صور فادي ثابت.. وجوه الفلسطيني وجماليات غزة
صونيا خضر
فوتوغراف
وجوه ثابت المعنونة دائما بـ"غزة" لغة جديدة لغزة المحاصرة
شارك هذا المقال
حجم الخط
"لن تموت الأحلام التي رسمت على الجدران، غزة هي جزء من هذا الكون تتلاقى الألوان فيها وتغيب وتتداخل في تفاصيل الوقت على جدرانها وتشققات البؤس على إسفلتها، لترسم لوحة تليق بأفخم متاحف العالم"- هكذا يتحدث عن غزة الفنان المصور الفوتوغرافي فادي ثابت، الذي ترك الرسم ومهنة تدريس الفن لينخرط في عالم التصوير متأخرًا ويتحدى العالم من خلف حصاره بالعدسة التي يرى ويوثق من خلالها الوجوه الأخرى للمدينة.
كانت المحطة الأولى له خلال إحدى الرحلات مع الأصدقاء، وفيما تدور الأحاديث حول كل ما يمكن أن يضيف جرعات إضافية للنعاس الوجودي، تبادر إلى سمع فادي ثابت صوت "شتر الكاميرا" وحسب وصفه لتلك اللحظة، شعر بأن دلوًا من الماء البارد انسكب فوق رأسه، لا ليوقظه من سبات الاعتيادي والمألوف فحسب بل ليوقظ مارد الضوء النائم في جوفه منذ صرخة الميلاد الأولى، لتكون الصورة الأولى والخطوة الأولى في رحلة ملاحقة الضوء واكتشاف مكامن الدهشة، منذ تلك الرحلة والمصور الفوتوغرافي فادي ثابت يسند كاميرته على كتف وذراع من جهة وعلى الشغف المحموم للتصوير من جهة أخرى.
الجمال يُحَسّ ولا يُرى، وهو يتبع إحساسه ويمتثل لأوامر ذلك الإحساس الذي يدفعه لملاحقة الضوء ومحاصرته، وتكرار المحاولات لرصد مراوغات الدهشة وتثبيت اللحظة الفارقة للوصول إلى ذروة المشهد.
يقول فادي ثابت الحاصل على الميدالية الذهبية، المركز الأوَّل في مسابقة التصوير الفوتوغرافي على مستوى الوطن العربي الخاصة بالمنظمة العربية للتصوير الفوتوغرافي، محور التأطير في جمهورية مصر العربية: "نحن في غزة عشنا وما زلنا نعيش ظروفا صعبة للغاية، كل شيء فيها معقد، حرمنا من أبسط الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية، فنشأت بيني وبين الأطفال علاقة جميلة لأصبح سفيرًا لهم ولبؤسهم بالتكليف الذي فرضته الكاميرا علي من أجل نقل رسالتهم بعيدا عن التسلية وقضاء الأوقات لأن الرسالة كبيرة وعظيمة فأنا على استعداد لدفع كل ما أملك من أجل هذه الرسالة".
يبدو أن علاقة ثابت بالأطفال هي علاقة جميلة وحميمة، وهذا ما منحه أن يكون سفيرًا لهم. أول ما يلاحظه الزائر لصفحته على الفيسبوك صور وجوه الأطفال المعنونة جميعها بـ"غزة"، غالبية تلك الوجوه هي لأطفال بعيون ملونة وبشرة ملوّحة بالشمس مرطّبة بالبحر، ليبهر الزائر بمدى الجمال في تلك الملامح، وكأنه يوثق الجمال بلحظته والأمل بأوجه والنور بذروته.
هو لا يخطط لالتقاط تلك الصور بل يصادفها متأهبًا، ويقابل العيون الملونة التي لها الحصة الأكبر من الجمال والدهشة من خلف عدسته، لتطرأ اللغة المشتركة بين عينه المترصدة خلف العدسة والعيون التي تنتظر تلك اللحظة لتبوح بكل ما تستطيع البوح فيه. وجوه فادي ثابت المعنونة دائما بـ"غزة" ليست مجرد صور لوجوه جميلة، بل لغة جديدة لغزة المحاصرة، لغة بعيدة كل البعد عن اللغات التي يصدرّها الإعلام للعالم، لغة تقول ما لا يريد العالم أن يسمعه وما لا يجرؤ البؤس والدمار على تشويه جمالية أبجديته، هذه اللغة التي برع الفنان بابتكارها وتصديرها ليسمع العالم صوت غزة الحقيقي ويرى وجهها الجميل، لغة متفردة وخاصة به وحده ليصبح الحكاء البصري الوحيد الذي يحكي غزة بالجماليات المتفجرة من بين الركام.
