الفن التشكيلي والعمال.. الحياة العادية وتعبها المُزمن
دارين حوماني
تشكيل
"حاصدات بقايا السنابل" (جان فرانسوا ميليه/ 1857)
شارك هذا المقال
حجم الخط
"جميع الأشخاص الذين يعملون بأيديهم غير مرئيين جزئيًا، وكلما زادت أهمية العمل الذي يقومون به، أصبحوا غير مرئيين أكثر".
نتذكر هذا القول لجورج أورويل في يوم العمال العالمي، الذي يصادف في الأول من مايو/ أيار من كل عام، في كثير من دول العالم. خلفية هذا اليوم بدأت في القرن التاسع عشر في أوروبا وأميركا وأستراليا، حيث اندلعت ثورات واسعة ضد الإقطاع الأوروبي في ما عُرف بـ"ثورات 1848"، التي نتجت عنها رابطة العمال الدولية، أو "الأممية الأولى". كانت تلك الرابطة جامعة لجميع المنظمات الاشتراكية المطالبة بحقوق العمال مع نمو طبقة البروليتاريا، وكان الهدف منها تقليل ساعات العمل من 12 ساعة يوميًا إلى 8 ساعات يوميًا. وفي عام 1886، كانت الولايات الأميركية تخوض نزاعات عمالية لتخفيض ساعات العمل، وبشكل خاص عمال الحركة التي تُعرف بـ"حركة الثماني ساعات". وفي 1 مايو/ أيار من عام 1886 نظّم أكثر من 350 ألف عامل إضرابًا عن العمل، وتمت فيه الدعوة إلى تظاهرات في ولاية شيكاغو الأميركية انطلاقًا من "ساحة هايماركت" في المدينة، تحت شعار "ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع"، الأمر الذي لم يرق للسلطات، ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل 11 شخصًا، والحكم على أربعة منهم بالإعدام، وعلى آخرين بالسجن. كان ذلك النهار واحدًا من سلسلة تظاهرات ستعرفها البلاد، وستتجاوز القضية أسوار أميركا، حيث أحيا المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية "ذكرى مجزرة هايماركت" في العاصمة الفرنسية باريس عام 1889. وفي عام 1904، دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية، وخاصة الاشتراكية منها، في جميع أنحاء العالم، إلى عدم العمل في الأول من مايو/ أيار من كل عام، وتم السعي لجعله يوم إجازة رسمية في عشرات الدول.
في هذا اليوم، نستذكر أعمالًا تشكيلية بحثت عن العمال في أماكنهم، وجسّدت تعبهم المزمن. اخترنا عددًا منها، تلك التي تعبّر عن الطبقات الكادحة، وعن الإنسان العادي والهامشي، وعن الحياة اليومية البسيطة. ولدى بحثنا عن هذه اللوحات وقعت بين أيدينا أعمال فنية عن "البطالة"، هذا المصطلح الذي ينتشر بشكل مطّرد في عدد من الدول العربية، وحيث نشهد تنازلات كبيرة يقدّمها أفراد المجتمع لأصحاب العمل من أجل أن لا يصبحوا، أو يبقوا، عاطلين عن العمل، تنازلات حذفت كل المفاهيم التي قام عيد العمال من أجلها، وسنخصص مقالة أخرى عن البطالة في الفن التشكيلي.
لوحة "بعد يوم عمل"، ولوحة "الفلاحون"..
حامد العويس (1919 ـ 2011)
قدّم رائد الواقعية الاشتراكية في التصوير المصري المعاصر، الفنان التشكيلي المصري حامد عويس، عددًا من اللوحات التي تجسّد نضال العمال، هو الذي عُرف بتمجيده للطبقة العاملة. تلفت لوحاته إلى انحيازه للإنسان، وتطويره لأسلوب صريح ومباشر في تصوير حياة العامل العادي، علمًا أن عددًا من أعماله الآن موزعة بين متاحف الدول العربية والأوروبية. ومن أشهر أعماله لوحة "صيادون من الإسكندرية" التي اقتناها متحف دريسدن في ألمانيا، و"المطرقة والوعي"، التي اقتناها متحف الفن الحديث في برلين، و"الجالسة" التي اقتناها متحف الفن الحديث في بولندا، ولوحة "السد العالي.. الأرض لمن يفلحها" الموجودة في متحف الفنون الشرقية في موسكو، و"القيلولة" في متحف الفن المعاصر في مدريد، و"الحصاد" في متحف الفنون الجميلة في الإسكندرية.
أمامنا هنا عملان للفنان عويس، هما "بعد يوم عمل"، و"الفلاحون".
