"فلسطين الشهيدة".. السجل المصور لمعاناة الشعب الفلسطيني خلال 1921-1938
هاني حوراني
فوتوغراف
"فلسطين الشهيدة" يركز على المظاهر المختلفة لمعاناة الشعب الفلسطيني
شارك هذا المقال
حجم الخط
كنت قد توقفت في مقال سابق أمام الألبوم المصور الذي أصدره الصحافي والناشر ثيودور صروف عن تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 1933 في القدس ويافا ومدن فلسطينية أخرى باعتباره أول (وربما أبرز) مثال معروف عن التوظيف الفلسطيني المبكر للصورة الفوتوغرافية وللتأريخ بصريًا لنضالات الشعب الفلسطيني، في صراعه ضد الصهيونية والسياسات الاستعمارية البريطانية (ضفة ثالثة، 12 تموز / يوليو 2020).
لكن بعكس ألبوم ثيودور صروف الذي غطى تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 1933 حصرًا، ولم يشغل نفسه بالنضالات السابقة لذلك التاريخ، وكان بذلك أقرب ما يكون إلى "الريبورتاج المصور" عن أحداث ذلك الشهر، فإن كتاب "فلسطين الشهيدة"، الذي صدر بعد ذلك الألبوم بخمس سنوات، كان بمثابة "سجل مصور" لعقدين من الزمن، وثق به معاناة الشعب الفلسطيني على أيدي قوات الاحتلال البريطاني وحكومة الانتداب والحركة الصهيونية، أو لما يسميه العنوان الفرعي للكتاب "ببعض فظائع الإنجليز واليهود" خلال السنوات 1921 – 1938.
جاء كتاب "فلسطين الشهيدة" في 84 صفحة من القطع الكبير المتوسط (18 × 24سم). ولم يحمل غلاف الكتاب، أو صفحاته الداخلية، اسم أو أسماء معديه، أو الجهة التي تولت إصداره. كما لم يحمل تاريخ نشره، على أن من المرجح أن يكون قد طبع في نهاية عام 1938، أو في العام الذي تلاه. وقد بدأ الكتاب بصفحة تعريف بمحتواه، كتبت بلغة ميسرة لا تخلو من النبرة العاطفية، محملة الإنكليز المسؤولية الرئيسية عن معاناة الشعب الفلسطيني. وهكذا أوردت المقدمة الفقرات القليلة التالية:
"فلسطين قطر عربي يسكنه منذ القدم شعب عربي. وقد أراد الإنكليز أن يسلبوا هذا الشعب وطنه ويعطوه لليهود. فأبى، وجاهد، واستبسل، وثبت أمدًا طويلًا، واحتمل من التضحيات الجسام ما لم يحتمله شعب. ولا يزال يجاهد ويحتمل، ويقدم من الفداء أعزه وأعظمه".
ثم تضيف المقدمة الموجزة:
"تتابعت في فلسطين الثورات منذ احتلها الإنكليز عقب الحرب الكبرى (أي الحرب العالمية الأولى)، حتى لتكاد تكون حياتها في تاريخها الحديث، خلال السنين العشرين الأخيرة، عبارة عن ثورة دائمة تتخللها فترات من الهدوء المؤقت. وكان السبب الأساسي في هذه الثورات كلها هو السياسة الإنكليزية الظالمة، التي ترمي إلى إجلاء الشعب العربي عن بلاد آبائه وأجداده، وإحلال شعب غريب يُجلب من آفاق أرض محله. وهي السياسة التي تنطوي تحت "وعد بلفور" وتعرف بسياسة ’الوطن القومي اليهودي’".
وينتهي التقديم بالقول إن هذه المجموعة من الصور هي "قليل مما تيسر الوصول إليه"، "والتي تنطق ببعض ما قدمت فلسطين الشهيدة في جهادها الطويل من تضحية وفداء، وما لقيت من عذاب وبلاء" على يد الإنكليز.
يتوزع الكتاب على ثلاثة عشر مقطعًا أو قسمًا، يبدأ كل منها بفقرة تعريف بموضوع المقطع أو الحدث، لتتبعها بعد ذلك مجموعة من الصور، التي يرافق كل منها شرح مقتضب يصف موضوعها. وهكذا جاءت مقاطع الكتاب أقرب ما تكون إلى المقالات المصورة (Photo – essays).
صدامات يافا في الأول من أيار/ مايو 1921
غطى المقطع الأول من الكتاب ما سماه "الثورة الثانية، يافا ومنطقتها – 1 مايس 1921". وهو يبدأ بالأسف لعدم وصول معدي الكتاب إلى صور الثورة الأولى في فلسطين، والتي وقعت في القدس، في اليوم الرابع من نيسان/ أبريل عام 1920، والمقصود هنا انتفاضة موسم النبي موسى الشهيرة، في ذلك اليوم. وينتقل المقطع للحديث بعد ذلك عن ثورة يافا وجوارها في الأول من أيار/ مايو 1921، والتي امتدت إلى قضاء طولكرم، وكانت عبارة عن مواجهات من قبل السكان العرب في يافا وجوارها مع يهود المدينة، والذي كان فريق منهم يحتفل بعيد العمال في الأول من أيار، ولم يلبث أن اصطدم به فريق آخر من اليهود الصهاينة، ليتطور النزاع إلى مواجهات ما بين العرب واليهود.
