الرجل الذي باع ظهره"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرجل الذي باع ظهره"

    فيلم التونسية كوثر بن هنية:"الرجل الذي باع ظهره" يحول لاجئ سوري الى سلعة فنية

    معد فياض

    تناولت السينما العالمية موضوع الازمة السورية ومآساة اللاجئين السوريين من وجهات نظر عدة، بعض المخرجين اعادوا حبكة قصص حقيقية مثل فيلم(السباحتان) او(السباحون) كتابة واخراج الويلزية من اصل مصري سالي الحسيني، والذي كتبنا عنه هنا في وقت سابق، وبعض هذه الافلام اعتمدت قصص متخيلة، مثل فيلم(الرجل الذي باع ظهره)، مع ان الترجمة الحرفية للعنوان الانجليزي للفيلم: The Man Who Sold His Skin الى اللغة العربية هي(الرجل الذي باع جلده)، لكن المخرجة التونسية، التي كتبت السيناريو، كوثر بن هنية، اختارت العنوان الاول لاعتقادها انه اكثر تعبيرا عن فحوى وجوهر القصة السينمائية.

    "الرجل الذي باع ظهره"، المعروض حاليا على شاشة نيتفليكس (Netflix)، فيلم درامي تمت معالجته باسلوب الكوميديا السوداء، إنتاج مشترك، ابطاله يتحدثون ثلاث لغات، هي:العربية والانكليزية والفرنسية والفلمنكية.

    رشح لجائزة [الأوسكار](https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC...7%D9%84%D8%A3% D9%88%D8%B3%D9%83%D8%A7%D8%B1) لعام [2021](https://ar.wikipedia.org/wiki/2021) لصنف الأفلام الأجنبية في دورتها الثالثة و التسعين، من بطولة الممثل الكندي من اصل سوري يحيى مهايني(سام علي)، والفرنسية من اصل سوري ديا ليان (عبير)، والبلجيكي كوين دي(الرسام جفري)، والايطالية مونيكا بيلوشي(ثريا)، والسورية دارينا الجندي(ام سام).

    لم تخف كاتبة ومخرجة الفيلم، كوثر بن هنية، مصادرها التي أشارت بوضوح إلى بعضها وبتلميح إلى البعض الآخر، وفي المقدمة منها عمل الفنان البلجيكي فيم ديلفوي في (2006 - 2008 ) الذي حمل عنوان "تيم"، والذي استعارت المخرجة بن هنية منه حكايتها المحورية التي بنت سيناريو فيلمها عليها، وملخصها ان الرسام ديلفوي كان قد تعاقد مع شخص يدعى تيم شتاينر على أن يرسم لوحة بالوشم على ظهره، لتصبح عملا فنيا يقوم بعرضه في أوقات محددة في المتاحف والغاليريهات مقابل نسبة 30 في المئة من الأرباح، وقد اشترى هذا العمل جامع لوحات وتحف فنية ألماني على أن تؤول إليه ملكية جلد تيم المرسوم بعد وفاته، فضلا عن استعارات فنية أخرى.

    من هذه القصة استمدت المخرجة التونسية ثيمة فيلمها(الرجل الذي باع ظهره) لتجسد معاناة شاب سوري، سام علي، الذي هرب من معتقل للامن السوري بعد وصول تقارير عنه انه هتف للحرية في القطار بينما كان مع حبيبته عبير التي اضطرت للزواج، مرغمة من قبل عائلتها، من موظف في السفارة السورية في بروكسل عاصمة بلجيكا. وتؤكد بن هنية إلى أن الفيلم مستوحى من لوحة فنية شاهدتها في معرض للفن المعاصر بمتحف اللوفر الشهير في باريس للفنان البلجيكي ويم ديلفوي، وذلك حين فوجئت برؤية شاب جعل من ظهره جزءا من العمل الفني للرسام.