تُظهر لوحة "بعد يوم عمل" الإرهاق والحزن على وجوه عمال يعودون من عملهم، عمال متراصون يرتدون ثيابًا سميكة، وأحذية كبيرة، كأنها راسخة في الأرض، ملامح وجوههم جدية تحتفظ بقوة السحنة المصرية، أحدهم يمسك يد رفيقه بما يوحي بالمودة والسكينة بينهم، وقد عمل الفنان على تكبير حجم اليدين في إشارة إلى كدح العاملين، وهذا التضخيم نراه في لوحة "الفلاحون"، التي تذكرنا بأعمال دييغو ريفييرا، حيث نرى عائلة من الفلاحين، من أب وأم وولد؛ الأم تحمل سلة على رأسها، وجرة ماء في يدها، فيما يحمل الأب جذع شجرة مقطوع، ويحمل منجلًا، كما يحمل ابنه منجلًا آخر، لوحة تتميز بكثافتها التكوينية، كأن الأجساد منحوتة من الصخر، أبدانهم متينة توحي بصلابة وثبات الفلاح المصري وإصراره على الحياة. وبرغم أنهم عراة الأقدام، وبرغم التعب الظاهر على وجه الوالدين، إلا أن ابتسامة الابن تشير إلى الأمل والثقة بغد أفضل.
لوحة "حاصدات بقايا السنابل/ The Gleaners"
جان فرانسوا ميليه/ Jean-François Millet (1814 ـ 1875)
تصور لوحة "حاصدات بقايا السنابل" (1857) للفنان الفرنسي جان فرانسوا ميليه ثلاث فلاحات بملابس خشنة وبسيطة يلتقطن آخر ما تبقى من سنابل القمح بعد الحصاد. ويعكس انحناء أكتافهن وظهورهن إجهاد العمل الشاق لجمع فضلات محصول القمح، ففي أيام هذا الفنان الفرنسي، كان ملاكو الأرض يتركون بقايا المحصول للنساء والأطفال الفقراء. في الخلف، عربة يجرّها حصان مليئة بالقمح، وأكوام القمح، وحزم التبن التي تم جمعها للملاكين. ويعكس التباين في اللوحة بين هذه البقايا، وبين وفرة القمح في الخلف، كما تتلألأ الحبوب على الأرض مقابل اللون الباهت للأرض كأنها قطع من الذهب بالنسبة للفلاحات. تشتهر اللوحة بإبرازها بطريقة متعاطفة طبقات المجتمع الريفي؛ لكن تم استقبالها بشكل سيئ من قبل الطبقات العليا الفرنسية، ونُقل أن أحدهم قال "هذه فزاعات واقفة في حقل: قبح". بعد الخروج من الثورة الفرنسية عام 1848، رأت هذه الطبقات في اللوحة تمجيدًا للعمال. بالنسبة لهم، كان ذلك بمثابة تذكير بأن المجتمع الفرنسي قد بُني على عمل الجماهير العاملة، وأن ملاك الأراضي ربطوا هذه الطبقة العاملة بالحركة المتنامية للاشتراكية. وقد تمت صياغة اللوحة من قبل عدد من الفنانين اللاحقين، أمثال رينوار، وبيسارو، وفان غوخ، حيث عبّروا عن كفاح الفلاحين في الحقول، ورأى مؤرخو الفن أن ميليه، في عمله هذا، فرض حضورًا جديدًا في فن القرن التاسع عشر.
لوحة "قيلولة العمال في الحقل/ Workers Noon Rest From Work in Field"
فان غوخ Van Gogh (1853 - 1890)
في خريف عام 1889، وحتى عام 1890، شرع الفنان الهولندي فان غوخ في سلسلة من اللوحات المأخوذة من مجموعات فنية لعدد من الفنانين، منهم جان ميليت، ويوجين ديلاكروا، ورامبرانت. كانت فترة يفتقر فيها الفنان إلى الإلهام، فقد كان في مصحة سانت ريمي، وكان مكتئبًا للغاية. عاد إلى لوحة "حاصدات بقايا السنابل" لميليه، وقدّم لوحة "قيلولة العمال في الحقل". نرى فلاحَين، رجل وزوجته، يأخذان قيلولة في منتصف النهار فوق كومة من حصاد سنابل القمح. بعيدًا عن التلوين الهولندي لصوره الفلاحية المبكرة، كان فان غوخ في هذه اللوحة مهتمًا بشكل كبير بالألوان ووظيفتها على المستوى الرمزي والميتافيزيقي. هنا يغمر الفنان لوحته باللون الأصفر اللامع للحقل والأزرق المتلألئ للسماء بحضور الشمس القوية. ومع ذلك، فإن ثمة مبالغة في استخدام ألوان الطبيعة، على الرغم من الطبيعة الهادئة للموضوع.
