معرض "طبقات من الجنوب".. أجسادٌ في حالة تأمل وانتظار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرض "طبقات من الجنوب".. أجسادٌ في حالة تأمل وانتظار

    معرض "طبقات من الجنوب".. أجسادٌ في حالة تأمل وانتظار
    عماد الدين موسى 1 أكتوبر 2022
    تشكيل
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    تحت عنوان "طبقات من الجنوب"، وفي غاليري "آكسيس سبيس آرت" في القاهرة، أقيم أخيرًا المعرض الفردي الأوَّل خارج السودان للفنّان التشكيلي السوداني الهاميم الماحي، الذي ضمَّ 21 لوحة مرسومة بمادتي الأكريليك والألوان الزيتية. وكان الفنان قد شارك عام 2009 في ورشة فنيّة في اتحاد التشكيليين السودانيين، كما أقام عددًا من المعارض داخل السودان في "المركز الثقافي الفرنسي" (2013)، و"مركز راشد دياب" (2018)، وغيرهما، بالإضافة إلى مشاركته في معارض جماعية في ألمانيا.
    (الهاميم الماحي)
    ما يرسمه الفنان التشكيلي السوداني الهاميم الماحي من لوحات في معرضه هذا ليس من وراء قناع، أو حجاب فلسفي، فثمة علاقة حسية ـ حركية قوية بين ما يختزنه من صور ورؤى عاشها في ماضيه، وبين اللحظة الراهنة، فتنفجر علامات من عمقه الباطن ـ الصراعات الاجتماعية والسياسية التي تختزنها ذاكرته؛ وكذلك تناقضات العمارة بتوضُّعِها وتجمُّعِها وهو يرسمها بخطوطٍ صارمة وقاسية؛ وهي علامات مليئة بالرموز والموتيفات التي لم تتيبَّس أو تجف مياه الحياة فيها، كونه يتَّخذ موقفًا نقديًا من البؤس والشقاء والألم الذي يعيشه الإنسان.

    "ثمة علاقة حسية ـ حركية قوية بين ما يختزنه الماحي من صور ورؤى عاشها في ماضيه، وبين اللحظة الراهنة، فتنفجر علامات من عمقه الباطن ـ الصراعات الاجتماعية والسياسية التي تختزنها ذاكرته"


    فالشخصيات التي تسكن لوحاته هي شخصيات كما تبدو لأجساد تتحرَّك؛ كانت لنساء أو لأولاد ورجال، أو كانت لحيوانات، مثل: الثيران والماعز والخيول والطيور؛ أجسادٌ في حالة تأمل وانتظار، وقد خرجت من نفق النوم؛ نفق الموت، لتعيش جسد اليقظة، تعيش وجودها وهي مذهولة، أو في ذهول لما يجري عليها من أفعال تمويت وحرقٍ لحياتها العقلية. الفنان الهاميم الماحي إبراهيم وإن ذهب في هذه الأعمال إلى التجريد، إنما ليقدم هذه الأجساد/ الأرواح في حالات ومواقف وأوضاع ذات قوَّة في التأثير، كونها رسومًا لأجساد تمتلك قدرة تعبر فيها عن مشاعرها وإحساسها بالجمال والبشاعة. الفنان الماحي يجرِّد الشكل في هذه اللوحات، ولكنه يطلق للأجساد مشاعرها، فيتركنا نقرأ تصوراتها الحسية وهي تتسامى في فضاء التجريد. تجريد، أو شيء من تجريد يلغي فيه المنظور، ويحطم الأبعاد نحو التسطيح؛ تجسيد وتسطيح المساحة الواحدة في البعد الأول والثاني، ومن ثمَّ تراه يُجسِّم ويكبِّر، تجسيم وتكبير، فيشترك فيه مع الفنان التشكيلي المصري حامد ندا (1924ـ 1990)؛ بل نرى تأثُّره، أو تأثير الفنان حامد ندا على الهاميم الماحي إبراهيم، سواءً برسم الأشكال/ الأجساد؛ كانت لجمادٍ، أو نبات، أو حيوان، أو إنسان، أو في التلوين، باستخدام الألوان؛ ألوان البيئة الأفريقية بتدرجاتها، أو في ملء مساحة/ الفراغ برسوم لحيوانات، مثل الثيران والخيول، وغيرها من الثيمات في البيئة السودانية، التي يقابلها عند الفنان التشكيلي المصري حامد ندا الديك، وأيضًا الثيران والقطط والأسماك والسحالي. بل هنالك تطابق في الأسلوب، وربَّما في الشعور والفكر. وكأنَّ الفنان الهاميم الماحي إبراهيم ينهل من ذات القاموس السوسيولوجي، والصور الذهنية للفنان حامد ندا. إنهما يتشابهان وقد يختلفان؛ الفنان الهاميم الماحي يتشابه مع حامد ندا وإن اختلف في بعض التفصيلات؛ إذ إنَّ الماحي يرسم القَبَلي، القروي ـ الفلاحي السوداني، فيما الفنان حامد ندا رسم إلى جانب القروي؛ المديني بخصائصه المحلية والإقليمية، وبكثير من الإشباع اللوني، وبذهنية تجريبية، وإنَّه يرسم بذهنية تجريبية، وفي فضاءاتٍ مقموعة، وبمستويات وأبعادٍ لا تطغى فيها العمارة على مظاهر الاستبداد السياسي والاقتصادي الذي يعيشه الإنسان.

    "الفنان الهاميم الماحي إبراهيم وإن ذهب في هذه الأعمال إلى التجريد، إنما ليقدم هذه الأجساد/ الأرواح في حالات ومواقف وأوضاع ذات قوَّة في التأثير"


    الفنان التشكيلي السوداني الهاميم الماحي إبراهيم في معرضه هذا، وإن تقاطعَ في كثير من علاقاته الفنية والفكرية باللوحة مع الفنان المصري الراحل حامد ندا، فهما من بيئة واحدة، فكان تجريديًا وكان تعبيريًا، يرسم بانفعالاتٍ نفسية خاصة به، يرسم الحياة الروحية، فبدت ألوانه في ضربات ريشته؛ ألوان البرتقالي والأصفر، وذاك الأزرق الشفيف ألوانًا متألِّقة، مشعَّة، وأنَّ المُشِعَّ ينبثق من الظل؛ من الظلال المعتمة.
يعمل...
X