تاريخ الفن الأفريقي بين الاستعمار والحداثة
سارة عابدين
تشكيل
منحوتة أفريقية
شارك هذا المقال
حجم الخط
لعب تاريخ الفن الأفريقي دورًا مهمًا في تشكيل ثقافة العالم. حتى الآن ما زال الاعتقاد بأن أفريقيا هي مهد تاريخ البشرية ثابتًا. تعود أصول تاريخ الفن الأفريقي إلى ما قبل التاريخ المسجل بوقت طويل. تاريخ أفريقيا القديم هو تاريخ محفوظ في غموض الزمن، حيث يعود إلى قرون طويلة مضت، ومن الضروري محاولة وضع الفن الأفريقي في سياقه الاجتماعي، وليس فقط مناقشة الجماليات الأسلوبية، واكتشاف ما إذا كان القناع، أو الشكل المنحوت، قد صنع للترفيه، أو التخويف أو تعزيز الخصوبة، أو مقاومة السحر. يحاول الباحثون ومؤرخو الفن معرفة ما إذا كان القناع يصور حيوانًا، أو إلهًا، أو ساحرًا، وما إذا كان يتم ارتداؤه على الرأس، أو الوجه. يمكن أيضًا أن تحفظ الأقنعة والتعاويذ سرًا في المنازل، ويمكن أن تكون جزءًا من طقوس العبادة.
تشير دراسة الفن الأفريقي إلى أن أقدم أشكال المنحوتات جاءت من نيجيريا، ومع ذلك فإن عدم وجود الحفريات الأثرية يصعب معرفة الطبيعة الأصلية للمواد المستخدمة، وما يزيد الأمر تعقيدًا أن هذه الأشياء لم تكن مصنوعة باعتبارها منجزًا فنيًا، أو جماليًا، من قبل المجتمع الأصلي الذي أنتجها. لذلك لم تبذل أي جهود للحفاظ عليها، لأن قيمتها كانت ضئيلة تنتهي بنهاية الغرض الوظيفي الذي صنعت لأجله.
الاستعمار وتأثيره على الفن الأفريقي
بدأ الاستعمار الأجنبي لمعظم بلدان أفريقيا عام 1840، وتغيرت القيم والنظرة الجمالية عالميًا. اكتشفت كثير من القطع الفنية الأفريقية بوسائل مختلفة، وحتى من قبيل المصادفة من قبل المسافرين والتجار والمبشرين، لكن لم يمنح المستعمرون فنون السكان الأصليين الاهتمام الذي تستحقه، وبالتالي لم يوثق الفن الأفريقي بالطريقة المناسبة. بحلول ثمانينيات القرن التاسع عشر، كانت القوى الأوروبية مهتمة بالموارد الأفريقية، وخاصة الثروة المعدنية والغابات، بسبب ذلك قسمت أفريقيا إلى 53 دولة مستقلة، لكن تبقى تلك الحدود مصطنعة، رسمت من قبل الأوروبيين في مؤتمر برلين عام 1884 من دون حضور أفريقي من الأساس. لم يقسم الأوروبيون القارة حسب المنطقة الثقافية، أو القبلية، لكنهم رسموا حدودًا بناء على مصالحهم الخاصة. رغم انتهاء الاستعمار، بقيت المشكلات التي نتجت عن ذلك، مثل فصل العائلات والمجموعات اللغوية والشركاء التجاريين والرعاة لتصبح مواضع خلاف حتى اليوم.
لم تكن الثقافات الأفريقية معزولة عن بعضها أبدًا، كانت هنالك دائمًا حركة تجارة وتبادل ثقافي وتجاري، وبسبب ديناميكية الفن الأفريقي التقليدي فقد كان دائمًا ما يتغير في الشكل والوظيفة والمعنى بمرور الوقت. ومع ذلك، يوجد في سوق الفن الغربية، والأوساط الأكاديمية، مفهوم الفن الأفريقي "التقليدي"، وهو الذي يشير عادة إلى تقاليد الفن الأصلية التي كانت موجودة قبل الاستعمار، عندما كان الفنانون يصنعون أعمالًا فنية لمجتمعاتهم الخاصة من دون تأثر بالعالم الخارجي. لذلك تفرق دور المزادات والمتاحف بين الفن الأفريقي التقليدي قبل الاستعمار، وبين الأعمال الفنية التي ظهرت في أثناء الاستعمار، وبعده. لم يوافق مؤرخو الفن الأفريقي على هذا التقسيم المبسط، وطلبوا التأكيد على استمرارية وديناميكية الفن الأفريقي باختلاف مراحله.
تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي
كانت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي واحدة من أكثر التجارب ضررًا على العديد من المجموعات العرقية في أفريقيا. في حين كانت العبودية موجودة لوقت طويل في أفريقيا. شكلت حركة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي حركة جماعية على مدى أربعة قرون ونصف القرن إلى مستعمرات أميركا الشمالية والجنوبية. أخذ عشرة ملايين شخص للعمل في مزارع القطن، والسكر، في العالم الجديد. كان للرق المقترن بالتجربة الاستعمارية تأثير عميق على أفريقيا، ولا زال يظهر في النزاعات على الأراضي والفقر والفساد والمجاعات. مع انهيار تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي في القرن التاسع عشر، استمرت الإمبريالية الأوروبية في التركيز على أفريقيا كمصدر للمواد الخام، وسوق للسلع التي تنتجها الدول الصناعية، لتتحول أفريقيا إلى قارة محددة بحدود مصطنعة، مع قليل من الاهتمام بالواقع العرقي، أو اللغوي، أو الجغرافي، أو الثقافي.
زادت مقاومة الاستعمار بشكل مطرد، وحصلت 47 دولة أفريقية على استقلالها بين عامي 1950 ـ 1980. لكن حتى مع الاستقلال ظلت المشاكل المرتبطة بتجارة الرقيق والاستعمار قائمة، كما أدى دخول المسيحية، وانتشار الإسلام، في القرنين التاسع عشر والعشرين، إلى تغيير العديد من المجتمعات الأفريقية، وتراجع العديد من الممارسات الفنية التقليدية المرتبطة بالديانات الأصلية. بالإضافة إلى ذلك، مع دخول السلع المصنعة المستوردة إلى الاقتصاد المحلي، توقف إنتاج كثير من الأدوات المصنوعة يدويًا، مثل الأواني الخزفية، والسلال.
كان الفن هو إحدى الطرق التي ساعدت الناس على استيعاب هذه التغيرات، حيث لعب الفن دورًا مهمًا للتذكر عندما بدأ الفنانون الأفارقة في تلبية احتياجات سوق جديدة ناشئة من الطبقة الأفريقية المتوسطة، وبعض الأجانب بممارسات فنية جديدة خاصة بالفنانين الفطريين، أو الأكاديميين.
استقبال الفن الأفريقي في الغرب
عندما جلب المستكشفون الأوروبيون الأوائل الهدايا التذكارية من رحلاتهم إلى القارة الأفريقية، لم يجدوا لها مكانًا في المتاحف، وبقيت في الأقبية المظلمة لقرون عدة. وضع بعضها في متاحف التاريخ الطبيعي مع البقايا المتحجرة والنباتات القديمة والأشياء النفعية البحتة. رأوا أنها بقايا مادية من الطرق البدائية لصنع الثقافة. مع الوقت، تزايد الاهتمام بجمع الفن الأفريقي وتحليله، ما أجبر العلماء والمؤرخين والحكومات والمستثمرين على إعادة دراسة جوهر الفن الأفريقي. نقلت المجموعات الفنية التي كانت تسكن الأقبية المظلمة إلى المتاحف وصالات العرض ودور المزادات، وبدأ الباحثون في دراستها بعمق أكبر، خاصة في أوائل القرن العشرين، بعد التحولات التي حدثت في أوروبا حول معنى الفن.
كان ينظر إلى الفن الراقي على أنه الرسم والنحت فقط، ونظرًا لأن العديد من الأعمال الفنية الأفريقية تخدم وظيفة محددة، فإن المجتمع الغربي قد لا يرى فيها فنًا في بعض الأحيان. لكن بالرغم من ذلك تجسد الأشياء التي صنعها الفنانون الأفارقة تفضيلات جمالية يمكن الإعجاب بها لشكلها وتكوينها وألوانها.
