حرب البوسنة[عدل]
وقع نزاع مسلح دولي في البوسنة والهرسك في الفترة بين 6 أبريل 1992و14 ديسمبر 1995، كانت الحرب بين قوات من جمهورية البوسنة والهرسك وبين القوات التي نصبت لنفسها كيانات جديدة وهي القوات الصربية البوسنية والقوات الكرواتية البوسنية في البوسنة والهرسك، وقدمت كل من صربيا وكرواتيا قادة لجمهورية صرب البوسنة و"كروات البوسنة" على التوالي،[38] وجاءت الحرب نتيجة لتفكك يوغوسلافيا بعد الانشقاقات السلوفينية والكرواتية من جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية في عام 1991، أصبح يمثل الجمهورية الاشتراكية متعددة الأعراق في البوسنة والهرسك كل من: البوشناق المسلمين 44% والصرب الأرثوذكس 31% والكروات الكاثوليك 17%، ثم أُقر استفتاء على الاستقلال في 29 فبراير 1992، وقد رُفض هذا الاستفتاء من قبل الممثلين السياسيين لصرب البوسنة الذين قاطعوا الاستفتاء، وأنشؤوا جمهوريتهم الخاصة، ولحقت بهم البوسنة وأعلنت استقلال البوسنة والهرسك والتي اكتسبت اعترافاً دولياً، وكان نتيجة لذلك أن صرب البوسنة وبدعم من حكومة سلوبودان ميلوسيفيتش الصربية والجيش الشعبي اليوغوسلافي، حشدوا قواتهم داخل جمهورية البوسنة والهرسك من أجل تأمين الأراضي الصربية، ثم سرعان ما انتشرت الحرب في جميع أنحاء البلاد، رافقها تطهير عرقي ضد السكان البوسنيين المسلمين والكروات، وخاصة في شرق البوسنة وجميع أنحاء جمهورية صرب البوسنة.[39]
خريطة توضح مناطق سيطرة المتحاربين: الأخضر البوشناق والأحمر الصرب والأزرق الكروات.
كان الصراع الإقليمي في البداية بين القوات الصربية الممثلة في جيش جمهورية صرب البوسنة من جهة، وجيش جمهورية البوسنة والهرسك الذي كان يتألف في معظمه من البوشناق والقوات الكرواتية المدعومة في مجلس الدفاع الكرواتي في الجانب الآخر، وكانت القوات الكرواتية تهدف إلى تأمين الأجزاء الكرواتية من البوسنة والهرسك،[40] وفي وقت لاحق اتفقت القيادات السياسية الصربية والكرواتية على تقسيم البوسنة عبر اتفاقية كاراكورديفو واتفاقية غراتس، مما أدى إلى تحول القوات الكرواتية لحرب جيش جمهورية البوسنة والهرسك،[41] واتسمت الحرب بالقتال المرير والقصف العشوائي للمدن والبلدات والتطهير العرقي والاغتصاب الجماعي المنظم، وكان المتسبب في هذه الأفعال بشكل رئيسي القوات الصربية، وبشكل أقل القوات الكرواتية وقوات البوسنيين،[42] وكان من أكبر الأحداث دموية حصار ساراييفو ومذبحة سربرنيتسا.
كان الصرب وعلى الرغم من تفوقهم في البداية بسبب الأسلحة والموارد المقدمة من قبل جيش يوغسلافيا الشعبي، إلا أنهم خسروا في نهاية المطاف، كما أن البوشناق والكروات تحالفوا ضد الجمهورية الصربية في عام 1994 مع إنشاء اتحاد البوسنة والهرسك بعد اتفاق واشنطن، أما بعد مجازر سربرنيتشا وماركال فقد تدخل حلف الناتو في عام 1995، مستهدفاً مواقعاً لجيش جمهورية صرب البوسنة، والتي كانت مفتاح إنهاء الحرب.[43] وقد انتهت الحرب بعد التوقيع على اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك في باريس في 14 ديسمبر 1995 التي استكملت مفاوضات السلام التي جرت في دايتون، أوهايو في 21 ديسمبر 1995، والتي أصبحت تُعرف باسم اتفاقية دايتون. وفقاً لكشوف تقرير صادر من الأمم المتحدة ترأسه شريف بسيوني قال فيه: إن جميع الأطراف ارتكبت جرائم حرب خلال الصراع، وكانت القوات الصربية المسؤولة عن تسعين في المئة من القتل والتخريب، في حين كانت القوات الكرواتية مسؤولة عن ستة في المئة والقوى الإسلامية أربعة في المئة،[44] وكانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة قد أدانت 45 شخصاً من الصرب، ومن الكروات 12 شخصاً، ومن البوشناق أربعة أشخاص، وذلك بارتكاب جرائم حرب في البوسنة،[45] وأشارت أحدث الأرقام إلى أن حوالي 100,000 شخص قتلوا خلال الحرب في البوسنة،[46][47] وبالإضافة إلى ذلك تم اغتصاب ما يقدر ب 20,000 إلى 50,000 امرأة، وتشريد أكثر من 2.2 مليون شخص، مما يجعل الصراع في البوسنة والهرسك الأكثر تدميراً في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.[48]
اندلاع الحرب[عدل]
مخيم مانياكا 1992.
في فبراير من عام 1991، دعا علي عزت بيغوفيتش إلى استفتاء وطني حول استقلال البوسنة كشرط أوروبي للاعتراف بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة، على الرغم من تحذيرات الأعضاء الصرب للرئاسة أن أي تحرك نحو الاستقلال من شأنه أن يؤدي بالمناطق الصربية في البوسنة إلى البقاء مع يوغوسلافيا الفدرالية، وتم مقاطعة الاستفتاء من قِبل الصرب الذين اعتبروا الاستفتاء خطوة غير دستورية،[49] وقد صوت 99.4٪ من الناخبين لصالح الاستقلال، وبلغت نسبة المشاركة 67٪ (تشكلت كلها تقريباً من البوشناق والكروات)،[50] وأعلن عزت بيغوفيتش استقلال البلاد في شهر مارس من عام 1992.[50] تلقت البوسنة والهرسك الاعتراف الدولي في 6 نيسان 1992،[51] وتم الاعترف بجمهورية البوسنة والهرسك كدولة عضو في الأمم المتحدة في يوم 22 مايو 1992،[52] وكان من نتائج الاستفتاء أن وقع قتال متقطع بين الصرب والقوات الحكومية في جميع أنحاء البوسنة في الفترة التي سبقت الاعتراف الدولي، وكان علي عزت بيغوفيتش يراهن على أن المجتمع الدولي سيرسل قوات حفظ السلام بعد الاعتراف بالبوسنة من أجل منع وقوع الحرب، ولكن هذا لم يحدث، واندلعت الحرب على الفور في جميع أنحاء البلاد، كما حقق الصرب وقوات جيش يوغسلافيا الشعبي السيطرة على مناطق واسعة من البوسنة من قوات الأمن الحكومية سيئة التجهيز، في البداية هاجمت القوات الصربية السكان المدنيين من غير الصرب في شرق البوسنة، وقد سقطت المدن والقرى بشكل سريع في أيديهم، وألقي القبض على الكثير من المدنيين البوسنيين.
