ما هو علم الاجتماع وما فروعه ومن مؤسسه
علم الاجتماع هو الدراسة العلمية للعلاقات الإنسانية الاجتماعية، وهو علمٌ شاملٌ يتضمن كل ما يتعلق بالبشر كالقانون والدين والأسرة والأمراض الاجتماعية والطبقات الاجتماعية والأفكار الثقافية. يتعمق ويبحث في الظواهر البشرية ويفسر سبب حدوثها.
كما يعتبر علمًا ديناميكيًا يتناول المجتمعات البشرية وأنشطتها التفاعلية التي تحافظ عليها وعلى تقدمها، ويبحث بالطرق المنظمة للمجتمع باتباع أُسس المنهج العلمي.
مؤسسو علم الاجتماع
يضم علم الاجتماع عددًا لا يحصى من الأفراد الذين ساهموا في تطوره، إلا أن بعضًا منهم يستحقون إشارةً خاصةً، مثل:
أوغست كومت (1857_1798)
وهو فرنسي الأصل، يطلق عليه أبو علم الاجتماع؛ لأنه أطلق مصطلح علم الاجتماع في عام 1838 إشارةً لدراسة المجتمع بشكلٍ علميٍّ، والقوانين التي تحكم حياة البشر في مختلف المجتمعات. قسّم تطور المجتمعات إلى ثلاث مراحلٍ: الدينية والميتافيزيقية والعلمية، فالمجتمعات برأيه بحاجة الحقائق العلمية لتتقدم وليس الخرافات البالية التي تسود المراحل الدينية والميتافيزيقية للتطور الاجتماعي.
علم الاجتماع برأيه يتكون من فرعين أساسيين:
تصور علماء الاجتماع في نهاية المطاف تنمية العلوم الاجتماعية الهادفة لتطوير المجتمع.
هيربرت سبنسر (1920–1903)
شبّه العالم الإنكليزي هيربرت سبنسر المجتمع بالكائن الحي بترابط أجزائه، وهذا الترابط مسؤولية جميع الأجزاء، فأي تغييرٍ يطرأ على إحداها سيؤثر على البقية وإذا ما ضعف أحد الأجزاء فعلى باقي الأجزاء التكيف ومضاعفة الجهود للحفاظ على تماسك المجتمع. الأسرة والتعليم والحكومة والصناعة والدين ليست إلا شيئًا بسيطًا من تكوين هذا المجتمع. وضع سبنسر خطةً مقترحةً لتصحيح المجتمع تقوم على سياسة البقاء للأصلح. تتلخص آرائه بما يلي:
كارل ماركس 1818-1883
ظهر العديد من المعارضين لأفكار سبنسر والذين كان واضحًا جليًا أمامهم الاستغلال الاجتماعي للفقراء من قبل الأغنياء، ومن بينهم كارل ماركس، وهو فيلسوفٌ سياسيٌّ ألمانيٌّ وخبيرٌ في الاقتصاد. اختلف ماركس مع سبنسر حول فكرة الكائن الحي الاجتماعي الصحي، واعتبرها فكرةً زائفةً ويجب استبدالها بالنزاع الطبقي السائد في المجتمعات.
أعرب ماركس عن غضبه من طبقة الرأسمالية (التي وصفها بالبرجوازية) من خلال عدة أفكارٍ طرحها:
يقول سبنسر ليست الطبيعة العشوائية هي من قولبت البرجوازية والبروليتارية في أمكنتهم؛ بل الاقتصاد هو المسؤول عن ذلك، كما إنه يقيّم الأفراد بناءً على قيمهم ومعتقداتهم الدينية، فضلًا عن أنظمة المجتمع السياسية والتعليمية والحكومية. واستبعد فكرة التطور التلقائي للمجتمع وشجّع الناس على التغيير الذاتي للتقدم خطوةً نحو الأمام.
إميل دوركهايم 1858-1917
اتفق ماركس وسبنسر وكومتي على أهمية الدراسات العلمية لإعطاء صورةٍ كاملةٍ عن المجتمع (مع تباين وجهات النظر) على الرغم من عدم اعتمادها فعليًا. الفيلسوف وعالم الاجتماع إميل دوركهايم أيضًا أيّد نفس الفكرة، كما اعتمد الطرق العلمية لعلم الاجتماع كتخصصٍ. احتلت ظاهرة الإنتحار تفكير دوركهايم، فألمَّ بالموضوع من جميع جوانبه وجمع معلوماتٍ كاملةً من خلال احصائيات دقيقة، ولم يعتمد على التوقعات فقط. كما أكد على استخدام الملاحظة المنهجية في الأحداث الاجتماعية، وأوصى بالابتعاد عن المواقف الإنسانية في شرح المجتمع واعتبار الدليل الموضوعي فقط.
ماكس ويبر 1864-1920
عارض عالم الاجتماع الألماني ماكس ويبر فكرة (اعتبار الدليل الموضوعي فقط) عند دوركهايم. وتتلخص سياسته في بعض الأفكار أو التوصيات:
أهمية علم الاجتماع
تتمتع دراسة علم الاجتماع بأهميةٍ كبيرةٍ ولا سيّما في المجتمع المعقد الحديث، وله استخداماتٌ عديدةٌ، منها:
فروع علم الاجتماع
يعتبر علم الاجتماع علمًا شائعًا وواسعًا للغاية، يضم الكثير من التخصصات والفروع. الفروع الرئيسية لعلم الاجتماع هي:
علم اجتماع نظري
يدرس النظريات الاجتماعية السابقة بشكلٍ علميٍّ، مثل نظريات كارل ماركس (كنظريات الحتمية الاقتصادية والصراع الطبقي) وإيميلي دورخيم (كنظرية الرضا) وأوغست سيمت وماكس ويفر وسوركين.
علم الاجتماع التاريخي
يهتم بدراسة وتحليل الأحداث الاجتماعية للمجتمعات السابقة، كنشأتها وتطورها. مثل دراسة سوركين لتاريخ الهندوس والرومان واليونان وغيرها من الحضارات الكبرى.
علم اجتماع المعرفة
يدرس المعارف والأفكار الإنسانية وعلاقتها بالظروف الاجتماعية التي تتأثر فيها وتعتبر أن أفكارنا نتاج بيئتنا، كالظواهر الاقتصادية والدينية والسياسية وغيرها من اهتمامات حفظ المعتقدات الانسانية والفكرية.
علم الإجرام
هذا الفرع متخصصٌ بالسلوكيات المنحرفة للأفراد في المجتمع. ويتضمن كل ما يتعلق بالجريمة من الأسباب للآثار مرورًا بالأنواع والعقوبة والقانون والشرطة.. إلخ. وتوجد منظماتٌ معنيةٌ لعلاج هذه المشكلة والسيطرة عليها.
علم الاجتماع الديني
يدرس هذا الفرع أصل الديانات المتنوعة وأثرها في النظام الاجتماعي، حيث لا يخلو تأثيرها من أي مجتمعٍ. ويتضمن تقييم الأعمال الاجتماعية للبشر ودراسة الدساتير الدينية ودورها في المجتمع. تعمق كل من كومت وإميل دوركهايم وهيربرت سبنسر بالأشكال البدائية للدين.
علم الاجتماع الاقتصادي
يقوم على دراسة الأنشطة الاقتصادية المتنوعة للمجتمع، كالمنتجات التجارية من حيث نسبة الإنتاج وكيفية توزيعها واستهلاكها وتبادلها، من منظورٍ اجتماعيٍّ دون إغفال العوامل الثقافية. مثلًا: لماذا لا يأكل الهندوس البقر.
علم الاجتماع الريفي
يدرس هذا الفرع المجتمعات الريفية المتنوعة بطريقةٍ علميةٍ ويُلم بكل ما يخصها، فمثلًا يُبين أن سكان الريف أكثر من سكان المدن، كما وتختلف المعيشة بين الريف والمدينة (من ناحية العادات والقيم والأفكار والمعرفة والسلوكيات) بالإضافة للمؤسسات الاجتماعية والهيكل الاجتماعي والعمليات الاجتماعية وغيرها.