كان التركيز الأكبر على تاريخ الفن في أفريقيا الوسطى، لأن المجتمعات التي سكنت هناك كانت أكثر قبائل أفريقيا استقرارًا، لذلك احتفظوا بأكبر قدر ممكن من المنتجات، بعكس المجتمعات غير المستقرة التي تحمل معها أقل قدر من المنتجات، نظرًا لأن القيمة كانت تعتمد على الوظيفة، أو السمات الروحية. لذلك ربما تكون أفريقيا قد فقدت قطعًا فنية لا تعد ولا تحصى على جوانب طرق الهجرة والترحال.
السبب الثاني للتركيز على فنون أفريقيا الوسطى، هو أنهم أنتجوا منحوتات تصويرية يمكن لهواة جمع الفن الغربيين تعريفها بسهولة كشكل من أشكال الفن، لأن موضوعها الأساسي كان الشكل البشري الذي يظهر الصفات الشكلية القوية، مع مميزات تصميمية واضحة، مثل التوازن والانسجام. جذبت هذه السمات إلى جانب الروحانية القوية والحيوية التعبيرية فناني أوائل القرن العشرين لاستكشاف ديناميكيات جديدة في الفنون الأفريقية، التي أصبحت مرجعًا للتجريد الحديث.
الفن الأفريقي منفصلًا عن سياقه
أدرك علماء الأنثروبولوجيا ومؤرخو الفن أنه لا ينبغي الحكم على الثقافات غير الغربية وفقًا للقيم الغربية. كان الفنانون الغربيون المعاصرون أول من أدخل الفنون الأفريقية التقليدية إلى المخيلة الشعبية، كأعمال فنية جديرة بالاهتمام الجمالي. وبحثًا عن طرق جديدة لتمثيل الحداثة، تحول فنانون، مثل أندريه ديرين، وبابلو بيكاسو، وأميديو مودلياني، إلى الفن غير الغربي، من أجل الإلهام الأسلوبي. يظهر ذلك في لوحة "فتيات أفينيون" لبيكاسو، حيث رسم وجوه النساء على يمين اللوحة كأقنعة مستوحاة من الأقنعة الأفريقية التي شاهدها بيكاسو في رحلته إلى متحف تروكاديرو في باريس عام 1907. حيث قدم الفن الأفريقي التجريد كاستراتيجية لتمثيل الحداثة بالنسبة للفنانين المعاصرين الطليعيين، من دون معرفة وظيفة، أو طبيعة، أو تاريخ، الفن الأفريقي.
كانت الأقنعة الأفريقية هي القطع الأكثر تأثيرًا، حتى بعد فصلها عن سياقها الأساسي، حيث صنعت بعض الأقنعة للاستخدام في المناسبات الدينية والاجتماعية لتمثيل أرواح الأجداد، أو السيطرة على قوى الخير والشر في المجتمع. تجمع بعض الأقنعة بين السمات البشرية والحيوانية لتؤكد على فكرة توحد الإنسان مع الطبيعة من حوله. هذه العلاقة مع الطبيعة، وعالم الأرواح، لها أهمية كبيرة لدى الشعوب الأفريقية القبلية، حيث يشكل القناع آلية مادية لبدء التحول، حيث يتحول من يرتديه إلى كيان جديد، ما يسمح له بالتأثير على الأرواح والتواصل معها.
بالرغم من اختلاف الطقوس المرتبطة بالأقنعة في دول أفريقيا المختلفة، إلا أن هنالك سمات مشتركة في معظم الثقافات الأفريقية، إذ عادة ما يكون للأقنعة معنى روحي وديني، وتستخدم في رقصات طقسية وأحداث اجتماعية ودينية. كان لفناني صنع الأقنعة، ولمن يرتدي الأقنعة في الاحتفالات، مكانة خاصة، وفي أغلب الأوقات ينتقل فن صنع الأقنعة من الأب إلى الابن، إلى جانب المعاني الرمزية التي تنقلها هذه الأقنعة. تستخدم الأقنعة أحيانًا في استخدامات غير متوقعة، مثل أن يتحول القناع إلى عقاب لمرتديه. بعض المجتمعات لديها قناعات مخزية، تسبب الإذلال العلني، وقد استخدمت لمعاقبة المنحرفين اجتماعيًا. أهم الأقنعة التي استخدمت في هذا السياق القناع الحديدي الذي يسبب ارتداءه الألم، وعدم الراحة.