لوحة "حامل الورد/ The Flower Carrier"
دييغو ريفيرا Diego Rivera (1886 ـ 1957)
في لوحة "حامل الورد" التي أنجزها الفنان المكسيكي دييغو ريفيرا عام 1935 كثير من البساطة، لكنها تنضج بالرمزية والمعنى. وهي واحدة من لوحات عديدة أنجزها الفنان، وتحكي عن حياة العمال الفقراء. وبرغم شهرته بالجداريات، إلا أنه أنجز عددًا من الأعمال الواقعية والتكعيبية. تُظهر اللوحة شابًا فقيرًا نحيلًا يرتدي ملابس بيضاء مع صندل فاتح اللون يحاول بكل قوته حمل سلة كبيرة من الزهور مربوطة على ظهره بحمّالة صفراء، ويعكس حجم السلة المشقة التي يتكبدها البائع في حملها، كما أنه يضع قبعة واسعة على رأسه في انعكاس للطريق الطويلة التي سيقطعها في بيع الزهور تحت أشعة الشمس. تقف سيدة بدينة خلفه، من دون حذاء في قدمها، تساعده وهو يحاول النهوض على قدميه. يستحضر الفنان الألوان النابضة، فقد اختار الأحمر والأصفر للزهور وهي مشعة بطريقة كأن الفنان أراد أن ينقل لنا أهميتها بالنسبة للبائع الفقير، وكيف يراها حاملها كأنها قطع من الذهب. تقدّم اللوحة تباينات لونية جريئة ومشرقة للورود، مع خلفية من أوراق الشجر الخضراء الداكنة. وقد عدّ النقاد في زمن ريفيرا أن السلة الضخمة المربوطة إلى ظهر الرجل تمثل أعباء عامل غير مدرب في عالم رأسمالي حديث. وضع ريفيرا العمال في أعماله في صورة من الرواقية الهادئة، لا يعبّرون عن الحزن والشكوى مع روح المجتمع الفقير، القوية والمتماسكة.
لوحة "كناس الشارع/ The Street Sweeper"
بول غافارني Paul Gavarni (1804 ـ 1866)
أنجز الفنان الفرنسي بول غافارني لوحة "كناس الشارع"عام 1852. وهي واحدة من سلسلة أعمال كان الفنان ينشرها في مجلتي Le Charivari وJournal des mode الفرنسيتين لتصوير العمال. اهتم غافارني بتصوير نقاط ضعف ورذائل مختلف طبقات المجتمع الفرنسي، التي اتصفت بنوع من القسوة والجدية بالنسبة لذلك المجتمع آنذاك. يظهر كناس الشارع في اللوحة وحيدًا في منطقة رمادية، ثيابه متسخة ومهترئة، ويحمل مكنسة على كتفه، وينتعل حذاءً قديمًا، ظهره مستقيم مع انحناءة في القدم. ورغم اتساخ وجهه إلا أن ملامحه تتسم بهدوء عامل بسيط راضٍ عن حياته. يحمل العمل طابع الفلسفة العميق، ونظرة الفنان العميقة إلى الطبيعة البشرية، وسخريته من المجتمع الفرنسي، ومن العالم.
لوحة "نجار القرية/ Village Carpenter"
إدوارد هنري بوثاست/ Edward Henri Pothast (1857 ـ 1927)
أنجز الرسام الانطباعي الأميركي، إدوارد هنري بوثاست، لوحة "نجار القرية" عام 1899. كان ذلك بعد أن تنقل بين عدد من المدن الأوروبية، وتأثر بالواقعية، وبمدرسة ميونيخ، قبل أن يُخلص للانطباعية في مرسمه في نيويورك بعد استقراره فيها عام 1895. نرى في اللوحة رجلًا في منتصف عمره يعمل على حفر قطعة من الخشب في غرفة مخصصة لأعمال النجارة. استخدم الفنان درجات من الألوان، من الفاتح إلى الداكن، في الانتقال بين الداخل والخارج، نرى الخارج مليئًا الضوء. نجار إدوارد هنري رجل هادئ يستمتع بعمله في مكان حميم، وهذا الأمر ينطبق على كل شخوص لوحاته، حيث اشتهر برسم مشاهد الشاطئ المشمسة والأمواج المتلألئة، والمليئة بالأطفال وبالأشخاص الذين يستمتعون على الشواطئ والمرافئ الصخرية.