    تتصاعد احداث الفيلم بفرار سام بمساعدة شقيقته الى لبنان وفي بيروت يتم التعامل معه كلاجئ، حيث يقاسي من ظروف العيش والبحث عن عمل وفي ذات الوقت يحلم بالوصول الى بروكسل للقاء حبيبته التي ارتبط بعلاقة عاطفية معها منذ الدراسة الجامعية، ويبحث عن الطعام في المعارض التشكيلية الراقية التي تقدم للضيف اشهى الاكلات، الى ان تكتشف أمره ثريا التي تعمل لدى اشهر رسام بلجيكي، جفري، بعد ان يتردد لاكثر من مرة على المعرض، فتطرده وتخبر جفري بانه مجرد لاجئ سوري متطفل، هنا يتدخل الرسام البلجيكي ويدعوه لمرافقته لاحدى حانات بيروت ويصغي الى امنيته بالوصول الى بلجيكا، فتكون هذه نقطة ضعف سام التي يستغلها جفري ويعرض عليه شراء جلده او ظهره ليوشم عليه احدى لوحاته الغالية الثمن مقابل ان ينقله الى بروكسل حسب عقد تجاري يقوم سام بموجبه بالجلوس في صالات المعارض او المتاحف عارضا لوحة جفري التي تساوي الملايين من الدولارات. يتردد سام في البداية ثم سرعان ما يقرر بعدها عقد صفقة مجنونة مع جفري ليبيع ظهره له ويحوله إلى لوحة فنية متنقلة تكون بمثابة التأشيرة التي ستوصله مجددا إلى حبيبته في اوربا، فهو لم يرغب بالهجرة الى اوربا بحثا عن حياة مترفة او معقولة كما فعل مئات الالاف من المهاجرين السوريين والذين فقد المئات منهم حياتهم غرقا في البحار، بل لهدف عاطفي نبيل، وهو لقاء حبيبة عمره حتى وان كانت متزوجة، حيث يخبرها عبر الانترنيت بانه وجد عمل مع رسام بلجيكي للاهتمام بلوحاته، دون الدخول في تفاصيل العمل الحقيقي.

    بالفعل يوشم جفري لوحته المعنونة(فيزا الشنكن) على ظهر سام وينقله الى بلجيكا تحت اشراف مساعدة الرسام، ثريا، التي توضح ان سام لم يحصل على تاشيرة الشنكن باعتباره انسان حي او مواطن سوري مضطهد ببلده، بل تم ذلك باعتباره لوحة فنية تحمل توقيع جفري، اي باعتباره جماد، وهذا ما يثير سخرية مرة وسوداء في داخل سام الذي يتقبل الامور على مضض. وفي أحد مشاهد الفيلم الأكثر رمزية يخاطب الفنان التشكيلي اللاجئ السوري بالقول "سنحول هذا الإنسان الذي لا يحق له السفر إلى سلعة، لأننا في العالم الذي نعيش فيه السلعة أكثر حرية من الإنسان".

    وعلى عكس أفلام عديدة عالجت قضايا الهجرة واللجوء، ابتعدت المخرجة التونسية كوثر بن هنية عن مشاهد الحرب ومخيمات اللجوء وقوارب الموت، لتطرح قضية كونية تتعلق بهتك كرامة الإنسان وتحويله إلى بضاعة تباع وتشترى باقتحام عالم الفن التشكيلي المعاصر.وتضيف قائلة: "قصة الفيلم لم أردها قصة نمطية تعالج قضية اللجوء بشكل كلاسيكي، بل أردتها من خلال اقتحام اللاجئ السوري بوابة الفن المعاصر المليء بالبراغماتية والثراء الفاحش لأكشف من خلاله تناقضات شتى".

    يعيش سام حياة متناقضة في بروكسل، من جهة حياة مترفة في غرفة احدى فنادق الخمس نجوم، ومن جهة ثانية يجد نفسه قد تحول الى سلعة تجارية ليس من حقه الاعتراض او ابداء الرأي وهو يجلس لساعات حاسرا ظهره للجمهور، وسط اعتراضات(جمعية المدافعين عن حقوق اللاجئين السوريين) التي لا يأبه لها، ويبدأ بالتواصل مع حبيبته عبير، بل ويلتقي بها في مدخل بناية سكنها مما يثير ذلك حنق زوجها الذي يقضي جل وقته في البيت بعد ان تم اغلاق السفارة السورية في بلجيكا بسبب تصرفات النظام مع الشعب السوري، لهذا يلجأ الزوج الى اصطحاب زوجته عبير، ودون علمها، الى المتحف الذي يعرض فيه حبيبها سام ظهره للجمهور، ويحدث اشتباك بالايدي بين الزوج وسام يؤدي الى تخريب الاول لوحة فنية سعرها يتجاوز الـ 11 الف يورو، تتفاجأ عبير بما شاهدته وتعاتب سام لانه لم يخبرها بتفاصيل عمله، مع ذلك تذهب اليه في سكنه لتطلب منه التدخل لدى ادارة المتحف لانقاذ زوجها من التبعات القانونية نتيجة تخريبه للوحة الفنية، وبالفعل يلبي طلبها.

    يعرض الرسام البلجيكي فري لوحته الموشومة على ظهر سام للبيع فيشتريها جامع اعمال فنية سويسري مع التامين عليها بمبلغ 10 ملايين يورو، مع سام طبعا، وهذا السويسري يعرض بدوره اللوحة للبيع في مزاد علني لتحصد مبلغ 5 مليون يورو، مما يغضب سام الذي يثور متظاهرا بانه يحمل حزام ناسف فيتفرق الحضور ذعرا ويحال الى المحكمة.