تقدير الفن الأفريقي
بعد أن أصبح الفن الأفريقي موضع تقدير على نطاق واسع في الغرب، بدأ العلماء في دراسة تنوعه الأسلوبي، والمعاني التي تحملها القطع الأثرية الأفريقية. وتشكل فهمنا للفن الأفريقي من خلال عمل علماء الأنثروبولوجيا ومؤرخي الفن، حيث أمضى كثير منهم وقتًا طويلًا في الأبحاث في قارة أفريقيا للتعرف على تقاليدها، والوصول إلى تفسيرات لمعاني ووظائف الفنون الأفريقية بمرور الوقت.
مصادر:
https://artsandculture.google.com/st...l6Ipw37lrNIwpk
https://www.contemporary-african-art...LiAtGiDt_1fiZh q2ssXx851ZTnv-P4U5VF0-H5HTC5xW0
https://www-visual--arts--cork-com.t...en&_x_tr_tl=ar &_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc&fbclid=IwAR0YvV4Fu_OB ylU g0B2mBEzLm1zX0CfyiRpCIxkeY5lWaLny-Gn3AtTua0w
https://www.khanacademy.org/_render?fbclid=IwAR0
سارة عابدين
تشكيل
منحوتة أفريقية
شارك هذا المقال
حجم الخط
لعب تاريخ الفن الأفريقي دورًا مهمًا في تشكيل ثقافة العالم. حتى الآن ما زال الاعتقاد بأن أفريقيا هي مهد تاريخ البشرية ثابتًا. تعود أصول تاريخ الفن الأفريقي إلى ما قبل التاريخ المسجل بوقت طويل. تاريخ أفريقيا القديم هو تاريخ محفوظ في غموض الزمن، حيث يعود إلى قرون طويلة مضت، ومن الضروري محاولة وضع الفن الأفريقي في سياقه الاجتماعي، وليس فقط مناقشة الجماليات الأسلوبية، واكتشاف ما إذا كان القناع، أو الشكل المنحوت، قد صنع للترفيه، أو التخويف أو تعزيز الخصوبة، أو مقاومة السحر. يحاول الباحثون ومؤرخو الفن معرفة ما إذا كان القناع يصور حيوانًا، أو إلهًا، أو ساحرًا، وما إذا كان يتم ارتداؤه على الرأس، أو الوجه. يمكن أيضًا أن تحفظ الأقنعة والتعاويذ سرًا في المنازل، ويمكن أن تكون جزءًا من طقوس العبادة.
"يحاول الباحثون ومؤرخو الفن معرفة ما إذا كان القناع يصور حيوانًا، أو إلهًا، أو ساحرًا، وما إذا كان يتم ارتداؤه على الرأس، أو الوجه" |
تشير دراسة الفن الأفريقي إلى أن أقدم أشكال المنحوتات جاءت من نيجيريا، ومع ذلك فإن عدم وجود الحفريات الأثرية يصعب معرفة الطبيعة الأصلية للمواد المستخدمة، وما يزيد الأمر تعقيدًا أن هذه الأشياء لم تكن مصنوعة باعتبارها منجزًا فنيًا، أو جماليًا، من قبل المجتمع الأصلي الذي أنتجها. لذلك لم تبذل أي جهود للحفاظ عليها، لأن قيمتها كانت ضئيلة تنتهي بنهاية الغرض الوظيفي الذي صنعت لأجله.
