سيمبوزيوم بنك القاهرة عمان للفنون التشكيلية.. قضايا العالم بالألوان
تحسين يقين
تشكيل
من لوحات سيمبوزيوم بنك القاهرة عمان
شارك هذا المقال
حجم الخط
كانت فرصة بصرية وفكرية لنتجول فنرى بصريًا وقلبيًا تجليات شعورية وفكرية لفنانين من مختلف الثقافات والبلاد، في رؤيتهم للعالم، وما يضطرب فيه، وكيف يعبرون عما يشغلهم ذاتيًا وموضوعيًا، من خلال مروره من شفافيات أنفسهم، عبر عيون ومذاهب وأخيلة، ربما لنصل في نهاية التجوال في المعرض والعالم، أن العالم أيضًا صغير، ويمكن اختزاله في صالة غاليري.
مجموع الخلاص الفردي والوطني هو خلاص قومي وإنساني؛ فحين يتناول الفنان همًا عامًا، وطنيًا وقوميًا وعالميًا، فإنه أيضا تناول همه الذاتي. كذلك، إن تناول ما هو ذاتي جدًا عام جدًا، فما العام والموضوعي في النهاية إلا البعد الإنساني للفرد في الزمان والمكان.
مع أول مشاهدة، سنجد مشاعر إنسانية من خلال خطوط وألوان، ثمة وجدان عميق يتجلى في اللوحات، بغض النظر عن موضوعها، سنجد الأماكن والبيئات، والمكان بنفسه هو مضمون أيضًا. سنجد التراث وموجودات الأماكن. سنجد الإنسان بعناصره وهمومه واهتماماته. سنجد ما يظهر لا السلام، بل ما يشير الى الشوق والحاجة له، بعيدًا عن كدر الحروب. سنجد المرأة، موضوعًا، ورمزًا، وإلهامًا.
ولربما سيتجلى المضمون عند ذكرنا لبعض ما استطعنا التقاطه من اللوحات ودلالاتها، وما يمكن فهرسته من ملاحظات سريعة لحوالي 35 لوحة ازدان بها غاليري بنك القاهرة عمان في العاصمة الأردنية، الذي استضاف النسخة السادسة من سيمبوزيوم البنك الدولية منذ أواخر شهر يونيو/ حزيران، حتى السادس من يوليو/ تموز.
المكان
بدءًا بالفنان الأردني نصر عبد العزيز، نجد الأرض، من خلال رؤية المرأة وقوفًا جانبيًا مع شجر الصبار، بسحنة تأملية فيها الانتظار والقوة والصبر، فالفنان العماني موسى عمر، مكان البحر وموحياته من السفر، كتعبير عن الحالة العمانية. أما الفنانة التركية ماه بيكر يونسل، فقد أرادت إبهاج الرائين، برسم الربيع الملون، وعش العصافير التي تفتح مناقيرها لآخر مدى.
التراث
اتكأ الفنان العراقي فيصل لعيبي على موضوع المرأة ربما من "ألف ليلة وليلة"؛ فالجانب الأيمن من شعر المرأة المستلقية يحاكي التنين، في حين ظهر الغطاء بانحناءات خطوط بالأبيض والأسود تخفي جسدًا بضًا، في حين أنار الفنان لوحته بآنية الفاكهة في زاوية اللوحة اليسرى من أسفل، وأبدع في تلوين الشفاه والأظافر، أحمر شفاه، وأحمر أظافر، وقد كان تأثيرها سحريًا، كونها ظهرت في لوحة بالأبيض والأسود؟
الفنان المصري علاء عوض أبدع في التعبير عن التراث هنا، من خلال لوحتين: المبارزة الشعبية، وزي المرأة. في لوحة التحطيب فوق الخيل، ثمة تقابل لوني، نور وظل، تقابل الفارسين، والجمهور على الخيول، الحركة الرشيقة للعناصر للبشر والخيل والوجوه، لقد خدم الشكل المضمون وارتقى به كما ارتقى الشكل بالمضمون.
فيما أبدع الفنان الجزائري سفيان داري في تصوير ملامح الجزائري، من الخارج، بما فيه من عناصر تراث وواقع، ومن الداخل وما فيه من انفعالات وتوتر.
