"تمرد الضفائر" لصفاء خطيب .. عمل فني مقاوم!
يوسف الشايب
فوتوغراف
شارك هذا المقال
حجم الخط
يتداخل الشخصي والجمعي في العمل الفني للفنانة الفلسطينية الشابة صفاء خطيب بعنوان "تمرد الضفائر"، والفائز مؤخراً بالجائزة الأولى لمسابقة مؤسسة عبد المحسن القطان للفنان الشاب (اليايا) للعام 2018 (جائزة حسن حوراني)، وهو عبارة عن صور فوتوغرافية بتقنية المسح الضوئي يرافقها عمل سمعي مدته سبع دقائق، ويدور في فلك الحوارات الإذاعية بين ذوي أسيرات وبناتهن في زنازين الاحتلال الإسرائيلي عبر أثير المحطات الإذاعية الفلسطينية.
وهذا المشروع الفني ملخص لبحث استقصائي أعيد إنتاجه فنياً لخمسة وعشرين مشهداً أصلياً لفتيات فلسطينيات تحت سن الثامنة عشرة، أي طفلات حسب التصنيف الدولي، اعتقلن في العامين 2015 و2016 .. وهذه المشاهد الأصلية التي أنتجها الواقع لأغراض ليست فنية، تحولت من خبر عابر إلى عمل فني مقاوم.
يرتكز "تمرد الضفائر"، وهو عبارة عن صور فوتوغرافية بتقنية المسح الضوئي وعمل سمعي، على واقعة قصّ الأسيرات الفلسطينيات لضفائرهن بنيّة التبرع بها لمرضى السرطان في شباط 2017، حين مرّ على أسماعهن في إحدى زنازين سجن هشارون إعلان صوتي من إذاعة محلية، يحث على التبرع لمرضى السرطان.
وتستلهم الفنانة الفلسطينية الشابة مشروعها من فكرة أن "الحياة هي الأصل"، تلك الفكرة التي تجسدها هذه الأسيرة المتهمة بتهم أمنية من سلطات الاحتلال، وتعيش تحت ظروف قاسية بل وغاية في السوء، بحيث ترفض أي استجداء عاطفي، وتصرّ على عدم عزلها عن فعلها المقاوم عبر تعزيز استمرار الحياة من داخل زنزانة في سجون الاحتلال، مستخدمة جسدها أو قطعة أثيرة منه، كأداة كفاحية نضالية في فعل ثوري يتجسد في ضفيرتها، وتهريبها إلى خارج السجن، كي يحيا الآخرون، أو لعلهم.
ويمكن وصف "تمرد الضفائر" بالعمل الصارم بشكل استثنائي، حيث يستخدم بشكل غير اعتيادي ممارسة التصوير من خلال المسح الضوئي بشكل حيوي ومثير للتحدي، وهو ما دفع لجنة تحكيم المسابقة للقول عنه: بشكل أساسي فقد كان إنجاز صفاء العميق والمؤثر، الذي تجلى بخلق شكل فني غير اعتيادي من التمثيلات الجمالية والسياسية التي أثارت إعجاب اللجنة، من خلال تصوير ضفائر الشعر التي تبرعت بها أسيرات فلسطينيات أثناء حملة للتبرع لمرضى سرطان الثدي (شباط / فبراير 2017).. " أثنى أعضاء لجنة التحكيم على العمل من ناحيتي التعقيدات التقنية والمفهومية".
يركز عمل صفاء خطيب على فعل من السخاء الإنساني، وهو شكل من أشكال التضامن بين حياة السجن والعالم الخارجي، فالنتيجة المتمثلة في العمل التركيبي الفوتوغرافي تحمل كثافة جمالية عالية، وفي نفس قوية بالكيفية التي تثير فيها مواضيع حول المقاومة والتمكين.
