السينما العربية في 2022: خطوات فردية وسياسات جماعية
وائل سعيد 20 ديسمبر 2022
سينما
(GettyImages)
شارك هذا المقال
حجم الخط
تشهد خريطة السينما العربية في السنوات الأخيرة تحولًا جغرافيًا هامًا ينتقل بها على مهل من المحلية إلى الدولية والعالمية، فهناك عدد لا بأس به من السينمائيين الشباب تطوف أفلامهم بين المهرجانات حاصدة الجوائز، وهناك فريق آخر وجد طريقه إلى تلك المهرجانات والمحافل الدولية عن طريق المشاركة إما في لجان التحكيم والمشاهدة أو من خلال عضوية الاتحادات والنقابات وعن طريق البرمجة أيضًا. على جانب آخر تُطالعنا الأخبار طوال الوقت عن مشاريع أفلام عربية تحصل على دعم أجنبي من الهيئات السينمائية الدولية، لا سيما وأن الإنتاج العالمي لم يعد يعتمد على جهة واحدة أو أكثر كما كان في السابق، وأصبحت منهجية الإنتاج المشترك –من طرف دول وهيئات وأفراد- تصبغ جميع الأفلام تقريبًا.
ساعد هذا التوسع كثيرًا في تغيير الصورة النمطية لدى الغرب عن الفيلم العربي وصناعه ومن ثم المواطن العربي نفسه، فالسينما تُعد من أكثر الفنون صدقًا في التعبير عن الذات، ومن هنا وجب على المهرجانات العربية مراعاة ما طرأ على سينماها عالميًا، وأن تخطو هي الأخرى خطوات جادة ومحسوبة من أجل دعم هذا الحراك الفردي.
التاريخ المشترك للقمع
في بداية هذا العام، أحدث فيلم "أصحاب ولا أعز" كثيرًا من اللغط واستهجان العديد من المشاهدين والنقاد على حد سواء، وهو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الشهير "Perfect Strangers – غرباء تمامًا، 2016" وذلك عقب عرضه على شبكة نتفليكس، الفيلم بطولة منى زكي. نادين لبكي. إياد نصار. جورج خباز وإخراج وسام سميرة الذي اشترك بدوره في كتابة السيناريو والحوار مع غبريال يمين.
تمارس لبكي الإنتاج والتمثيل والإخراج، وربما كان تميزها الأكبر في المجال الأخير رغم أن رصيدها فيه لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا أنه يسر لها أبوابًا للعالمية منذ فيلمها الأول "كاراميل، 2007" وقد عُرض بمهرجان "كان" ضمن برنامج نصف شهر المخرجين، وحتى فيلمها الأخير "كفر ناحوم، 2018" المُرشح للأوسكار، وفيه تفتح لبكي آفاقًا أوسع لمفهوم الإنسان نظرًا لأن وطأة الحياة تقع على كل من المرأة والرجل على حد سواء، وتأتي الطفولة في الفيلم بمثابة صرخة في وجه الإنسانية فهم يتشاركون الظلم المجتمعي رغم حقيقة أنهم لا حول لهم ولا قوة.
حصلت لبكي على جائزة مجلة فاياراتي العالمية كأفضل صانعة أفلام لهذا العام، وفي كلمتها أكدت على قدرة السينما على تسليط الضوء على الروايات غير المسموعة، تحديدًا من الأصوات النسائية في البلدان العربية حيث ثمة تاريخ مشترك لهؤلاء النساء من المعاناة...، "من الإحباط والمحرمات... من الرموز الخفية المشتركة، لدينا الكثير لنقوله وقد تعلمنا كيفية قمعه". لذلك نراها مغرمة بالاستعانة بممثلين غير محترفين... "عندما تعمل مع ممثلين غير محترفين عليك أن تتكيف معهم ومع طريقتهم في الحياة، ربما لهذا السبب لم أكتب فيلمي التالي بعد".
من هنا وهناك
جاء فيلم "العائلة" من الجزائر لمرزاق علواش مخيبا للآمال، وهو فيلم يصطبغ كثيرًا بملامح الدراما التلفزيونية، سواء على مستوى الأداء الزاعق المبالغ فيه كمن يقف على خشبة مسرح، ناهيك عن ضعف السيناريو الذي لم يخلُ من بعض المساحات الملفقة بغرض الإثارة دون مبرر درامي أو فني.