في مزيج من المكان والتراث، باعتبار المكان جزءًا من التراث، والتراث بعدًا مهمًا في المكان؛ فقد مثلت لوحتا الفنانة الفلسطينية رانيا العامودي "عصفور يافا"، و"حب غريب"، المكان الفلسطيني، وربما الشامي، أو الشرق بشكل عام، حيث اختارت في الأولى بيتًا يافيًّا في خلفيته تم تعليق صورة القدس. اكتسى المشهد بالأزرق السماوي: بلاط الأرض والإناء، في حين مثّل العصفور البلدي حياة البيت قبل استلابه. واختارت في الثانية فضاء مطعم شهير في القدس، يظهر فيه صاحبه أبو شكري الحفيد بابتسامة في الجزء العلوي، في حين كان البلاط بطلًا في اللوحة، كذلك الطاولة، وحبات الفلافل فوق ورق جريدة القدس. حاولت العامودي استنطاق جرارات الطاولة لعلها تبوح بقصص من عبروا هنا.
وهكذا فعل الفنان العماني موسى عمر، حين ظهر المكان بعناصره التراثية، حتى في الكولاج نفسه المكون لملامس اللوحة.
أما الفنانة المصرية، د. منى عليوة، فظهرت في لوحتها المرأة والمكان، والتراث معًا، عبر تجليات لونية ما بين أزرق الثياب وما يدل عليه، والجزء النصفي التحتي المصفر في الإطار، واللون البني المحيط؛ فكان هذا التقابل اللوني دالًا على حالة المرأة النفسية، وما يضطرب داخلها من صراع؛ فهي المتوجة بجمالية نباتية على الرأس، وبهالة القمر وراء رأسها، تفتقد السرور، وتفتقد حاجات الحياة.
ولربما يندرج الفنان المصري وليد عبيد بواقعيته التعبيرية (ليس هناك حدّ فاصل تمامًا بين المذاهب هنا)، في هذين البعدين، أي المكان والتراث، بأسلوب معاصر.
الفن المعاصر
اختار نصف الفنانين والفنانات، أو أكثر، الفن المعاصر أسلوبًا لتنفيذ أعمالهم؛ فهذه مرايا الفنان الإيطالي جوزيبي موديكا، يوحي بها وجوه الأمكنة والأزمنة، وذكريات النفس ربما، وهذه لفافة الجسد والخطوط الحمراء الدموية للفنان الصربي ميلان بانتليش، ودلالات ضغوطات الإنسان المعاصر، وهذا تجريد الفنانة البلغارية سفيتلانا رودلفا، في انقطاع الإنسان عن إنسانيته، وهذه لوحة الفنان الأردني محمد الجالوس، كأنها بناء حجري على صخور، نقدًا لعالم الجدران وقد عمّق نقده واحتجاجه ما رسمه في الجزء السفلي من شعل النار.
أما الفنانة الروسية أوكسانا تاساييجا، فظهر إنسانها في إطار دائري أصفر مخضر، على خلفية سماء غائمة. فعلام يدل الوجه والكف معًا؟ وهل للون الأزرق الخافت من جواب؟
اختارت الفنانة المغربية د.مونية تويس في لوحتيها عالم المرأة، عبر أسلوب التأثيرية، للتعبير عن عوالم المرأة همومًا واهتمامات. كذلك الفنانة العراقية الكردية نرمين مصطفى، فقد أوحت بمنطلقات المرأة والإنسانة والصراع الأسود. لقد أوصلت مشاعرها عما يحدث. وظهرت المرأة موضوعًا في لوحتي الفنان العراقي وضاح مهدي، بما فيها من ألوان حارة أبرزت اليد بيضاء بلون بارد، وهذه ربما تكررت في لوحات أخرى.
اختار الفنان الفلسطيني خالد الحوراني "البطيخة"، بما اشتملت من ألوان العلم الفلسطيني، الذي يتعرض للمنع، كأسلوب نضالي ناعم في مقاومة الاحتلال.
أما الفنان الأردني فادي حدادين فقد جاءت منمنماته في تصوير المجموع البشري مختزلًا ذكريات الطفولة بالنقاط الملونة، والذي يدل على جلده من ناحية، وعمقه التصويري للبشر.
لقد تأثرت الفنانة المصرية د. رندة فخري بالميثولوجيا المصرية، من خلال توظيف الغراب والغزال، وسلة الرمان، حيث عبرت عن الفقد هنا، وقد عمقت ذلك برسم العيون المنطفئة.
في الأسلوب
كما قلنا في ثنايا هذا المقال، لم تتنوع أساليب الفنانين في هذا السيمبوزيوم الدولي فقط، بل لعل ذلك يدخل أيضًا في عالم الفنان/ة الواحد؛ فقد ظهر الفن المعاصر بشكل لافت، ولكنه كان فنًا أصيلًا عبَّر عن مكنونات إنسانية بعيدًا عن التشتت الإنساني، بل إن أعمال الفنانين المحترفين
هنا تقود إلى فهم ناضج للفنان والمتلقي معًا. كذلك ثمة أبعاد رمزية ووجودية ملتزمة، كذلك توظيف الميثولوجيا، وإن كان بشكل محدود.