علم الاجتماع الحضري
يدرس نظام حياة المدن، ويقدم صورةً كاملةً عن كل الظواهر الاجتماعية فيها كالمؤسسات والمنظمات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، كما يدرس المشاكل الاجتماعية كالجرائم والسرقة والبطالة والدعارة والفساد والتلوث وغيرها من مشاكل المجتمع.
علم الاجتماع السياسي
أي دراسة مواقف سياسية متنوعة ضمن المجتمع، وتتضمن الإيديولوجيا السياسية للمجتمع أصلها وتقدمها ووظائفها. وتعتبر الأحزاب السياسية مؤسسات اجتماعية ويتم دراسة أنشطتها باعتبارها جزءًا من النظام الاجتماعي.
علم الاجتماع الديموغرافي
وهو بمثابة دراسة إحصائيةٍ لعدد السكان وتنوعهم وتوزيعهم والكثافة السكانية، يتعمق بالتقسيمات السكانية مع تقييم التغيرات السكانية من منظورٍ اجتماعيٍّ، بالإضافة لعوامل التغيير السكاني واتجاهه.
علم اجتماع القانون
يعتبر القانون مؤسسةً اجتماعيةً، فهو أحد الأدوات الرقابية على المجتمع. كما يرتبط بأنظمةٍ اجتماعيةٍ فرعيةٍ مثل الاقتصاد والسلطة والعلاقات الأسرية وغيرها، لذلك يعتبر أداةً تنظيميةً لأخلاق المجتمع.
علم الاجتماع الصناعي
يهتم هذا الفرع بالمجال الصناعي للمجتمع، فيركز على المؤسسات الصناعية وعلاقتها مع باقي المؤسسات المجتمعية، وعلاقتها مع الأنشطة البشرية المتنوعة مثل المعرفة والدين والعادات والمعتقدات وشكل الحياة.
علم الاجتماع التربوي
أحد فروع علم الاجتماع والذي يدرس التفاعل بين هيكلية العملية التعليمية والعوامل الاجتماعية، بين المجتمعات وداخلها، ويُعنى بدراسة الأهداف التعليمية والوسائل والمؤسسات والإدارة والمناهج المتعلقة بالقوى الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الذي تتواجد فيه.
فيركز علم الاجتماع التربوي على أساليب تنمية الشخصية الناتج عن تأثير الحياة والعلاقات الاجتماعية، مُؤكّدًا على ما تحمله الظاهرة التعليمية بمؤسسّاتها من جوانب اجتماعية، ومنه فإنّ المشاكل المواجهة خلال دراسة علم الاجتماع التربوي تعود إلى علم الاجتماع دون العملية التربوية.
وبناءً على مكونات النظام التعليمي من أعمال اجتماعية يمكن توضيح علم الاجتماع على أساس التحليل العلمي للعمليات والأنماط الاجتماعية الموجودة ضمن النظام التعليمي، وبما أنّ العملية التربوية تأخذ الطابعين الرسمي وغير الرسمي فيتمّ دراسة العلاقات الاجتماعية والتفاعلات البشرية خلال الطابعين، وبالطريقة التي تساعد في تطوير التعميمات العلمية لجميع العلاقات البشرية المتواجدة في النظام التعليمي بجميع أنواعه.
ومنه يمكن التعبير عن علم الاجتماع التربوي على أنّه التفاعل المتبادل بين الاجتهادات الفردية وتأثير المؤسسات العامة وما يحمله هذا التفاعل من تأثير ونتائج مباشرةً على العملية التعليمية.
وللتمثيل العملي لعلم الاجتماع التربوي، فهو العلم الذي يدرس تأثير العلاقات المتبادلة بين الطلاب وأنشطتهم ومع المعلمين ضمن صفّهم الدراسي.
علم الاجتماع الطبي
هو العلم الذي يُعنى بدراسة الأسباب والنتائج الاجتماعية للأمراض وكلّ ما هو مؤثّرٌ على الصحة، فيهتم بما يبدر عن المرضى من سلوكياتٍ تميّزهم بالإضافة للكادر الطبي الذي يتعامل مع كلّ ماله علاقةٌ بالصحة، والواجبات المترتب أداؤها من قبل المؤسسات الصحية من مستشفيات ومستوصفات وعيادات وغيرها، وعلاقة هذه المؤسسات مع غيرها من المؤسسات الاجتماعية، وواجب وسياسة المؤسسات الاجتماعية تجاه الصحية منها، فنحن لا يمكننا أن نتجاهل علاقة العوامل الاجتماعية وتأثيرها على الصحة الفردية ومنه على صحة المجتمع عمومًا، وهو ما يجعل علم الاجتماع الطبي مُهمًّا، فتهيأ بعض الظروف الاجتماعية إلى الإصابة بالمرض أو تؤثّر على الصحة، وبالمقابل يعزز البعض الآخر من العوامل الوقائية ويحمي الصحة العامة، فكان الهدف الرئيسي لعلم الاجتماع الطبي هو إيجاد حلولٍ ذات صلةٍ بالطب السريري.
مبادئ علم الاجتماع
يوجه علماء الاجتماع دراستهم وفقًا لمجموعةٍ من المبادئ:
نظريات علم الاجتماع
قبل الخوض في أهمّ النظريات الحديثة والقديمة لا بدّ من توضيح عدّة مفاهيم، وأوّلها مفهوم المنظور أو الرؤية؛ وهو الطريقة التي تنظر بها إلى العالم، أمّا النظرية فهي الوسيلة لتفسير بعض الظواهر أو الأسئلة التي قد تواجهنا، وهي عبارةٌ عن مجموعةٍ المقترحات أو المبادئ المترابطة لتوضيح تساؤلٍ معيّنٍ؛ وبالتالي فالنظرية تزوّدنا بالمنظور.
وفيما يتعلق بنظريات علم الاجتماع فتعود أهمّيتها لمساهمتها في فهم العلاقات والسلوك الاجتماعي والتنبؤ بأهمّ القضايا والمسائل الاجتماعية، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث رؤياتٍ نظريّةٍ وهي:
المنظورالوظيفي
من هذا المنظور يُقسم المجتمع إلى وحداتٍ وظيفيّةٍ مترابطةٍ أو مجموعة أجزاءٍ تعمل معًا لتلبية احتياجات المجتمع، وتحقق التوازن له، ومن أهمّ الأمثلة على ذلك هو مجموعة المؤسسات الاجتماعية التي يتألّف منها المجتمع وتعمل سويةً، وتبدأ من الأسرة التي توفر البيئة الملائمة للتكاثر والتنمية المجتمعية للأطفال، أمّا المدرسة فهي نقل خلاصة تجارب وخبرات ومعارف المجتمع إلى أجيال الشباب ضمن عملية التعليم، وفيما يتعلق بإدارة وتوجيه أفراد المجتمع فهذا ما توفّره لنا السياسة، وبالاقتصاد يمكن تزويد المجتمع بأعضائه باحتياجاتهم من المواد والسلع والخدمات، وللدعوة نحو السلوكيات المجتمعية الصحيحة يعمل الدين على توفير الأخلاق و يوجّه لعبادة قوى روحانية عظمى. تعمل جميع هذه الأجزاء بشكلٍ مترابطٍ وبتأثيرٍ متبادلٍ فيما بينها وفق المنظور الوظيفي.
وهنا لا بدّ من التمييز بين مصطلحي الوظيفة والخلل الوظيفي لدى الحديث عن تأثير بعض العناصر الاجتماعية على المجتمع، والمعيار الأساسي لتوضح مساهمة كلّ عنصرٍ هو مدى الاستقرار الاجتماعي الناتج عنه، كما قد يمتلك العنصر الجانبين معًا كما في الجريمة؛ فهي عنصرٌ مخلٌّ وظيفيًّا لما ينتج عنه من عنفٍ جسديٍّ أو عدم استقرار، ومن وجهة نظرٍ أخرى فللجريمة جوانب وظيفية لما توفّره من رفعٍ لمستوى الوعي بالروابط الأخلاقية المشتركة وزيادة التماسك الاجتماعي.