غطى هذا المقطع تسع صفحات من الكتاب أولها على صيغة مقدمة، فيما تضمنت الصفحات الباقية 15 صورة فوتوغرافية، نصفها لجرحى ومصابين عرب عولجوا في مستشفيات مدينة يافا، من بينهم نساء وأطفال أصيبوا جراء اعتداءات المتطرفين اليهود على الأحياء العربية. وقد أظهرت بعض هذه الصور رجالًا ونساءً مصابين بحروق جراء رشقهم "بماء الفضة"، حسبما جاء في المقطع المذكور. وقد أخذت الصور للمصابين وهم يرقدون على أسرتهم في مستشفيات المدينة: المستشفى البلدي، المستشفى الإنكليزي، والمستشفى الفرنسي. أما بقية الصور فكانت لجثث شهداء سقطوا بحراب الجنود الإنكليز، أو برصاص بنادقهم، إبان قمعهم لتلك الثورة، وقد سجلت صورة واحدة الدمار الذي لحق منزل آل ساق الله بحي المنشية في يافا. هذا ويلاحظ أن حالة الصور المنشورة جيدة وإن اقتصرت على توثيق بعض ضحايا الصدامات، ولم تتضمن صورًا للمواجهات التي عرفها اليوم الأول من أيار/ مايو 1921.
ثورة البراق – 1929
يقدم معد الكتاب للمقطع الثاني من الكتاب، والذي حمل عنوان: "ثورة البراق – 1929" بقوله: وقعت بين عامي 1921 و1929 ثورات موضعية متعددة، في القدس وحيفا وغزة وبيسان ونابلس، ثم وقعت ثورة عامة كبرى في 23 آب/ أغسطس 1929، شملت فلسطين كلها (...) وقد نشأت عن اعتداء فريق من المتطرفين اليهود على البراق الشريف والمسجد الأقصى. وكان ضحاياها مئات كثيرة. وإثرها علق الإنكليز، على أعواد المشانق، كل من فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم.
وعلى الرغم من أهمية هذه الثورة وامتدادها من القدس إلى الخليل وصفد ويافا وحيفا وقضاء غزة، إلا أن المقطع المذكور لم يتضمن صورًا للثورات التي اندلعت في تلك الأنحاء من فلسطين، وإنما اقتصر على عشر صور فوتوغرافية، معظمها لضحايا القمع البوليسي في مدينة يافا. فيما بقية الصور لآثار التخريب لأحد قبور الصحابة (سيدنا عكاشة في القدس( إضافة إلى صور شخصية لكل من فؤاد حجازي ومحمد جمجوم اللذين أعدما إثر تلك الثورة على يد السلطات البريطانية.
وعمومًا اتسمت حالة الصور بجودة متوسطة، لكن الأهم من ذلك أنها لا تتناسب من حيث العدد أو التغطية مع أهمية ثورة البراق – 1929.
تظاهرات القدس – يافا 1933
تناول المقطع الثالث من الكتاب المصور "فلسطين الشهيدة" ما أسماه "ثورة المظاهرات، القدس ويافا 1933"، حيث خصها بست صفحات، غطت أولها مقدمة مكتوبة فيما توزعت عشر صور فوتوغرافية على بقية الصفحات.
تصدرت صورة تظاهرة القدس، يوم الجمعة، 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1933، وهي الصورة الأيقونية لمشهد اصطدام المقدسيين بالبوليس البريطاني عند الباب الجديد، أحدث أبواب البلدة، القديمة، بقية شريط الصور، حيث غطت الأخيرة، وعددها تسع صور، تظاهرة يافا، يوم الجمعة 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1933، بمختلف مراحلها، بدءًا من احتشادها واستعدادها للانطلاق، مرورًا بقمع البوليس البريطاني لها، ما أدى إلى سقوط 27 شهيدًا من المتظاهرين العرب وجرح نحو مائة آخرين.
هذا وتضمن شريط الصور صورة فريدة لجريح من شرقي الأردن، شارك في تظاهرة حيفا. وهو سلمان حماد الخلف، من بني حسن وأحد سكان مدينة جرش، وقد بترت رجله جراء الإصابة والصدام مع البوليس البريطاني.
(سلمان حماد الخلف شاب أردني من بني حسن الذي بترت رجله جراء الإصابة والصدام مع البوليس البريطاني)
الثورة الفلسطينية الكبرى 19 نيسان/ أبريل 1936
أُستهل هذا المقطع بالعبارة التالية: "بدأت الثورة الحاضرة في فلسطين يوم الأحد 19 نيسان/ أبريل 1936 بالإضراب العام الدائم الذي استحال إلى ثورة طاحنة امتدت حتى يومنا هذا – تشرين الأول (أكتوبر) 1938 – ولا تزال في منتهى شدتها".
ثم يعرض الكتاب تحت عناوين مختلفة صورًا للفظائع التي مارسها الإنكليز للقضاء على تلك الثورة.