لوحة "عاملات الغسيل/ The Laundresses"
ألبرت إديلفيلت/ Albert Edelfelt (1854 ـ 1905)
اشتُهر الرسام الفنلندي ألبرت غوستاف إديلفيلت بأسلوبه الطبيعي، ونهجه الواقعي في الفن. في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأ إديلفيلت في تكييف بعض خصائص الحركة الانطباعية الجديدة. في لوحة "عاملات الغسيل" التي أنجزها عام 1893نرى عاملتين، الأولى تعمل في كيّ الثياب، والأخرى تعمل في طيّها، في غرفة تنتشر فيها الثياب البيضاء، فوق حبل معلّق للغسيل، وعلى كرسي، وعلى طاولة، وفي صندوق. ورغم العمل المضني الذي تقومان به إلا أن البهجة بادية على وجهيهما، ويدخل الضوء من النافذة ليضيء أنامل المرأة التي تعمل في الكيّ. كأن الفنان يلتقط إحساس اللحظة السعيدة، وتضفي الألوان الهادئة حميمية على المكان.
لوحة "عمال الفحم/ The Coal Workers"
كلود مونيه/ Claude Monet
شارك مونيه اهتمامات بعض معاصريه، كدييغو ريفيرا، الذي كان يحاول وصف جميع جوانب الحياة. وكان الفنان قد عاش حتى عام 1878 في منطقة آرغنتويل/ Argenteuil في الضاحية الشمالية لباريس، حيث كان الجسر فوق نهر السين الذي تتوقف عنده البواخر المحمّلة بالبضائع موضوعًا لعدد من أعماله، ومنها لوحة "عمال الفحم". عمل انطباعي نرى فيه العمال بطريقة غير مألوفة في أعمال مونيه، فالعناصر البشرية في اللوحة مجهولة الهوية، وهو يركّز على المشهد ككلّ. تصطف في المكان مراكب الشحن الثقيلة، وهنالك عمال يُفرغون الفحم من المراكب، وآخرون يحملونه إلى الرصيف المحاذي للنهر. استخدم الفنان الألوان البنية والداكنة في انعكاس لتلويث السماء الذي يسبّبه فحم المصانع.
لوحة "الرسام خلال العمل/Painter at Work"
بول سيزان (1839 ـ 1906) Paul Cézanne
يعد بول سيزان أحد أكثر الفنانين تأثيرًا في تاريخ الرسم الحديث، ويعدّه النقاد الأوروبيون أبا المدرسة الحديثة. يتم تصنيف أعماله ضمن مرحلة ما بعد الانطباعية. كان الرسم في الهواء الطلق شائعًا، فأنجز سيزان لوحته "الرسام خلال العمل" عام 1874، وفيها نجد رسامًا يلبس ثوبًا أزرق ويستعد لإنجاز لوحة صغيرة في الطبيعة. ثمة تدرجات لونية دقيقة للغاية في اللوحة، وبقع جريئة من الألوان. يُظهر هذا العمل تأثير الانطباعيين على لوحة سيزان التي تستخدم نغمات صفراء زاهية وغنية وزرقاء. ضربات الفرشاة السريعة هي سمة أخرى من سمات الانطباعية، ويرى النقاد أنه قد يكون عملًا غير مكتمل.
لوحة "المكتب في الليل/ Office at Night"
إدوارد هوبر (1882 ـ 1967) Edward Hopper
تعود لوحة "المكتب في الليل" لعام 1940، وتصوّر مكتبًا تشغله سيدة أنيقة ترتدي فستانًا أزرق قصير الأكمام تقف أمام خزانة ملفات مفتوحة. يجلس رجل خلف المكتب، ويرتدي بدلة من ثلاث قطع. طبيعة المكتب غير واضحة، إذا كان مكتبًا خاصًا، أو ضمن عمل عام. تشير الزاوية المرتفعة التي يُنظر من خلالها إلى المكتب إلى أن المكان تتم رؤيته من قطار مرتفع عابر بالفعل، كما أبلغ هوبر لاحقًا صديقة أن فكرة اللوحة راودته أثناء سفره في أحد القطارات، ومرورههم من أمام مكاتب عمل. تترك اللوحة انطباعًا جميلًا. في الصورة مكتب آخر عليه آلة طباعة، وهو يعني أنه للمرأة الواقفة في الغرفة. هذا الموضوع نادرًا ما يتم تناوله في الفن. ورـى عدد من النقاد أن لون الستائر وحركتها يعني وجود علاقة عاطفية تربط الرجل بسكرتيرته.
مراجع مختارة:
http://www.visual-arts-cork.com/pain...ers-millet.htm
https://www.claude-monet.com/the-coal-workers.jsp
https://www.diego-rivera.net/flower-carrier/
https://www.edwardhopper.net/office-at-night.jsp
شارك هذا المقال مقالات اخرى للكاتب
دارين حوماني
تشكيل
"حاصدات بقايا السنابل" (جان فرانسوا ميليه/ 1857)
شارك هذا المقال
حجم الخط
"جميع الأشخاص الذين يعملون بأيديهم غير مرئيين جزئيًا، وكلما زادت أهمية العمل الذي يقومون به، أصبحوا غير مرئيين أكثر".