أما عن الفيلم التونسي "نرجعلك" لياسين الرديسي، فهو من الأفلام الجيدة، وفيه نتابع رحلة فريق العمل في البحث عن آثار مغن تونسي من أصول يهودية، وقد ساعد عمل المخرج بالصحافة في دمج آليات عدة أفادت العمل بشكل كبير، متنقلًا بين الوثائقي والأرشيفي ولقطات لأصحاب قدامى بجانب مشاهد رحلة فريق العمل، كما استخدم تقنية تحريك الأشخاص داخل الصور الفوتوغرافية القديمة وهو ما أعطى للفيلم جمالًا بصريًا وحركيًا وجعله ينبض بالحياة.
اقتصرت المشاركة المغربية في الدورة السابقة لمهرجان الاسماعيلية التسجيلي على فيلم واحد وهو "صرة الصيف" للمخرج سالم بلال، وحصل الفيلم على جائزة الاتحاد الدولي "الفيبرسي"، وتدور أحداثه في جنوب المغرب وتحديدا بمنطقة الحسانيه الصحراوية التي يعتمد أهلها على عدد من الأعشاب البرية في التداوي، تمثل هذه الأعشاب قيمة هامة ويتداولونها فيما بينهم كالأحجار الكريمة، نقلت الكاميرا أجواء الصحراء القاحلة ومفرداتها الخاصة بتناغم بين الصوت والصورة، وكان لوجوه البدو المنحوتة بجانب أغانيهم التراثية تأثير الواقعية السحرية على المشاهد.
يُقدم لنا فيلم "حورية" إشكالية نسوية لازمت المرأة منذ وجودها وهي البلطجة الذكورية. الفيلم من إخراج مونيا ميدور وبطولة الممثلة لينا خودري والاثنتان فرنسيتان من أصل جزائري، تتبع ميدور قصة "حورية" الفتاة العاشقة للباليه والتي تعمل من أجل الالتحاق بفرقة البالية الجزائري، إلا أنها تتعرض لعمليه سرقة تفقد النطق إثرها وتنتقل إلى مركز للتأهيل، وفيه تقابل العديد من السيدات والفتيات اللائي جئن هنا بفعل التسلط الذكوري.
إذا كان الجسد هو المعادل الوجودي للفرد، فإن المحاربة المستمرة في سبيل تواجده الطبيعي بعيدًا عن الانتهاكات التي تشكل العبء الأكبر لا سيما أن يكون جسدًا أنثويًا، لهذا تجد حورية ومن معها الملاذ في تحريك هذا الجسد بالرقص الحر حين يُصبح الملاذ الشرعي للتواجد غير المشروط بأي انتهاكات – معنوية أو مادية – لأنه أصبح المتنفس الوحيد للحرية. أجادت المخرجة في خلق هذه الحالة بجدارة وربما في اختيارها لاسم البطلة تأكيدا على أن مكانها ليس على الأرض.
أفلام رغمًا عن الظروف
لا شك في أن عددًا كبيرًا من الدول العربية لحق بها الضرر جراء الحركات المتوالية لثورات الربيع العربي، وربما بلدان مثل سورية والعراق وغيرهما كانت من أكثر الدول التى عانت من ذلك.
بالعودة إلى سورية، نطالع فيلم "رحلة يوسف" للمخرج الشاب جود سعيد، عُرض عالميًا لأول مرة ضمن برنامج الدورة الفائتة لمهرجان القاهرة السينمائي، وبالرغم من عدم حصوله على جوائز يظل واحدًا من أكثر الأفلام العربية في برنامج العام اكتمالًا، من حيث الإخراج والتصوير والسيناريو البسيط، فضلًا عن أداء فريق التمثيل الرائع وفي مقدمتهم بطل العمل أيمن زيدان والممثلة الشابة سيرينا محمد، الإضاءة في الفيلم أيضًا من أميز عناصره الفنية والتي ساعدت كثيرًا على خلق الحالة الشعورية للأسرة المهاجرة من الجحيم السوري.