حفار القبور في مقبرة في سراييفو عام 1992.
كان علي عزت بيغوفيتش يروج باستمرار لفكرة بوسنة متعددة الأعراق تحت حكم مركزي، ولكن هذه الفكرة بدت إستراتيجية ميؤوس منها في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلد، أما كروات البوسنة فقد خاب أملهم من حكومة سراييفو وتم دعمهم عسكرياً ومالياً من قبل الحكومة الكرواتية في بلغراد، وتحولوا بشكل سريع ومتزايد نحو إقامة دولة خاصة بهم في الهرسك ووسط البوسنة، في هذه الأثناء انسحب الكروات من حكومة سراييفو واندلع القتال في عام 1993، ولكن في معظم المناطق البوسنية تم توقيع هدنة محلية بين الصرب والكروات في كريسيفو وفاريس ويايسي، وشنت القوات الكرواتية هجماتهم على البوشناق في غورني فاكوف ونوفي ترافنيك والبلدات في وسط البوسنة ابتداءً من يونيو عام 1992، وتسبب اتفاق غراتس بانقسام عميق وكبير بين الكروات والجماعة الانفصالية، والتي أدت إلى حملة تطهير عرقي ضد المدنيين البوسنيين، هذه الحملة خططت لها الجماعة الكرواتية التي نصبت نفسها على هرم القيادة السياسية والعسكرية في هرسك-البوسنة في الفترة من مايو 1992 إلى مارس 1993.[53]
تضرر المباني السكنية قرب جسر فربانيا في حي غرابافيتشا على الضفة اليسرى لنهر مياسكا.
تبني علي عزت بيغوفيتش فكرة عبديتش بإنشاء مقاطعة غرب البوسنة المستقلة في أجزاء من بلديات كازين وفيليكا كلادوسا في المناطق المعارضة لحكومة سراييفو وبالتعاون مع سلوبودان ميلوشيفيتش وفرانيو تودجمان، وكان ذلكك سببا في زيادة الارتباك العام في صفوف البوسنيين،[54] وبحلول ذلك الوقت أصبحت حكومة علي عزت بيغوفيتش تسيطر على حوالي 25٪ من مساحة البلاد، ولمدة ثلاث سنوات ونصف عاش عزت بيغوفيتش غير مستقر في سراييفو المحاصرة والتي تحيط بها القوات الصربية، واستنكر فشل الدول الغربية في وقف العدوان الصربي، وتحول بدلاً من ذلك إلى العالم الإسلامي، والذي كان قد أنشأ العلاقات معه خلال أيامه في المنفى، وتلقت الحكومة البوسنية المال والسلاح بعد المجازر التي وقعت ضد مسلمي البوسنة من قِبل الصرب وإلى حد أقل من قوات الكروات، وجاء المتطوعون العرب عبر كرواتيا إلى البوسنة للانضمام إلى جيش البوسنة، والذين بلغ عددهم من 3,000 إلى 6,000 مقاتل.[55][56][57] وصل هؤلاء المقاتلون العرب إلى البوسنة في حوالي عام 1993، وكانوا يحملون وثائق هوية وجوازات سفر كرواتية، إلا أن هذه الخطوة سرعان ما اجتذبت انتقادات شديدة ضخمتها الدعاية الكبيرة من قِبل الجماعات الصربية والكرواتية، الذين اعتبروا وجودهم دليلاً على الأصولية الإسلامية العنيفة في قلب أوروبا.
في عام 1993 وافق علي عزت بيغوفيتش على خطة السلام التي من شأنها تقسيم البوسنة على أسس عرقية، لكنه استمر في الإصرار على حكومة بوسنية ائتلافية في سراييفو، وكانت الحرب بين البوشناق والكروات قد انتهت بوساطة اتفاقية واشنطن التي جرى التوقيع عليها في 18 مارس 1994،[58] وبعد ذلك تعاون الجانبان بشكل وثيق وقوي ضد الصرب، وأصبح حلف شمال الأطلسي يشارك على نحو متزايد في الصراع ضد صرب البوسنة وذلك ابتداءً من 28 فبراير 1994،[59] واستمر القتال ضد الصرب من قِبل الأطراف الثلاثة البوشناق والكروات وحلف الناتو، وفي 13 نوفمبر 1994 رفعت الولايات المتحدة من جانب واحد الحظر على الأسلحة ضد حكومة البوسنة،[60] وفي 30 اغسطس 1994 أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي بداية عملية القوة المتعمدة، وتتمثل في غارات جوية واسعة النطاق ضد مواقع صرب البوسنة بدعم من قوات الأمم المتحدة، وفي 14 سبتمبر 1995 تم تعليق الضربات الجوية للناتو للسماح بتنفيذ اتفاق مع صرب البوسنة لسحب الأسلحة الثقيلة من جميع أنحاء سراييفو.[61]
انتهاء الحرب[عدل]
بيغوفيتش لحظة توقيع اتفاقية دايتون.
في يوم 26 سبتمبر من عام 1995، تم التوصل إلى الاتفاق على المبادئ الأساسية لاتفاق سلام في مدينة نيويورك بين وزراء خارجية كل من البوسنة والهرسك وكرواتيا وجمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية، وجاء إعلان لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، ودخل هذا الإعلان حيز التنفيذ في 12 أكتوبر 1995، وفي الأول من شهر تشرين الثاني بدأت محادثات السلام في دايتون، أوهايو،[62] وانتهت الحرب بعد التوقيع على اتفاقية دايتون للسلام الموقعة في 21 تشرين الثاني 1995،[63] وتم التوقيع على النسخة النهائية من اتفاق السلام 14 ديسمبر 1995 في باريس،[64] وبعد اتفاقية دايتون قام حلف شمال الأطلسي بنشر قوة التنفيذ في البوسنة والهرسك، وتم نشر وحدة قوية مكونة من 80,000 عسكري مدججة بالسلاح، وكلفت بإطلاق النار عند الضرورة من أجل تنفيذ عملية السلام الموقعة بنجاح، فضلاً عن قيامها بمهام أخرى مثل تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والسياسية وإعادة إعمار البوسنة والهرسك، وتوفير الدعم للمدنيين النازحين في العودة إلى ديارهم، وجمع الأسلحة والألغام والذخائر، وتطهير المناطق المتضررة.[64]
اتفاقية دايتون للسلام[عدل]
المؤتمر الصحفي بعد توقيع الإتفاقية برفقة الرئيس بيل كلينتون.