    في السجن يفاجأ سام بالمحامي الخاص بجفري ومعه حبيبته عبير كمترجمة محلفة، وتخبره بانها انفصلت عن زوجها مما يشجع سام على التصرف بحرية، يقرر القاضي اطلاق سراح سام مع قرار بترحيله خلال 48 ساعة لنفاذ صلاحية اقامته، يوافق سام مباشرة بعد اتفاق سري لم تكشف عنه المخرجة، يعود سام وعبير الى الرقة في سوريا، بعدها نشاهد لقطات لتنظيم داعش وهو يقوم باعدام سام رميا بالرصاص، مع تعليقات عن بيع داعش للوحة(الفيزا) بعد ان تسلخها عن ظهر سام، لنكتشف ان هذا جزء من اتفاق بين سام والفنان البلجيكي للحصول على مبلغ التامين وبيع نسخة من اللوحة باعتبارها الاصلية التي باعها تنظيم داعش، وان موضوع الاعدام كان مجرد تمثيلية مفبركة، ففي اللقطات الاخيرة نشاهد سام مع عبير في بيت مترف في ريف سوريا وهو يعلن عن عزمه بازالة اللوحة عن ظهره باشعة الليزر.

    لقد شكك البعض عندما أعلنت المخرجة التونسية الشابة، كوثر بن هنية، عن عزمها مقاربة الموضوع السوري، باختيار مهاجر سوري بطلاً لفيلمها الروائي الثاني، وعبروا عن خشيتهم من أن تغرق المخرجة الصاعدة بعد نجاح فيلمها الروائي الأول "على كف عفريت" في تعقيدات الوضع السوري، بوصفها امرأة تونسية لا تدرك الكثير من خصوصياته وملابساته.

    وكان قد سبقها مواطنها المخرج المخضرم، رضا الباهي، في هذا الدرب في فيلمه "زهرة حلب" والذي ظل دون مستوى الكثير من أفلامه السابقة.

    بيد أن فيلم "الرجل الذي باع ظهره" لكوثر بن هنية، خرج بمعالجة ذكية لمثل هذا الموضوع الشائك، ومستوى فني مميز، لاقى احتفاءًا نقديا واهتماما إعلاميا، بل وأدخل تونس للمرة الأولى في القائمة القصيرة لدائرة التنافس على جائزة أفضل فيلم أجنبي في جوائز الأوسكار عام 2021.

    نجحت المخرجة بن هنية في اختيار الممثل الكندي السوري، يحيى مهايني، على الرغم من أنه لم يمثل في أفلام روائية طويلة في السابق، كل رصيده فيلمان قصيران وفيلم 48 دقيقة، وقد نجح في تجسيد شخصية سام بحساسية عالية وأضفى عليها حيوية، وبشكل خاص مع مسحة السخرية المرة التي تفيض بها ملامحه، ومشاهد الكوميديا السوداء التي برع في أدائها.

    وكانت بن هنية جريئة جدا في اختيار ممثلة فرنسية سورية شابة، لها تجربة مسرحية ولم تمثل في السينما من قبل سوى فيلم قصير، لتؤدي دور الفتاة السورية عبير.

    ومع رهانها على مشاركة النجمة الإيطالية الشهيرة مونيكا بيلوتشي لدعم تسويق الفيلم، إلا أن أداءها جاء باهتا في دور الشقراء ثريا، وبدت بن هنية متهيبة من إدارة هذه النجمة الشهيرة واستخلاص أفضل أداء منها لشخصيتها. وكذلك الحال مع الممثل البلجيكي دو باو الذي جنح إلى المبالغة في الأداء في بعض المشاهد، وربما بتحريض من المخرجة نفسها التي أشارت إلى أن أحد أهدافها كان هو السعي لكسر الصورة النمطية التي اعتدنا على مشاهدتها في كثير من الأفلام للفنان بوصفه شخصا معذبا مهمشا يعاني في تجسيد متطلبات طموحه الفني، فقدمته في صورة شخص فاعل في السوق الفنية بل وأقرب إلى المستثمر القاسي.

    وجاءت الموسيقى التصويرية، التي وضعها التونسي، أمين بوحافة، الحاصل على جائزة سيزار أفضل موسيقى تصويرية عن فيلم تومبكتو 2014)، متناغمة مع هذا الفضاء الطافح باللون والجمال، فحرص على توفير جو موسيقي أوبرالي مرافق له.
يعمل...
X