وتُقسم الوظائف إلى نوعين: وظائف ظاهرة وأخرى كامنة، فعلى سبيل المثال للتعليم المدرسي والجامعي وظيفةً ظاهرةً واضحةً وهي نقل المعارف، ولكن في الوقت ذاته توفّر المدارس جليسًا لأطفال الآباء العاملين، وتُشكّل الجامعات بيئةً ملائمةً للشباب لإيجاد شركاء للحياة، وهذه وظائف كامنةٌ للتعليم تختلف عن الوظيفة الأساسية للتعليم.
منظور الصراع
تعود نشأة هذه النظرية لكارل ماركس عندما سلّط الضوء على الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة البروليتارية والطبقة البورجوازية الحاكمة في المجتمعات، فالمجتمع في حالة منافسةٍ دائمةٍ بين طبقة الأغنياء ممّن يملكون الموارد وطبقة الفقراء الذي يصارعون للحصول على هذه الموارد أو بعضٍ منها، فعلى عكس النظرية الوظيفية التي تسلّط الضوء على الجانب الإيجابيّ في المجتمع وهو التوافق بين جميع أعضاء المجتمع فإنّ نظرية الصراع تُسلّط الضوء على الجانب السلبيّ للمجتمع وهو الجانب التنافسيّ وضرورة وجود سلطةٍ مُهيمنةٍ للحفاظ على المجتمع، والتي تُعدّ وفقًا لماركس (KarlMarx) المُسببّ الرئيسي في بعض التطورات المجتمعية مثل الديمقراطية والحقوق المدنية.
فتقوم نظرية الصراع على عدّة مفاهيمٍ أساسيّةٍ وهي:
المنافسة_ الثورة_ عدم المساواة الهيكلية_ الحرب
من الأمثلة على نظرية الصراع هو الأزمة الاقتصادية التي ظهرت عام 2008م نتيجة عدم الاستقرار وعدم المساواة في الاقتصاد العالمي.
المنظور التفاعلي الرمزي
يعتقد مؤيدو هذه النظرية بأنّ المجتمع ينشأ من تفاعل الناس مع بعضهم عبر الرموز، والرموز هي كلّ ما يحمل معنى متجاوزًا نفسه، على سبيل المثال المفاتيح الموسيقية ليست فقط عبارة عن خطوطٍ ونقطٍ سوداء بل هي إشاراتٌ وتعليماتٌ تعطي الموسيقى مضمونها ومعناها، وكذلك المحادثات بين الأفراد هي تفاعلٌ بين شخصٍ ناطقٍ بالكلمات التي تحمل معنى رمزيًّا والأمل بتلبية الكلمات للغرض المطلوب منها لدى المتلقّي، ومنه فإنّ لتصرفات الأفراد وتفاعلهم مع بعضهم دلالاتٍ ومعاني رمزيةٍ وهذا ما أكّده ماكس ويبر (Max Weber) والأمريكي جورج ميد (George H.Mead)
من الأمثلة على ذلك مراسيم الزواج التي تتضمّن فستان الزفاف والزينة والورود والكعكة والموسيقى وخاتمي الزواج وغيرها من المراسيم التي يختلف الناس في تفسيرهم لها فيما بينهم، فبينما يرى البعض في الخواتم الباهظة الثمن رمزًا للحبّ والتزام فإنّ البعض الآخر يرى فيها ترفًا ماديّا ونفقاتٍ إضافيةٍ لا داعي لها، ومن هنا يمكن الملاحظة في أنّ الاختلاف في تفسير الرموز قد يؤدي إلى اتصالات خاطئة.
من الانتقادات الموجهة لهذه النظرية:
أشهر كتب علم الاجتماع
نُشرٍت العديد من الكتب التي بحثت في مختلف نواحي علم الاجتماع وأهمّ مدارسه على مدى القرون الماضية وحتى يومنا هذا، ومن أهمّها ما يلي:
مقدمة ابن خلدون
للمؤرخ العربيّ ابن خلدون في عام 1377م، والذي وضعه في مرتبة المؤسّسين الأوائل لعلم الاجتماع، تناول فيه التاريخ العالمي من وجهة النظر الاجتماعية، وتحدث عن التاريخ الثقافي، مناقشًا فكرة اللاهوت الإسلامي، وتأريخ وفلسفة التاريخ، وموضحًا النظريات السياسية والبيئية، يعدّ الكتاب أحد المجلّدات السبعة لكتاب (العبر والمبتدأ والخبر) لابن خلدون.
الخيالات الاجتماعية (The Sociological Imagination)
للأمريكي سي. رايت ميلز (C. Wright Mills)، اصطدم فيه مع مدارس علم الاجتماع الصاعدة في الولايات المتحدة، وأهمّ ما يميز كتاب الخيالات الاجتماعية هو رؤية ميلز لأهمية الروابط بين الأبعاد الاجتماعية والتاريخية والإنسانية ولدور العلاقة التي تجمع بين المشاكل الفردية والقضايا المجتمعية الكبرى في بناء المجتمع.
الاقتصاد العجيب (Freakonomics)
يبدأ الكتاب بعدّة تساؤلاتٍ غير مطروقةٍ؛ كعلاقة تاجر المخدرات بوالدته، أو عن التقاطعات بين البندقية وحوض السباحة، والدور الذي يلعبه الآباء في حياة أبنائهم، أو تأثير اسمك عليك، كل هذا وغيره من الأسئلة التي طرحها كل من ستيف ج. دوبنر (Stephen J. Dubner) و ستيف د. ليفيت (Steven D. Levitt) والتي قد تقلّب أفكارك ومعتقداتك وتغير نظرتك للمسلّمات، مُسلّطين الضوء على منظورٍ جديدٍ وهو علم النفس الفكريّ، فمن وجهة نظرهم فإنّ الحوافز أو الدوافع هي الأساس في الاقتصاد، وبذلك فإنّ الكتاب هو توضيحٌ للجوانب الخفيّة والدوافع وراء كلّ شيءٍ.
النباهة والاستحمار
للمفكّر الإيرانيّ علي شريعتي المثير للجدل بأفكاره والتي كانت سببًا في اغتياله، يسلّط الكاتب الضوء على الحريّة المسؤولة التي يملكها الإنسان في الاختيار والتي تمنحه أهمّيته وقيمته، وحاول تحفيز العقل البشري لمواجهة أيّة قوةٍ مُتسلّطةٍ بتقوية إحساس النباهة لمواجهة كلّ ما يقلّل من قيمة العقل ويستغبيه (الاستحمار).
— “عندما يشب حريق في بيت، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن. فكيف لو كانت دعوته إلى عمل آخر أقل شأنًا ؟ فالاهتمام بغير إطفاء الحريق، والانصراف عنه إلى عمل آخر، ماهو إلا استحمار، وإن كان عملًا مقدسًا أو غير مقدس …”
معذبو الأرض (The Wretched of the Earth)
للطبيب الفرنسي فارنز فانن (Frantz Fanon) الذي التحق بالثورة الفرنسية ضدّ الاستعمار الفرنسيّ بعد أن قدّ م في كتابه هذا تحاليل لنفسية المستعمرين، مُسلّطاً الضوء على ما يشتعل في الشعوب من غضب وثوران ضدّ المحتلين، وما يخلفه هذا الغضب من نتائج وتغييراتٍ جذريةٍ وتطوريّةٍ في المجتمعات، فانعكست رؤية وتحليل فانون على أرض الواقع بشكل عنفٍ وفسادٍ في أفريقيا بشكلٍ عامٍّ.
بالإضافة لقائمةٍ تطول من الكتب المهتمة بعلم الاجتماع مثل:
الفرق بين علم الاجتماع وعلم النفس
لطالما ارتبط علم النفس بعلم الاجتماع، وتمّ الخلط بينهما، وعلى الرّغم من تشاركهم لبعض النقاط إلّا أنّه يمكن اعتبار أحدهما جزء من الأخر، فكلاهما يهدف إلى تحسين حياة الأفراد والمجتمع، من خلال البحث في السلوك البشري وما يؤثّر به، فلابد لأحدهما الآخر من التواجد لفهم الآخر بشكلٍ كاملٍ.
جوهر الاختلاف بينهما هو فيما يتركّز عمل كل منهما، فبينما يعمل علم النفس على الفرد الواحد مُستهدفًا دراسة عقله البشري، يعمل علم الاجتماع بشكلٍ أكثر شمولًا ليتوجه نحو الظواهر الاجتماعية، والتفاعلات والعلاقات بين الأفراد ضمن المجموعات والمؤسسات الاجتماعية.