تسمى اتفاقية دايتون أو اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك، هي اتفاقية سلام تم التوصل إليها في قاعدة رايت باترسون الجوية قرب دايتون، أوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في شهر نوفمبر من عام 1995، ووقعت الاتفاقية رسمياً في باريس في 14 ديسمبر 1995،[65] ووضعت هذه الاتفاقية حداً لفترة طويلة من الصراع والحرب في البوسنة والهرسك والتي بلغت ثلاثة سنوات ونصف السنة، والتي تعد واحدة من الصراعات المسلحة في يوغوسلافيا السابقة، بدأت المحادثات الدولية في وقت مبكر من عام 1992، وكانت هذه البداية في أعقاب جهود فاشلة سابقة للسلام، في أغسطس من عام 1995 قامت القوات الكرواتية بعملية عاصفة عسكرية وذلك بالهجوم العسكري ضد حكومة جمهورية صرب البوسنة، والتي أجريت بالتوازي مع عملية القوة المتعمدة لحلف شمال الأطلسي، وخلال شهري سبتمبر وأكتوبر من عام 1995 قامت القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بجمع أطراف النزاع لحضور المفاوضات في دايتون، أوهايو.[66]
عقد المؤتمر في شهر نوفمبر من عام 1995، وشارك فيه رئيس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية سلوبودان ميلوسوفيتش، ورئيس جمهورية كرواتيا فرانيو تودجمان، ورئيس البوسنة والهرسك علي عزت بيغوفيتش،[67] وبعد أن تم التوقيع على الاتفاق في دايتون، أوهايو في 21 تشرين الثاني 1995 تم التوقيع على اتفاق كامل ورسمي في باريس في 14 ديسمبر 1995.[65]
نصت الإتفاقية على خمسة عناصر رئيسة هي: الالتزام بوحدة أراضي البوسنة، وتقسيم البوسنة إلى قسمين أحدهما ذات طابع فيدرالي للمسلمين والكروات والثاني جمهورية للصرب، ويحصل المسلمون والكروات على ثلثي مقاعد البرلمان والثلث الآخر للصرب، الحكومة المركزية هي المسؤولة عن السياسة الخارجية وقضايا المواطنة والهجرة، عودة اللاجئين الذين شردتهم الحرب،[65][67] وعلى أساس هذا الاتفاق يحكم البوسنة والهرسك مجلس رئاسي بدلاً من رئيس واحد، ويضم المجلس 3 رؤساء أحدهم يمثل المسلمين وآخر يمثل الكروات ويتم انتخابهما من قِبل سكان اتحاد البوسنة والهرسك أي فيدرالية المسلمين والكروات، أما الثالث فهو صربي ينتخبه سكان جمهورية صرب البوسنة، ومدة المجلس الرئاسي 4 سنوات ويتولى أعضاؤه الثلاثة الرئاسة بالتوالي لمدة 8 أشهر لكل منهم، فيترأس كل منهم البلاد مرتين، وجاءت اتفاقية دايتون بنصوص غير مرضية للمسلمين وقال الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش: «إن اتفاقاً غير منصف خير من استمرار الحرب».[67]
مجلس الرئاسة البوسني[عدل]
كان أحد أهم نتائج اتفاقية دايتون هو تشكيل مجلس الرئاسة البوسني، مسؤليته إدارة البلد بدلاً من رئيس مباشر يحكم البلاد. أنشئ مجلس الرئاسة البوسني ليتولى رئاسة البوسنة والهرسك، على أن يتكون هذا المجلس من ثلاثة أعضاء: بوسني وكرواتي ينتخب كل منهم مباشرة من اتحاد البوسنة والهرسك، وصربي واحد ينتخب مباشرة من جمهورية صرب البوسنة.[68]
الانتخابات[عدل]
علي عزت بيغوفيتش عام 1997.
نصت الفقرة الأولى من قانون الانتخابات الذي صدر من المحكمة الدستورية البوسنية أن أعضاء مجلس الرئاسة ينتخبون مباشرة في كل كيان من كيانات البوسنة، وفقاً لقانون الانتخابات الذي اعتمدته الجمعية البرلمانية، مدة الأعضاء المنتخبين يجب أن تكون أربع سنوات.[68]
أسفرت الانتخابات التي أجريت في شهر سبتمبر من عام 1996 عن فوز الأحزاب القومية في الكيانات الثلاثة بأغلبية المقاعد البرلمانية، وبالمناصب التنفيذية التي دار التنافس حولها، ففي برلمان اتحاد البوسنة والهرسك الذي يمثل المسلمين والكروات، فاز حزب العمل برئاسة علي عزت بيغوفيتش والاتحاد الديمقراطي الكرواتي بأغلبية المقاعد، وفي برلمان جمهورية صرب البوسنة فاز الحزب الديمقراطي الصربي ب 49 مقعداً من إجمالي 83 مقعداً، أما على صعيد المجلس التشريعي للبوسنة فقد فاز حزب العمل الديمقراطي ب 20 مقعداً من أصل 28 مقعداً مخصصاً لكل من المسلمين والكروات، وفاز الاتحاد الديمقراطي الكرواتي ب 7 مقاعد، وبالنسبة إلى حصة الصرب في هذا المجلس (14 مقعداً)، فقد فاز الحزب الديمقراطي الصربي ب 8 مقاعد، وفازت أحزاب صربية أخرى ب 6 مقاعد.[69]
وفيما يتعلق بهيئة الرئاسة الثلاثية، فقد حصل مرشح حزب العمل الديمقراطي علي عزت بيغوفيتش على المركز الأول (729.034 صوتا)، ثم مرشح الحزب الديمقراطي الصربي موسشيلو كرايشنيك (690.373 صوتا)، وأخيراً مرشح الاتحاد الديمقراطي الكرواتي كريشمير زوباك (342.007 صوتا).