توزعت تغطية هذه الثورة على عدة عناوين، أولها النسف بالديناميت، الذي تضمن 26 صورة فوتوغرافية توزعت على ثلاث عشرة صفحة، وكانت بالمجمل صورًا جيدة الجودة، غطت 16 صورة منها عمليات النسف الذي تعرضت له يافا القديمة. فيما أظهرت بقية الصور عمليات النسف التي استهدفت جنين في آب/ أغسطس 1938، ولا سيما السوق الرئيسي للبلدة، إضافة إلى باقي المباني السكنية التي تعرضت للهدم، وقد تحولت إلى ركام، فيما أظهرت بعض الصور مواطنين يفتشون عن أمتعتهم بين أنقاض منازلهم التي تعرضت للنسف.
وفي مقطع آخر يعرض الكتاب ما تعرضت له قرية كوكب أبو الهيجا، في تموز/ يوليو 1938، وذلك من خلال ثماني صور تظهر تفاصيل حرق وتدمير بيوت القرية وتحويلها إلى خرائب، وكذلك هي حال قرية باقة الغربية التي تعرضت بيوتها للهدم بالديناميت في تموز/ يوليو 1938، وقرية شعب التي نسف، يوم 17 آب/ أغسطس 1938، 135 بيتًا من بيوتها، وقد خص الكتاب قريتي البصة والزيب بعدد من الصفحات التي عرضت صورًا لعمليات الحرق والنسف التي أصابت الأولى يوم 7 أيلول/ سبتمبر 1938 والثانية يوم 17 من الشهر نفسه.
وفي السياق نفسه تضمن الكتاب صورًا لعقوبات الجماعية طالت قرى ومدنًا أخرى، مثل قونية واللد والكفرين ونابلس.
التفتيش
تحت عنوان "التفتيش" يصف المقطع الذي غطى ثلاث عشرة صفحة من الكتاب فظائع الإنكليز إبان الثورة الكبرى، ولا سيما التفتيش، "وما هو بحقيقته بتفتيش، إنما هو عملية تخريب وتفظيع وتعذيب وتقتيل وسلب ونهب"، حسب تعبير المقدمة الموجزة لهذا المقطع. وتضيف المقدمة:
"يدخلون المدينة أو القرية، فيروعون أهلها ويعذبونهم بالضرب وأنواع الأذى، وأحيانًا يتصيدون أفرادًا منهم بالرصاص فيقتلونهم، ويدخلون البيوت والحوانيت باسم تفتيشها، فيخربونها تخريبًا. يكسرون الأبواب والنوافذ، ويحطمون الأثاث والأواني، ويتلفون الثياب والمؤونة، ويخلطونها تعمدًا حتى لا ينتفع بها، ويصبون فوقها ما يجدونه من السمن والزيت والبترول، وينهبون ما تصل إليه أيديهم من النقود والحلي والأشياء الثمينة".
ضم هذا المقطع –وهو السابع – خمسًا وعشرين صورة تصف عمليات إخلاء القرى أو الأحياء من السكان وتجميعهم في مكان خلاء، حيث يقومون بتفتيشهم. وتظهر أحد الصور كيف تحجز النساء داخل سياج من الأسلاك الشائكة وتحت أشعة الشمس. وإذ تتكرر صور حجز المواطنين في أكثر من قرية، فإن بعضها يظهر آثار التعذيب والضرب على أهالي القرى، مثل قرية الطيرة (بني صعب)، ومثل أهالي حي باب حطة بالقدس. فيما تظهر بقية الصور آثار التخريب الذي ألحقه الجنود البريطانيون في البيوت والحوانيت، وكذلك آثار الهدم الجماعي لمنازل بعض القرى.
وتختتم سلسلة الصور في هذا المقطع بصور تظهر إهانة الجنود البريطانيين للقرآن الكريم، من خلال تمزيقه وبعثرة أوراقه في الأرض، كما هي الحال في كل من قرية إجزم (حيفا) ووادي الجوز (القدس) وحي باب حطة (القدس) وغيرها.
فظائع أخرى
وتحت عنوان "فظائع أخرى" تضمن المقطع الثامن من كتاب "فلسطين الشهيدة"، خمس صور توثق بعض ممارسات الجنود الإنكليز، ومنها صورة امرأة من قباطية أصيبت بجروح على يد الجنود الإنكليز، وأخرى لطفل من اليامون أصيب بدوره بجروح، جراء إطلاق الجنود الإنكليز الرصاص عليه، وتظهر صورة أخرى تعذيب أحد الفلاحين من حلحول (الخليل) على يد الجنود البريطانيين ومصادرة الأخيرين لقطع من المواشي من قرية جبع. أما الصورة الأخيرة في هذا المقطع فتظهر تحويل القرى المحاصرة إلى سجون من خلال إحاطتها بالأسلاك الشائكة ووضع أبواب حديدية على مدخل القرية ليفتح فقط في أوقات محددة وقصيرة. والصورة مأخوذة من مدخل قرية البصة.
ونقل المقطعان التاسع والعاشر من الكتاب صورًا كانت قد أوردتها "مس نيوتن"، وهي سيدة إنكليزية كانت تقيم في حيفا، في كراس أصدرته باللغة الإنكليزية عن مشاهداتها لفظائع الجيش الإنكليزي في قرية إجزم. ومنها صورة لعائلات من الفلاحين يجلسون على أنقاض بيوتهم المنسوفة، وأخرى لما حل بمحتويات أحد البيوت، بعد تحطيمه، في قرية إجزم.