ولعل الموضوعات التي تم اختيارها للرسم هي ما استدعت هذه الأساليب والمذاهب، بما فيها من عنصري اللون والخط.
إنها جميعًا، وإن تم إبداعها في فترة قصيرة، تعبر عن مستوى فني متقدم للفنانين، كذلك عن اتجاهات الالتزام بالقضايا الإنسانية بأسلوب المعاصرة..
لقد قادتنا هذه الحلقة الفنية إلى التعرف على فنانين جادين، مرنين غير متحجرين، بل منفتحين على عوالم الفن، يحركهم الشعور والوعي، فاختاروا ما يلائم التعبير عن مضامينهم، ولما كانت مضامينهم إنسانية وأصيلة، فقد وفقوا في إبداعها شكلًا ومضمونًا.
كان كل منهم وفيًا لنفسه وإبداعه، حيث بدت الثقة جلية في سيطرتهم على تلك الأعمال، بعيدًا عن التوتر، أو التكرار، أو المحاكاة.
كان لوجود رواد وضيوف كبار مثل الأردني نصر عبد العزيز، والعراقي فيصل لعيبي، والإيطالي جوزيبي موديكا، أثر في زيادة ثقة الأجيال الشابة، حيث وفر السيمبوزيوم فرصة لتبادل الخبرة بين الفنانين من أعمار مختلفة.
ولا بُدّ من تثمين مبادرة بنك القاهرة عمان على استمرار هذه الحلقة، وما تضيفه إلى حركة الفن في الأردن والبلاد العربية والعالم؛ فقد بات السيمبوزيوم معروفًا على المستوى الدولي. وكان للفنان محمد الجالوس المشارك في السيمبوزيوم، ومديره الفني، دور إبداعي وإداري، بما يملك من خبرة في إدارة الفنون، وما يملك من موضوعية الاختيار وصدقيته.
تحسين يقين
تشكيل
من لوحات سيمبوزيوم بنك القاهرة عمان
شارك هذا المقال
حجم الخط
كانت فرصة بصرية وفكرية لنتجول فنرى بصريًا وقلبيًا تجليات شعورية وفكرية لفنانين من مختلف الثقافات والبلاد، في رؤيتهم للعالم، وما يضطرب فيه، وكيف يعبرون عما يشغلهم ذاتيًا وموضوعيًا، من خلال مروره من شفافيات أنفسهم، عبر عيون ومذاهب وأخيلة، ربما لنصل في نهاية التجوال في المعرض والعالم، أن العالم أيضًا صغير، ويمكن اختزاله في صالة غاليري.
مجموع الخلاص الفردي والوطني هو خلاص قومي وإنساني؛ فحين يتناول الفنان همًا عامًا، وطنيًا وقوميًا وعالميًا، فإنه أيضا تناول همه الذاتي. كذلك، إن تناول ما هو ذاتي جدًا عام جدًا، فما العام والموضوعي في النهاية إلا البعد الإنساني للفرد في الزمان والمكان.
مع أول مشاهدة، سنجد مشاعر إنسانية من خلال خطوط وألوان، ثمة وجدان عميق يتجلى في اللوحات، بغض النظر عن موضوعها، سنجد الأماكن والبيئات، والمكان بنفسه هو مضمون أيضًا. سنجد التراث وموجودات الأماكن. سنجد الإنسان بعناصره وهمومه واهتماماته. سنجد ما يظهر لا السلام، بل ما يشير الى الشوق والحاجة له، بعيدًا عن كدر الحروب. سنجد المرأة، موضوعًا، ورمزًا، وإلهامًا.
ولربما سيتجلى المضمون عند ذكرنا لبعض ما استطعنا التقاطه من اللوحات ودلالاتها، وما يمكن فهرسته من ملاحظات سريعة لحوالي 35 لوحة ازدان بها غاليري بنك القاهرة عمان في العاصمة الأردنية، الذي استضاف النسخة السادسة من سيمبوزيوم البنك الدولية منذ أواخر شهر يونيو/ حزيران، حتى السادس من يوليو/ تموز.
المكان
بدءًا بالفنان الأردني نصر عبد العزيز، نجد الأرض، من خلال رؤية المرأة وقوفًا جانبيًا مع شجر الصبار، بسحنة تأملية فيها الانتظار والقوة والصبر، فالفنان العماني موسى عمر، مكان البحر وموحياته من السفر، كتعبير عن الحالة العمانية. أما الفنانة التركية ماه بيكر يونسل، فقد أرادت إبهاج الرائين، برسم الربيع الملون، وعش العصافير التي تفتح مناقيرها لآخر مدى.