نتذكر هذا القول لجورج أورويل في يوم العمال العالمي، الذي يصادف في الأول من مايو/ أيار من كل عام، في كثير من دول العالم. خلفية هذا اليوم بدأت في القرن التاسع عشر في أوروبا وأميركا وأستراليا، حيث اندلعت ثورات واسعة ضد الإقطاع الأوروبي في ما عُرف بـ"ثورات 1848"، التي نتجت عنها رابطة العمال الدولية، أو "الأممية الأولى". كانت تلك الرابطة جامعة لجميع المنظمات الاشتراكية المطالبة بحقوق العمال مع نمو طبقة البروليتاريا، وكان الهدف منها تقليل ساعات العمل من 12 ساعة يوميًا إلى 8 ساعات يوميًا. وفي عام 1886، كانت الولايات الأميركية تخوض نزاعات عمالية لتخفيض ساعات العمل، وبشكل خاص عمال الحركة التي تُعرف بـ"حركة الثماني ساعات". وفي 1 مايو/ أيار من عام 1886 نظّم أكثر من 350 ألف عامل إضرابًا عن العمل، وتمت فيه الدعوة إلى تظاهرات في ولاية شيكاغو الأميركية انطلاقًا من "ساحة هايماركت" في المدينة، تحت شعار "ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع"، الأمر الذي لم يرق للسلطات، ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل 11 شخصًا، والحكم على أربعة منهم بالإعدام، وعلى آخرين بالسجن. كان ذلك النهار واحدًا من سلسلة تظاهرات ستعرفها البلاد، وستتجاوز القضية أسوار أميركا، حيث أحيا المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية "ذكرى مجزرة هايماركت" في العاصمة الفرنسية باريس عام 1889. وفي عام 1904، دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية، وخاصة الاشتراكية منها، في جميع أنحاء العالم، إلى عدم العمل في الأول من مايو/ أيار من كل عام، وتم السعي لجعله يوم إجازة رسمية في عشرات الدول.
"في يوم العمال العالمي، نستذكر أعمالًا تشكيلية بحثت عن العمال في أماكنهم وجسّدت تعبهم المزمن. اخترنا عددًا منها، تلك التي تعبّر عن الطبقات الكادحة وعن الإنسان العادي والهامشي وعن الحياة اليومية البسيطة" |
لوحة "بعد يوم عمل"، ولوحة "الفلاحون"..
حامد العويس (1919 ـ 2011)
قدّم رائد الواقعية الاشتراكية في التصوير المصري المعاصر، الفنان التشكيلي المصري حامد عويس، عددًا من اللوحات التي تجسّد نضال العمال، هو الذي عُرف بتمجيده للطبقة العاملة. تلفت لوحاته إلى انحيازه للإنسان، وتطويره لأسلوب صريح ومباشر في تصوير حياة العامل العادي، علمًا أن عددًا من أعماله الآن موزعة بين متاحف الدول العربية والأوروبية. ومن أشهر أعماله لوحة "صيادون من الإسكندرية" التي اقتناها متحف دريسدن في ألمانيا، و"المطرقة والوعي"، التي اقتناها متحف الفن الحديث في برلين، و"الجالسة" التي اقتناها متحف الفن الحديث في بولندا، ولوحة "السد العالي.. الأرض لمن يفلحها" الموجودة في متحف الفنون الشرقية في موسكو، و"القيلولة" في متحف الفن المعاصر في مدريد، و"الحصاد" في متحف الفنون الجميلة في الإسكندرية.
أمامنا هنا عملان للفنان عويس، هما "بعد يوم عمل"، و"الفلاحون".
تُظهر لوحة "بعد يوم عمل" الإرهاق والحزن على وجوه عمال يعودون من عملهم، عمال متراصون يرتدون ثيابًا سميكة، وأحذية كبيرة، كأنها راسخة في الأرض، ملامح وجوههم جدية تحتفظ بقوة السحنة المصرية، أحدهم يمسك يد رفيقه بما يوحي بالمودة والسكينة بينهم، وقد عمل الفنان على تكبير حجم اليدين في إشارة إلى كدح العاملين، وهذا التضخيم نراه في لوحة "الفلاحون"، التي تذكرنا بأعمال دييغو ريفييرا، حيث نرى عائلة من الفلاحين، من أب وأم وولد؛ الأم تحمل سلة على رأسها، وجرة ماء في يدها، فيما يحمل الأب جذع شجرة مقطوع، ويحمل منجلًا، كما يحمل ابنه منجلًا آخر، لوحة تتميز بكثافتها التكوينية، كأن الأجساد منحوتة من الصخر، أبدانهم متينة توحي بصلابة وثبات الفلاح المصري وإصراره على الحياة. وبرغم أنهم عراة الأقدام، وبرغم التعب الظاهر على وجه الوالدين، إلا أن ابتسامة الابن تشير إلى الأمل والثقة بغد أفضل.