كما تظهر صور "مس نيوتن" نزوح عدة عائلات عن قراها (إجزم، الزيب، البصة، وشعب)، هربًا من عسف الجنود البريطانيين. هذا إضافة إلى صورة لاحتجاز شيوخ وأهالي بعض القرى ونقلهم بالسيارات العسكرية البريطانية إلى المعتقلات.
المحاكم العسكرية
تحت العنوان أعلاه أشارت مقدمة هذا المقطع إلى إقدام حكومة الانتداب البريطاني على تأليف محاكم عسكرية كانت تعاقب كل فلسطيني تجد لديه قطعة سلاح أو ذخيرة بالإعدام. وأنها حكمت على 65 فلسطينيًا بالإعدام. وقد تضمن هذا القسم صورتين أولهما توثق جلسة لإحدى المحاكم العسكرية في فلسطين، فيما تظهر الثانية الشيخ فرحان السعدي، وهو خارج من المحكمة العسكرية، بعد الحكم عليه بالإعدام لحيازته مسدسًا. وكان عمره حينذاك 75 عامًا، وقد نفذ فيه حكم الإعدام شنقًا وهو صائم.
"فظائع يهودية"
كانت خاتمة الكتاب نشر مجموعة من عشر صور فوتوغرافية لضحايا عمليات الإرهاب الذي مارسته العصابات الصهيونية المتطرفة، في عام 1938، ضد التجمعات العربية الفلسطينية، ولا سيما من خلال زرع القنابل الموقوتة في الأسواق في مدن حيفا والقدس ويافا، والتي أدت إلى سقوط نحو 150 قتيلًا فلسطينيًا وجرح أضعافهم.
فتحت عنوان "فظائع يهودية" أظهرت أولى الصور وقوع شهيدين جراء إلقاء قنبلة في سوق خضار حيفا، يوم 25 تموز/ يوليو 1938، حيث تجمع عشرات الأشخاص حول الضحيتين. وتوثق صور أخرى عمليات نقل أشلاء الضحايا والشهداء من أماكن الانفجارات. ومن بين الصور واحدة توثق وفاة فتاة في سوق خضار القدس، وأخرى تظهر سيارات الإسعاف وهي تنقل جرحى قنبلة القدس إلى المستشفى. أما الصورة الأخيرة فقد ضمت أفراد عائلة الشهيد أحمد توفيق الكايد، من أم الفحم، الذي سقط ضحية زرع قنبلة يهودية في أحد أسواق حيفا.
ملاحظات ختامية
يركز هذا الكتاب المصور "فلسطين الشهيدة" على المظاهر المختلفة لمعاناة الشعب الفلسطيني "من فظائع الإنكليز واليهود" خلال السنوات 1921 - 1928. أي كونه شعبًا مضطهدًا على يد الحكومة البريطانية والحركة الصهيونية، وأنه كان هدفًا لسلسلة من الممارسات القمعية التي أورد عناوينها في غلافه: من نسف وحرق وتخريب ونهب وتدمير للمدن والقرى وتشويه وتعذيب وقتل لم يوفر النساء والأطفال، عدا عن "إهانة كتاب الله وتخريب المساجد".
وبكلمات أخرى فإن معدي الكتاب، ولحكمة ارتأوها، كثفوا الأضواء على كون الشعب الفلسطيني هو ضحية للسياسات البريطانية والمشروع الصهيوني مما يتطلب دعمه والتضامن معه ومساندته. وفي الوقت نفسه لم يتضمن الكتاب إلا القليل من الصور التي تعرض كفاح هذا الشعب ومقاومته بأشكال مختلفة للاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني على امتداد الحقبة الموصوفة، وبأشكال شتى من النضال والمقاومة.
فما الذي يفسر تركيز الكتاب على تقديم فلسطين باعتبارها ضحية و"شهيدة" أكثر من كونها مجاهدة ومقاومة؟ بل إن عنوان الكتاب: "فلسطين الشهيدة" ينطوي على رثاء لها، أكثر مما يدعو إلى الوقوف إلى جانبها والعمل على دعمها ومساندتها.
قد يفسر تاريخ إعداد الكتاب ونشره في أواخر عام 1938 أو في عام 1939، ميل معديه إلى تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني أكثر من التركيز على كفاحيته ونضالاته، ذلك أن توقيت نشر الكتاب تزامن مع انحسار الثورة الفلسطينية الكبرى وانتقال الثوار إلى الجبال واتخاذهم مواقع دفاعية، وبروز أشكال من الممارسات السلبية في صفوفهم، وهو الأمر الذي أدى إلى انفضاض قطاعات هامة من سكان المدن عن تلك الثورة.
ومن ناحية أخرى فإنه على الرغم من أن الكتاب لا يفصح عن اسم أو أسماء معديه، ولا هوية الجهة الناشرة، إلا أن اعتماده بصورة رئيسية على الصور الفوتوغرافية (بلغ عددها أكثر من 140 صورة) يوحي بأن الكتاب هو من إنتاج مؤسسة صحافية، أو من إعداد صحافي محترف، لديه القدرة على الوصول إلى مجموعات من الصور التي يغطي كل منها جانبًا من معاناة الشعب الفلسطيني، خلال حقبة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.