التراث
"الفنانة التركية ماه بيكر يونسل أرادت إبهاج الرائين، برسم الربيع الملون، وعش العصافير التي تفتح مناقيرها لآخر مدى" |
اتكأ الفنان العراقي فيصل لعيبي على موضوع المرأة ربما من "ألف ليلة وليلة"؛ فالجانب الأيمن من شعر المرأة المستلقية يحاكي التنين، في حين ظهر الغطاء بانحناءات خطوط بالأبيض والأسود تخفي جسدًا بضًا، في حين أنار الفنان لوحته بآنية الفاكهة في زاوية اللوحة اليسرى من أسفل، وأبدع في تلوين الشفاه والأظافر، أحمر شفاه، وأحمر أظافر، وقد كان تأثيرها سحريًا، كونها ظهرت في لوحة بالأبيض والأسود؟
الفنان المصري علاء عوض أبدع في التعبير عن التراث هنا، من خلال لوحتين: المبارزة الشعبية، وزي المرأة. في لوحة التحطيب فوق الخيل، ثمة تقابل لوني، نور وظل، تقابل الفارسين، والجمهور على الخيول، الحركة الرشيقة للعناصر للبشر والخيل والوجوه، لقد خدم الشكل المضمون وارتقى به كما ارتقى الشكل بالمضمون.
فيما أبدع الفنان الجزائري سفيان داري في تصوير ملامح الجزائري، من الخارج، بما فيه من عناصر تراث وواقع، ومن الداخل وما فيه من انفعالات وتوتر.
في مزيج من المكان والتراث، باعتبار المكان جزءًا من التراث، والتراث بعدًا مهمًا في المكان؛ فقد مثلت لوحتا الفنانة الفلسطينية رانيا العامودي "عصفور يافا"، و"حب غريب"، المكان الفلسطيني، وربما الشامي، أو الشرق بشكل عام، حيث اختارت في الأولى بيتًا يافيًّا في خلفيته تم تعليق صورة القدس. اكتسى المشهد بالأزرق السماوي: بلاط الأرض والإناء، في حين مثّل العصفور البلدي حياة البيت قبل استلابه. واختارت في الثانية فضاء مطعم شهير في القدس، يظهر فيه صاحبه أبو شكري الحفيد بابتسامة في الجزء العلوي، في حين كان البلاط بطلًا في اللوحة، كذلك الطاولة، وحبات الفلافل فوق ورق جريدة القدس. حاولت العامودي استنطاق جرارات الطاولة لعلها تبوح بقصص من عبروا هنا.
وهكذا فعل الفنان العماني موسى عمر، حين ظهر المكان بعناصره التراثية، حتى في الكولاج نفسه المكون لملامس اللوحة.
أما الفنانة المصرية، د. منى عليوة، فظهرت في لوحتها المرأة والمكان، والتراث معًا، عبر تجليات لونية ما بين أزرق الثياب وما يدل عليه، والجزء النصفي التحتي المصفر في الإطار، واللون البني المحيط؛ فكان هذا التقابل اللوني دالًا على حالة المرأة النفسية، وما يضطرب داخلها من صراع؛ فهي المتوجة بجمالية نباتية على الرأس، وبهالة القمر وراء رأسها، تفتقد السرور، وتفتقد حاجات الحياة.
ولربما يندرج الفنان المصري وليد عبيد بواقعيته التعبيرية (ليس هناك حدّ فاصل تمامًا بين المذاهب هنا)، في هذين البعدين، أي المكان والتراث، بأسلوب معاصر.
الفن المعاصر
اختار نصف الفنانين والفنانات، أو أكثر، الفن المعاصر أسلوبًا لتنفيذ أعمالهم؛ فهذه مرايا الفنان الإيطالي جوزيبي موديكا، يوحي بها وجوه الأمكنة والأزمنة، وذكريات النفس ربما، وهذه لفافة الجسد والخطوط الحمراء الدموية للفنان الصربي ميلان بانتليش، ودلالات ضغوطات الإنسان المعاصر، وهذا تجريد الفنانة البلغارية سفيتلانا رودلفا، في انقطاع الإنسان عن إنسانيته، وهذه لوحة الفنان الأردني محمد الجالوس، كأنها بناء حجري على صخور، نقدًا لعالم الجدران وقد عمّق نقده واحتجاجه ما رسمه في الجزء السفلي من شعل النار.