فاز فيلم "جنائن معلقة" للمخرج أحمد الدراجي بجائزة "اليسر الذهبي" لأفضل فيلم روائي طويل ضمن الدورة الثانية لمهرجان البحر الأحمر، ويعود المخرج لرصد حالة قديمة لبلده العراق وقت الاجتياح الأميركي والحرب الأهلية، من خلال قصة الشقيقين طه وأسعد ورحلتهما في البحث عن الرزق داخل "جنائن بابل المعلقة" وهو اسم يُطلق على مكب للنفايات تُباع فيه مخلفات الجيش الأميركي عن طريق مزاد علني، فيما يتم تداول المخلفات المحلية بأسعار زهيدة.
يُشير مخرج الفيلم في أحد الحوارات إلى قسوة الحياة في مثل هذه الأماكن وهو ما تلمسه فريق العمل وقت التصوير...، "ورغم صعوبة التأقلم إلا أننا سرعان ما اعتدنا الرائحة السيئة وقسوة الأجواء"، وربما في كلمته تقبع الخطورة في فكرة الاعتياد التي قد تُنسينا حقوقنا في الأساس وتجعلنا نألف القبح وننسى الجمال.
"بيروت هولدم" فيلم لبناني من تأليف وإخراج ميشال كمون، عنوان الفيلم مستوحى من لعبة البوكر ومن خلال الفكرة يطرح المخرج إشكالية الحياة في لبنان التي باتت محك رهان لمن يعيشها، فلزامًا عليه معايشة الخطر أيضًا طوال الوقت، في ظل حياة تسبح بين شاطئين فإما أن تكون في الجانب الرابح أو يكون مصيرك هو الخسارة. يُسلط الفيلم الضوء على الحياة السفلية للطبقات الفقيرة ببيروت حيث القبح يهيمن على كل شيء ولا مجال لأي جمال، سار السيناريو على هدي السينما الواقعية بيد أن واقعيته كانت زائدة عن الحاجة بعض الشيء.
أما الفيلم الفلسطيني "علم" فينطلق من أرضية العلاقة الجديدة للقضية الفلسطينية، حيث كل ما تريده مجموعة من الشباب المتحمسين هو رفع علم فلسطين على مدرستها عوضًا عن العلم الصهيوني. الفيلم من إخراج فراس خوري في أولى تجاربه الروائية الطويلة، حاز على جائزة الهرم الذهبي في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة، كما حصل بطله الشاب محمود بكري على جائزة أفضل ممثل مناصفة مع الممثل السوداني ماهر الخير عن فيلم "السد".
السودان من جديد
تخطو السينما السودانية خطوات جادة خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا منذ عرض فيلم "ستموت في العشرين، 2019"- أول فيلم روائي طويل للمخرج السوداني الشاب أمجد أبو العلا، وهو السابع في تاريخ الفيلم الروائي في العموم للسينما السودانية، بعد غياب طويل قارب العشرين عامًا منذ آخر عرض لفيلم سوداني – تاريخ طويل من الحصار والمقاومة للسينما السودانية – وهي سينما ذات نكهة مميزة سواء على مستوى الصورة أو المواضيع وهي من أكثر الموضوعات تعبيرًا عن القارة الأفريقية وزخمها التراثي.
يقترب فيلم "السد" - لعلي شري- من النيل وتحديدًا من أكثر نقاطه زخمًا في السودان، من خلال تتبع الحياة على ضفاف النهر لعمال الطوب اللبني المصنوع من طمي النيل، والفيلم هو أولى المحاولات الروائية لمخرجه اللبناني وهو فنان تشكيلي في الأساس، لذلك قدّم شري مجموعة من اللوحات الصامتة التشكيلية عبر المشاهد والتي زادت عن حدها في بعض الأحيان خصوصًا وأن قصة الفيلم غائمة بعض الشيء لا تسرد أحداثًا بالمعنى رغم وجود إشارات تدل على الحراك الشعبي الذي عصف بالبشير، الرئيس المعزول في نيسان/ أبريل 2019.
استعان المخرج بأحد العمال الحقيقيين- ماهر الخير- وهو يقف أمام الكاميرا لأول مرة في دور البطولة، وبتلك الفطرة في الأداء حصد جائزة أفضل ممثل بالمهرجان مناصفة مع بطل الفيلم الفلسطيني "علم"، كما يُركز على داخله النفسي في معظم المشاهد أكثر من الخارج المرئي، لهذا فإن مساحات الحوار في الفيلم قليلة لتترك القيادة للتشكيل البصري الذي يُجيده المخرج. على أن ثمة بعدًا آخر فلسفيًا في الفيلم بالقرب من النهاية، إذ ينهار الملاذ الصغير الذي كان يبنيه البطل بعيدًا عن الجميع في قلب الصحراء، حيث لم يصمد هذا الطوب الطيني أمام غزارة الأمطار، وبانحرافة سريعة يضعنا المخرج أمام حالة سحرية تجعلك تُفكر فيما إذا كان ما سقط هو النظام بالفعل أم أنه الإله نفسه!