رئاسة المجلس[عدل]
بعد أن أجريت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في شهر سبتمبر من عام 1996، تم تشكيل مجلس الرئاسة البوسني والذي يتكون من الرؤساء الثلاثة علي عزت بيغوفيتش ممثلاً عن المسلمين، وموسشيلو كرايشنيك ممثلاً عن الصرب، وكريشمير زوباك ممثلاً عن الكروات، وكانت مدة هذا المجلس أربع سنوات من 1996 وحتى 2000، وكانت رئاسة المجلس مناوبة بين الأعضاء الثلاثة، نصب خلال هذه الفترة علي عزت بيغوفيتش رئيساً لمجلس الرئاسة البوسني مرتين: الأولى من 5 أكتوبر 1996 حتى 13 أكتوبر 1998، والثانية في 14 فبراير 2000 حتى 14 أكتوبر 2000.[70]
مناصبه السياسية[عدل]
شغل علي عزت بيجوفيتش عدة مناصب سياسية:[71][72][73]
مرضه ووفاته[عدل]
بعد انتهاء فترة ولاية مجلس الرئاسة البوسني في العام 2000، قرر علي عزت بيغوفيتش اعتزال الحياة السياسية وذلك لسببين: الأول بسبب الضغوط الدولية التي تعرض لها لمواقفه الدينية المحافظة ولاعتباره أحد زعماء الحرب في البوسنة والهرسك،[74] والثاني: بسبب تدهور حالته الصحية، لكنه بقي رئيساً رمزياً لحزبه الذي خلفه سليمان تيهيتش في رئاسته. وعلى مدى السنوات الثلاث التي تلت انتهاء ولايته كعضو في مجلس الرئاسة البوسني زادت معاناته من مرض القلب، ما جعله يخضع لجراحة في المملكة العربية السعودية، وعلى رغم تحسن صحته، إلا أن النوبات ظلت تنتابه وتسبب له حالات إغماء.
الوفاة[عدل]
ضريح علي عزت بيغوفيتش في سراييفو.
توفي علي عزت بيغوفيتش في 23 شعبان 1424 هـ / 19 أكتوبر 2003 عن عمر 78 عاماً،[75] في مستشفى ساراييفو المركزي الذي دخله في السادس من سبتمبر عام 2003 نتيجة إصابته بحالة إغماء أدت إلى سقوطه أرضاً أدى إلى كسور في أربعة من ضلوعه.[76] وكان تدهور حالته الصحية قد استدعى نقله إلى قسم العناية الفائقة في المستشفى قبل عشرة أيام من وفاته، نتيجة ضعف في أداء القلب ونزيف دموي في الرئتين، ما أدى إلى وفاته في الساعة 2:25 من بعد الظهر بتوقيت البوسنة 12:25 ظهراً بتوقيت غرينيتش، وأعلن نبأ الوفاة رسمياً سليمان تيهيتش العضو المسلم في مجلس الرئاسة البوسني الذي نعى الزعيم البوسني الراحل، وأبلغ الصحافيين أن مشاورات تجرى مع عائلته في شأن مراسم الجنازة، وكان آخر زعيم أجنبي زار بيغوفيتش قبل يوم من وفاته هو رئيس الوزراء التركي (حينها) رجب طيب أردوغان الذي جاء إلى ساراييفو خصيصاً لتفقد حاله الصحية.[74]
شكل موت علي عزت بيغوفيتش نهاية حقبة الحرب في البلقان، إذ توفي الرئيس الكرواتي فرانيو تودجمان في ديسمبر كانون الأول من عام 1999، بينما الرئيس الصربي في تلك الحقبة سلوبودان ميلوشيفيتش أطيح به من السلطة، وقبض عليه في عام 2001، ومن وقتها وهو يمثل للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لارتكابه مجازر وجرائم حرب في البوسنة حتى وفاته.[77]
وكانت تحقيقات محكمة العدل الدولية في لاهاي مع علي عزت بيغوفيتش مستمرة وفي التقدم، ولكن هذه التحقيقات انتهت وتوقفت مع وفاته،[78][79] وبعد وفاته كانت هناك مبادرة لإعادة تسمية جزء من الشارع الرئيسي في سراييفو من أوليتشا مارسالا تيتا (شارع المارشال تيتو) ومطار سراييفو الدولي على شرفه، ولكن وبعد اعتراضات من السياسيين في جمهورية صرب البوسنة والمجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة بادي أشداون، فشلت كل هذه المبادرات،[80] وفي 11 أغسطس 2006 لحقت أضرار قوية قبر علي عزت بيغوفيتش في مقبرة كوفاشي في سراييفو، جراء قنبلة ألقيت عليه، ولم يتم تحديد هوية المفجر.[81]
حديثه قبل وفاته[عدل]
في لقاء مع الذين زاروا علي عزت بيغوفيتش للاطمئنان على صحته قال الرئيس البوسني السابق: «لا أستطيع الخروج من البيت ولكني أستطيع المشي لبضع خطوات داخل البيت وآمل أن تتحسن صحتي في الربيع»، وتابع: «صحتي ليست على ما يرام فبعد 75 عاماً جاء الوقت لأصبح مريضاً»، وعبر بيغوفيتش عن سعادته بحلول عيد الأضحى قائلاً: «أتمنى لجميع المسلمين الصحة الجسدية والسلام في حياتهم وكل عيد والمسلمون أفضل مما كانوا عليه»، وتحدث عن وصيته لشعبه فقال: «اعملوا لتكونوا أفضل مما كنتم قبل الحرب»، وعن موقفه من الوضع السائد في بلاده قال: «معركة توحيد البوسنة وترسيخ الديمقراطية تتقدم خطوة خطوة وسوف تنتصر البوسنة»، وأضاف بيغوفيتش: «لقد قلت هذا سنة 1995 بأن الأمم المتحدة لن توافق مستقبلاً على تغيير الحدود الدولية مجدداً في البلقان والذين يفهمون غير ذلك كمن يضرب برأسه الحائط وسواء عاجلاً أم آجلاً سيدركون ذلك».