يرصد من خلال تعقبه لتلك الوجوه، جماليات التراجيديا اليومية من خلال معاناة الأطفال وثيابهم الرثة، ومحاربتهم من أجل خبزهم اليومي، كما تفاصيل ضحايا الاعتداءات والحروب المتكررة والمتواصلة ومعاناتهم اليومية، يحاول تسليط الضوء على الجانب المشرق الذي يسكن أرواحهم ويأبى الاستسلام للعتمة، الضوء الضحك الأغاني والأيدي المرفوعة إلى السماء، كلها معان تتضمنها صور ثابت لتتمكن تلك الصور من الكلام، فيستمع من يراها إلى صرير العجلات وقهقهات العجائز وأصوات الباعة المتجولين والأطفال وهم يلعبون، وتغريد العصافير وأصوات امواج البحر، حتى الصمت الذي يرتسم على ملامح بورتريهات الفنان يمكن سماع صوته فلكل وجه من وجوهه تأملات وأحلام وأفكار وآراء مختلفة يلتقطها الفنان من خلال تثبيت اللحظة تلك التي تقول كل شيء.
فادي عبدالله سليم ثابت مصور فوتوغرافي من مواليد قطاع غزة 1978، قضى طفولته بين أزقة المخيم الذي ترعرع وكبر فيه، على وقع حكايات الجدات حول النكبة والعودة والاحتلال، غزة المدينة المحاصرة المهددة بيوتها بالهدم بين كل طلعة جوية وأخرى، غزة هي مدينة الحب والحياة بالنسبة للفنان ثابت، وهي المدينة التي شهدت على علاقته مع الضوء ودهشة العدسة الأولى بالنسبة إليه. يقول ثابت "لولا همجية الاحتلال وقسوة الحصار لتحولت جدران المخيم وأزقته إلى صالات عرض للمبدعين الفلسطينيين، ولتفوّق الجمال فيها على بشاعة المشهد الدموي الحاضر على الدوام". ترك ثابت الرسم الذي يحدّ من فضائه الإبداعي وتوجه نحو الفوتوغرافيا بشغف وولع طفل كبير، يلتقط يوميات شعب غزة إيمانًا منه بالوجه الآخر للمدينة، التي تواصل الوقوف والتحدي للدفاع عن حصتها من الحياة والجمال والفرح.
في أرشيف ثابت العديد والكثير من الصور، التي التقطها للساحات والمدن والشوارع والأبواب والطبيعة، الا أن الملفت في مدرسته البراعة في التقاط الصور للوجوه، الوجوه في صوره هي الحكايات البكر للمدن والأحلام المشروعة لها بالفرح وبالحياة.
حاز ثابت على: الميدالية الذهبية- المركز الأول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي على مستوى الوطن العربي بالمنظمة العربية للتصوير الفوتوغرافي، محور التأطير في جمهورية مصر العربية؛ جائزة عبد الرازق بدران، المركز الأول عن فئة آراء الحكام، المملكة الأردنية الهاشمية؛ جائزة سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للتصوير الضوئي، الميدالية المتميزة عن محور التحدي؛ جائزة المنظمة العربية عن محور البورتريه، جمهورية مصر العربية؛ جائزة المنظمة العربية عن محور غروب الشمس، جمهورية مصر العربية.
وحصل على العديد من شهادات ودروع التكريم داخل الوطن.
شارك في إقامة معرض (1000) صورة تحت عنوان "نافذة على غزة" في مدينة غزة على شاطئ بحرها، وفي مهرجان حربة الحلم في جزيرة جربة بتونس، وفي مهرجان المحرس الدولي بتونس، وفي سلسلة معارض في بيروت بعنوان ضوء من غزة.
وتم تكريمه في جمهورية التشكيك، على الجهود الفوتوغرافية التي غيرت المفهوم لدى المجتمع التشيكي عن القضية الفلسطينية.
