أوسكار كوكوشكا في معرضه الاستعادي.. الكوامن الروحيّة في الوجوه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أوسكار كوكوشكا في معرضه الاستعادي.. الكوامن الروحيّة في الوجوه

    أوسكار كوكوشكا في معرضه الاستعادي.. الكوامن الروحيّة في الوجوه
    أسعد عرابي 10 أكتوبر 2022
    تشكيل
    لوحة إعلان المعرض رمزًا لوجه كوكوشكا في المرآة
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    سأتناول هذه المرة فنانًا شموليًا إنسانيًا عالميًا يتجاوز المسافة الزمنية بين تاريخ ميلاده في فيينا 1886م، وتاريخ وفاته 1980م بعقود مستقبلية عدة. نافس موهبة بابلو بيكاسو، ويمكن القول إنه تقدم على "ما بعد الحداثة" التعبيرية المحدثة، التي يمثلها جورج بازلتز، ولعله من أبرز الفنانين التشكيليين في القرن العشرين، وهو أوسكار كوكوشكا. وذلك من خلال مئة وخمسين عملًا فنيًا من اللوحات التي تجتمع لأول مرة على جدران "متحف الفن المعاصر لمدينة باريس"، ثمرة التعاون بين متاحف عديدة، خاصة مع المتحف الخاص بميراثه في فيينا ـ النمسا، هي منتخبات أيضًا من مجموعات أوروبية وأميركية. إنه المعرض الاستعادي الأول البالغ العناية، والذي ينتظره الذين يعرفون القيمة الاستثنائية لهذا المبدع التعددي. فهو إضافة إلى احترافه اللوحة كاتب معروف لا يقل نخبوية في كتابته عن ثقافته الفلسفية الألمانية، ومعرفته في علم النفس من فرويد إلى يونغ، فالبعد البسيكولوجي في تخصصه في تصوير الوجوه (البورتريه النصفي) حقق له بلوغ الشبه الداخلي في الشخوص بما فيه تصاويره الشخصية (الأوتوبورتريه) التي تتفوق في كشف مكامنها السلوكية وتمايزها العميق الغور من خلال كثافة التعبير في الوجه وبلاغة أصابع اليدين. ناهيك عن وجودية الاتصال المستحيل والعبثي بين أزواج المحبين من ذكر وأنثى.
    عزلة الأنثى ( أوسكار كوكوشكا)
    "يضم المعرض 150 عملًا فنيًا تجتمع لأول مرة على جدران "متحف الفن المعاصر لمدينة باريس"، وهو ثمرة التعاون بين متاحف عديدة، خاصة مع المتحف الخاص بميراثه في فيينا ـ النمسا، هي منتخبات أيضًا من مجموعات أوروبية وأميركية"



    تفد خصوبة ثقافته الشمولية من تجاوز الحدود بين أنواع الإبداعات التشكيلية والأدبية والموسيقية، تكشفها علاقته الحميمة مع أشهر قائد أوركسترا، هو المؤلف مالر، مدير دار الأوبرا في فيينا، وزوجته آلما مالر، أبرز عازفة بيانو في تاريخ موسيقى الباروك والرومانسية (عرفته على براهمز) كان على علاقة مباشرة معهما ما بين عامي 1912م و1914م، وهكذا. ناهيك عن خصوبة تجربته الحياتية، التي قضاها في الأسفار وفضول الترحال، ما بين أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المغرب العربي)، (منذ 1920م). عُرف بالتزامه بقضايا حرية الشعوب والديمقراطية، بعد أن خاض معارك الحرب العالمية الأولى، وأصيب مرتين إصابات بليغة. لجأ إلى إنكلترا، وبقي فيها سنوات منذ عام 1938م بسبب اضطهاد النازية، التي طاردته وأحرقت لوحاته تحت تهمة الفن الفاسد والمفسد. طرد من وظيفته كمدرس في معهد فنون البوزار في درسدن، بعد سحب لوحاته من المتاحف والمجموعات، فالتحق بالمقاومة.
    أوتوبورتريه.. وجه الفنان بريشته
    لا شك بأن حيويته الفنية النخبوية تزامنت منذ البداية مع الانقلاب الفني الذي حصل في فيينا منذ 1908م، مع "مجموعة القطيعة"، وعلى رأسها غوستاف كليمت، وصولًا حتى الجيل التالي الذي برز منه أيفون شييل (يقلد الإثنين اليوم العديد من الفنانين العرب). كوكوشكا كان متجاوزًا لصبوات هذه الحركة، متقدمًا على تجارب زملائه منذ أكثر من نصف قرن. يتجلى هذا من تعديله لاتجاهات التعبيرية الألمانية، بما فيها "الموضوعية الجديدة".

    * * *

    إن انتساب فن كوكوشكا إلى التعبيرية الألمانية حقيقة ويقين لا يقبلان أدنى شك، خاصة وأنها تعكس ميتافيزيقية الفلسفة الألمانية، منذ غوته، وهيغل، ونيتشه، وحتى وجودية مارتين هايدغر، عبورًا من "فينومينولوجية" هوسرل، باعتبار أن الإنسان متمركز بقدريته في جوهر الكون والوجود العام، ومثالها رومانسية بيتهوفن، وتحالف الشاعر شيلر في السيمفونية التاسعة الموسومة بالقدرية.
    الرسام والموديل
    "خاض معارك الحرب العالمية الأولى، وأصيب مرتين إصابات بليغة. ولجأ إلى إنكلترا، وبقي فيها سنوات منذ عام 1938م بسبب اضطهاد النازية"


    انبثقت خصائصه الدرامية من أهوال الحربين اللتين عانى منهما، بعكس روافد الانطباعية الفرنسية الضوئية المحبة للشمس والطبيعة المتفائلة، ومنها "الوحشية" التي أسسها هنري ماتيس عام 1905م، بتأثير الفن الإسلامي (خاصة تصاوير المخطوطات والسيراميك والزيلليج التونسي الذي لامس مشاعره أثناء زيارته لتونس). كوكوشكا لا علاقة لفنه من قريب أو بعيد بماتيس، أو أندريه ديران، أو التجريد الغنائي الفرنسي، ولا بالاستشراق، أو الفن الإسلامي.
    يحضر هنا الخطأ الفاحش في عنوان المعرض: "وحشي في فيينا" إشارة وإلماحًا إلى انتماء فنه إلى جماعة الوحشيين، أو هنري ماتيس (نقيضه). لعلها فرصة لضرورة الشك النقدي بكل ما هو جاهز، سواء في المعارض المتحفية الكبرى، أو حتى الإنترنت. ولمن يقنعون بترجمة ملف الصحافة من دون تدقيق قبل نشره وانتحاله.
    اختلاس النظر
    بدأ العرض في الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2022م، ويستمر حتى الثاني عشر من فبراير/ شباط 2023م. وهو فرصة لا تعوض لإزالة غبار الإهمال والتناسي عن أحد أبرز عباقرة الفن في القرن العشرين.
يعمل...
X