وكما الأسيرات في السجن ما بين الحياة والموت، تعاطت الفنانة مع تقنية المسح الضوئي (السكانر) والضفائر ما بين عتمة وضوء، في محاكاة فنية وحسية ليوميات صاحبات الضفائر اللواتي يعشن ما بين حرية ولا حرية، كما كان استخدام هذه التقنية تحديداً للحيلولة دون وجود أية وسائط ما بين المتلقى والحكاية وصاحباتها، فاتجهت إلى المباشرة عن قصد، وهو ما انعكس في العمل السمعي أيضاً، الذي وثق الحكاية منذ خبر المناشدة، وتواصل في الحوارات عبر الأثير ما بين أهالي الأسيرات وبينهن، عبر "الراديو" الذي هو الوسيط الوحيد بينهم، حيث تم اقتطاع رسائل صوتية من عدة إذاعات محلية، وتركيبها في تسجيل سمعي واحد، يوصل للمستمع ما يعشنه الأسيرات في تواصلهن الوحيد الممكن مع أسرهن، أو لعلها هكذا حاولت صاحبة "تمرد الضفائر"!
وقالت خطيب لـ"ضفة ثالثة": العمل عبارة عن ثلاث صور فوتوغرافية بتقنية المسح الضوئي، بالإضافة إلى عمل صوتي .. والمشروع عبارة عن رواية بطريقة غير مباشرة لحادثة تبرع أسيرات بشعورهن لمرضى السرطان، وتهريبه إلى خارج زنازين سجن "هشارون"، وذلك لتسليط الضوء على استخدام الأسيرات لأجسادهن كوسيلة كفاحية للحياة".
وأضافت: جاء هذا العمل ليعيد الاعتبار لهؤلاء الأسيرات اللواتي خفت الاهتمام بهن وبظروف اعتقالهن في العامين الأخيرين بشكل واضح، فكان العمل بمثابة محاولة لإعادة تسليط الضوء على واحد من أهم الجوانب الإنسانية التي شغلتنا لفترة قصيرة فحسب.
وكشفت صفاء لـ"ضفة ثالثة"، أنها تمكنت من الحصول على الضفائر من خلال زيارات ميدانية لأهالي الأسيرات، ولأسيرات محررات، ومنذ تلك اللحطة وأنا أبحث عن صيغة ما قادرة على نقل حكاية الأسيرات وضفائرهن بطريقة فنية مبتكرة، لكونها حكاية تلخص قضية كفاح إنساني ضد الاحتلال والقهر والسجّان والظروف العصبة التي يعشنها جسدياً ونفسياً.
وأكدت الفنانة الفلسطينية التي لم تخف توقعها المسبق بالحصول على الجائزة: من المهم التعبير عن قضايا شائكة ومعقدة تحدث في فلسطين من خلال الفن، الذي هو أداة غاية في الأهمية لإيصال حكايتنا وروايتنا وقصصنا وحيواتنا بشكل إبداعي إلى أكبر شريحة في العالم، باعتبار الفن لغة كونية في الأساس.
وصفاء خطيب تعمل وتعيش ما بين القدس وقرية كفر كنّا في الجليل. تحمل شهادة البكالوريوس في فن التصوير الفوتوغرافي من أكاديمية للفن والتصميم في القدس (2016)، وتسعى إلى نيل شهادة الماجستير في دراسات السينما من جامعة حيفا حالياً.
شاركت خطيب العام 2016 في إقامة فنية ضمن "الإقامة الدولية للفنون في باريس"، وعرضت مشروعها "استوديو بغداد" ست مرات ما بين العامين 2016 و2017، في كل من: ساحة هينري فريك، وسانت يوس تين نود (بروكسل)، وليوزين (كازابلانكا)، وغاليري باديكو (رام الله)، والمركز الثقافي الفرنسي (نابلس)، وغاليري فتوش (حيفا)، وجون كرياسيون غاليري (باريس).
عرضت خطيب العام 2016، مشروع "مونديال فلسطين 2034" في القدس، كما عرضت في المدينة ذاتها الفيديو التركيبي "قبة الصخرة"، وهي حاصلة على جائزة مهرجان "إن/آوت" في فرنسا عن فئة التصوير الفوتوغرافي.
