مختلفة. وهو بقدر ما يهتم بإبراز حالة البؤس والفقر والمعاناة المحيطة بالحياة في غزة، يهتم كذلك بإبراز جماليات المكان، بحقوله وبحره، وبيوته ومساجده وكنائسه. كما تلتقط صوره اللحظات الإنسانية في حياة الشخوص، كفرح الأطفال في أوقات اللعب، وانسجام العاملين، من رجال ونساء، في أعمالهم في الأسواق، وفي أوقات الصيد ومواسم الحصاد.
يهتم زقوت بالذهاب إلى أبعد من مهمة توثيق اللحظة، فباشتغاله على عناصر بصرية أساسية، كالضوء والظل وزاوية التقاط الصورة، تصبح صوره منفتحة على تعدد التأويلات، إذ تكمن ما وراء شكلها المرئي، وفي تفاصيلها، حكايات عن المكان والإنسان، عمّا وراء الدمار والحصار، وعمّا تخلفه المعاناة التي تعيشها غزة من حزنٍ يُثْقِل الأمكنة، ومن تعبٍ وبؤس يبدو على ملامح الشخوص، التوّاقين بدورهم للفرح والحياة.
علاء بدارنة
يهتم علاء بدارنة بنقل الأحداث في فلسطين، وبالتقاط صور للشخوص الفاعلين فيها، مع اهتمامه كذلك بتصوير جماليات الحدث والمكان وتفاصيله. غير أن بدارنة لا يقف عند مهمة نقل الحدث وتوثيقه، بل يذهب إلى ما وراء اللحظة الزمنية التي يلتقطها. إذ تقترب عدسته من الشخوص، ليصورهم في حالات عدة، ومن زوايا مختلفة. كما أنه يهتم بالتقاط الصور لوجوه الشخوص، كالملثّمين في التظاهرات، والذين يظهرون في مشاهد غنية بالجماليات الفنية، ما يأخذ الرائي إلى تأمّل فيما ما وراء الحدث، وتقترب عدسته كذلك من الصحافيين الموجودين في المكان للتغطية، وتنتقل أيضاً إلى الطرف النقيض في الحدث، الجنود، فيصورهم في لحظات قيامهم بالاعتقال أو في لحظات استعدادهم لإطلاق النار.
تختفي في العديد من صور علاء بدرانة الحدود التي تفصل بين الصورة الفنية والصورة الصحفية، وذلك باشتغاله في المسافة بين عاملين أساسيين، الأول: عامل توثيق اللحظة، والثاني: هو اتخاذ العناصر البصرية، كالوضعية وزاوية ولحظة التقاط الصورة وغيرها، كأدوات لخلق صورة فنية ذات أبعاد جمالية، كما في الصورة التي التقطها بدارنة لشاب يظهر وسط دخان أسود كثيف، رأسه مغطىً بالكوفيّة، بينما وجهه مطليّ بدهان أسود، وقد حققت الصورة شهرة واسعة.
فادي عميرة
تحتل القدس الحضور الأكبر في صور فادي عميرة، مع اهتمامه بتصوير الأمكنة في القرى والمدن الفلسطينية. وصور عميرة غنية بالألوان، وهي تكشف عن احترافٍ للتصوير وعن دقّةٍ في اختيار المشهد المصوَّر وزاوية التصوير. يتابع الرائي في صوره جماليات الأماكن في القدس، بما فيها من مقدسات ومعالم أثرية وقِباب وبوّابات وأزقّة. وبذلك تشكّل مجمل صوره عن المدينة إطاراً يطلّ الرائي من خلاله على مشاهد مختلفة فيها.
يهتم عميرة بالتقاط الصور البانورامية للمكان المقدسيّ، بحيث تستوعب الصورة المشهدَ المقدسيّ على اتساعه. وما بين الاهتمام بالتفاصيل من جهة، وبالمشهد المتّسع من جهة أخرى، تأخذ القدس في صور عميرة أبعادا جمالية مختلفة ومتنوعة. لا يحضر الشخوص بشكل كبير في صور عميرة، غير أنها صور مُشْبَعة بحضورٍ إنسانيّ، يتم عبر أنسنة المكانِ موضوعُ الصورة.
أخيرًا، تزايدت أهمية الصورة في السنوات الأخيرة، لما تلعبه من دور أساسيّ في نقل، ليس الحدث في فلسطين فحسب، بل أيضًا إبراز ثقافة المكان وجماليّاته وما تخلّفه الأحداث من آثارٍ على ساكني المكان. وبرز العديد من المصورين الشبان الذين يتخذون من مواقع التواصل الاجتماعي منابر لنشر الصور التي يلتقطونها سواء للتظاهرات أو للوجوه وللحياة اليومية في فلسطين. غير أنه، وفي مقابل تطور الصورة الفلسطينية واتساع مواضيعها وتنوّعها، فإن ثقافة تلقّي الصورة ما زالت تحتاج إلى اشتغال كبير على تطويرها وتعزيزها، جماليًا وبصريًا ووطنيًا. على سبيل المثال، يظهر بين الحين والآخر، الجدل حول نشر صورٍ مقرَّبة لجثامين الشهداء على مواقع التواصل، حيث يرى الكثيرون أنه من الواجب نشر صور الشهداء وهم أحياء يبتسمون للكاميرا.
يمكن القول، إنه وبشكل عام، ما زالت عملية التلقي الجمعية للصورة تميل بشكل أكبر للصورة المباشرة، القاسية أو الواضحة من ناحية مضمونها، ومع الوقت تزداد الفجوة بين المصوّرين الساعين دومًا إلى تطوير صورهم، وبين الجمهور المتلقّي، وهذا يحتاج إلى العمل على تعزيز الثقافة البصرية في المجتمع الفلسطيني، وهي عملية من المفترض أن تبدأ في المدارس والجامعات.