علم النفس علمٌ تجريبيٌّ، وفقًا لما ورد عن Thouless الذي حدده ب “هو العلم الإيجابيّ للتجربة والسلوك البشري”، أمّا علم الاجتماع فيعمل على الرصد والتحليل للسلوك البشري ضمن ما يتعرّض له من مواقف، وللمشاعر وعملية الإدراك واكتساب المعارف والمهارات وبالتالي يحلّل عملية تكوين الشخصية ضمن المجتمع المحيط، فيرتبط كلا العلمين ارتباطًا قويًّا مُقدّمين التمهيد والمعاونة لبعضها البعض، كما يلي:
يعتمد كلا العلمين على بعضهما البعض، فلكي تفهم أحدهما لا بدّ لك من الاضطلاع على الآخر، وكثيرًا ما اعتمد علماء النفس على علم الاجتماع وبالمقابل كان لفرويد (Freud) وماكدوجال (MacDougal)إضافاتٍ مهمّةٍ _من أهمّ علماء النفس_ في علم الاجتماع، فوفقًا لنظرياتهم يعزون الحياة الاجتماعية بعلاقاتها وظواهرها إلى القوى النفسية للأفراد، وبذلك فإنّ علم الاجتماع بحاجةٍ مستمّرةٍ لعلم النفس لحلّ المشكلات وتحليل الظواهر الاجتماعية، ممّا أدى لتطوير فرعٍ علميٍّ جديدٍ من علم النفس وهو علم النفس الاجتماعي والذي عرّفه كل من كريتش (Kretch) وكراتشفيلد (Crutchfield) على أنّه علم سلوك الأفراد في المجتمع.
بالمقابل فلا يستطيع علم النفس تحليل سلوك وعقلية الفرد دون العودة لعلم الاجتماع، لأنّ كلّ فردٍ منّا خاضعٌ لتأثير مجتمعه بعاداته وتقاليده وقيمه، فهناك الكثير من المشاكل النفسية التي تعود لأسبابٍ اجتماعيةٍ وبالتالي يحتاج علم النفس لمساعدة علم الاجتماع، بالإضافة لما قدمه علماء الاجتماع من نظرياتٍ مساعدةٍ ومهمةٍ لعلماء النفس، بذلك يمكن الخلاص في القول إلى أنّ كلّ فردٍ منّا بحاجةٍ للآخرين لفهم نفسه، فتقاطع العلمان في كثيرٍ من الجوانب والمجالات المشتركة بينهما التي يتشارك العلماء من كليهما في الدراسة كالرأي العام والفوضى الاجتماعية.
وعلى الرّغم من ارتباط احدهما بالآخر إلّا أنّه يوجد مجموعة من الفروقات والاختلافات بين علمي الاجتماع والنفس يمكن تلخيصها فيما يلي:
مجالات علم الاجتماع
غالبًا ما يحدث اللغط بين علم الاجتماع والمجالات التخصصّية الأخرى من السياسة والعمل الصحفي في المجلّات والكُتّاب والأخصائيين الاجتماعيين، ولكن علم الاجتماع الذي وُضَّح سابقًا يهتمّ بالحياة الجماعية البشرية بكافّة جوانبها، فيدرس عالم الاجتماع عادات وتقاليد المجتمع المتوارثة والناشئة، والقيم والمبادئ التي يحملها، والطريقة التي تتفاعل بها المجموعات البشرية وفقًا لهذه العادات وما ينتج عنها من عملياتٍ تطوريّةٍ، ومنه يمكن تقسيم أهمّ المجالات المتخصصة لعلم الاجتماع إلى ما يلي:
علم الاجتماع هو الدراسة العلمية للعلاقات الإنسانية الاجتماعية، وهو علمٌ شاملٌ يتضمن كل ما يتعلق بالبشر كالقانون والدين والأسرة والأمراض الاجتماعية والطبقات الاجتماعية والأفكار الثقافية. يتعمق ويبحث في الظواهر البشرية ويفسر سبب حدوثها.
كما يعتبر علمًا ديناميكيًا يتناول المجتمعات البشرية وأنشطتها التفاعلية التي تحافظ عليها وعلى تقدمها، ويبحث بالطرق المنظمة للمجتمع باتباع أُسس المنهج العلمي.
مؤسسو علم الاجتماع
يضم علم الاجتماع عددًا لا يحصى من الأفراد الذين ساهموا في تطوره، إلا أن بعضًا منهم يستحقون إشارةً خاصةً، مثل:
أوغست كومت (1857_1798)
وهو فرنسي الأصل، يطلق عليه أبو علم الاجتماع؛ لأنه أطلق مصطلح علم الاجتماع في عام 1838 إشارةً لدراسة المجتمع بشكلٍ علميٍّ، والقوانين التي تحكم حياة البشر في مختلف المجتمعات. قسّم تطور المجتمعات إلى ثلاث مراحلٍ: الدينية والميتافيزيقية والعلمية، فالمجتمعات برأيه بحاجة الحقائق العلمية لتتقدم وليس الخرافات البالية التي تسود المراحل الدينية والميتافيزيقية للتطور الاجتماعي.
علم الاجتماع برأيه يتكون من فرعين أساسيين:
- الديناميت: دراسة الأنشطة التي تُغيّر المجتمعات.
- الإحصائيات: دراسة الأعباء التي تتحملها المجتمعات.
تصور علماء الاجتماع في نهاية المطاف تنمية العلوم الاجتماعية الهادفة لتطوير المجتمع.
هيربرت سبنسر (1920–1903)
شبّه العالم الإنكليزي هيربرت سبنسر المجتمع بالكائن الحي بترابط أجزائه، وهذا الترابط مسؤولية جميع الأجزاء، فأي تغييرٍ يطرأ على إحداها سيؤثر على البقية وإذا ما ضعف أحد الأجزاء فعلى باقي الأجزاء التكيف ومضاعفة الجهود للحفاظ على تماسك المجتمع. الأسرة والتعليم والحكومة والصناعة والدين ليست إلا شيئًا بسيطًا من تكوين هذا المجتمع. وضع سبنسر خطةً مقترحةً لتصحيح المجتمع تقوم على سياسة البقاء للأصلح. تتلخص آرائه بما يلي:
- طبيعة الكائنات الحية تميل للاستقرار والتوازن.
- يتجاوز المجتمع مشكلاته عندما تبتعد الحكومة، فالتدخل الحكومي في النظام الطبيعي للمجتمع من شأنه أن يُخرّب جهوده وبالتالي يضعفه.
- يستمتع الأغنياء بوضعهم القوي الذي اختارته لهم الطبيعة، بينما يعاني الفقراء من توزيع الأدوار بهذا الشكل. لذلك يجب على الفقراء أن يعيدوا توزيع الأدوار وتخصيص لأنفسهم المزيد من القوة.
كارل ماركس 1818-1883
ظهر العديد من المعارضين لأفكار سبنسر والذين كان واضحًا جليًا أمامهم الاستغلال الاجتماعي للفقراء من قبل الأغنياء، ومن بينهم كارل ماركس، وهو فيلسوفٌ سياسيٌّ ألمانيٌّ وخبيرٌ في الاقتصاد. اختلف ماركس مع سبنسر حول فكرة الكائن الحي الاجتماعي الصحي، واعتبرها فكرةً زائفةً ويجب استبدالها بالنزاع الطبقي السائد في المجتمعات.
أعرب ماركس عن غضبه من طبقة الرأسمالية (التي وصفها بالبرجوازية) من خلال عدة أفكارٍ طرحها:
- بيد البرجوازيين كل القوى المادية التي تجعلهم يتحكمون في تلك الطبقة الفقيرة المُسماة بالبروليتارية.
- الصراع الطبقي من شأنه أن يولّد مجتمعًا خاليًّا من العنصرية، مكانة كل فردٍ تعود لإمكاناته فيعمل ويكسب حسب قدراته؛ لذا لا بد أن يثور العمال للإطاحة بالرأسماليين.