يوسف الشايب
فوتوغراف
شارك هذا المقال
حجم الخط
يتداخل الشخصي والجمعي في العمل الفني للفنانة الفلسطينية الشابة صفاء خطيب بعنوان "تمرد الضفائر"، والفائز مؤخراً بالجائزة الأولى لمسابقة مؤسسة عبد المحسن القطان للفنان الشاب (اليايا) للعام 2018 (جائزة حسن حوراني)، وهو عبارة عن صور فوتوغرافية بتقنية المسح الضوئي يرافقها عمل سمعي مدته سبع دقائق، ويدور في فلك الحوارات الإذاعية بين ذوي أسيرات وبناتهن في زنازين الاحتلال الإسرائيلي عبر أثير المحطات الإذاعية الفلسطينية.
وهذا المشروع الفني ملخص لبحث استقصائي أعيد إنتاجه فنياً لخمسة وعشرين مشهداً أصلياً لفتيات فلسطينيات تحت سن الثامنة عشرة، أي طفلات حسب التصنيف الدولي، اعتقلن في العامين 2015 و2016 .. وهذه المشاهد الأصلية التي أنتجها الواقع لأغراض ليست فنية، تحولت من خبر عابر إلى عمل فني مقاوم.
يرتكز "تمرد الضفائر"، وهو عبارة عن صور فوتوغرافية بتقنية المسح الضوئي وعمل سمعي، على واقعة قصّ الأسيرات الفلسطينيات لضفائرهن بنيّة التبرع بها لمرضى السرطان في شباط 2017، حين مرّ على أسماعهن في إحدى زنازين سجن هشارون إعلان صوتي من إذاعة محلية، يحث على التبرع لمرضى السرطان.
وتستلهم الفنانة الفلسطينية الشابة مشروعها من فكرة أن "الحياة هي الأصل"، تلك الفكرة التي تجسدها هذه الأسيرة المتهمة بتهم أمنية من سلطات الاحتلال، وتعيش تحت ظروف قاسية بل وغاية في السوء، بحيث ترفض أي استجداء عاطفي، وتصرّ على عدم عزلها عن فعلها المقاوم عبر تعزيز استمرار الحياة من داخل زنزانة في سجون الاحتلال، مستخدمة جسدها أو قطعة أثيرة منه، كأداة كفاحية نضالية في فعل ثوري يتجسد في ضفيرتها، وتهريبها إلى خارج السجن، كي يحيا الآخرون، أو لعلهم.
ويمكن وصف "تمرد الضفائر" بالعمل الصارم بشكل استثنائي، حيث يستخدم بشكل غير اعتيادي ممارسة التصوير من خلال المسح الضوئي بشكل حيوي ومثير للتحدي، وهو ما دفع لجنة تحكيم المسابقة للقول عنه: بشكل أساسي فقد كان إنجاز صفاء العميق والمؤثر، الذي تجلى بخلق شكل فني غير اعتيادي من التمثيلات الجمالية والسياسية التي أثارت إعجاب اللجنة، من خلال تصوير ضفائر الشعر التي تبرعت بها أسيرات فلسطينيات أثناء حملة للتبرع لمرضى سرطان الثدي (شباط / فبراير 2017).. " أثنى أعضاء لجنة التحكيم على العمل من ناحيتي التعقيدات التقنية والمفهومية".
يركز عمل صفاء خطيب على فعل من السخاء الإنساني، وهو شكل من أشكال التضامن بين حياة السجن والعالم الخارجي، فالنتيجة المتمثلة في العمل التركيبي الفوتوغرافي تحمل كثافة جمالية عالية، وفي نفس قوية بالكيفية التي تثير فيها مواضيع حول المقاومة والتمكين.
