لاعنوان غير الرقص

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لاعنوان غير الرقص

    عندما يقترب الحديث عن الرقص الشرقي، فإن غالبية سكان ومناطق دول "الغبار البشري" تتحسس "سيوفها" في العلن وتمتشق "أعضائها في السر"، هكذا عبّر الباحث أشرف الصباغ في مقدمة مقالته حول نجوى فؤاد (8)، مختصراً بكل وضوح وجرأة وصراحة واحدة من أزمات مجتمعاتنا العربية الأخلاقية، ألا وهي الإزدواجية والنفاق الإجتماعي والتي تجعل تناول مثل هذه المواضيع أمراً إشكالياً ومربكاً ومعقداً في آن (9). من جانبها، فقد إختارت الباحثة شذى يحيى متعمدة العبارة الشعبية المصرية " الهِشِّك بشِّك" عنواناً لكتابها لتذكرنا بالكيفية التي تُستخدم للطعن بهذا الفن؛ فالمفردة الأولى تشير إلى "الهز" والثانية إلى "سوء العمل". بمعنى أن الراقصة هي ليست إلا إمرأةً سيئة الصيت والسمعة، منحلة الأخلاق، فاسدة وماجنة، وغيرها من الصفات الذميمة.

    لم تشفع للراقصات الأوائل إسهماتهن في المجتمع لتغيير تلك الصورة، بل رسخها ودعمها بعض المثقفين العرب، لعل أبرزهم الكاتب المصري سلامة موسى الذي وسم بكونه "أحد أعمدة الثقافة المصرية المعاصرة"، واصفاً الرقص الشرقي بأنه "شناعة من الشناعات"، مستثنياً تحية كاريوكا (10). كان ذلك إستثناءاً أتفق عليه مثقفون أخرون، على رأسهم إدوارد سعيد الذي لقبها بـ"الست تحية" و"رمز من رموز الثقافة المصرية"، في مقالة كتبها تكريماً لها عنونها بـ"تكريم راقصة بطن". وكما هو جلي من العنوان، فسعيد وقع في إشكالية إستخدام ذات المصطلحات الإستشراقية، موضوع النقد في إطروحته، من ضمن جملة من الإشكالات والتناقضات الأخرى. فعلى سبيل المثال، إستثنى سعيد تحية بوصفها النموذج الأوحد لما يجب أن يكون عليه الرقص والراقصة الشرقية مقابل أخريات وصفهن أوصافاً دونية. ليس ذلك فحسب، بل إنه عندما حاول أن يصف تحية بالمرأة "التقدمية"، ذمها بطريقة غير مباشرة في مواقع أخرى خصوصاً عندما نعتها بلقب العالمة، معرفاً الأخيرة على أنها "محظية من المحظيات". وكما تذكر يحيى في كتابها أعلاه مستندةً الى رأي الباحثة فاليري كينيدي في نقدها لسعيد أنه رغم إنصافه لتحية إلا أنه ظل أسيراً لمفاهيم المنظومة الذكورية عن الشرقيات عندما نظر اليها كرمزٍ من رموز الإثارة الحسية والجنسية من جهة، والى إمرأة "ورعة ومطيعة" من جهةٍ أخرى.

    أما السينما المصرية ورغم ما يبدو ظاهراً على أنه إحتفاء بالرقص الشرقي، إذ كانت أفلام القرن العشرين تكاد لا تخلو من مشهد أو وصلة رقص أو لوحة إستعراضية، إلا أنها كانت قد ساهمت هي الأخرى في تكريس الصور النمطية المغلوطة عن الرقص الشرقي في العديد من تلك الأفلام. تحية كاريكوكا، مثلاً، لعبت أدوار الراقصة الشريرة أو المغرية على النقيض من حياتها الواقعية. فيما ترى الكاتبة هدير حسن في مقالٍ لها عن تاريخ وجذور الرقص الشرقي أن تناول الراقصة الشرقية في السينما المصرية، كان قد مر بتحولات وتغييرات عديدة وتستشهد بمثالٍ عن هذا التحول من خلال مقارنتها لفيليمين سينمائيين تم إنتاجهما في حقبٍ مختلفة. ففي فيلم "الزوجة 13" لعام 1962، تتساءل زينات علوي بإستغراب إن كان الرقص الشرقي عيباً:"وهو عيب أن بنت خالتك تبقى رقاصة؟". تضع حسن هذه الجملة في مقارنةٍ مع جملةٍ قالتها سعاد حسني في الفيلم الشهير "خلي بالك من زوزو" تعبر عن الوصمة المجتمعية التي أخذت تلاحق هذا الفن منذ بداية السبعينات وحتى يومنا هذا: "زينب ماشية شايلة وصمة نعيمة ألماظية أمها، ونعيمة ماشية شايلة وصمة الشارع اللي هي منه (شارع محمد علي)، والشارع مسكين شايل وصمة زمن راح وانقضى، زمن متخلف". ويُحسب لهذا الفيلم أنه كان من الأعمال القليلة التي حاولت أن تعالج الوصمة المجتمعية حول الرقص من دون إدانة الراقصة الشرقية بدون أن تفلح.

    فعلى مر السنين، ومع تصاعد التيارات الدينية المتشددة والأجواء المشحونة بالإستقطابات العقائدية والأيديولجية والسياسية، تعالت الأصوات المناهضة للرقص، في مصر والعراق ودول أخرى في المنطقة، ولعل شحة وفقر المصادر الموجودة حول هذه الفنون تدل على ذلك. وفي عصر مواقع السوشل ميديا، شُهرت السيوف الألكترونية ضد نساءٍ عديدات بتهمة الرقص. يكفي أن نذكرالمشانق التي نُصبت لمعلمة الدهلقية أو لأستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة السويس، ومن خارج مصر، يكفي أن نستذكر الإدانات الأخلاقية المتكررة ضد مشاهد الرقص المصاحبة لحفلات التخرج في العراق، والعواقب المادية المترتبة عليها والتي قد تصل الى تدمير حياة إنسانة كاملة.

    وعليه لم يعد مستغرباً أن ينحسر عدد الراقصات العربيات أو المصريات لحساب الراقصات الأجنبيات من مختلف الدول. وبالفعل، في الوقت الذي نستمر فيه بإزدراء وتحقير الرقص الشرقي، تزداد شعبيته عالمياً وتتزايد أعداد الورش والصفوف والمعاهد التي تدرسه في دول كثيرة، كما يظهر أي بحث سريع على اليوتيوب.
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	inbound4407757303361307606.gif 
مشاهدات:	13 
الحجم:	17.9 كيلوبايت 
الهوية:	48493
يعمل...
X