يقول سبنسر ليست الطبيعة العشوائية هي من قولبت البرجوازية والبروليتارية في أمكنتهم؛ بل الاقتصاد هو المسؤول عن ذلك، كما إنه يقيّم الأفراد بناءً على قيمهم ومعتقداتهم الدينية، فضلًا عن أنظمة المجتمع السياسية والتعليمية والحكومية. واستبعد فكرة التطور التلقائي للمجتمع وشجّع الناس على التغيير الذاتي للتقدم خطوةً نحو الأمام.
إميل دوركهايم 1858-1917
اتفق ماركس وسبنسر وكومتي على أهمية الدراسات العلمية لإعطاء صورةٍ كاملةٍ عن المجتمع (مع تباين وجهات النظر) على الرغم من عدم اعتمادها فعليًا. الفيلسوف وعالم الاجتماع إميل دوركهايم أيضًا أيّد نفس الفكرة، كما اعتمد الطرق العلمية لعلم الاجتماع كتخصصٍ. احتلت ظاهرة الإنتحار تفكير دوركهايم، فألمَّ بالموضوع من جميع جوانبه وجمع معلوماتٍ كاملةً من خلال احصائيات دقيقة، ولم يعتمد على التوقعات فقط. كما أكد على استخدام الملاحظة المنهجية في الأحداث الاجتماعية، وأوصى بالابتعاد عن المواقف الإنسانية في شرح المجتمع واعتبار الدليل الموضوعي فقط.
ماكس ويبر 1864-1920
عارض عالم الاجتماع الألماني ماكس ويبر فكرة (اعتبار الدليل الموضوعي فقط) عند دوركهايم. وتتلخص سياسته في بعض الأفكار أو التوصيات:
- عند دراسة العلماء للحوادث الاجتماعية، يجب عدم الاكتفاء بالحدث نفسه بل البحث بالعوامل المسببة له من منظورٍ بشريٍّ.
- كما يجب البحث في عواطف الناس فيما يتعلق بسلوكياتهم، فالسلوكيات البشرية مرتبطةٌ بتفسير الأفراد لها.
- يجب اتباع طريقة Verstehen القائمة على وضع أنفسهم في حذاء الشخص الآخر وبالتالي الحصول على تفسيرٍ لهذه السلوكيات.
أهمية علم الاجتماع
تتمتع دراسة علم الاجتماع بأهميةٍ كبيرةٍ ولا سيّما في المجتمع المعقد الحديث، وله استخداماتٌ عديدةٌ، منها:
- يدرس المجتمع بكل تفاصيله بشكلٍ علميٍّ ودقيقٍ، مما يساعد على التطور وتنمية شاملة للمجتمع.
- يتسلل إلى داخل الطبيعة الاجتماعية للإنسان، ويُعلل سبب كون الإنسان حيوان اجتماعي وسبب حياته ضمن الجماعة، كما يُبين تأثير المجتمع على الإنسان.
- يزيد الأنشطة الجماعية ضمن المجتمع من خلال تنمية معرفتنا بالمجتمع والجماعات والمؤسسات الاجتماعية ووظائفها.
- يُطلعنا على حيوات المجتمعات الأخرى في كافة المجالات، لكن يتوجب علينا فهم دوافعهم وظروف حياتهم وهذا ما نستمده من علم الاجتماع.
- ساعدنا بالفهم العميق والعقلاني لذواتنا، معتقداتنا، أفكارنا، وقيمنا…إلخ. فقد غيّر وطوّر طريقة تفكيرنا وجعل حياتنا أكثر كمالًا وفائدةً.
- دراسة المنظومات الاجتماعية العظيمة (الأسرة، المدرسة والتعليم، الدولة والحكومة، الصناعة والعمل، الدين والأخلاق، الزواج والأسرة، القانون والتشريع، الملكية والحكومة.. إلخ) وعلاقة الأفراد بكلٍ منها.
- لعلم الاجتماع أهمية كبيرة في أنشطة الحياة الاجتماعية. كما يتمتع بكفاءةٍ عاليةٍ ليمتد ما بعد القاعات الأكاديمية والتدريس المدرسي والجامعية، ويوفر العديد من فرص العمل ذات المستوى الدولي.
- تأتي الحاجة الأكثر لعلم الاجتماع في المجتمعات المتخلفة، وقد أرشد علماء الاجتماع الاقتصاديين لضرورة علم الاجتماع في تقييم الأوضاع الاقتصادية للمجتمعات.
- تأتي أهمية علم الاجتماع في علاج الأمراض الاجتماعية الكبيرة (التسول، البطالة، الفقر، الجرائم، الإدمان…إلخ) من خلال تقديم تفسيرات تفصيلية تساعد في تجاوزها.
- يعتبر علم الاجتماع أداةً تنظيميةً وتنمويةً للمجتمع، حيث إنه يساعد على فهم وتخطيط المجتمع وإعادة بنائه.
- توجيه الحكومات إلى كيفية ترفيه الشعب وتأمين كافة مستلزماته، كالرعاية الاجتماعية المتنوعة. وتسعى الحكومات جاهدةً الآن لرفع المجتمع القبلي لمستوى الحضر.
- عظّم علم الاجتماع قيمة الإنسان، ودعا الناس للتساهل والطيب فيما بينهم؛ فقرّب الناس من بعضهم فكريًا واجتماعيًا.
- له أهميةٌ علميةٌ كبيرةٌ، حيث يبقينا على اطلاعٍ بالتطورات الاجتماعية من حولنا وبالتالي متابعة واجباتنا وتوقعاتنا المتغيرة.
فروع علم الاجتماع
يعتبر علم الاجتماع علمًا شائعًا وواسعًا للغاية، يضم الكثير من التخصصات والفروع. الفروع الرئيسية لعلم الاجتماع هي:
علم اجتماع نظري
يدرس النظريات الاجتماعية السابقة بشكلٍ علميٍّ، مثل نظريات كارل ماركس (كنظريات الحتمية الاقتصادية والصراع الطبقي) وإيميلي دورخيم (كنظرية الرضا) وأوغست سيمت وماكس ويفر وسوركين.
علم الاجتماع التاريخي
يهتم بدراسة وتحليل الأحداث الاجتماعية للمجتمعات السابقة، كنشأتها وتطورها. مثل دراسة سوركين لتاريخ الهندوس والرومان واليونان وغيرها من الحضارات الكبرى.
علم اجتماع المعرفة
يدرس المعارف والأفكار الإنسانية وعلاقتها بالظروف الاجتماعية التي تتأثر فيها وتعتبر أن أفكارنا نتاج بيئتنا، كالظواهر الاقتصادية والدينية والسياسية وغيرها من اهتمامات حفظ المعتقدات الانسانية والفكرية.
علم الإجرام
هذا الفرع متخصصٌ بالسلوكيات المنحرفة للأفراد في المجتمع. ويتضمن كل ما يتعلق بالجريمة من الأسباب للآثار مرورًا بالأنواع والعقوبة والقانون والشرطة.. إلخ. وتوجد منظماتٌ معنيةٌ لعلاج هذه المشكلة والسيطرة عليها.
علم الاجتماع الديني
يدرس هذا الفرع أصل الديانات المتنوعة وأثرها في النظام الاجتماعي، حيث لا يخلو تأثيرها من أي مجتمعٍ. ويتضمن تقييم الأعمال الاجتماعية للبشر ودراسة الدساتير الدينية ودورها في المجتمع. تعمق كل من كومت وإميل دوركهايم وهيربرت سبنسر بالأشكال البدائية للدين.
علم الاجتماع الاقتصادي
يقوم على دراسة الأنشطة الاقتصادية المتنوعة للمجتمع، كالمنتجات التجارية من حيث نسبة الإنتاج وكيفية توزيعها واستهلاكها وتبادلها، من منظورٍ اجتماعيٍّ دون إغفال العوامل الثقافية. مثلًا: لماذا لا يأكل الهندوس البقر.
علم الاجتماع الريفي
يدرس هذا الفرع المجتمعات الريفية المتنوعة بطريقةٍ علميةٍ ويُلم بكل ما يخصها، فمثلًا يُبين أن سكان الريف أكثر من سكان المدن، كما وتختلف المعيشة بين الريف والمدينة (من ناحية العادات والقيم والأفكار والمعرفة والسلوكيات) بالإضافة للمؤسسات الاجتماعية والهيكل الاجتماعي والعمليات الاجتماعية وغيرها.