- مقالة مفصلة: حرب البوسنة والهرسك
وقع نزاع مسلح دولي في البوسنة والهرسك في الفترة بين 6 أبريل 1992و14 ديسمبر 1995، كانت الحرب بين قوات من جمهورية البوسنة والهرسك وبين القوات التي نصبت لنفسها كيانات جديدة وهي القوات الصربية البوسنية والقوات الكرواتية البوسنية في البوسنة والهرسك، وقدمت كل من صربيا وكرواتيا قادة لجمهورية صرب البوسنة و"كروات البوسنة" على التوالي،[38] وجاءت الحرب نتيجة لتفكك يوغوسلافيا بعد الانشقاقات السلوفينية والكرواتية من جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية في عام 1991، أصبح يمثل الجمهورية الاشتراكية متعددة الأعراق في البوسنة والهرسك كل من: البوشناق المسلمين 44% والصرب الأرثوذكس 31% والكروات الكاثوليك 17%، ثم أُقر استفتاء على الاستقلال في 29 فبراير 1992، وقد رُفض هذا الاستفتاء من قبل الممثلين السياسيين لصرب البوسنة الذين قاطعوا الاستفتاء، وأنشؤوا جمهوريتهم الخاصة، ولحقت بهم البوسنة وأعلنت استقلال البوسنة والهرسك والتي اكتسبت اعترافاً دولياً، وكان نتيجة لذلك أن صرب البوسنة وبدعم من حكومة سلوبودان ميلوسيفيتش الصربية والجيش الشعبي اليوغوسلافي، حشدوا قواتهم داخل جمهورية البوسنة والهرسك من أجل تأمين الأراضي الصربية، ثم سرعان ما انتشرت الحرب في جميع أنحاء البلاد، رافقها تطهير عرقي ضد السكان البوسنيين المسلمين والكروات، وخاصة في شرق البوسنة وجميع أنحاء جمهورية صرب البوسنة.[39]
خريطة توضح مناطق سيطرة المتحاربين: الأخضر البوشناق والأحمر الصرب والأزرق الكروات.
كان الصراع الإقليمي في البداية بين القوات الصربية الممثلة في جيش جمهورية صرب البوسنة من جهة، وجيش جمهورية البوسنة والهرسك الذي كان يتألف في معظمه من البوشناق والقوات الكرواتية المدعومة في مجلس الدفاع الكرواتي في الجانب الآخر، وكانت القوات الكرواتية تهدف إلى تأمين الأجزاء الكرواتية من البوسنة والهرسك،[40] وفي وقت لاحق اتفقت القيادات السياسية الصربية والكرواتية على تقسيم البوسنة عبر اتفاقية كاراكورديفو واتفاقية غراتس، مما أدى إلى تحول القوات الكرواتية لحرب جيش جمهورية البوسنة والهرسك،[41] واتسمت الحرب بالقتال المرير والقصف العشوائي للمدن والبلدات والتطهير العرقي والاغتصاب الجماعي المنظم، وكان المتسبب في هذه الأفعال بشكل رئيسي القوات الصربية، وبشكل أقل القوات الكرواتية وقوات البوسنيين،[42] وكان من أكبر الأحداث دموية حصار ساراييفو ومذبحة سربرنيتسا.
كان الصرب وعلى الرغم من تفوقهم في البداية بسبب الأسلحة والموارد المقدمة من قبل جيش يوغسلافيا الشعبي، إلا أنهم خسروا في نهاية المطاف، كما أن البوشناق والكروات تحالفوا ضد الجمهورية الصربية في عام 1994 مع إنشاء اتحاد البوسنة والهرسك بعد اتفاق واشنطن، أما بعد مجازر سربرنيتشا وماركال فقد تدخل حلف الناتو في عام 1995، مستهدفاً مواقعاً لجيش جمهورية صرب البوسنة، والتي كانت مفتاح إنهاء الحرب.[43] وقد انتهت الحرب بعد التوقيع على اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك في باريس في 14 ديسمبر 1995 التي استكملت مفاوضات السلام التي جرت في دايتون، أوهايو في 21 ديسمبر 1995، والتي أصبحت تُعرف باسم اتفاقية دايتون. وفقاً لكشوف تقرير صادر من الأمم المتحدة ترأسه شريف بسيوني قال فيه: إن جميع الأطراف ارتكبت جرائم حرب خلال الصراع، وكانت القوات الصربية المسؤولة عن تسعين في المئة من القتل والتخريب، في حين كانت القوات الكرواتية مسؤولة عن ستة في المئة والقوى الإسلامية أربعة في المئة،[44] وكانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة قد أدانت 45 شخصاً من الصرب، ومن الكروات 12 شخصاً، ومن البوشناق أربعة أشخاص، وذلك بارتكاب جرائم حرب في البوسنة،[45] وأشارت أحدث الأرقام إلى أن حوالي 100,000 شخص قتلوا خلال الحرب في البوسنة،[46][47] وبالإضافة إلى ذلك تم اغتصاب ما يقدر ب 20,000 إلى 50,000 امرأة، وتشريد أكثر من 2.2 مليون شخص، مما يجعل الصراع في البوسنة والهرسك الأكثر تدميراً في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.[48]
اندلاع الحرب[عدل]
مخيم مانياكا 1992.
في فبراير من عام 1991، دعا علي عزت بيغوفيتش إلى استفتاء وطني حول استقلال البوسنة كشرط أوروبي للاعتراف بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة، على الرغم من تحذيرات الأعضاء الصرب للرئاسة أن أي تحرك نحو الاستقلال من شأنه أن يؤدي بالمناطق الصربية في البوسنة إلى البقاء مع يوغوسلافيا الفدرالية، وتم مقاطعة الاستفتاء من قِبل الصرب الذين اعتبروا الاستفتاء خطوة غير دستورية،[49] وقد صوت 99.4٪ من الناخبين لصالح الاستقلال، وبلغت نسبة المشاركة 67٪ (تشكلت كلها تقريباً من البوشناق والكروات)،[50] وأعلن عزت بيغوفيتش استقلال البلاد في شهر مارس من عام 1992.[50] تلقت البوسنة والهرسك الاعتراف الدولي في 6 نيسان 1992،[51] وتم الاعترف بجمهورية البوسنة والهرسك كدولة عضو في الأمم المتحدة في يوم 22 مايو 1992،[52] وكان من نتائج الاستفتاء أن وقع قتال متقطع بين الصرب والقوات الحكومية في جميع أنحاء البوسنة في الفترة التي سبقت الاعتراف الدولي، وكان علي عزت بيغوفيتش يراهن على أن المجتمع الدولي سيرسل قوات حفظ السلام بعد الاعتراف بالبوسنة من أجل منع وقوع الحرب، ولكن هذا لم يحدث، واندلعت الحرب على الفور في جميع أنحاء البلاد، كما حقق الصرب وقوات جيش يوغسلافيا الشعبي السيطرة على مناطق واسعة من البوسنة من قوات الأمن الحكومية سيئة التجهيز، في البداية هاجمت القوات الصربية السكان المدنيين من غير الصرب في شرق البوسنة، وقد سقطت المدن والقرى بشكل سريع في أيديهم، وألقي القبض على الكثير من المدنيين البوسنيين.