الاستعمار وتأثيره على الفن الأفريقي
بدأ الاستعمار الأجنبي لمعظم بلدان أفريقيا عام 1840، وتغيرت القيم والنظرة الجمالية عالميًا. اكتشفت كثير من القطع الفنية الأفريقية بوسائل مختلفة، وحتى من قبيل المصادفة من قبل المسافرين والتجار والمبشرين، لكن لم يمنح المستعمرون فنون السكان الأصليين الاهتمام الذي تستحقه، وبالتالي لم يوثق الفن الأفريقي بالطريقة المناسبة. بحلول ثمانينيات القرن التاسع عشر، كانت القوى الأوروبية مهتمة بالموارد الأفريقية، وخاصة الثروة المعدنية والغابات، بسبب ذلك قسمت أفريقيا إلى 53 دولة مستقلة، لكن تبقى تلك الحدود مصطنعة، رسمت من قبل الأوروبيين في مؤتمر برلين عام 1884 من دون حضور أفريقي من الأساس. لم يقسم الأوروبيون القارة حسب المنطقة الثقافية، أو القبلية، لكنهم رسموا حدودًا بناء على مصالحهم الخاصة. رغم انتهاء الاستعمار، بقيت المشكلات التي نتجت عن ذلك، مثل فصل العائلات والمجموعات اللغوية والشركاء التجاريين والرعاة لتصبح مواضع خلاف حتى اليوم.
"ما يزيد الأمر تعقيدًا أن هذه الأشياء لم تكن مصنوعة باعتبارها منجزًا فنيًا، أو جماليًا، من قبل المجتمع الأصلي الذي أنتجها" |
لم تكن الثقافات الأفريقية معزولة عن بعضها أبدًا، كانت هنالك دائمًا حركة تجارة وتبادل ثقافي وتجاري، وبسبب ديناميكية الفن الأفريقي التقليدي فقد كان دائمًا ما يتغير في الشكل والوظيفة والمعنى بمرور الوقت. ومع ذلك، يوجد في سوق الفن الغربية، والأوساط الأكاديمية، مفهوم الفن الأفريقي "التقليدي"، وهو الذي يشير عادة إلى تقاليد الفن الأصلية التي كانت موجودة قبل الاستعمار، عندما كان الفنانون يصنعون أعمالًا فنية لمجتمعاتهم الخاصة من دون تأثر بالعالم الخارجي. لذلك تفرق دور المزادات والمتاحف بين الفن الأفريقي التقليدي قبل الاستعمار، وبين الأعمال الفنية التي ظهرت في أثناء الاستعمار، وبعده. لم يوافق مؤرخو الفن الأفريقي على هذا التقسيم المبسط، وطلبوا التأكيد على استمرارية وديناميكية الفن الأفريقي باختلاف مراحله.
تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي
كانت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي واحدة من أكثر التجارب ضررًا على العديد من المجموعات العرقية في أفريقيا. في حين كانت العبودية موجودة لوقت طويل في أفريقيا. شكلت حركة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي حركة جماعية على مدى أربعة قرون ونصف القرن إلى مستعمرات أميركا الشمالية والجنوبية. أخذ عشرة ملايين شخص للعمل في مزارع القطن، والسكر، في العالم الجديد. كان للرق المقترن بالتجربة الاستعمارية تأثير عميق على أفريقيا، ولا زال يظهر في النزاعات على الأراضي والفقر والفساد والمجاعات. مع انهيار تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي في القرن التاسع عشر، استمرت الإمبريالية الأوروبية في التركيز على أفريقيا كمصدر للمواد الخام، وسوق للسلع التي تنتجها الدول الصناعية، لتتحول أفريقيا إلى قارة محددة بحدود مصطنعة، مع قليل من الاهتمام بالواقع العرقي، أو اللغوي، أو الجغرافي، أو الثقافي.
زادت مقاومة الاستعمار بشكل مطرد، وحصلت 47 دولة أفريقية على استقلالها بين عامي 1950 ـ 1980. لكن حتى مع الاستقلال ظلت المشاكل المرتبطة بتجارة الرقيق والاستعمار قائمة، كما أدى دخول المسيحية، وانتشار الإسلام، في القرنين التاسع عشر والعشرين، إلى تغيير العديد من المجتمعات الأفريقية، وتراجع العديد من الممارسات الفنية التقليدية المرتبطة بالديانات الأصلية. بالإضافة إلى ذلك، مع دخول السلع المصنعة المستوردة إلى الاقتصاد المحلي، توقف إنتاج كثير من الأدوات المصنوعة يدويًا، مثل الأواني الخزفية، والسلال.