وائل سعيد 20 ديسمبر 2022
سينما
(GettyImages)
شارك هذا المقال
حجم الخط
تشهد خريطة السينما العربية في السنوات الأخيرة تحولًا جغرافيًا هامًا ينتقل بها على مهل من المحلية إلى الدولية والعالمية، فهناك عدد لا بأس به من السينمائيين الشباب تطوف أفلامهم بين المهرجانات حاصدة الجوائز، وهناك فريق آخر وجد طريقه إلى تلك المهرجانات والمحافل الدولية عن طريق المشاركة إما في لجان التحكيم والمشاهدة أو من خلال عضوية الاتحادات والنقابات وعن طريق البرمجة أيضًا. على جانب آخر تُطالعنا الأخبار طوال الوقت عن مشاريع أفلام عربية تحصل على دعم أجنبي من الهيئات السينمائية الدولية، لا سيما وأن الإنتاج العالمي لم يعد يعتمد على جهة واحدة أو أكثر كما كان في السابق، وأصبحت منهجية الإنتاج المشترك –من طرف دول وهيئات وأفراد- تصبغ جميع الأفلام تقريبًا.
ساعد هذا التوسع كثيرًا في تغيير الصورة النمطية لدى الغرب عن الفيلم العربي وصناعه ومن ثم المواطن العربي نفسه، فالسينما تُعد من أكثر الفنون صدقًا في التعبير عن الذات، ومن هنا وجب على المهرجانات العربية مراعاة ما طرأ على سينماها عالميًا، وأن تخطو هي الأخرى خطوات جادة ومحسوبة من أجل دعم هذا الحراك الفردي.
التاريخ المشترك للقمع
في بداية هذا العام، أحدث فيلم "أصحاب ولا أعز" كثيرًا من اللغط واستهجان العديد من المشاهدين والنقاد على حد سواء، وهو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الشهير "Perfect Strangers – غرباء تمامًا، 2016" وذلك عقب عرضه على شبكة نتفليكس، الفيلم بطولة منى زكي. نادين لبكي. إياد نصار. جورج خباز وإخراج وسام سميرة الذي اشترك بدوره في كتابة السيناريو والحوار مع غبريال يمين.
"حصلت لبكي على جائزة مجلة فاياراتي العالمية كأفضل صانعة أفلام لهذا العام، وفي كلمتها أكدت على قدرة السينما على تسليط الضوء على الروايات غير المسموعة، تحديدًا من الأصوات النسائية في البلدان العربية حيث ثمة تاريخ مشترك لهؤلاء النساء من المعاناة" |
حصلت لبكي على جائزة مجلة فاياراتي العالمية كأفضل صانعة أفلام لهذا العام، وفي كلمتها أكدت على قدرة السينما على تسليط الضوء على الروايات غير المسموعة، تحديدًا من الأصوات النسائية في البلدان العربية حيث ثمة تاريخ مشترك لهؤلاء النساء من المعاناة...، "من الإحباط والمحرمات... من الرموز الخفية المشتركة، لدينا الكثير لنقوله وقد تعلمنا كيفية قمعه". لذلك نراها مغرمة بالاستعانة بممثلين غير محترفين... "عندما تعمل مع ممثلين غير محترفين عليك أن تتكيف معهم ومع طريقتهم في الحياة، ربما لهذا السبب لم أكتب فيلمي التالي بعد".
من هنا وهناك
جاء فيلم "العائلة" من الجزائر لمرزاق علواش مخيبا للآمال، وهو فيلم يصطبغ كثيرًا بملامح الدراما التلفزيونية، سواء على مستوى الأداء الزاعق المبالغ فيه كمن يقف على خشبة مسرح، ناهيك عن ضعف السيناريو الذي لم يخلُ من بعض المساحات الملفقة بغرض الإثارة دون مبرر درامي أو فني.