"تشتهر لوحة "حاصدات بقايا السنابل" بإبرازها بطريقة متعاطفة طبقات المجتمع الريفي؛ لكن تم استقبالها بشكل سيئ من قبل الطبقات العليا الفرنسية آنذاك، ونُقل أن أحدهم قال "هذه فزاعات واقفة في حقل: قبح"" |
جان فرانسوا ميليه/ Jean-François Millet (1814 ـ 1875)
تصور لوحة "حاصدات بقايا السنابل" (1857) للفنان الفرنسي جان فرانسوا ميليه ثلاث فلاحات بملابس خشنة وبسيطة يلتقطن آخر ما تبقى من سنابل القمح بعد الحصاد. ويعكس انحناء أكتافهن وظهورهن إجهاد العمل الشاق لجمع فضلات محصول القمح، ففي أيام هذا الفنان الفرنسي، كان ملاكو الأرض يتركون بقايا المحصول للنساء والأطفال الفقراء. في الخلف، عربة يجرّها حصان مليئة بالقمح، وأكوام القمح، وحزم التبن التي تم جمعها للملاكين. ويعكس التباين في اللوحة بين هذه البقايا، وبين وفرة القمح في الخلف، كما تتلألأ الحبوب على الأرض مقابل اللون الباهت للأرض كأنها قطع من الذهب بالنسبة للفلاحات. تشتهر اللوحة بإبرازها بطريقة متعاطفة طبقات المجتمع الريفي؛ لكن تم استقبالها بشكل سيئ من قبل الطبقات العليا الفرنسية، ونُقل أن أحدهم قال "هذه فزاعات واقفة في حقل: قبح". بعد الخروج من الثورة الفرنسية عام 1848، رأت هذه الطبقات في اللوحة تمجيدًا للعمال. بالنسبة لهم، كان ذلك بمثابة تذكير بأن المجتمع الفرنسي قد بُني على عمل الجماهير العاملة، وأن ملاك الأراضي ربطوا هذه الطبقة العاملة بالحركة المتنامية للاشتراكية. وقد تمت صياغة اللوحة من قبل عدد من الفنانين اللاحقين، أمثال رينوار، وبيسارو، وفان غوخ، حيث عبّروا عن كفاح الفلاحين في الحقول، ورأى مؤرخو الفن أن ميليه، في عمله هذا، فرض حضورًا جديدًا في فن القرن التاسع عشر.
لوحة "قيلولة العمال في الحقل/ Workers Noon Rest From Work in Field"
فان غوخ Van Gogh (1853 - 1890)
في خريف عام 1889، وحتى عام 1890، شرع الفنان الهولندي فان غوخ في سلسلة من اللوحات المأخوذة من مجموعات فنية لعدد من الفنانين، منهم جان ميليت، ويوجين ديلاكروا، ورامبرانت. كانت فترة يفتقر فيها الفنان إلى الإلهام، فقد كان في مصحة سانت ريمي، وكان مكتئبًا للغاية. عاد إلى لوحة "حاصدات بقايا السنابل" لميليه، وقدّم لوحة "قيلولة العمال في الحقل". نرى فلاحَين، رجل وزوجته، يأخذان قيلولة في منتصف النهار فوق كومة من حصاد سنابل القمح. بعيدًا عن التلوين الهولندي لصوره الفلاحية المبكرة، كان فان غوخ في هذه اللوحة مهتمًا بشكل كبير بالألوان ووظيفتها على المستوى الرمزي والميتافيزيقي. هنا يغمر الفنان لوحته باللون الأصفر اللامع للحقل والأزرق المتلألئ للسماء بحضور الشمس القوية. ومع ذلك، فإن ثمة مبالغة في استخدام ألوان الطبيعة، على الرغم من الطبيعة الهادئة للموضوع.
