Hussein Najem
· ١ فبراير ·
ضرورة تجديد الخطاب النقدي الضوئي.
آن النقد الفني وخصوصاً الضوئي منه، لا يختلف حاله عن حالة الإثراء الأدبي، في ناحية تطور أدواته المعرفية، والوصول لتقديم فهماً يناسب عصره، متماشياً مع التطور الحاصل في العالم، وهذا سبيل دأبت عليه الإنسانية، خلال رحلة تنقلها المعرفي والفكري العام.
بعد أن شهدت الفنون التشكيلية، بشكل خاص، والفنون البصرية، بشكل عام، تطوراً، فرضته التكنلوجيا الرقمية، وقطع تلك الفنون مسافات شاسعة، منطلقة نحو تحقيق ماهية حاضرها، بأساليب تختلف عما كان عليه الفن في القرنين التاسع عشر، والعشرين الذي شهد مرحلة النضوج النقدي في تقييم وقراءة النص البصري.
كما أن اختلاط الفن واللا فن، ضمن حدود غير واضحة المعالم، جعل الهوة تتسع بين المجتمع والرسالة البصرية. مما حدي بالفنان أن يبحث عن أدوات جديدة تكسر رتابة الماضي، غير مقيد بمدرسة معينة، باحثاً عن البدائل، التي تعبر عن فكره وفلسفته الخاصة، عبر التطور والابتكار والإبداع الذي يتماشى مع مرحلته الحاضرة، مبتعداً عن المفاهيم الكلاسيكية، حيث أن الارتباط بات متراصاً بين الفنون والتكنولوجيا التي هي أداة العصر الرئيسية.
وقد شهد هذا العصر، ثورة رقمية كبرى، غيرت كثيراً من المفاهيم والقيم السائدة، والتي ألجأت الفنان من تغيير أدواته الفنية، لتتماشى مع السمة المعرفية الجديدة.
وهنا لابد كذلك من تغير المسار النقدي وتجديد الخطاب الفني*ضمن الإطار العام للمجتمع وإيجاد أدوات فكرية، وفنية، تصب لمصلحة الجمهور أولاً، حيث أنها تسهم من رفع المستوى الثقافي، والوعي الإدراكي لما سيقدمه الفنان، ضمن الأُطر الجديدة، التي تنطبق على عصر التطور الجديد، وقراءة النص البصري بما يوائم ويفصح عن ماهيته الحديثة.
وهناك قراءات نقدية ضوئية مختلفة تذهب باتجاهات ثلاث على سبيل التوضيح لا الحصر. **
أولها القراءة النقدية الكلاسيكية والتي تتكأ على الأُسس الفنية لظهور النقد الفني في بدايات القرن العشرين، الذي سبق البنيوية منها؛ النقد من خلال الأدوات، والانطباعية والسياقية والتاريخية والاجتماعية والنفسية، كذلك النقد البنيوي والسيميائي والتداولية والتفكيكية.
وإذا ما حصرنا النقد الفني بالضوئي، فقد دار بين الانطباعية، والسياقية، الذي يركز على حالة التلقي النفسي لذات الناقد ويعبر عن انطباعه الخاص، دون فكر وهدف المصور،والسياقي ينقد العمل من خلال السياقات الإجتماعية والتأريخية والنفسية ويقوم بتقييمه على هذا الأساس.
وثانيها: التي تلتزم حرفياً بالمعايير الفنية فقط، دون النظر لماهية العمل، والهدف المنشود، وعزل السردية الجمالية المجتمعة من العناصر كوحدة واحدة، تفضي لقصة، وتعبر عن مشاعر وهواجس. حيث أن هذا الاتجاه، يدور في فلك، القطع، والتثليث، وغيره. حتى أنها لو وجدت عمل مختلف بمضمونه ونتاجه البصري عن هذه القواعد وكاسرها، سيكون حينها عمل مستبعد، أو غير مقبول.
ثالثها: والذي أراه حسب رأيي غير معمول به بشكل كبير، على الساحة الضوئية. متماشياً مع حالة التطور، ذلك الذي ينظر للعمل كمنجز فني نهائي، لا يدقق بالأُسس بقدر ما تجذبه الفكرة، والرسالة المتوخاة، والهدف الكلي للعمل، بل في بعض الأعمال يكون اللون، أو الإضاءة، هي السرد المرجو، المعول عليه لاستيعاب العمل الناتج.
هكذا اتجاه ضروري في هذه المرحلة من العصر على أقل تقدير، فهو ناظر للفن كفن صاحب فحوى وفلسفة ومرام***، يعبر عن ضجيج نفسي إنساني يعتلم المصور ويفصح عن معاناة مجتمعه وجمهوره، من خلال وسائله الحديثة. ويرتكز على تطور أدواته التعبيرية.
فنحن إلى الأن، نعترض على فن المعالجة الرقمية، ولا نستطيع تفكيك العمل التجريدي وفهمه، والسريالي الضوئي، علاوة على الفن الرقمي.
يحتم علينا العصر الحديث أن نغير من أدواتنا المعرفية والنظر للأعمال الفنية نظرة تتناسب وما وصل اليه العالم، ويصبح المنتج الذي يتمتع برصانة موضوعية دون العبث، هو الحاكم. المنتج الذي يصل بالمتلقي لمرحلة التوقف والتأني والتركيز، ويعيش داخل مساحات المشهد ولا يغادرها بسهوله، بدهشة وذهول.
فإن التكرار ونسخ تجارب الأخرين أضر العين، واتعب الروح، وأستهلك الطاقات دون نفع يُرتجى، وكان حصة كثير من الأعمال الجيدة، الإهمال، وعدم الاهتمام، بل والمحاربة في بعض الأحيان، إذا ما كانت تلك الأعمال كاسرة للقواعد، مختلفة الطرح، كبيرة المد البصري.
وللقيمة الكبيرة للفن الذي يعبر عن الإنسانية جمعاء، لابد لنا من تجديد الخطاب النقدي الضوئي.
____
*لا يعني أن المقال ينفي الحاجة لخضوع الأعمال لطرق النقد الكلاسيكية والاعتماد عليها في بعض السرديات البصرية؛ ولا ينفي الاستفادة منها بالنسبة لمن يبدأوا رحلة تعلم التصوير الضوئي.
** يعاني النقد في البلاد العربية أزمة حادة، حیث أنه لم یرتق بعد لیصبح مهنة لها روادها ومفكروها وأصحاب الرأي فیها. (مذكرة تخرج لنيل رسالة الماجستير في الفنون التشكيلية من إعداد شيخي حبيب).
*حتى وقت قريب كان جُل اهتمام المصور أن يخرج بصورة ذات تعرض صحيح، دون رسالتها.