أما عن الفيلم التونسي "نرجعلك" لياسين الرديسي، فهو من الأفلام الجيدة، وفيه نتابع رحلة فريق العمل في البحث عن آثار مغن تونسي من أصول يهودية، وقد ساعد عمل المخرج بالصحافة في دمج آليات عدة أفادت العمل بشكل كبير، متنقلًا بين الوثائقي والأرشيفي ولقطات لأصحاب قدامى بجانب مشاهد رحلة فريق العمل، كما استخدم تقنية تحريك الأشخاص داخل الصور الفوتوغرافية القديمة وهو ما أعطى للفيلم جمالًا بصريًا وحركيًا وجعله ينبض بالحياة.
اقتصرت المشاركة المغربية في الدورة السابقة لمهرجان الاسماعيلية التسجيلي على فيلم واحد وهو "صرة الصيف" للمخرج سالم بلال، وحصل الفيلم على جائزة الاتحاد الدولي "الفيبرسي"، وتدور أحداثه في جنوب المغرب وتحديدا بمنطقة الحسانيه الصحراوية التي يعتمد أهلها على عدد من الأعشاب البرية في التداوي، تمثل هذه الأعشاب قيمة هامة ويتداولونها فيما بينهم كالأحجار الكريمة، نقلت الكاميرا أجواء الصحراء القاحلة ومفرداتها الخاصة بتناغم بين الصوت والصورة، وكان لوجوه البدو المنحوتة بجانب أغانيهم التراثية تأثير الواقعية السحرية على المشاهد.
يُقدم لنا فيلم "حورية" إشكالية نسوية لازمت المرأة منذ وجودها وهي البلطجة الذكورية. الفيلم من إخراج مونيا ميدور وبطولة الممثلة لينا خودري والاثنتان فرنسيتان من أصل جزائري، تتبع ميدور قصة "حورية" الفتاة العاشقة للباليه والتي تعمل من أجل الالتحاق بفرقة البالية الجزائري، إلا أنها تتعرض لعمليه سرقة تفقد النطق إثرها وتنتقل إلى مركز للتأهيل، وفيه تقابل العديد من السيدات والفتيات اللائي جئن هنا بفعل التسلط الذكوري.
إذا كان الجسد هو المعادل الوجودي للفرد، فإن المحاربة المستمرة في سبيل تواجده الطبيعي بعيدًا عن الانتهاكات التي تشكل العبء الأكبر لا سيما أن يكون جسدًا أنثويًا، لهذا تجد حورية ومن معها الملاذ في تحريك هذا الجسد بالرقص الحر حين يُصبح الملاذ الشرعي للتواجد غير المشروط بأي انتهاكات – معنوية أو مادية – لأنه أصبح المتنفس الوحيد للحرية. أجادت المخرجة في خلق هذه الحالة بجدارة وربما في اختيارها لاسم البطلة تأكيدا على أن مكانها ليس على الأرض.
أفلام رغمًا عن الظروف
لا شك في أن عددًا كبيرًا من الدول العربية لحق بها الضرر جراء الحركات المتوالية لثورات الربيع العربي، وربما بلدان مثل سورية والعراق وغيرهما كانت من أكثر الدول التى عانت من ذلك.
بالعودة إلى سورية، نطالع فيلم "رحلة يوسف" للمخرج الشاب جود سعيد، عُرض عالميًا لأول مرة ضمن برنامج الدورة الفائتة لمهرجان القاهرة السينمائي، وبالرغم من عدم حصوله على جوائز يظل واحدًا من أكثر الأفلام العربية في برنامج العام اكتمالًا، من حيث الإخراج والتصوير والسيناريو البسيط، فضلًا عن أداء فريق التمثيل الرائع وفي مقدمتهم بطل العمل أيمن زيدان والممثلة الشابة سيرينا محمد، الإضاءة في الفيلم أيضًا من أميز عناصره الفنية والتي ساعدت كثيرًا على خلق الحالة الشعورية للأسرة المهاجرة من الجحيم السوري.