يرجح هذا الاحتمال أن الكتاب هو أقرب ما يكون إلى مجموعة من المقالات المصورة التي تحمل عناوين مختلفة، والتي تركز كل واحدة منها، وبالصور، على واقعة محددة أو حدث مهم، مما تعرض له الشعب الفلسطيني في الحقبة الموصوفة (1921 / 1938).
*رسام ومصور فوتوغرافي وباحث أردني.
هاني حوراني
فوتوغراف
"فلسطين الشهيدة" يركز على المظاهر المختلفة لمعاناة الشعب الفلسطيني
شارك هذا المقال
حجم الخط
كنت قد توقفت في مقال سابق أمام الألبوم المصور الذي أصدره الصحافي والناشر ثيودور صروف عن تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 1933 في القدس ويافا ومدن فلسطينية أخرى باعتباره أول (وربما أبرز) مثال معروف عن التوظيف الفلسطيني المبكر للصورة الفوتوغرافية وللتأريخ بصريًا لنضالات الشعب الفلسطيني، في صراعه ضد الصهيونية والسياسات الاستعمارية البريطانية (ضفة ثالثة، 12 تموز / يوليو 2020).
لكن بعكس ألبوم ثيودور صروف الذي غطى تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 1933 حصرًا، ولم يشغل نفسه بالنضالات السابقة لذلك التاريخ، وكان بذلك أقرب ما يكون إلى "الريبورتاج المصور" عن أحداث ذلك الشهر، فإن كتاب "فلسطين الشهيدة"، الذي صدر بعد ذلك الألبوم بخمس سنوات، كان بمثابة "سجل مصور" لعقدين من الزمن، وثق به معاناة الشعب الفلسطيني على أيدي قوات الاحتلال البريطاني وحكومة الانتداب والحركة الصهيونية، أو لما يسميه العنوان الفرعي للكتاب "ببعض فظائع الإنجليز واليهود" خلال السنوات 1921 – 1938.
جاء كتاب "فلسطين الشهيدة" في 84 صفحة من القطع الكبير المتوسط (18 × 24سم). ولم يحمل غلاف الكتاب، أو صفحاته الداخلية، اسم أو أسماء معديه، أو الجهة التي تولت إصداره. كما لم يحمل تاريخ نشره، على أن من المرجح أن يكون قد طبع في نهاية عام 1938، أو في العام الذي تلاه. وقد بدأ الكتاب بصفحة تعريف بمحتواه، كتبت بلغة ميسرة لا تخلو من النبرة العاطفية، محملة الإنكليز المسؤولية الرئيسية عن معاناة الشعب الفلسطيني. وهكذا أوردت المقدمة الفقرات القليلة التالية:
"فلسطين قطر عربي يسكنه منذ القدم شعب عربي. وقد أراد الإنكليز أن يسلبوا هذا الشعب وطنه ويعطوه لليهود. فأبى، وجاهد، واستبسل، وثبت أمدًا طويلًا، واحتمل من التضحيات الجسام ما لم يحتمله شعب. ولا يزال يجاهد ويحتمل، ويقدم من الفداء أعزه وأعظمه".
ثم تضيف المقدمة الموجزة:
"تتابعت في فلسطين الثورات منذ احتلها الإنكليز عقب الحرب الكبرى (أي الحرب العالمية الأولى)، حتى لتكاد تكون حياتها في تاريخها الحديث، خلال السنين العشرين الأخيرة، عبارة عن ثورة دائمة تتخللها فترات من الهدوء المؤقت. وكان السبب الأساسي في هذه الثورات كلها هو السياسة الإنكليزية الظالمة، التي ترمي إلى إجلاء الشعب العربي عن بلاد آبائه وأجداده، وإحلال شعب غريب يُجلب من آفاق أرض محله. وهي السياسة التي تنطوي تحت "وعد بلفور" وتعرف بسياسة ’الوطن القومي اليهودي’".
وينتهي التقديم بالقول إن هذه المجموعة من الصور هي "قليل مما تيسر الوصول إليه"، "والتي تنطق ببعض ما قدمت فلسطين الشهيدة في جهادها الطويل من تضحية وفداء، وما لقيت من عذاب وبلاء" على يد الإنكليز.
يتوزع الكتاب على ثلاثة عشر مقطعًا أو قسمًا، يبدأ كل منها بفقرة تعريف بموضوع المقطع أو الحدث، لتتبعها بعد ذلك مجموعة من الصور، التي يرافق كل منها شرح مقتضب يصف موضوعها. وهكذا جاءت مقاطع الكتاب أقرب ما تكون إلى المقالات المصورة (Photo – essays).
صدامات يافا في الأول من أيار/ مايو 1921
غطى المقطع الأول من الكتاب ما سماه "الثورة الثانية، يافا ومنطقتها – 1 مايس 1921". وهو يبدأ بالأسف لعدم وصول معدي الكتاب إلى صور الثورة الأولى في فلسطين، والتي وقعت في القدس، في اليوم الرابع من نيسان/ أبريل عام 1920، والمقصود هنا انتفاضة موسم النبي موسى الشهيرة، في ذلك اليوم. وينتقل المقطع للحديث بعد ذلك عن ثورة يافا وجوارها في الأول من أيار/ مايو 1921، والتي امتدت إلى قضاء طولكرم، وكانت عبارة عن مواجهات من قبل السكان العرب في يافا وجوارها مع يهود المدينة، والذي كان فريق منهم يحتفل بعيد العمال في الأول من أيار، ولم يلبث أن اصطدم به فريق آخر من اليهود الصهاينة، ليتطور النزاع إلى مواجهات ما بين العرب واليهود.