حفار القبور في مقبرة في سراييفو عام 1992.
كان علي عزت بيغوفيتش يروج باستمرار لفكرة بوسنة متعددة الأعراق تحت حكم مركزي، ولكن هذه الفكرة بدت إستراتيجية ميؤوس منها في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلد، أما كروات البوسنة فقد خاب أملهم من حكومة سراييفو وتم دعمهم عسكرياً ومالياً من قبل الحكومة الكرواتية في بلغراد، وتحولوا بشكل سريع ومتزايد نحو إقامة دولة خاصة بهم في الهرسك ووسط البوسنة، في هذه الأثناء انسحب الكروات من حكومة سراييفو واندلع القتال في عام 1993، ولكن في معظم المناطق البوسنية تم توقيع هدنة محلية بين الصرب والكروات في كريسيفو وفاريس ويايسي، وشنت القوات الكرواتية هجماتهم على البوشناق في غورني فاكوف ونوفي ترافنيك والبلدات في وسط البوسنة ابتداءً من يونيو عام 1992، وتسبب اتفاق غراتس بانقسام عميق وكبير بين الكروات والجماعة الانفصالية، والتي أدت إلى حملة تطهير عرقي ضد المدنيين البوسنيين، هذه الحملة خططت لها الجماعة الكرواتية التي نصبت نفسها على هرم القيادة السياسية والعسكرية في هرسك-البوسنة في الفترة من مايو 1992 إلى مارس 1993.[53]
تضرر المباني السكنية قرب جسر فربانيا في حي غرابافيتشا على الضفة اليسرى لنهر مياسكا.
تبني علي عزت بيغوفيتش فكرة عبديتش بإنشاء مقاطعة غرب البوسنة المستقلة في أجزاء من بلديات كازين وفيليكا كلادوسا في المناطق المعارضة لحكومة سراييفو وبالتعاون مع سلوبودان ميلوشيفيتش وفرانيو تودجمان، وكان ذلكك سببا في زيادة الارتباك العام في صفوف البوسنيين،[54] وبحلول ذلك الوقت أصبحت حكومة علي عزت بيغوفيتش تسيطر على حوالي 25٪ من مساحة البلاد، ولمدة ثلاث سنوات ونصف عاش عزت بيغوفيتش غير مستقر في سراييفو المحاصرة والتي تحيط بها القوات الصربية، واستنكر فشل الدول الغربية في وقف العدوان الصربي، وتحول بدلاً من ذلك إلى العالم الإسلامي، والذي كان قد أنشأ العلاقات معه خلال أيامه في المنفى، وتلقت الحكومة البوسنية المال والسلاح بعد المجازر التي وقعت ضد مسلمي البوسنة من قِبل الصرب وإلى حد أقل من قوات الكروات، وجاء المتطوعون العرب عبر كرواتيا إلى البوسنة للانضمام إلى جيش البوسنة، والذين بلغ عددهم من 3,000 إلى 6,000 مقاتل.[55][56][57] وصل هؤلاء المقاتلون العرب إلى البوسنة في حوالي عام 1993، وكانوا يحملون وثائق هوية وجوازات سفر كرواتية، إلا أن هذه الخطوة سرعان ما اجتذبت انتقادات شديدة ضخمتها الدعاية الكبيرة من قِبل الجماعات الصربية والكرواتية، الذين اعتبروا وجودهم دليلاً على الأصولية الإسلامية العنيفة في قلب أوروبا.
في عام 1993 وافق علي عزت بيغوفيتش على خطة السلام التي من شأنها تقسيم البوسنة على أسس عرقية، لكنه استمر في الإصرار على حكومة بوسنية ائتلافية في سراييفو، وكانت الحرب بين البوشناق والكروات قد انتهت بوساطة اتفاقية واشنطن التي جرى التوقيع عليها في 18 مارس 1994،[58] وبعد ذلك تعاون الجانبان بشكل وثيق وقوي ضد الصرب، وأصبح حلف شمال الأطلسي يشارك على نحو متزايد في الصراع ضد صرب البوسنة وذلك ابتداءً من 28 فبراير 1994،[59] واستمر القتال ضد الصرب من قِبل الأطراف الثلاثة البوشناق والكروات وحلف الناتو، وفي 13 نوفمبر 1994 رفعت الولايات المتحدة من جانب واحد الحظر على الأسلحة ضد حكومة البوسنة،[60] وفي 30 اغسطس 1994 أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي بداية عملية القوة المتعمدة، وتتمثل في غارات جوية واسعة النطاق ضد مواقع صرب البوسنة بدعم من قوات الأمم المتحدة، وفي 14 سبتمبر 1995 تم تعليق الضربات الجوية للناتو للسماح بتنفيذ اتفاق مع صرب البوسنة لسحب الأسلحة الثقيلة من جميع أنحاء سراييفو.[61]
انتهاء الحرب[عدل]
بيغوفيتش لحظة توقيع اتفاقية دايتون.
في يوم 26 سبتمبر من عام 1995، تم التوصل إلى الاتفاق على المبادئ الأساسية لاتفاق سلام في مدينة نيويورك بين وزراء خارجية كل من البوسنة والهرسك وكرواتيا وجمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية، وجاء إعلان لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، ودخل هذا الإعلان حيز التنفيذ في 12 أكتوبر 1995، وفي الأول من شهر تشرين الثاني بدأت محادثات السلام في دايتون، أوهايو،[62] وانتهت الحرب بعد التوقيع على اتفاقية دايتون للسلام الموقعة في 21 تشرين الثاني 1995،[63] وتم التوقيع على النسخة النهائية من اتفاق السلام 14 ديسمبر 1995 في باريس،[64] وبعد اتفاقية دايتون قام حلف شمال الأطلسي بنشر قوة التنفيذ في البوسنة والهرسك، وتم نشر وحدة قوية مكونة من 80,000 عسكري مدججة بالسلاح، وكلفت بإطلاق النار عند الضرورة من أجل تنفيذ عملية السلام الموقعة بنجاح، فضلاً عن قيامها بمهام أخرى مثل تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والسياسية وإعادة إعمار البوسنة والهرسك، وتوفير الدعم للمدنيين النازحين في العودة إلى ديارهم، وجمع الأسلحة والألغام والذخائر، وتطهير المناطق المتضررة.[64]
اتفاقية دايتون للسلام[عدل]
- مقالة مفصلة: اتفاقية دايتون
المؤتمر الصحفي بعد توقيع الإتفاقية برفقة الرئيس بيل كلينتون.