صونيا خضر
فوتوغراف
وجوه ثابت المعنونة دائما بـ"غزة" لغة جديدة لغزة المحاصرة
شارك هذا المقال
حجم الخط
"لن تموت الأحلام التي رسمت على الجدران، غزة هي جزء من هذا الكون تتلاقى الألوان فيها وتغيب وتتداخل في تفاصيل الوقت على جدرانها وتشققات البؤس على إسفلتها، لترسم لوحة تليق بأفخم متاحف العالم"- هكذا يتحدث عن غزة الفنان المصور الفوتوغرافي فادي ثابت، الذي ترك الرسم ومهنة تدريس الفن لينخرط في عالم التصوير متأخرًا ويتحدى العالم من خلف حصاره بالعدسة التي يرى ويوثق من خلالها الوجوه الأخرى للمدينة.
كانت المحطة الأولى له خلال إحدى الرحلات مع الأصدقاء، وفيما تدور الأحاديث حول كل ما يمكن أن يضيف جرعات إضافية للنعاس الوجودي، تبادر إلى سمع فادي ثابت صوت "شتر الكاميرا" وحسب وصفه لتلك اللحظة، شعر بأن دلوًا من الماء البارد انسكب فوق رأسه، لا ليوقظه من سبات الاعتيادي والمألوف فحسب بل ليوقظ مارد الضوء النائم في جوفه منذ صرخة الميلاد الأولى، لتكون الصورة الأولى والخطوة الأولى في رحلة ملاحقة الضوء واكتشاف مكامن الدهشة، منذ تلك الرحلة والمصور الفوتوغرافي فادي ثابت يسند كاميرته على كتف وذراع من جهة وعلى الشغف المحموم للتصوير من جهة أخرى.
الجمال يُحَسّ ولا يُرى، وهو يتبع إحساسه ويمتثل لأوامر ذلك الإحساس الذي يدفعه لملاحقة الضوء ومحاصرته، وتكرار المحاولات لرصد مراوغات الدهشة وتثبيت اللحظة الفارقة للوصول إلى ذروة المشهد.
يقول فادي ثابت الحاصل على الميدالية الذهبية، المركز الأوَّل في مسابقة التصوير الفوتوغرافي على مستوى الوطن العربي الخاصة بالمنظمة العربية للتصوير الفوتوغرافي، محور التأطير في جمهورية مصر العربية: "نحن في غزة عشنا وما زلنا نعيش ظروفا صعبة للغاية، كل شيء فيها معقد، حرمنا من أبسط الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية، فنشأت بيني وبين الأطفال علاقة جميلة لأصبح سفيرًا لهم ولبؤسهم بالتكليف الذي فرضته الكاميرا علي من أجل نقل رسالتهم بعيدا عن التسلية وقضاء الأوقات لأن الرسالة كبيرة وعظيمة فأنا على استعداد لدفع كل ما أملك من أجل هذه الرسالة".
يبدو أن علاقة ثابت بالأطفال هي علاقة جميلة وحميمة، وهذا ما منحه أن يكون سفيرًا لهم. أول ما يلاحظه الزائر لصفحته على الفيسبوك صور وجوه الأطفال المعنونة جميعها بـ"غزة"، غالبية تلك الوجوه هي لأطفال بعيون ملونة وبشرة ملوّحة بالشمس مرطّبة بالبحر، ليبهر الزائر بمدى الجمال في تلك الملامح، وكأنه يوثق الجمال بلحظته والأمل بأوجه والنور بذروته.
هو لا يخطط لالتقاط تلك الصور بل يصادفها متأهبًا، ويقابل العيون الملونة التي لها الحصة الأكبر من الجمال والدهشة من خلف عدسته، لتطرأ اللغة المشتركة بين عينه المترصدة خلف العدسة والعيون التي تنتظر تلك اللحظة لتبوح بكل ما تستطيع البوح فيه. وجوه فادي ثابت المعنونة دائما بـ"غزة" ليست مجرد صور لوجوه جميلة، بل لغة جديدة لغزة المحاصرة، لغة بعيدة كل البعد عن اللغات التي يصدرّها الإعلام للعالم، لغة تقول ما لا يريد العالم أن يسمعه وما لا يجرؤ البؤس والدمار على تشويه جمالية أبجديته، هذه اللغة التي برع الفنان بابتكارها وتصديرها ليسمع العالم صوت غزة الحقيقي ويرى وجهها الجميل، لغة متفردة وخاصة به وحده ليصبح الحكاء البصري الوحيد الذي يحكي غزة بالجماليات المتفجرة من بين الركام.