كتاب "فلسطين الشهيدة"، الذي صدر بعد ذلك الألبوم بخمس سنوات، كان بمثابة "سجل مصور" لعقدين من الزمن، وثق به معاناة الشعب الفلسطيني على أيدي قوات الاحتلال البريطاني وحكومة الانتداب والحركة الصهيونية |
ثورة البراق – 1929
يقدم معد الكتاب للمقطع الثاني من الكتاب، والذي حمل عنوان: "ثورة البراق – 1929" بقوله: وقعت بين عامي 1921 و1929 ثورات موضعية متعددة، في القدس وحيفا وغزة وبيسان ونابلس، ثم وقعت ثورة عامة كبرى في 23 آب/ أغسطس 1929، شملت فلسطين كلها (...) وقد نشأت عن اعتداء فريق من المتطرفين اليهود على البراق الشريف والمسجد الأقصى. وكان ضحاياها مئات كثيرة. وإثرها علق الإنكليز، على أعواد المشانق، كل من فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم.
وعلى الرغم من أهمية هذه الثورة وامتدادها من القدس إلى الخليل وصفد ويافا وحيفا وقضاء غزة، إلا أن المقطع المذكور لم يتضمن صورًا للثورات التي اندلعت في تلك الأنحاء من فلسطين، وإنما اقتصر على عشر صور فوتوغرافية، معظمها لضحايا القمع البوليسي في مدينة يافا. فيما بقية الصور لآثار التخريب لأحد قبور الصحابة (سيدنا عكاشة في القدس( إضافة إلى صور شخصية لكل من فؤاد حجازي ومحمد جمجوم اللذين أعدما إثر تلك الثورة على يد السلطات البريطانية.
وعمومًا اتسمت حالة الصور بجودة متوسطة، لكن الأهم من ذلك أنها لا تتناسب من حيث العدد أو التغطية مع أهمية ثورة البراق – 1929.
تظاهرات القدس – يافا 1933
تناول المقطع الثالث من الكتاب المصور "فلسطين الشهيدة" ما أسماه "ثورة المظاهرات، القدس ويافا 1933"، حيث خصها بست صفحات، غطت أولها مقدمة مكتوبة فيما توزعت عشر صور فوتوغرافية على بقية الصفحات.
تصدرت صورة تظاهرة القدس، يوم الجمعة، 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1933، وهي الصورة الأيقونية لمشهد اصطدام المقدسيين بالبوليس البريطاني عند الباب الجديد، أحدث أبواب البلدة، القديمة، بقية شريط الصور، حيث غطت الأخيرة، وعددها تسع صور، تظاهرة يافا، يوم الجمعة 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1933، بمختلف مراحلها، بدءًا من احتشادها واستعدادها للانطلاق، مرورًا بقمع البوليس البريطاني لها، ما أدى إلى سقوط 27 شهيدًا من المتظاهرين العرب وجرح نحو مائة آخرين.
هذا وتضمن شريط الصور صورة فريدة لجريح من شرقي الأردن، شارك في تظاهرة حيفا. وهو سلمان حماد الخلف، من بني حسن وأحد سكان مدينة جرش، وقد بترت رجله جراء الإصابة والصدام مع البوليس البريطاني.
(سلمان حماد الخلف شاب أردني من بني حسن الذي بترت رجله جراء الإصابة والصدام مع البوليس البريطاني)
الثورة الفلسطينية الكبرى 19 نيسان/ أبريل 1936
أُستهل هذا المقطع بالعبارة التالية: "بدأت الثورة الحاضرة في فلسطين يوم الأحد 19 نيسان/ أبريل 1936 بالإضراب العام الدائم الذي استحال إلى ثورة طاحنة امتدت حتى يومنا هذا – تشرين الأول (أكتوبر) 1938 – ولا تزال في منتهى شدتها".
ثم يعرض الكتاب تحت عناوين مختلفة صورًا للفظائع التي مارسها الإنكليز للقضاء على تلك الثورة.
توزعت تغطية هذه الثورة على عدة عناوين، أولها النسف بالديناميت، الذي تضمن 26 صورة فوتوغرافية توزعت على ثلاث عشرة صفحة، وكانت بالمجمل صورًا جيدة الجودة، غطت 16 صورة منها عمليات النسف الذي تعرضت له يافا القديمة. فيما أظهرت بقية الصور عمليات النسف التي استهدفت جنين في آب/ أغسطس 1938، ولا سيما السوق الرئيسي للبلدة، إضافة إلى باقي المباني السكنية التي تعرضت للهدم، وقد تحولت إلى ركام، فيما أظهرت بعض الصور مواطنين يفتشون عن أمتعتهم بين أنقاض منازلهم التي تعرضت للنسف.