تسمى اتفاقية دايتون أو اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك، هي اتفاقية سلام تم التوصل إليها في قاعدة رايت باترسون الجوية قرب دايتون، أوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في شهر نوفمبر من عام 1995، ووقعت الاتفاقية رسمياً في باريس في 14 ديسمبر 1995،[65] ووضعت هذه الاتفاقية حداً لفترة طويلة من الصراع والحرب في البوسنة والهرسك والتي بلغت ثلاثة سنوات ونصف السنة، والتي تعد واحدة من الصراعات المسلحة في يوغوسلافيا السابقة، بدأت المحادثات الدولية في وقت مبكر من عام 1992، وكانت هذه البداية في أعقاب جهود فاشلة سابقة للسلام، في أغسطس من عام 1995 قامت القوات الكرواتية بعملية عاصفة عسكرية وذلك بالهجوم العسكري ضد حكومة جمهورية صرب البوسنة، والتي أجريت بالتوازي مع عملية القوة المتعمدة لحلف شمال الأطلسي، وخلال شهري سبتمبر وأكتوبر من عام 1995 قامت القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بجمع أطراف النزاع لحضور المفاوضات في دايتون، أوهايو.[66]
عقد المؤتمر في شهر نوفمبر من عام 1995، وشارك فيه رئيس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية سلوبودان ميلوسوفيتش، ورئيس جمهورية كرواتيا فرانيو تودجمان، ورئيس البوسنة والهرسك علي عزت بيغوفيتش،[67] وبعد أن تم التوقيع على الاتفاق في دايتون، أوهايو في 21 تشرين الثاني 1995 تم التوقيع على اتفاق كامل ورسمي في باريس في 14 ديسمبر 1995.[65]
نصت الإتفاقية على خمسة عناصر رئيسة هي: الالتزام بوحدة أراضي البوسنة، وتقسيم البوسنة إلى قسمين أحدهما ذات طابع فيدرالي للمسلمين والكروات والثاني جمهورية للصرب، ويحصل المسلمون والكروات على ثلثي مقاعد البرلمان والثلث الآخر للصرب، الحكومة المركزية هي المسؤولة عن السياسة الخارجية وقضايا المواطنة والهجرة، عودة اللاجئين الذين شردتهم الحرب،[65][67] وعلى أساس هذا الاتفاق يحكم البوسنة والهرسك مجلس رئاسي بدلاً من رئيس واحد، ويضم المجلس 3 رؤساء أحدهم يمثل المسلمين وآخر يمثل الكروات ويتم انتخابهما من قِبل سكان اتحاد البوسنة والهرسك أي فيدرالية المسلمين والكروات، أما الثالث فهو صربي ينتخبه سكان جمهورية صرب البوسنة، ومدة المجلس الرئاسي 4 سنوات ويتولى أعضاؤه الثلاثة الرئاسة بالتوالي لمدة 8 أشهر لكل منهم، فيترأس كل منهم البلاد مرتين، وجاءت اتفاقية دايتون بنصوص غير مرضية للمسلمين وقال الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش: «إن اتفاقاً غير منصف خير من استمرار الحرب».[67]
مجلس الرئاسة البوسني[عدل]
- مقالة مفصلة: مجلس الرئاسة البوسني
كان أحد أهم نتائج اتفاقية دايتون هو تشكيل مجلس الرئاسة البوسني، مسؤليته إدارة البلد بدلاً من رئيس مباشر يحكم البلاد. أنشئ مجلس الرئاسة البوسني ليتولى رئاسة البوسنة والهرسك، على أن يتكون هذا المجلس من ثلاثة أعضاء: بوسني وكرواتي ينتخب كل منهم مباشرة من اتحاد البوسنة والهرسك، وصربي واحد ينتخب مباشرة من جمهورية صرب البوسنة.[68]
الانتخابات[عدل]
علي عزت بيغوفيتش عام 1997.
نصت الفقرة الأولى من قانون الانتخابات الذي صدر من المحكمة الدستورية البوسنية أن أعضاء مجلس الرئاسة ينتخبون مباشرة في كل كيان من كيانات البوسنة، وفقاً لقانون الانتخابات الذي اعتمدته الجمعية البرلمانية، مدة الأعضاء المنتخبين يجب أن تكون أربع سنوات.[68]
أسفرت الانتخابات التي أجريت في شهر سبتمبر من عام 1996 عن فوز الأحزاب القومية في الكيانات الثلاثة بأغلبية المقاعد البرلمانية، وبالمناصب التنفيذية التي دار التنافس حولها، ففي برلمان اتحاد البوسنة والهرسك الذي يمثل المسلمين والكروات، فاز حزب العمل برئاسة علي عزت بيغوفيتش والاتحاد الديمقراطي الكرواتي بأغلبية المقاعد، وفي برلمان جمهورية صرب البوسنة فاز الحزب الديمقراطي الصربي ب 49 مقعداً من إجمالي 83 مقعداً، أما على صعيد المجلس التشريعي للبوسنة فقد فاز حزب العمل الديمقراطي ب 20 مقعداً من أصل 28 مقعداً مخصصاً لكل من المسلمين والكروات، وفاز الاتحاد الديمقراطي الكرواتي ب 7 مقاعد، وبالنسبة إلى حصة الصرب في هذا المجلس (14 مقعداً)، فقد فاز الحزب الديمقراطي الصربي ب 8 مقاعد، وفازت أحزاب صربية أخرى ب 6 مقاعد.[69]
وفيما يتعلق بهيئة الرئاسة الثلاثية، فقد حصل مرشح حزب العمل الديمقراطي علي عزت بيغوفيتش على المركز الأول (729.034 صوتا)، ثم مرشح الحزب الديمقراطي الصربي موسشيلو كرايشنيك (690.373 صوتا)، وأخيراً مرشح الاتحاد الديمقراطي الكرواتي كريشمير زوباك (342.007 صوتا).