يرصد من خلال تعقبه لتلك الوجوه، جماليات التراجيديا اليومية من خلال معاناة الأطفال وثيابهم الرثة، ومحاربتهم من أجل خبزهم اليومي، كما تفاصيل ضحايا الاعتداءات والحروب المتكررة والمتواصلة ومعاناتهم اليومية، يحاول تسليط الضوء على الجانب المشرق الذي يسكن أرواحهم ويأبى الاستسلام للعتمة، الضوء الضحك الأغاني والأيدي المرفوعة إلى السماء، كلها معان تتضمنها صور ثابت لتتمكن تلك الصور من الكلام، فيستمع من يراها إلى صرير العجلات وقهقهات العجائز وأصوات الباعة المتجولين والأطفال وهم يلعبون، وتغريد العصافير وأصوات امواج البحر، حتى الصمت الذي يرتسم على ملامح بورتريهات الفنان يمكن سماع صوته فلكل وجه من وجوهه تأملات وأحلام وأفكار وآراء مختلفة يلتقطها الفنان من خلال تثبيت اللحظة تلك التي تقول كل شيء.
فادي عبدالله سليم ثابت مصور فوتوغرافي من مواليد قطاع غزة 1978، قضى طفولته بين أزقة المخيم الذي ترعرع وكبر فيه، على وقع حكايات الجدات حول النكبة والعودة والاحتلال، غزة المدينة المحاصرة المهددة بيوتها بالهدم بين كل طلعة جوية وأخرى، غزة هي مدينة الحب والحياة بالنسبة للفنان ثابت، وهي المدينة التي شهدت على علاقته مع الضوء ودهشة العدسة الأولى بالنسبة إليه. يقول ثابت "لولا همجية الاحتلال وقسوة الحصار لتحولت جدران المخيم وأزقته إلى صالات عرض للمبدعين الفلسطينيين، ولتفوّق الجمال فيها على بشاعة المشهد الدموي الحاضر على الدوام". ترك ثابت الرسم الذي يحدّ من فضائه الإبداعي وتوجه نحو الفوتوغرافيا بشغف وولع طفل كبير، يلتقط يوميات شعب غزة إيمانًا منه بالوجه الآخر للمدينة، التي تواصل الوقوف والتحدي للدفاع عن حصتها من الحياة والجمال والفرح.
"وجوه فادي ثابت المعنونة دائما بـ"غزة" ليست مجرد صور لوجوه جميلة، بل لغة جديدة لغزة المحاصرة، لغة بعيدة كل البعد عن اللغات التي يصدرّها الإعلام للعالم" |
حاز ثابت على: الميدالية الذهبية- المركز الأول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي على مستوى الوطن العربي بالمنظمة العربية للتصوير الفوتوغرافي، محور التأطير في جمهورية مصر العربية؛ جائزة عبد الرازق بدران، المركز الأول عن فئة آراء الحكام، المملكة الأردنية الهاشمية؛ جائزة سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للتصوير الضوئي، الميدالية المتميزة عن محور التحدي؛ جائزة المنظمة العربية عن محور البورتريه، جمهورية مصر العربية؛ جائزة المنظمة العربية عن محور غروب الشمس، جمهورية مصر العربية.
وحصل على العديد من شهادات ودروع التكريم داخل الوطن.
شارك في إقامة معرض (1000) صورة تحت عنوان "نافذة على غزة" في مدينة غزة على شاطئ بحرها، وفي مهرجان حربة الحلم في جزيرة جربة بتونس، وفي مهرجان المحرس الدولي بتونس، وفي سلسلة معارض في بيروت بعنوان ضوء من غزة.
وتم تكريمه في جمهورية التشكيك، على الجهود الفوتوغرافية التي غيرت المفهوم لدى المجتمع التشيكي عن القضية الفلسطينية.