وفي مقطع آخر يعرض الكتاب ما تعرضت له قرية كوكب أبو الهيجا، في تموز/ يوليو 1938، وذلك من خلال ثماني صور تظهر تفاصيل حرق وتدمير بيوت القرية وتحويلها إلى خرائب، وكذلك هي حال قرية باقة الغربية التي تعرضت بيوتها للهدم بالديناميت في تموز/ يوليو 1938، وقرية شعب التي نسف، يوم 17 آب/ أغسطس 1938، 135 بيتًا من بيوتها، وقد خص الكتاب قريتي البصة والزيب بعدد من الصفحات التي عرضت صورًا لعمليات الحرق والنسف التي أصابت الأولى يوم 7 أيلول/ سبتمبر 1938 والثانية يوم 17 من الشهر نفسه.
وفي السياق نفسه تضمن الكتاب صورًا لعقوبات الجماعية طالت قرى ومدنًا أخرى، مثل قونية واللد والكفرين ونابلس.
الكتاب هو أقرب ما يكون إلى مجموعة من المقالات المصورة التي تحمل عناوين مختلفة، والتي تركز كل واحدة منها، وبالصور، على واقعة محددة أو حدث مهم، مما تعرض له الشعب الفلسطيني في الحقبة الموصوفة (1921 / 1938). |
التفتيش
تحت عنوان "التفتيش" يصف المقطع الذي غطى ثلاث عشرة صفحة من الكتاب فظائع الإنكليز إبان الثورة الكبرى، ولا سيما التفتيش، "وما هو بحقيقته بتفتيش، إنما هو عملية تخريب وتفظيع وتعذيب وتقتيل وسلب ونهب"، حسب تعبير المقدمة الموجزة لهذا المقطع. وتضيف المقدمة:
"يدخلون المدينة أو القرية، فيروعون أهلها ويعذبونهم بالضرب وأنواع الأذى، وأحيانًا يتصيدون أفرادًا منهم بالرصاص فيقتلونهم، ويدخلون البيوت والحوانيت باسم تفتيشها، فيخربونها تخريبًا. يكسرون الأبواب والنوافذ، ويحطمون الأثاث والأواني، ويتلفون الثياب والمؤونة، ويخلطونها تعمدًا حتى لا ينتفع بها، ويصبون فوقها ما يجدونه من السمن والزيت والبترول، وينهبون ما تصل إليه أيديهم من النقود والحلي والأشياء الثمينة".
ضم هذا المقطع –وهو السابع – خمسًا وعشرين صورة تصف عمليات إخلاء القرى أو الأحياء من السكان وتجميعهم في مكان خلاء، حيث يقومون بتفتيشهم. وتظهر أحد الصور كيف تحجز النساء داخل سياج من الأسلاك الشائكة وتحت أشعة الشمس. وإذ تتكرر صور حجز المواطنين في أكثر من قرية، فإن بعضها يظهر آثار التعذيب والضرب على أهالي القرى، مثل قرية الطيرة (بني صعب)، ومثل أهالي حي باب حطة بالقدس. فيما تظهر بقية الصور آثار التخريب الذي ألحقه الجنود البريطانيون في البيوت والحوانيت، وكذلك آثار الهدم الجماعي لمنازل بعض القرى.
وتختتم سلسلة الصور في هذا المقطع بصور تظهر إهانة الجنود البريطانيين للقرآن الكريم، من خلال تمزيقه وبعثرة أوراقه في الأرض، كما هي الحال في كل من قرية إجزم (حيفا) ووادي الجوز (القدس) وحي باب حطة (القدس) وغيرها.
فظائع أخرى
وتحت عنوان "فظائع أخرى" تضمن المقطع الثامن من كتاب "فلسطين الشهيدة"، خمس صور توثق بعض ممارسات الجنود الإنكليز، ومنها صورة امرأة من قباطية أصيبت بجروح على يد الجنود الإنكليز، وأخرى لطفل من اليامون أصيب بدوره بجروح، جراء إطلاق الجنود الإنكليز الرصاص عليه، وتظهر صورة أخرى تعذيب أحد الفلاحين من حلحول (الخليل) على يد الجنود البريطانيين ومصادرة الأخيرين لقطع من المواشي من قرية جبع. أما الصورة الأخيرة في هذا المقطع فتظهر تحويل القرى المحاصرة إلى سجون من خلال إحاطتها بالأسلاك الشائكة ووضع أبواب حديدية على مدخل القرية ليفتح فقط في أوقات محددة وقصيرة. والصورة مأخوذة من مدخل قرية البصة.
ونقل المقطعان التاسع والعاشر من الكتاب صورًا كانت قد أوردتها "مس نيوتن"، وهي سيدة إنكليزية كانت تقيم في حيفا، في كراس أصدرته باللغة الإنكليزية عن مشاهداتها لفظائع الجيش الإنكليزي في قرية إجزم. ومنها صورة لعائلات من الفلاحين يجلسون على أنقاض بيوتهم المنسوفة، وأخرى لما حل بمحتويات أحد البيوت، بعد تحطيمه، في قرية إجزم.
كما تظهر صور "مس نيوتن" نزوح عدة عائلات عن قراها (إجزم، الزيب، البصة، وشعب)، هربًا من عسف الجنود البريطانيين. هذا إضافة إلى صورة لاحتجاز شيوخ وأهالي بعض القرى ونقلهم بالسيارات العسكرية البريطانية إلى المعتقلات.