كان الفن هو إحدى الطرق التي ساعدت الناس على استيعاب هذه التغيرات، حيث لعب الفن دورًا مهمًا للتذكر عندما بدأ الفنانون الأفارقة في تلبية احتياجات سوق جديدة ناشئة من الطبقة الأفريقية المتوسطة، وبعض الأجانب بممارسات فنية جديدة خاصة بالفنانين الفطريين، أو الأكاديميين.
استقبال الفن الأفريقي في الغرب
عندما جلب المستكشفون الأوروبيون الأوائل الهدايا التذكارية من رحلاتهم إلى القارة الأفريقية، لم يجدوا لها مكانًا في المتاحف، وبقيت في الأقبية المظلمة لقرون عدة. وضع بعضها في متاحف التاريخ الطبيعي مع البقايا المتحجرة والنباتات القديمة والأشياء النفعية البحتة. رأوا أنها بقايا مادية من الطرق البدائية لصنع الثقافة. مع الوقت، تزايد الاهتمام بجمع الفن الأفريقي وتحليله، ما أجبر العلماء والمؤرخين والحكومات والمستثمرين على إعادة دراسة جوهر الفن الأفريقي. نقلت المجموعات الفنية التي كانت تسكن الأقبية المظلمة إلى المتاحف وصالات العرض ودور المزادات، وبدأ الباحثون في دراستها بعمق أكبر، خاصة في أوائل القرن العشرين، بعد التحولات التي حدثت في أوروبا حول معنى الفن.
"حصلت 47 دولة أفريقية على استقلالها بين عامي 1950 ـ 1980. لكن حتى مع الاستقلال ظلت المشاكل المرتبطة بتجارة الرقيق والاستعمار قائمة" |
كان ينظر إلى الفن الراقي على أنه الرسم والنحت فقط، ونظرًا لأن العديد من الأعمال الفنية الأفريقية تخدم وظيفة محددة، فإن المجتمع الغربي قد لا يرى فيها فنًا في بعض الأحيان. لكن بالرغم من ذلك تجسد الأشياء التي صنعها الفنانون الأفارقة تفضيلات جمالية يمكن الإعجاب بها لشكلها وتكوينها وألوانها.
كان التركيز الأكبر على تاريخ الفن في أفريقيا الوسطى، لأن المجتمعات التي سكنت هناك كانت أكثر قبائل أفريقيا استقرارًا، لذلك احتفظوا بأكبر قدر ممكن من المنتجات، بعكس المجتمعات غير المستقرة التي تحمل معها أقل قدر من المنتجات، نظرًا لأن القيمة كانت تعتمد على الوظيفة، أو السمات الروحية. لذلك ربما تكون أفريقيا قد فقدت قطعًا فنية لا تعد ولا تحصى على جوانب طرق الهجرة والترحال.
السبب الثاني للتركيز على فنون أفريقيا الوسطى، هو أنهم أنتجوا منحوتات تصويرية يمكن لهواة جمع الفن الغربيين تعريفها بسهولة كشكل من أشكال الفن، لأن موضوعها الأساسي كان الشكل البشري الذي يظهر الصفات الشكلية القوية، مع مميزات تصميمية واضحة، مثل التوازن والانسجام. جذبت هذه السمات إلى جانب الروحانية القوية والحيوية التعبيرية فناني أوائل القرن العشرين لاستكشاف ديناميكيات جديدة في الفنون الأفريقية، التي أصبحت مرجعًا للتجريد الحديث.