علم الاجتماع الحضري
يدرس نظام حياة المدن، ويقدم صورةً كاملةً عن كل الظواهر الاجتماعية فيها كالمؤسسات والمنظمات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، كما يدرس المشاكل الاجتماعية كالجرائم والسرقة والبطالة والدعارة والفساد والتلوث وغيرها من مشاكل المجتمع.
علم الاجتماع السياسي
أي دراسة مواقف سياسية متنوعة ضمن المجتمع، وتتضمن الإيديولوجيا السياسية للمجتمع أصلها وتقدمها ووظائفها. وتعتبر الأحزاب السياسية مؤسسات اجتماعية ويتم دراسة أنشطتها باعتبارها جزءًا من النظام الاجتماعي.
علم الاجتماع الديموغرافي
وهو بمثابة دراسة إحصائيةٍ لعدد السكان وتنوعهم وتوزيعهم والكثافة السكانية، يتعمق بالتقسيمات السكانية مع تقييم التغيرات السكانية من منظورٍ اجتماعيٍّ، بالإضافة لعوامل التغيير السكاني واتجاهه.
علم اجتماع القانون
يعتبر القانون مؤسسةً اجتماعيةً، فهو أحد الأدوات الرقابية على المجتمع. كما يرتبط بأنظمةٍ اجتماعيةٍ فرعيةٍ مثل الاقتصاد والسلطة والعلاقات الأسرية وغيرها، لذلك يعتبر أداةً تنظيميةً لأخلاق المجتمع.
علم الاجتماع الصناعي
يهتم هذا الفرع بالمجال الصناعي للمجتمع، فيركز على المؤسسات الصناعية وعلاقتها مع باقي المؤسسات المجتمعية، وعلاقتها مع الأنشطة البشرية المتنوعة مثل المعرفة والدين والعادات والمعتقدات وشكل الحياة.
علم الاجتماع التربوي
أحد فروع علم الاجتماع والذي يدرس التفاعل بين هيكلية العملية التعليمية والعوامل الاجتماعية، بين المجتمعات وداخلها، ويُعنى بدراسة الأهداف التعليمية والوسائل والمؤسسات والإدارة والمناهج المتعلقة بالقوى الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الذي تتواجد فيه.
فيركز علم الاجتماع التربوي على أساليب تنمية الشخصية الناتج عن تأثير الحياة والعلاقات الاجتماعية، مُؤكّدًا على ما تحمله الظاهرة التعليمية بمؤسسّاتها من جوانب اجتماعية، ومنه فإنّ المشاكل المواجهة خلال دراسة علم الاجتماع التربوي تعود إلى علم الاجتماع دون العملية التربوية.
وبناءً على مكونات النظام التعليمي من أعمال اجتماعية يمكن توضيح علم الاجتماع على أساس التحليل العلمي للعمليات والأنماط الاجتماعية الموجودة ضمن النظام التعليمي، وبما أنّ العملية التربوية تأخذ الطابعين الرسمي وغير الرسمي فيتمّ دراسة العلاقات الاجتماعية والتفاعلات البشرية خلال الطابعين، وبالطريقة التي تساعد في تطوير التعميمات العلمية لجميع العلاقات البشرية المتواجدة في النظام التعليمي بجميع أنواعه.
ومنه يمكن التعبير عن علم الاجتماع التربوي على أنّه التفاعل المتبادل بين الاجتهادات الفردية وتأثير المؤسسات العامة وما يحمله هذا التفاعل من تأثير ونتائج مباشرةً على العملية التعليمية.
وللتمثيل العملي لعلم الاجتماع التربوي، فهو العلم الذي يدرس تأثير العلاقات المتبادلة بين الطلاب وأنشطتهم ومع المعلمين ضمن صفّهم الدراسي.
علم الاجتماع الطبي
هو العلم الذي يُعنى بدراسة الأسباب والنتائج الاجتماعية للأمراض وكلّ ما هو مؤثّرٌ على الصحة، فيهتم بما يبدر عن المرضى من سلوكياتٍ تميّزهم بالإضافة للكادر الطبي الذي يتعامل مع كلّ ماله علاقةٌ بالصحة، والواجبات المترتب أداؤها من قبل المؤسسات الصحية من مستشفيات ومستوصفات وعيادات وغيرها، وعلاقة هذه المؤسسات مع غيرها من المؤسسات الاجتماعية، وواجب وسياسة المؤسسات الاجتماعية تجاه الصحية منها، فنحن لا يمكننا أن نتجاهل علاقة العوامل الاجتماعية وتأثيرها على الصحة الفردية ومنه على صحة المجتمع عمومًا، وهو ما يجعل علم الاجتماع الطبي مُهمًّا، فتهيأ بعض الظروف الاجتماعية إلى الإصابة بالمرض أو تؤثّر على الصحة، وبالمقابل يعزز البعض الآخر من العوامل الوقائية ويحمي الصحة العامة، فكان الهدف الرئيسي لعلم الاجتماع الطبي هو إيجاد حلولٍ ذات صلةٍ بالطب السريري.
مبادئ علم الاجتماع
يوجه علماء الاجتماع دراستهم وفقًا لمجموعةٍ من المبادئ:
- تقوم المجتمعات على المشاركات الجماعية.
- تجسد معاملتنا وتقديرنا لبعض ضمن الجماعة.
- توحيد الأفراد ضمن مجموعات متميزة تخضع لقوانينٍ ثابتةٍ، كالأسرة والحكومة والدين والتعليم.
- السلوكيات البشرية تُظهر علاقاتٍ اجتماعيةً غير متكافئةٍ.
- خضوعنا للتغيير هو شرطٌ أساسيٌّ للتطور والبقاء.
- علينا تبرير وتوضيح أعمالنا الاجتماعية.
- يجب توثيق معتقداتنا حول السلوك الاجتماعي.
- نستطيع توظيف اعمالنا العملية في سبيل تطوير الحالة الاجتماعية للإنسان.
نظريات علم الاجتماع
قبل الخوض في أهمّ النظريات الحديثة والقديمة لا بدّ من توضيح عدّة مفاهيم، وأوّلها مفهوم المنظور أو الرؤية؛ وهو الطريقة التي تنظر بها إلى العالم، أمّا النظرية فهي الوسيلة لتفسير بعض الظواهر أو الأسئلة التي قد تواجهنا، وهي عبارةٌ عن مجموعةٍ المقترحات أو المبادئ المترابطة لتوضيح تساؤلٍ معيّنٍ؛ وبالتالي فالنظرية تزوّدنا بالمنظور.
وفيما يتعلق بنظريات علم الاجتماع فتعود أهمّيتها لمساهمتها في فهم العلاقات والسلوك الاجتماعي والتنبؤ بأهمّ القضايا والمسائل الاجتماعية، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث رؤياتٍ نظريّةٍ وهي:
- المنظور الوظيفي
- منظور الصراع
- المنظور التفاعلي أو الرمزي
المنظورالوظيفي
من هذا المنظور يُقسم المجتمع إلى وحداتٍ وظيفيّةٍ مترابطةٍ أو مجموعة أجزاءٍ تعمل معًا لتلبية احتياجات المجتمع، وتحقق التوازن له، ومن أهمّ الأمثلة على ذلك هو مجموعة المؤسسات الاجتماعية التي يتألّف منها المجتمع وتعمل سويةً، وتبدأ من الأسرة التي توفر البيئة الملائمة للتكاثر والتنمية المجتمعية للأطفال، أمّا المدرسة فهي نقل خلاصة تجارب وخبرات ومعارف المجتمع إلى أجيال الشباب ضمن عملية التعليم، وفيما يتعلق بإدارة وتوجيه أفراد المجتمع فهذا ما توفّره لنا السياسة، وبالاقتصاد يمكن تزويد المجتمع بأعضائه باحتياجاتهم من المواد والسلع والخدمات، وللدعوة نحو السلوكيات المجتمعية الصحيحة يعمل الدين على توفير الأخلاق و يوجّه لعبادة قوى روحانية عظمى. تعمل جميع هذه الأجزاء بشكلٍ مترابطٍ وبتأثيرٍ متبادلٍ فيما بينها وفق المنظور الوظيفي.
