صور هدى قساطلي تخرق عزلة مخيمات اللاجئين بلبنان
فوتوغراف
على مدى سنوات بنت قساطلي علاقات مع سكان صورها
شارك هذا المقال
حجم الخط
تلامس صور اللبنانية هدى قساطلي، في معرض "مخيمات اللاجئين في لبنان.. عبء العوز والحرمان" المتاح عبر موقع جاليري أليس مغبغب الإلكتروني حتى 23 مايو/أيار، روح القاطنين هناك من فلسطينيين وسوريين ممن فُرضت عليهم العزلة منذ سنوات قبل أن يكتشف العالم "العزل الكوروني".
في تلك البقع الجغرافية المسيّجة والمفصولة كليا عن المدن حولها والمناطق السكنية للبنانيين، تبدو صور عالمة الأجناس والفلسفة هدى قساطلي بسيطة بألوانها الزاهية والإضاءة الطبيعية ومناظر الحياة العادية، لكنها تحمل هما إنسانيا وسياسيا في عمقها.
فهي عرفت كيف تنقل من بين تلك الخيام الهشة حيوات عائلات تحمل وجوهها أثقال الصدمة والخوف والمنفى ومآسي الحرب والتهجير والمجهول والخطر.
والمعرض الذي كان من المفترض أن يستضيفه جاليري أليس مغبغب في بيروت أوائل الشهر الجاري قبل أن تغير جائحة كورونا الخطة، تتوزع محتوياته على جدران افتراضية وينقسم إلى أربعة أقسام هي: هندسة الأماكن، وحياة اللاجئين اليومية، وهوية السكان، والمستقبل الغامض المبهم.
واستطاعت قساطلي أن تبني مع اللاجئين الذين زارتهم علاقات لا يبنيها عادة المصور الصحافي العجول، فدخلت إلى بيوتهم الصغيرة ونقلت حرارة الغرف الضيقة والدفء الذي يحمي هؤلاء من الفقر والعوز والعواصف، ووثقت للهندسة الداخلية وديكوراتها وللمناظر الطبيعية الحية منها والميتة داخل المخيمات وحولها.
كما تجسد صور قساطلي مجموعة الذكريات التي يحملها اللاجئون من بلدانهم متجسدة بسجادة أو عادات وتقاليد أو صور لمسقط رأسهم أو مجموعة أوان مطبخية.
وتشع صور قساطلي بالأمل النابض في عيون الأطفال وثيابهم المزركشة وحبال الغسيل المتطايرة أقمشتها في الهواء الطلق كأنها تتوق إلى الحرية أو العودة إلى الديار أو الخروج من مستنقع الفقر.
هذه الصور المئة هي جزء من مشروع عمل بحثي مستمر بدأته قساطلي في عام 2012. وكانت الخبيرة في التراث المعماري والتقاليد الاجتماعية بدأت هذه الرحلة في مخيمي اللاجئين الفلسطينيين في برج البراجنة ونهر البارد، ومخيمات اللاجئين السوريين في البقاع، في إطار كتابة موضوعات بحثية لمجلة "الإنسان والهجرة" الفرنسية حول طريقة بناء خيم وبيوت اللاجئين السوريين الموقتة وكيفية دفن أمواتهم. ومن ثم رافقت كمصورة صديقتها المؤرخة ليليان كفوري التي كانت توثق التاريخ الشفوي للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وعلى مدى سبع سنوات بنت قساطلي علاقات مع سكان صورها، وقالت لرويترز: "لم أكن أقتنص الصور أو أسرقها سرقة بل كنت أزور المخيمات وأتحدث مع الناس وأعيش في بيوتهم أطبخ معهم وأشرب قهوتهم وأبتر جدران العزلة الذي تفرضها الحدود الجغرافية للمخيم عبر جلسات مطولة، فأنا لست مصورة عابرة بل باحثة في الأنثروبولوجيا ويعنيني الإنسان قبل اللقطة".
هذه النزعة الإنسانية تظهر جليا في صور قساطلي بالإجمال، وفي هذا المعرض بالذات عبر صور الخيام العائمة على مياه الشتاء أو البيوت المتلاصقة المتشققة التي تفوح منها رائحة الرطوبة، وصور الأسلاك الكهربائية المتدلية على رؤوس الأطفال التي تبوح بقسوة الإهمال الرسمي وشراسة الفقر. والأهم من ذلك كله أن صور قساطلي عرفت كيف تنجو من الابتذال والفوقية التي رافقت فنانين عالجوا قبلها قضية اللاجئين، فهي تقدم هؤلاء كبشر لهم حقوق وتراث وذكريات وأحلام وذاكرة جماعية "تكاد أن تُفقد"، كما تقول.
وتضيف قائلة: "في المخيمات الفلسطينية تحديدا كان هاجسي أن أصور بورتريهات وأوثق لوجوه كبار السن الذين عاشوا التهجير في عام 1948 حتى اليوم، وأن أسمع ذاكرتهم الشفهية التي قد تموت بمجرد وفاتهم".
وكانت قساطلي تتساءل كلما زارت مخيماً: "كيف يمكن لكل هؤلاء الناس أن يعيشوا من دون أدنى الحقوق في بقعة جغرافية منعزلة؟".
وقالت: "اليوم بعدما جربت ذلك بسبب انتشار كورونا عرفت حرقة العزل وجبروتها، لكن هل يشعر اللبنانيون مثلي اليوم بكل هؤلاء اللاجئين وعاملات المنازل من الجنسيات الأجنبية اللاتي يسجن في المنزل للخدمة فقط؟".