"اختار الفنان الفلسطيني خالد الحوراني "البطيخة"، بما اشتملت من ألوان العلم الفلسطيني، الذي يتعرض للمنع، كأسلوب نضالي ناعم في مقاومة الاحتلال" |
أما الفنانة الروسية أوكسانا تاساييجا، فظهر إنسانها في إطار دائري أصفر مخضر، على خلفية سماء غائمة. فعلام يدل الوجه والكف معًا؟ وهل للون الأزرق الخافت من جواب؟
اختارت الفنانة المغربية د.مونية تويس في لوحتيها عالم المرأة، عبر أسلوب التأثيرية، للتعبير عن عوالم المرأة همومًا واهتمامات. كذلك الفنانة العراقية الكردية نرمين مصطفى، فقد أوحت بمنطلقات المرأة والإنسانة والصراع الأسود. لقد أوصلت مشاعرها عما يحدث. وظهرت المرأة موضوعًا في لوحتي الفنان العراقي وضاح مهدي، بما فيها من ألوان حارة أبرزت اليد بيضاء بلون بارد، وهذه ربما تكررت في لوحات أخرى.
اختار الفنان الفلسطيني خالد الحوراني "البطيخة"، بما اشتملت من ألوان العلم الفلسطيني، الذي يتعرض للمنع، كأسلوب نضالي ناعم في مقاومة الاحتلال.
أما الفنان الأردني فادي حدادين فقد جاءت منمنماته في تصوير المجموع البشري مختزلًا ذكريات الطفولة بالنقاط الملونة، والذي يدل على جلده من ناحية، وعمقه التصويري للبشر.
لقد تأثرت الفنانة المصرية د. رندة فخري بالميثولوجيا المصرية، من خلال توظيف الغراب والغزال، وسلة الرمان، حيث عبرت عن الفقد هنا، وقد عمقت ذلك برسم العيون المنطفئة.
في الأسلوب
كما قلنا في ثنايا هذا المقال، لم تتنوع أساليب الفنانين في هذا السيمبوزيوم الدولي فقط، بل لعل ذلك يدخل أيضًا في عالم الفنان/ة الواحد؛ فقد ظهر الفن المعاصر بشكل لافت، ولكنه كان فنًا أصيلًا عبَّر عن مكنونات إنسانية بعيدًا عن التشتت الإنساني، بل إن أعمال الفنانين المحترفين
هنا تقود إلى فهم ناضج للفنان والمتلقي معًا. كذلك ثمة أبعاد رمزية ووجودية ملتزمة، كذلك توظيف الميثولوجيا، وإن كان بشكل محدود.
ولعل الموضوعات التي تم اختيارها للرسم هي ما استدعت هذه الأساليب والمذاهب، بما فيها من عنصري اللون والخط.
"مثلت لوحتا الفنانة الفلسطينية رانيا العامودي "عصفور يافا"، و"حب غريب"، المكان الفلسطيني، وربما الشامي، أو الشرق بشكل عام" |
إنها جميعًا، وإن تم إبداعها في فترة قصيرة، تعبر عن مستوى فني متقدم للفنانين، كذلك عن اتجاهات الالتزام بالقضايا الإنسانية بأسلوب المعاصرة..
لقد قادتنا هذه الحلقة الفنية إلى التعرف على فنانين جادين، مرنين غير متحجرين، بل منفتحين على عوالم الفن، يحركهم الشعور والوعي، فاختاروا ما يلائم التعبير عن مضامينهم، ولما كانت مضامينهم إنسانية وأصيلة، فقد وفقوا في إبداعها شكلًا ومضمونًا.
كان كل منهم وفيًا لنفسه وإبداعه، حيث بدت الثقة جلية في سيطرتهم على تلك الأعمال، بعيدًا عن التوتر، أو التكرار، أو المحاكاة.
كان لوجود رواد وضيوف كبار مثل الأردني نصر عبد العزيز، والعراقي فيصل لعيبي، والإيطالي جوزيبي موديكا، أثر في زيادة ثقة الأجيال الشابة، حيث وفر السيمبوزيوم فرصة لتبادل الخبرة بين الفنانين من أعمار مختلفة.
ولا بُدّ من تثمين مبادرة بنك القاهرة عمان على استمرار هذه الحلقة، وما تضيفه إلى حركة الفن في الأردن والبلاد العربية والعالم؛ فقد بات السيمبوزيوم معروفًا على المستوى الدولي. وكان للفنان محمد الجالوس المشارك في السيمبوزيوم، ومديره الفني، دور إبداعي وإداري، بما يملك من خبرة في إدارة الفنون، وما يملك من موضوعية الاختيار وصدقيته.