المحاكم العسكرية
تحت العنوان أعلاه أشارت مقدمة هذا المقطع إلى إقدام حكومة الانتداب البريطاني على تأليف محاكم عسكرية كانت تعاقب كل فلسطيني تجد لديه قطعة سلاح أو ذخيرة بالإعدام. وأنها حكمت على 65 فلسطينيًا بالإعدام. وقد تضمن هذا القسم صورتين أولهما توثق جلسة لإحدى المحاكم العسكرية في فلسطين، فيما تظهر الثانية الشيخ فرحان السعدي، وهو خارج من المحكمة العسكرية، بعد الحكم عليه بالإعدام لحيازته مسدسًا. وكان عمره حينذاك 75 عامًا، وقد نفذ فيه حكم الإعدام شنقًا وهو صائم.
"فظائع يهودية"
كانت خاتمة الكتاب نشر مجموعة من عشر صور فوتوغرافية لضحايا عمليات الإرهاب الذي مارسته العصابات الصهيونية المتطرفة، في عام 1938، ضد التجمعات العربية الفلسطينية، ولا سيما من خلال زرع القنابل الموقوتة في الأسواق في مدن حيفا والقدس ويافا، والتي أدت إلى سقوط نحو 150 قتيلًا فلسطينيًا وجرح أضعافهم.
فتحت عنوان "فظائع يهودية" أظهرت أولى الصور وقوع شهيدين جراء إلقاء قنبلة في سوق خضار حيفا، يوم 25 تموز/ يوليو 1938، حيث تجمع عشرات الأشخاص حول الضحيتين. وتوثق صور أخرى عمليات نقل أشلاء الضحايا والشهداء من أماكن الانفجارات. ومن بين الصور واحدة توثق وفاة فتاة في سوق خضار القدس، وأخرى تظهر سيارات الإسعاف وهي تنقل جرحى قنبلة القدس إلى المستشفى. أما الصورة الأخيرة فقد ضمت أفراد عائلة الشهيد أحمد توفيق الكايد، من أم الفحم، الذي سقط ضحية زرع قنبلة يهودية في أحد أسواق حيفا.
ملاحظات ختامية
يركز هذا الكتاب المصور "فلسطين الشهيدة" على المظاهر المختلفة لمعاناة الشعب الفلسطيني "من فظائع الإنكليز واليهود" خلال السنوات 1921 - 1928. أي كونه شعبًا مضطهدًا على يد الحكومة البريطانية والحركة الصهيونية، وأنه كان هدفًا لسلسلة من الممارسات القمعية التي أورد عناوينها في غلافه: من نسف وحرق وتخريب ونهب وتدمير للمدن والقرى وتشويه وتعذيب وقتل لم يوفر النساء والأطفال، عدا عن "إهانة كتاب الله وتخريب المساجد".
وبكلمات أخرى فإن معدي الكتاب، ولحكمة ارتأوها، كثفوا الأضواء على كون الشعب الفلسطيني هو ضحية للسياسات البريطانية والمشروع الصهيوني مما يتطلب دعمه والتضامن معه ومساندته. وفي الوقت نفسه لم يتضمن الكتاب إلا القليل من الصور التي تعرض كفاح هذا الشعب ومقاومته بأشكال مختلفة للاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني على امتداد الحقبة الموصوفة، وبأشكال شتى من النضال والمقاومة.
فما الذي يفسر تركيز الكتاب على تقديم فلسطين باعتبارها ضحية و"شهيدة" أكثر من كونها مجاهدة ومقاومة؟ بل إن عنوان الكتاب: "فلسطين الشهيدة" ينطوي على رثاء لها، أكثر مما يدعو إلى الوقوف إلى جانبها والعمل على دعمها ومساندتها.
قد يفسر تاريخ إعداد الكتاب ونشره في أواخر عام 1938 أو في عام 1939، ميل معديه إلى تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني أكثر من التركيز على كفاحيته ونضالاته، ذلك أن توقيت نشر الكتاب تزامن مع انحسار الثورة الفلسطينية الكبرى وانتقال الثوار إلى الجبال واتخاذهم مواقع دفاعية، وبروز أشكال من الممارسات السلبية في صفوفهم، وهو الأمر الذي أدى إلى انفضاض قطاعات هامة من سكان المدن عن تلك الثورة.
ومن ناحية أخرى فإنه على الرغم من أن الكتاب لا يفصح عن اسم أو أسماء معديه، ولا هوية الجهة الناشرة، إلا أن اعتماده بصورة رئيسية على الصور الفوتوغرافية (بلغ عددها أكثر من 140 صورة) يوحي بأن الكتاب هو من إنتاج مؤسسة صحافية، أو من إعداد صحافي محترف، لديه القدرة على الوصول إلى مجموعات من الصور التي يغطي كل منها جانبًا من معاناة الشعب الفلسطيني، خلال حقبة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.
يرجح هذا الاحتمال أن الكتاب هو أقرب ما يكون إلى مجموعة من المقالات المصورة التي تحمل عناوين مختلفة، والتي تركز كل واحدة منها، وبالصور، على واقعة محددة أو حدث مهم، مما تعرض له الشعب الفلسطيني في الحقبة الموصوفة (1921 / 1938).
*رسام ومصور فوتوغرافي وباحث أردني.