وحكت كيف اكتشفت عندما قامت مع جمعية آركانسيال بورشة عمل لطبخ الأطباق التراثية مع نساء من المخيمات، أن غالبيتهن لم يخرجن قط من المخيم ولا يعرفن الطريق المؤدي للمدينة التي قد تبعد 10 دقائق عن بيوتهن! وأضافت: "هذا عزل فرضته الحياة والإنسان، وهو أصعب من العزل المنزلي الذي يفرضه الوباء".
(رويترز)
فوتوغراف
على مدى سنوات بنت قساطلي علاقات مع سكان صورها
شارك هذا المقال
حجم الخط
تلامس صور اللبنانية هدى قساطلي، في معرض "مخيمات اللاجئين في لبنان.. عبء العوز والحرمان" المتاح عبر موقع جاليري أليس مغبغب الإلكتروني حتى 23 مايو/أيار، روح القاطنين هناك من فلسطينيين وسوريين ممن فُرضت عليهم العزلة منذ سنوات قبل أن يكتشف العالم "العزل الكوروني".
في تلك البقع الجغرافية المسيّجة والمفصولة كليا عن المدن حولها والمناطق السكنية للبنانيين، تبدو صور عالمة الأجناس والفلسفة هدى قساطلي بسيطة بألوانها الزاهية والإضاءة الطبيعية ومناظر الحياة العادية، لكنها تحمل هما إنسانيا وسياسيا في عمقها.
فهي عرفت كيف تنقل من بين تلك الخيام الهشة حيوات عائلات تحمل وجوهها أثقال الصدمة والخوف والمنفى ومآسي الحرب والتهجير والمجهول والخطر.
والمعرض الذي كان من المفترض أن يستضيفه جاليري أليس مغبغب في بيروت أوائل الشهر الجاري قبل أن تغير جائحة كورونا الخطة، تتوزع محتوياته على جدران افتراضية وينقسم إلى أربعة أقسام هي: هندسة الأماكن، وحياة اللاجئين اليومية، وهوية السكان، والمستقبل الغامض المبهم.
واستطاعت قساطلي أن تبني مع اللاجئين الذين زارتهم علاقات لا يبنيها عادة المصور الصحافي العجول، فدخلت إلى بيوتهم الصغيرة ونقلت حرارة الغرف الضيقة والدفء الذي يحمي هؤلاء من الفقر والعوز والعواصف، ووثقت للهندسة الداخلية وديكوراتها وللمناظر الطبيعية الحية منها والميتة داخل المخيمات وحولها.
كما تجسد صور قساطلي مجموعة الذكريات التي يحملها اللاجئون من بلدانهم متجسدة بسجادة أو عادات وتقاليد أو صور لمسقط رأسهم أو مجموعة أوان مطبخية.
وتشع صور قساطلي بالأمل النابض في عيون الأطفال وثيابهم المزركشة وحبال الغسيل المتطايرة أقمشتها في الهواء الطلق كأنها تتوق إلى الحرية أو العودة إلى الديار أو الخروج من مستنقع الفقر.
"صور قساطلي عرفت كيف تنجو من الابتذال والفوقية التي رافقت فنانين عالجوا قبلها قضية اللاجئين، فهي تقدم هؤلاء كبشر" |
وعلى مدى سبع سنوات بنت قساطلي علاقات مع سكان صورها، وقالت لرويترز: "لم أكن أقتنص الصور أو أسرقها سرقة بل كنت أزور المخيمات وأتحدث مع الناس وأعيش في بيوتهم أطبخ معهم وأشرب قهوتهم وأبتر جدران العزلة الذي تفرضها الحدود الجغرافية للمخيم عبر جلسات مطولة، فأنا لست مصورة عابرة بل باحثة في الأنثروبولوجيا ويعنيني الإنسان قبل اللقطة".
هذه النزعة الإنسانية تظهر جليا في صور قساطلي بالإجمال، وفي هذا المعرض بالذات عبر صور الخيام العائمة على مياه الشتاء أو البيوت المتلاصقة المتشققة التي تفوح منها رائحة الرطوبة، وصور الأسلاك الكهربائية المتدلية على رؤوس الأطفال التي تبوح بقسوة الإهمال الرسمي وشراسة الفقر. والأهم من ذلك كله أن صور قساطلي عرفت كيف تنجو من الابتذال والفوقية التي رافقت فنانين عالجوا قبلها قضية اللاجئين، فهي تقدم هؤلاء كبشر لهم حقوق وتراث وذكريات وأحلام وذاكرة جماعية "تكاد أن تُفقد"، كما تقول.
وتضيف قائلة: "في المخيمات الفلسطينية تحديدا كان هاجسي أن أصور بورتريهات وأوثق لوجوه كبار السن الذين عاشوا التهجير في عام 1948 حتى اليوم، وأن أسمع ذاكرتهم الشفهية التي قد تموت بمجرد وفاتهم".
وكانت قساطلي تتساءل كلما زارت مخيماً: "كيف يمكن لكل هؤلاء الناس أن يعيشوا من دون أدنى الحقوق في بقعة جغرافية منعزلة؟".
"كانت قساطلي تتساءل كلما زارت مخيماً: "كيف يمكن لكل هؤلاء الناس أن يعيشوا من دون أدنى الحقوق في بقعة جغرافية منعزلة؟"" |
وحكت كيف اكتشفت عندما قامت مع جمعية آركانسيال بورشة عمل لطبخ الأطباق التراثية مع نساء من المخيمات، أن غالبيتهن لم يخرجن قط من المخيم ولا يعرفن الطريق المؤدي للمدينة التي قد تبعد 10 دقائق عن بيوتهن! وأضافت: "هذا عزل فرضته الحياة والإنسان، وهو أصعب من العزل المنزلي الذي يفرضه الوباء".
(رويترز)