"وضع ريفيرا العمال في أعماله في صورة من الرواقية الهادئة ولا يعبّرون عن الحزن والشكوى مع روح المجتمع الفقير، القوية والمتماسكة" |
دييغو ريفيرا Diego Rivera (1886 ـ 1957)
في لوحة "حامل الورد" التي أنجزها الفنان المكسيكي دييغو ريفيرا عام 1935 كثير من البساطة، لكنها تنضج بالرمزية والمعنى. وهي واحدة من لوحات عديدة أنجزها الفنان، وتحكي عن حياة العمال الفقراء. وبرغم شهرته بالجداريات، إلا أنه أنجز عددًا من الأعمال الواقعية والتكعيبية. تُظهر اللوحة شابًا فقيرًا نحيلًا يرتدي ملابس بيضاء مع صندل فاتح اللون يحاول بكل قوته حمل سلة كبيرة من الزهور مربوطة على ظهره بحمّالة صفراء، ويعكس حجم السلة المشقة التي يتكبدها البائع في حملها، كما أنه يضع قبعة واسعة على رأسه في انعكاس للطريق الطويلة التي سيقطعها في بيع الزهور تحت أشعة الشمس. تقف سيدة بدينة خلفه، من دون حذاء في قدمها، تساعده وهو يحاول النهوض على قدميه. يستحضر الفنان الألوان النابضة، فقد اختار الأحمر والأصفر للزهور وهي مشعة بطريقة كأن الفنان أراد أن ينقل لنا أهميتها بالنسبة للبائع الفقير، وكيف يراها حاملها كأنها قطع من الذهب. تقدّم اللوحة تباينات لونية جريئة ومشرقة للورود، مع خلفية من أوراق الشجر الخضراء الداكنة. وقد عدّ النقاد في زمن ريفيرا أن السلة الضخمة المربوطة إلى ظهر الرجل تمثل أعباء عامل غير مدرب في عالم رأسمالي حديث. وضع ريفيرا العمال في أعماله في صورة من الرواقية الهادئة، لا يعبّرون عن الحزن والشكوى مع روح المجتمع الفقير، القوية والمتماسكة.
لوحة "كناس الشارع/ The Street Sweeper"
بول غافارني Paul Gavarni (1804 ـ 1866)
أنجز الفنان الفرنسي بول غافارني لوحة "كناس الشارع"عام 1852. وهي واحدة من سلسلة أعمال كان الفنان ينشرها في مجلتي Le Charivari وJournal des mode الفرنسيتين لتصوير العمال. اهتم غافارني بتصوير نقاط ضعف ورذائل مختلف طبقات المجتمع الفرنسي، التي اتصفت بنوع من القسوة والجدية بالنسبة لذلك المجتمع آنذاك. يظهر كناس الشارع في اللوحة وحيدًا في منطقة رمادية، ثيابه متسخة ومهترئة، ويحمل مكنسة على كتفه، وينتعل حذاءً قديمًا، ظهره مستقيم مع انحناءة في القدم. ورغم اتساخ وجهه إلا أن ملامحه تتسم بهدوء عامل بسيط راضٍ عن حياته. يحمل العمل طابع الفلسفة العميق، ونظرة الفنان العميقة إلى الطبيعة البشرية، وسخريته من المجتمع الفرنسي، ومن العالم.
"يحمل عمل "كناس الشارع" طابع الفلسفة العميق ونظرة الفنان العميقة للطبيعة البشرية وسخريته من المجتمع الفرنسي ومن العالم" |
إدوارد هنري بوثاست/ Edward Henri Pothast (1857 ـ 1927)
أنجز الرسام الانطباعي الأميركي، إدوارد هنري بوثاست، لوحة "نجار القرية" عام 1899. كان ذلك بعد أن تنقل بين عدد من المدن الأوروبية، وتأثر بالواقعية، وبمدرسة ميونيخ، قبل أن يُخلص للانطباعية في مرسمه في نيويورك بعد استقراره فيها عام 1895. نرى في اللوحة رجلًا في منتصف عمره يعمل على حفر قطعة من الخشب في غرفة مخصصة لأعمال النجارة. استخدم الفنان درجات من الألوان، من الفاتح إلى الداكن، في الانتقال بين الداخل والخارج، نرى الخارج مليئًا الضوء. نجار إدوارد هنري رجل هادئ يستمتع بعمله في مكان حميم، وهذا الأمر ينطبق على كل شخوص لوحاته، حيث اشتهر برسم مشاهد الشاطئ المشمسة والأمواج المتلألئة، والمليئة بالأطفال وبالأشخاص الذين يستمتعون على الشواطئ والمرافئ الصخرية.
لوحة "عاملات الغسيل/ The Laundresses"
ألبرت إديلفيلت/ Albert Edelfelt (1854 ـ 1905)
اشتُهر الرسام الفنلندي ألبرت غوستاف إديلفيلت بأسلوبه الطبيعي، ونهجه الواقعي في الفن. في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأ إديلفيلت في تكييف بعض خصائص الحركة الانطباعية الجديدة. في لوحة "عاملات الغسيل" التي أنجزها عام 1893نرى عاملتين، الأولى تعمل في كيّ الثياب، والأخرى تعمل في طيّها، في غرفة تنتشر فيها الثياب البيضاء، فوق حبل معلّق للغسيل، وعلى كرسي، وعلى طاولة، وفي صندوق. ورغم العمل المضني الذي تقومان به إلا أن البهجة بادية على وجهيهما، ويدخل الضوء من النافذة ليضيء أنامل المرأة التي تعمل في الكيّ. كأن الفنان يلتقط إحساس اللحظة السعيدة، وتضفي الألوان الهادئة حميمية على المكان.