وهنا لا بدّ من التمييز بين مصطلحي الوظيفة والخلل الوظيفي لدى الحديث عن تأثير بعض العناصر الاجتماعية على المجتمع، والمعيار الأساسي لتوضح مساهمة كلّ عنصرٍ هو مدى الاستقرار الاجتماعي الناتج عنه، كما قد يمتلك العنصر الجانبين معًا كما في الجريمة؛ فهي عنصرٌ مخلٌّ وظيفيًّا لما ينتج عنه من عنفٍ جسديٍّ أو عدم استقرار، ومن وجهة نظرٍ أخرى فللجريمة جوانب وظيفية لما توفّره من رفعٍ لمستوى الوعي بالروابط الأخلاقية المشتركة وزيادة التماسك الاجتماعي.
وتُقسم الوظائف إلى نوعين: وظائف ظاهرة وأخرى كامنة، فعلى سبيل المثال للتعليم المدرسي والجامعي وظيفةً ظاهرةً واضحةً وهي نقل المعارف، ولكن في الوقت ذاته توفّر المدارس جليسًا لأطفال الآباء العاملين، وتُشكّل الجامعات بيئةً ملائمةً للشباب لإيجاد شركاء للحياة، وهذه وظائف كامنةٌ للتعليم تختلف عن الوظيفة الأساسية للتعليم.
منظور الصراع
تعود نشأة هذه النظرية لكارل ماركس عندما سلّط الضوء على الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة البروليتارية والطبقة البورجوازية الحاكمة في المجتمعات، فالمجتمع في حالة منافسةٍ دائمةٍ بين طبقة الأغنياء ممّن يملكون الموارد وطبقة الفقراء الذي يصارعون للحصول على هذه الموارد أو بعضٍ منها، فعلى عكس النظرية الوظيفية التي تسلّط الضوء على الجانب الإيجابيّ في المجتمع وهو التوافق بين جميع أعضاء المجتمع فإنّ نظرية الصراع تُسلّط الضوء على الجانب السلبيّ للمجتمع وهو الجانب التنافسيّ وضرورة وجود سلطةٍ مُهيمنةٍ للحفاظ على المجتمع، والتي تُعدّ وفقًا لماركس (KarlMarx) المُسببّ الرئيسي في بعض التطورات المجتمعية مثل الديمقراطية والحقوق المدنية.
فتقوم نظرية الصراع على عدّة مفاهيمٍ أساسيّةٍ وهي:
المنافسة_ الثورة_ عدم المساواة الهيكلية_ الحرب
- المنافسة: على الممتلكات المادية وغير المادية كالسلطة والوضع الاجتماعي والشركاء.
- الثورة: وهي أحد أعراض الصراع بين الطبقات وأحد نتائجه، ممّا ينتج عنه التغيير في ديناميكية القوة بين الطبقات.
- عدم المساواة الهيكلية: وهي الأساس في تطوّر الصراع بين الطبقات المجتمعية اعتمادًا على الفروقات في القوة.
- الحرب: وهي نتيجة الصراع على الموارد وصراع المجتمعات، وقد تكون سببًا في توحيد المجتمع من بعض النواحي، أو سببًا في تدميره تمامًا.
من الأمثلة على نظرية الصراع هو الأزمة الاقتصادية التي ظهرت عام 2008م نتيجة عدم الاستقرار وعدم المساواة في الاقتصاد العالمي.
المنظور التفاعلي الرمزي
يعتقد مؤيدو هذه النظرية بأنّ المجتمع ينشأ من تفاعل الناس مع بعضهم عبر الرموز، والرموز هي كلّ ما يحمل معنى متجاوزًا نفسه، على سبيل المثال المفاتيح الموسيقية ليست فقط عبارة عن خطوطٍ ونقطٍ سوداء بل هي إشاراتٌ وتعليماتٌ تعطي الموسيقى مضمونها ومعناها، وكذلك المحادثات بين الأفراد هي تفاعلٌ بين شخصٍ ناطقٍ بالكلمات التي تحمل معنى رمزيًّا والأمل بتلبية الكلمات للغرض المطلوب منها لدى المتلقّي، ومنه فإنّ لتصرفات الأفراد وتفاعلهم مع بعضهم دلالاتٍ ومعاني رمزيةٍ وهذا ما أكّده ماكس ويبر (Max Weber) والأمريكي جورج ميد (George H.Mead)
من الأمثلة على ذلك مراسيم الزواج التي تتضمّن فستان الزفاف والزينة والورود والكعكة والموسيقى وخاتمي الزواج وغيرها من المراسيم التي يختلف الناس في تفسيرهم لها فيما بينهم، فبينما يرى البعض في الخواتم الباهظة الثمن رمزًا للحبّ والتزام فإنّ البعض الآخر يرى فيها ترفًا ماديّا ونفقاتٍ إضافيةٍ لا داعي لها، ومن هنا يمكن الملاحظة في أنّ الاختلاف في تفسير الرموز قد يؤدي إلى اتصالات خاطئة.
من الانتقادات الموجهة لهذه النظرية:
- إهمالها للصورة الكاملة أي يهمل الرمزيون القضايا الأساسية أو الكبرى كما في المثال السابق؛ فالرمزيون يدققون على حجم الخاتم مُهملين جودة الزواج.
- تهميش دور المؤسسات الاجتماعية مقارنةً بالتفاعلات الفردية.
أشهر كتب علم الاجتماع
نُشرٍت العديد من الكتب التي بحثت في مختلف نواحي علم الاجتماع وأهمّ مدارسه على مدى القرون الماضية وحتى يومنا هذا، ومن أهمّها ما يلي:
مقدمة ابن خلدون
للمؤرخ العربيّ ابن خلدون في عام 1377م، والذي وضعه في مرتبة المؤسّسين الأوائل لعلم الاجتماع، تناول فيه التاريخ العالمي من وجهة النظر الاجتماعية، وتحدث عن التاريخ الثقافي، مناقشًا فكرة اللاهوت الإسلامي، وتأريخ وفلسفة التاريخ، وموضحًا النظريات السياسية والبيئية، يعدّ الكتاب أحد المجلّدات السبعة لكتاب (العبر والمبتدأ والخبر) لابن خلدون.
الخيالات الاجتماعية (The Sociological Imagination)
للأمريكي سي. رايت ميلز (C. Wright Mills)، اصطدم فيه مع مدارس علم الاجتماع الصاعدة في الولايات المتحدة، وأهمّ ما يميز كتاب الخيالات الاجتماعية هو رؤية ميلز لأهمية الروابط بين الأبعاد الاجتماعية والتاريخية والإنسانية ولدور العلاقة التي تجمع بين المشاكل الفردية والقضايا المجتمعية الكبرى في بناء المجتمع.
الاقتصاد العجيب (Freakonomics)
يبدأ الكتاب بعدّة تساؤلاتٍ غير مطروقةٍ؛ كعلاقة تاجر المخدرات بوالدته، أو عن التقاطعات بين البندقية وحوض السباحة، والدور الذي يلعبه الآباء في حياة أبنائهم، أو تأثير اسمك عليك، كل هذا وغيره من الأسئلة التي طرحها كل من ستيف ج. دوبنر (Stephen J. Dubner) و ستيف د. ليفيت (Steven D. Levitt) والتي قد تقلّب أفكارك ومعتقداتك وتغير نظرتك للمسلّمات، مُسلّطين الضوء على منظورٍ جديدٍ وهو علم النفس الفكريّ، فمن وجهة نظرهم فإنّ الحوافز أو الدوافع هي الأساس في الاقتصاد، وبذلك فإنّ الكتاب هو توضيحٌ للجوانب الخفيّة والدوافع وراء كلّ شيءٍ.
النباهة والاستحمار
للمفكّر الإيرانيّ علي شريعتي المثير للجدل بأفكاره والتي كانت سببًا في اغتياله، يسلّط الكاتب الضوء على الحريّة المسؤولة التي يملكها الإنسان في الاختيار والتي تمنحه أهمّيته وقيمته، وحاول تحفيز العقل البشري لمواجهة أيّة قوةٍ مُتسلّطةٍ بتقوية إحساس النباهة لمواجهة كلّ ما يقلّل من قيمة العقل ويستغبيه (الاستحمار).