الفن الأفريقي منفصلًا عن سياقه
أدرك علماء الأنثروبولوجيا ومؤرخو الفن أنه لا ينبغي الحكم على الثقافات غير الغربية وفقًا للقيم الغربية. كان الفنانون الغربيون المعاصرون أول من أدخل الفنون الأفريقية التقليدية إلى المخيلة الشعبية، كأعمال فنية جديرة بالاهتمام الجمالي. وبحثًا عن طرق جديدة لتمثيل الحداثة، تحول فنانون، مثل أندريه ديرين، وبابلو بيكاسو، وأميديو مودلياني، إلى الفن غير الغربي، من أجل الإلهام الأسلوبي. يظهر ذلك في لوحة "فتيات أفينيون" لبيكاسو، حيث رسم وجوه النساء على يمين اللوحة كأقنعة مستوحاة من الأقنعة الأفريقية التي شاهدها بيكاسو في رحلته إلى متحف تروكاديرو في باريس عام 1907. حيث قدم الفن الأفريقي التجريد كاستراتيجية لتمثيل الحداثة بالنسبة للفنانين المعاصرين الطليعيين، من دون معرفة وظيفة، أو طبيعة، أو تاريخ، الفن الأفريقي.
كانت الأقنعة الأفريقية هي القطع الأكثر تأثيرًا، حتى بعد فصلها عن سياقها الأساسي، حيث صنعت بعض الأقنعة للاستخدام في المناسبات الدينية والاجتماعية لتمثيل أرواح الأجداد، أو السيطرة على قوى الخير والشر في المجتمع. تجمع بعض الأقنعة بين السمات البشرية والحيوانية لتؤكد على فكرة توحد الإنسان مع الطبيعة من حوله. هذه العلاقة مع الطبيعة، وعالم الأرواح، لها أهمية كبيرة لدى الشعوب الأفريقية القبلية، حيث يشكل القناع آلية مادية لبدء التحول، حيث يتحول من يرتديه إلى كيان جديد، ما يسمح له بالتأثير على الأرواح والتواصل معها.
"صنعت بعض الأقنعة للاستخدام في المناسبات الدينية والاجتماعية لتمثيل أرواح الأجداد، أو السيطرة على قوى الخير والشر في المجتمع" |
بالرغم من اختلاف الطقوس المرتبطة بالأقنعة في دول أفريقيا المختلفة، إلا أن هنالك سمات مشتركة في معظم الثقافات الأفريقية، إذ عادة ما يكون للأقنعة معنى روحي وديني، وتستخدم في رقصات طقسية وأحداث اجتماعية ودينية. كان لفناني صنع الأقنعة، ولمن يرتدي الأقنعة في الاحتفالات، مكانة خاصة، وفي أغلب الأوقات ينتقل فن صنع الأقنعة من الأب إلى الابن، إلى جانب المعاني الرمزية التي تنقلها هذه الأقنعة. تستخدم الأقنعة أحيانًا في استخدامات غير متوقعة، مثل أن يتحول القناع إلى عقاب لمرتديه. بعض المجتمعات لديها قناعات مخزية، تسبب الإذلال العلني، وقد استخدمت لمعاقبة المنحرفين اجتماعيًا. أهم الأقنعة التي استخدمت في هذا السياق القناع الحديدي الذي يسبب ارتداءه الألم، وعدم الراحة.
تقدير الفن الأفريقي
بعد أن أصبح الفن الأفريقي موضع تقدير على نطاق واسع في الغرب، بدأ العلماء في دراسة تنوعه الأسلوبي، والمعاني التي تحملها القطع الأثرية الأفريقية. وتشكل فهمنا للفن الأفريقي من خلال عمل علماء الأنثروبولوجيا ومؤرخي الفن، حيث أمضى كثير منهم وقتًا طويلًا في الأبحاث في قارة أفريقيا للتعرف على تقاليدها، والوصول إلى تفسيرات لمعاني ووظائف الفنون الأفريقية بمرور الوقت.
مصادر:
https://artsandculture.google.com/st...l6Ipw37lrNIwpk
https://www.contemporary-african-art...LiAtGiDt_1fiZh q2ssXx851ZTnv-P4U5VF0-H5HTC5xW0
https://www-visual--arts--cork-com.t...en&_x_tr_tl=ar &_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc&fbclid=IwAR0YvV4Fu_OB ylU g0B2mBEzLm1zX0CfyiRpCIxkeY5lWaLny-Gn3AtTua0w
https://www.khanacademy.org/_render?fbclid=IwAR0