"رغم العمل المضني الذي تقوم به العاملتان في لوحة "عاملات الغسيل" إلا أن البهجة بادية على وجهيهما، ويدخل الضوء من النافذة ليضيء أنامل المرأة التي تعمل في الكيّ، كأن الفنان يلتقط إحساس اللحظة السعيدة، وتضفي الألوان الهادئة حميمية على المكان" |
كلود مونيه/ Claude Monet
شارك مونيه اهتمامات بعض معاصريه، كدييغو ريفيرا، الذي كان يحاول وصف جميع جوانب الحياة. وكان الفنان قد عاش حتى عام 1878 في منطقة آرغنتويل/ Argenteuil في الضاحية الشمالية لباريس، حيث كان الجسر فوق نهر السين الذي تتوقف عنده البواخر المحمّلة بالبضائع موضوعًا لعدد من أعماله، ومنها لوحة "عمال الفحم". عمل انطباعي نرى فيه العمال بطريقة غير مألوفة في أعمال مونيه، فالعناصر البشرية في اللوحة مجهولة الهوية، وهو يركّز على المشهد ككلّ. تصطف في المكان مراكب الشحن الثقيلة، وهنالك عمال يُفرغون الفحم من المراكب، وآخرون يحملونه إلى الرصيف المحاذي للنهر. استخدم الفنان الألوان البنية والداكنة في انعكاس لتلويث السماء الذي يسبّبه فحم المصانع.
لوحة "الرسام خلال العمل/Painter at Work"
بول سيزان (1839 ـ 1906) Paul Cézanne
يعد بول سيزان أحد أكثر الفنانين تأثيرًا في تاريخ الرسم الحديث، ويعدّه النقاد الأوروبيون أبا المدرسة الحديثة. يتم تصنيف أعماله ضمن مرحلة ما بعد الانطباعية. كان الرسم في الهواء الطلق شائعًا، فأنجز سيزان لوحته "الرسام خلال العمل" عام 1874، وفيها نجد رسامًا يلبس ثوبًا أزرق ويستعد لإنجاز لوحة صغيرة في الطبيعة. ثمة تدرجات لونية دقيقة للغاية في اللوحة، وبقع جريئة من الألوان. يُظهر هذا العمل تأثير الانطباعيين على لوحة سيزان التي تستخدم نغمات صفراء زاهية وغنية وزرقاء. ضربات الفرشاة السريعة هي سمة أخرى من سمات الانطباعية، ويرى النقاد أنه قد يكون عملًا غير مكتمل.
"تُظهر لوحة "الرسام خلال العمل" تأثير الانطباعيين على لوحة سيزان التي تستخدم نغمات صفراء زاهية وغنية وزرقاء. ضربات الفرشاة السريعة هي سمة أخرى من سمات الانطباعية، ويرى النقاد أنه قد يكون عملًا غير مكتمل" |
إدوارد هوبر (1882 ـ 1967) Edward Hopper
تعود لوحة "المكتب في الليل" لعام 1940، وتصوّر مكتبًا تشغله سيدة أنيقة ترتدي فستانًا أزرق قصير الأكمام تقف أمام خزانة ملفات مفتوحة. يجلس رجل خلف المكتب، ويرتدي بدلة من ثلاث قطع. طبيعة المكتب غير واضحة، إذا كان مكتبًا خاصًا، أو ضمن عمل عام. تشير الزاوية المرتفعة التي يُنظر من خلالها إلى المكتب إلى أن المكان تتم رؤيته من قطار مرتفع عابر بالفعل، كما أبلغ هوبر لاحقًا صديقة أن فكرة اللوحة راودته أثناء سفره في أحد القطارات، ومرورههم من أمام مكاتب عمل. تترك اللوحة انطباعًا جميلًا. في الصورة مكتب آخر عليه آلة طباعة، وهو يعني أنه للمرأة الواقفة في الغرفة. هذا الموضوع نادرًا ما يتم تناوله في الفن. ورـى عدد من النقاد أن لون الستائر وحركتها يعني وجود علاقة عاطفية تربط الرجل بسكرتيرته.
مراجع مختارة:
http://www.visual-arts-cork.com/pain...ers-millet.htm
https://www.claude-monet.com/the-coal-workers.jsp
https://www.diego-rivera.net/flower-carrier/
https://www.edwardhopper.net/office-at-night.jsp
شارك هذا المقال مقالات اخرى للكاتب