"الفيلم الفلسطيني "علم" ينطلق من أرضية العلاقة الجديدة للقضية الفلسطينية، حيث كل ما تريده مجموعة من الشباب المتحمسين هو رفع علم فلسطين على مدرستها عوضًا عن العلم الصهيوني" |
يُشير مخرج الفيلم في أحد الحوارات إلى قسوة الحياة في مثل هذه الأماكن وهو ما تلمسه فريق العمل وقت التصوير...، "ورغم صعوبة التأقلم إلا أننا سرعان ما اعتدنا الرائحة السيئة وقسوة الأجواء"، وربما في كلمته تقبع الخطورة في فكرة الاعتياد التي قد تُنسينا حقوقنا في الأساس وتجعلنا نألف القبح وننسى الجمال.
"بيروت هولدم" فيلم لبناني من تأليف وإخراج ميشال كمون، عنوان الفيلم مستوحى من لعبة البوكر ومن خلال الفكرة يطرح المخرج إشكالية الحياة في لبنان التي باتت محك رهان لمن يعيشها، فلزامًا عليه معايشة الخطر أيضًا طوال الوقت، في ظل حياة تسبح بين شاطئين فإما أن تكون في الجانب الرابح أو يكون مصيرك هو الخسارة. يُسلط الفيلم الضوء على الحياة السفلية للطبقات الفقيرة ببيروت حيث القبح يهيمن على كل شيء ولا مجال لأي جمال، سار السيناريو على هدي السينما الواقعية بيد أن واقعيته كانت زائدة عن الحاجة بعض الشيء.
أما الفيلم الفلسطيني "علم" فينطلق من أرضية العلاقة الجديدة للقضية الفلسطينية، حيث كل ما تريده مجموعة من الشباب المتحمسين هو رفع علم فلسطين على مدرستها عوضًا عن العلم الصهيوني. الفيلم من إخراج فراس خوري في أولى تجاربه الروائية الطويلة، حاز على جائزة الهرم الذهبي في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة، كما حصل بطله الشاب محمود بكري على جائزة أفضل ممثل مناصفة مع الممثل السوداني ماهر الخير عن فيلم "السد".
السودان من جديد
تخطو السينما السودانية خطوات جادة خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا منذ عرض فيلم "ستموت في العشرين، 2019"- أول فيلم روائي طويل للمخرج السوداني الشاب أمجد أبو العلا، وهو السابع في تاريخ الفيلم الروائي في العموم للسينما السودانية، بعد غياب طويل قارب العشرين عامًا منذ آخر عرض لفيلم سوداني – تاريخ طويل من الحصار والمقاومة للسينما السودانية – وهي سينما ذات نكهة مميزة سواء على مستوى الصورة أو المواضيع وهي من أكثر الموضوعات تعبيرًا عن القارة الأفريقية وزخمها التراثي.
يقترب فيلم "السد" - لعلي شري- من النيل وتحديدًا من أكثر نقاطه زخمًا في السودان، من خلال تتبع الحياة على ضفاف النهر لعمال الطوب اللبني المصنوع من طمي النيل، والفيلم هو أولى المحاولات الروائية لمخرجه اللبناني وهو فنان تشكيلي في الأساس، لذلك قدّم شري مجموعة من اللوحات الصامتة التشكيلية عبر المشاهد والتي زادت عن حدها في بعض الأحيان خصوصًا وأن قصة الفيلم غائمة بعض الشيء لا تسرد أحداثًا بالمعنى رغم وجود إشارات تدل على الحراك الشعبي الذي عصف بالبشير، الرئيس المعزول في نيسان/ أبريل 2019.
استعان المخرج بأحد العمال الحقيقيين- ماهر الخير- وهو يقف أمام الكاميرا لأول مرة في دور البطولة، وبتلك الفطرة في الأداء حصد جائزة أفضل ممثل بالمهرجان مناصفة مع بطل الفيلم الفلسطيني "علم"، كما يُركز على داخله النفسي في معظم المشاهد أكثر من الخارج المرئي، لهذا فإن مساحات الحوار في الفيلم قليلة لتترك القيادة للتشكيل البصري الذي يُجيده المخرج. على أن ثمة بعدًا آخر فلسفيًا في الفيلم بالقرب من النهاية، إذ ينهار الملاذ الصغير الذي كان يبنيه البطل بعيدًا عن الجميع في قلب الصحراء، حيث لم يصمد هذا الطوب الطيني أمام غزارة الأمطار، وبانحرافة سريعة يضعنا المخرج أمام حالة سحرية تجعلك تُفكر فيما إذا كان ما سقط هو النظام بالفعل أم أنه الإله نفسه!