— “عندما يشب حريق في بيت، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن. فكيف لو كانت دعوته إلى عمل آخر أقل شأنًا ؟ فالاهتمام بغير إطفاء الحريق، والانصراف عنه إلى عمل آخر، ماهو إلا استحمار، وإن كان عملًا مقدسًا أو غير مقدس …”
معذبو الأرض (The Wretched of the Earth)
للطبيب الفرنسي فارنز فانن (Frantz Fanon) الذي التحق بالثورة الفرنسية ضدّ الاستعمار الفرنسيّ بعد أن قدّ م في كتابه هذا تحاليل لنفسية المستعمرين، مُسلّطاً الضوء على ما يشتعل في الشعوب من غضب وثوران ضدّ المحتلين، وما يخلفه هذا الغضب من نتائج وتغييراتٍ جذريةٍ وتطوريّةٍ في المجتمعات، فانعكست رؤية وتحليل فانون على أرض الواقع بشكل عنفٍ وفسادٍ في أفريقيا بشكلٍ عامٍّ.
بالإضافة لقائمةٍ تطول من الكتب المهتمة بعلم الاجتماع مثل:
- التمييز للفرنسي بيريه بوروديه (Pierre Bourdie)
- مهزلة العقل البشري لعليّ الوردي.
- نقطة التحول لمالكوم جلادويل (Malcolm Gladwell)وغيرها.
الفرق بين علم الاجتماع وعلم النفس
لطالما ارتبط علم النفس بعلم الاجتماع، وتمّ الخلط بينهما، وعلى الرّغم من تشاركهم لبعض النقاط إلّا أنّه يمكن اعتبار أحدهما جزء من الأخر، فكلاهما يهدف إلى تحسين حياة الأفراد والمجتمع، من خلال البحث في السلوك البشري وما يؤثّر به، فلابد لأحدهما الآخر من التواجد لفهم الآخر بشكلٍ كاملٍ.
جوهر الاختلاف بينهما هو فيما يتركّز عمل كل منهما، فبينما يعمل علم النفس على الفرد الواحد مُستهدفًا دراسة عقله البشري، يعمل علم الاجتماع بشكلٍ أكثر شمولًا ليتوجه نحو الظواهر الاجتماعية، والتفاعلات والعلاقات بين الأفراد ضمن المجموعات والمؤسسات الاجتماعية.
علم النفس علمٌ تجريبيٌّ، وفقًا لما ورد عن Thouless الذي حدده ب “هو العلم الإيجابيّ للتجربة والسلوك البشري”، أمّا علم الاجتماع فيعمل على الرصد والتحليل للسلوك البشري ضمن ما يتعرّض له من مواقف، وللمشاعر وعملية الإدراك واكتساب المعارف والمهارات وبالتالي يحلّل عملية تكوين الشخصية ضمن المجتمع المحيط، فيرتبط كلا العلمين ارتباطًا قويًّا مُقدّمين التمهيد والمعاونة لبعضها البعض، كما يلي:
يعتمد كلا العلمين على بعضهما البعض، فلكي تفهم أحدهما لا بدّ لك من الاضطلاع على الآخر، وكثيرًا ما اعتمد علماء النفس على علم الاجتماع وبالمقابل كان لفرويد (Freud) وماكدوجال (MacDougal)إضافاتٍ مهمّةٍ _من أهمّ علماء النفس_ في علم الاجتماع، فوفقًا لنظرياتهم يعزون الحياة الاجتماعية بعلاقاتها وظواهرها إلى القوى النفسية للأفراد، وبذلك فإنّ علم الاجتماع بحاجةٍ مستمّرةٍ لعلم النفس لحلّ المشكلات وتحليل الظواهر الاجتماعية، ممّا أدى لتطوير فرعٍ علميٍّ جديدٍ من علم النفس وهو علم النفس الاجتماعي والذي عرّفه كل من كريتش (Kretch) وكراتشفيلد (Crutchfield) على أنّه علم سلوك الأفراد في المجتمع.
بالمقابل فلا يستطيع علم النفس تحليل سلوك وعقلية الفرد دون العودة لعلم الاجتماع، لأنّ كلّ فردٍ منّا خاضعٌ لتأثير مجتمعه بعاداته وتقاليده وقيمه، فهناك الكثير من المشاكل النفسية التي تعود لأسبابٍ اجتماعيةٍ وبالتالي يحتاج علم النفس لمساعدة علم الاجتماع، بالإضافة لما قدمه علماء الاجتماع من نظرياتٍ مساعدةٍ ومهمةٍ لعلماء النفس، بذلك يمكن الخلاص في القول إلى أنّ كلّ فردٍ منّا بحاجةٍ للآخرين لفهم نفسه، فتقاطع العلمان في كثيرٍ من الجوانب والمجالات المشتركة بينهما التي يتشارك العلماء من كليهما في الدراسة كالرأي العام والفوضى الاجتماعية.
وعلى الرّغم من ارتباط احدهما بالآخر إلّا أنّه يوجد مجموعة من الفروقات والاختلافات بين علمي الاجتماع والنفس يمكن تلخيصها فيما يلي:
- يختلف العلمان في اهتماماتهما، فبينما يركز علم النفس على عقل ومشاعر الفرد، يهتمّ علم الاجتماع في المجتمع المحيط بالفرد بعلاقاته وظواهره.
- يضيق نطاق عمل علم النفس إلى فردٍ واحدٍ أو مجموعةٍ صغيرةٍ من الأفراد، في حين يتسع نطاق عمل علم الاجتماع إلى مجموعاتٍ أكبر مقسمةٍ وفقا لمعايير مختلفة كالجنس أو العرق أو غيرها، أو قد يضم المجتمع بأكمله.
- ينطلق علم الاجتماع في دراسته من المجتمع كوحدةٍ أساسيةٍ، أمّا علم النفس فيبدأ في دراساته من الفرد.
- يركّز علم النفس على دراسة ما يحدث في العقل لبشري من عملياتٍ عقليةٍ، في حين يركز علم الاجتماع على ما يحدث ضمن المجتمع من عملياتٍ اجتماعيةٍ.
- تعتمد الدراسات في علم النفس على جميع ما يصدرمن الفرد من نشاطاتٍ بغضّ النظر عن بقية الأفراد، وهو ما يتعاكس مع علم الاجتماع الذي يهتمّ بجميع العوامل الاجتماعية المحيطة بالفرد والتي تؤثر في سلوكه ونتائج هذا السلوك.
مجالات علم الاجتماع
غالبًا ما يحدث اللغط بين علم الاجتماع والمجالات التخصصّية الأخرى من السياسة والعمل الصحفي في المجلّات والكُتّاب والأخصائيين الاجتماعيين، ولكن علم الاجتماع الذي وُضَّح سابقًا يهتمّ بالحياة الجماعية البشرية بكافّة جوانبها، فيدرس عالم الاجتماع عادات وتقاليد المجتمع المتوارثة والناشئة، والقيم والمبادئ التي يحملها، والطريقة التي تتفاعل بها المجموعات البشرية وفقًا لهذه العادات وما ينتج عنها من عملياتٍ تطوريّةٍ، ومنه يمكن تقسيم أهمّ المجالات المتخصصة لعلم الاجتماع إلى ما يلي:
- علم الاجتماع التطبيقي
- السلوك الجماعي
- التواصل الاجتماعي
- علم الاجتماع المقارن
- الجريمة والانحراف
- علم الاجتماع الثقافي
- الديموغرافيا (علم السكان)
- السلوك المنحرف
- المنظمات الرسمية والمركبة
- علم بيئة الإنسان
- علم الاجتماع الصناعي
- القانون والمجتمع
- الزواج والعائلة
- علم الاجتماع الطبي
- علم الاجتماع العسكري
- علم الاجتماع السياسي
- علم اجتماع الدين
- علم الاجتماع الحضري
- علم النفس الاجتماعي
- الرقابة الاجتماعية
- علم الاجتماع الريفي
- النظرية الاجتماعية
- علم الاجتماع التربوي