وكما الأسيرات في السجن ما بين الحياة والموت، تعاطت الفنانة مع تقنية المسح الضوئي (السكانر) والضفائر ما بين عتمة وضوء، في محاكاة فنية وحسية ليوميات صاحبات الضفائر اللواتي يعشن ما بين حرية ولا حرية، كما كان استخدام هذه التقنية تحديداً للحيلولة دون وجود أية وسائط ما بين المتلقى والحكاية وصاحباتها، فاتجهت إلى المباشرة عن قصد، وهو ما انعكس في العمل السمعي أيضاً، الذي وثق الحكاية منذ خبر المناشدة، وتواصل في الحوارات عبر الأثير ما بين أهالي الأسيرات وبينهن، عبر "الراديو" الذي هو الوسيط الوحيد بينهم، حيث تم اقتطاع رسائل صوتية من عدة إذاعات محلية، وتركيبها في تسجيل سمعي واحد، يوصل للمستمع ما يعشنه الأسيرات في تواصلهن الوحيد الممكن مع أسرهن، أو لعلها هكذا حاولت صاحبة "تمرد الضفائر"!
وقالت خطيب لـ"ضفة ثالثة": العمل عبارة عن ثلاث صور فوتوغرافية بتقنية المسح الضوئي، بالإضافة إلى عمل صوتي .. والمشروع عبارة عن رواية بطريقة غير مباشرة لحادثة تبرع أسيرات بشعورهن لمرضى السرطان، وتهريبه إلى خارج زنازين سجن "هشارون"، وذلك لتسليط الضوء على استخدام الأسيرات لأجسادهن كوسيلة كفاحية للحياة".
وأضافت: جاء هذا العمل ليعيد الاعتبار لهؤلاء الأسيرات اللواتي خفت الاهتمام بهن وبظروف اعتقالهن في العامين الأخيرين بشكل واضح، فكان العمل بمثابة محاولة لإعادة تسليط الضوء على واحد من أهم الجوانب الإنسانية التي شغلتنا لفترة قصيرة فحسب.
وكشفت صفاء لـ"ضفة ثالثة"، أنها تمكنت من الحصول على الضفائر من خلال زيارات ميدانية لأهالي الأسيرات، ولأسيرات محررات، ومنذ تلك اللحطة وأنا أبحث عن صيغة ما قادرة على نقل حكاية الأسيرات وضفائرهن بطريقة فنية مبتكرة، لكونها حكاية تلخص قضية كفاح إنساني ضد الاحتلال والقهر والسجّان والظروف العصبة التي يعشنها جسدياً ونفسياً.
وأكدت الفنانة الفلسطينية التي لم تخف توقعها المسبق بالحصول على الجائزة: من المهم التعبير عن قضايا شائكة ومعقدة تحدث في فلسطين من خلال الفن، الذي هو أداة غاية في الأهمية لإيصال حكايتنا وروايتنا وقصصنا وحيواتنا بشكل إبداعي إلى أكبر شريحة في العالم، باعتبار الفن لغة كونية في الأساس.
وصفاء خطيب تعمل وتعيش ما بين القدس وقرية كفر كنّا في الجليل. تحمل شهادة البكالوريوس في فن التصوير الفوتوغرافي من أكاديمية للفن والتصميم في القدس (2016)، وتسعى إلى نيل شهادة الماجستير في دراسات السينما من جامعة حيفا حالياً.
شاركت خطيب العام 2016 في إقامة فنية ضمن "الإقامة الدولية للفنون في باريس"، وعرضت مشروعها "استوديو بغداد" ست مرات ما بين العامين 2016 و2017، في كل من: ساحة هينري فريك، وسانت يوس تين نود (بروكسل)، وليوزين (كازابلانكا)، وغاليري باديكو (رام الله)، والمركز الثقافي الفرنسي (نابلس)، وغاليري فتوش (حيفا)، وجون كرياسيون غاليري (باريس).
عرضت خطيب العام 2016، مشروع "مونديال فلسطين 2034" في القدس، كما عرضت في المدينة ذاتها الفيديو التركيبي "قبة الصخرة"، وهي حاصلة على جائزة مهرجان "إن/آوت" في فرنسا عن فئة التصوير الفوتوغرافي.