رئاسة المجلس[عدل]
بعد أن أجريت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في شهر سبتمبر من عام 1996، تم تشكيل مجلس الرئاسة البوسني والذي يتكون من الرؤساء الثلاثة علي عزت بيغوفيتش ممثلاً عن المسلمين، وموسشيلو كرايشنيك ممثلاً عن الصرب، وكريشمير زوباك ممثلاً عن الكروات، وكانت مدة هذا المجلس أربع سنوات من 1996 وحتى 2000، وكانت رئاسة المجلس مناوبة بين الأعضاء الثلاثة، نصب خلال هذه الفترة علي عزت بيغوفيتش رئيساً لمجلس الرئاسة البوسني مرتين: الأولى من 5 أكتوبر 1996 حتى 13 أكتوبر 1998، والثانية في 14 فبراير 2000 حتى 14 أكتوبر 2000.[70]
مناصبه السياسية[عدل]
شغل علي عزت بيجوفيتش عدة مناصب سياسية:[71][72][73]
سبقه اوبراد بيلياك |
رئيس جمهورية البوسنة والهرسك الاشتراكية 20 ديسمبر 1990 – 3 مارس 1992 |
تبعه لا يوجد |
سبقه لا يوجد |
رئيس جمهورية البوسنة والهرسك 3 مارس 1992 – 5 أكتوبر 1996 |
تبعه لا يوجد |
سبقه لا يوجد |
رئيس مجلس الرئاسة البوسني 5 أكتوبر 1996 – 13 أكتوبر 1998 |
تبعه زيفكو راديسيتش |
سبقه أنتي ييلافيتش |
رئيس مجلس الرئاسة البوسني 14 فبراير 2000 - 14 أكتوبر 2000 |
تبعه زيفكو راديسيتش |
سبقه لا يوجد |
العضو المسلم في مجلس الرئاسة البوسني 5 أكتوبر 1996 - 14 أكتوبر 2000 |
تبعه خالد غانياك |
بعد انتهاء فترة ولاية مجلس الرئاسة البوسني في العام 2000، قرر علي عزت بيغوفيتش اعتزال الحياة السياسية وذلك لسببين: الأول بسبب الضغوط الدولية التي تعرض لها لمواقفه الدينية المحافظة ولاعتباره أحد زعماء الحرب في البوسنة والهرسك،[74] والثاني: بسبب تدهور حالته الصحية، لكنه بقي رئيساً رمزياً لحزبه الذي خلفه سليمان تيهيتش في رئاسته. وعلى مدى السنوات الثلاث التي تلت انتهاء ولايته كعضو في مجلس الرئاسة البوسني زادت معاناته من مرض القلب، ما جعله يخضع لجراحة في المملكة العربية السعودية، وعلى رغم تحسن صحته، إلا أن النوبات ظلت تنتابه وتسبب له حالات إغماء.
الوفاة[عدل]
ضريح علي عزت بيغوفيتش في سراييفو.
توفي علي عزت بيغوفيتش في 23 شعبان 1424 هـ / 19 أكتوبر 2003 عن عمر 78 عاماً،[75] في مستشفى ساراييفو المركزي الذي دخله في السادس من سبتمبر عام 2003 نتيجة إصابته بحالة إغماء أدت إلى سقوطه أرضاً أدى إلى كسور في أربعة من ضلوعه.[76] وكان تدهور حالته الصحية قد استدعى نقله إلى قسم العناية الفائقة في المستشفى قبل عشرة أيام من وفاته، نتيجة ضعف في أداء القلب ونزيف دموي في الرئتين، ما أدى إلى وفاته في الساعة 2:25 من بعد الظهر بتوقيت البوسنة 12:25 ظهراً بتوقيت غرينيتش، وأعلن نبأ الوفاة رسمياً سليمان تيهيتش العضو المسلم في مجلس الرئاسة البوسني الذي نعى الزعيم البوسني الراحل، وأبلغ الصحافيين أن مشاورات تجرى مع عائلته في شأن مراسم الجنازة، وكان آخر زعيم أجنبي زار بيغوفيتش قبل يوم من وفاته هو رئيس الوزراء التركي (حينها) رجب طيب أردوغان الذي جاء إلى ساراييفو خصيصاً لتفقد حاله الصحية.[74]
شكل موت علي عزت بيغوفيتش نهاية حقبة الحرب في البلقان، إذ توفي الرئيس الكرواتي فرانيو تودجمان في ديسمبر كانون الأول من عام 1999، بينما الرئيس الصربي في تلك الحقبة سلوبودان ميلوشيفيتش أطيح به من السلطة، وقبض عليه في عام 2001، ومن وقتها وهو يمثل للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لارتكابه مجازر وجرائم حرب في البوسنة حتى وفاته.[77]
وكانت تحقيقات محكمة العدل الدولية في لاهاي مع علي عزت بيغوفيتش مستمرة وفي التقدم، ولكن هذه التحقيقات انتهت وتوقفت مع وفاته،[78][79] وبعد وفاته كانت هناك مبادرة لإعادة تسمية جزء من الشارع الرئيسي في سراييفو من أوليتشا مارسالا تيتا (شارع المارشال تيتو) ومطار سراييفو الدولي على شرفه، ولكن وبعد اعتراضات من السياسيين في جمهورية صرب البوسنة والمجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة بادي أشداون، فشلت كل هذه المبادرات،[80] وفي 11 أغسطس 2006 لحقت أضرار قوية قبر علي عزت بيغوفيتش في مقبرة كوفاشي في سراييفو، جراء قنبلة ألقيت عليه، ولم يتم تحديد هوية المفجر.[81]
حديثه قبل وفاته[عدل]
في لقاء مع الذين زاروا علي عزت بيغوفيتش للاطمئنان على صحته قال الرئيس البوسني السابق: «لا أستطيع الخروج من البيت ولكني أستطيع المشي لبضع خطوات داخل البيت وآمل أن تتحسن صحتي في الربيع»، وتابع: «صحتي ليست على ما يرام فبعد 75 عاماً جاء الوقت لأصبح مريضاً»، وعبر بيغوفيتش عن سعادته بحلول عيد الأضحى قائلاً: «أتمنى لجميع المسلمين الصحة الجسدية والسلام في حياتهم وكل عيد والمسلمون أفضل مما كانوا عليه»، وتحدث عن وصيته لشعبه فقال: «اعملوا لتكونوا أفضل مما كنتم قبل الحرب»، وعن موقفه من الوضع السائد في بلاده قال: «معركة توحيد البوسنة وترسيخ الديمقراطية تتقدم خطوة خطوة وسوف تنتصر البوسنة»، وأضاف بيغوفيتش: «لقد قلت هذا سنة 1995 بأن الأمم المتحدة لن توافق مستقبلاً على تغيير الحدود الدولية مجدداً في البلقان والذين يفهمون غير ذلك كمن يضرب برأسه الحائط وسواء عاجلاً أم آجلاً سيدركون ذلك».