Mohammed Dunia
١٥ سبتمبر ·
فريدا كالو
فنانة عشقت الحياة
عشقت الحياة، لكنها عاشتها جراحاً ومرارة. رغم المرض الذي فتك بجسمها، والحادث الذي قصم ظهرها، بقي فنها قوياً عصياً على الانكسار، ولو أن لوحاتها جاءت ملونة بالألم.
في غرفتها المثقلة بحرارة الطقس، المزدانة بنوافذ زجاجية وباقة كبيرة من نبتة عباد الشمس، استلقت الفنانة شهوراً على سرير المرض، بعد أن بتروا ساقها التي التهمتها الغنغرينة قبل وفاتها بعام واحد. كان ذلك صيف 1953 : لم تبك، ولم يرتعش صوتها حين قالت للطبيب الجراح: حسناً، انتهى الأمر، سأستطيع المشي، وما المشكلة، لدي ساق أخرى! حكاية " فريدا كالو " هي حكاية فنانة عشقت الحياة وبهرها الرسم، ورافقها الألم منذ طفولتها، عندما أصيبت بشلل الأطفال في سن ست سنوات، عام 1913. ولما ضمرت ساقها، لقبتها صديقاتها الصغيرات بـ " فريدا الكسيحة "، لتكبر بعدها بروح جريحة. وفي عام 1925، كادت تقضي إثر حادث سير حطم عمودها الفقري: اخترقني الحديد اختراق السيف لجسد الثور. وأمضت شهوراً في المشفى، ثم في البيت، حيث علقت لها أمها مرآة فوق السرير الجميل الذي رقدت فيه. وهكذا، لم تعد وحيدة برفقة تلك الصورة المرآوية. طلبت بضع ريشات، وألواناً وحمالة صغيرة تضعها على ركبتيها. وأخذت ترسم الموضوع المتاح أمامها: صورتها. رسمت مجموعة كبيرة من الصور الذاتية: كثيراً ما سألوني عن سر رسم الصور الذاتية. لم يكن أمامي خيار آخر: عندما لا يكون فوق رأسك سوى صورتك يصبح ذلك هاجساً. كان الرسم خلاصي، انعتاقي.
ولما عادت إلى المشي، التفتت إلى الوسط الفني، حيث التقت ذات مساء بالفنان المكسيكي " دييغو ريفيرا "، أشهر الرسامين الجداريين في المكسيك والذي يعتبرونه مفخرة وطنية. كان يومها يقف على سلم يرسم لوحة جدارية في مبنى رسمي. وخاطبته: دييغو، انزل، لم آتي لأغازلك، بل لأريك رسومي... أعجب بجرأتها وثقتها بنفسها، وسرعان ما طلبها للزواج. تزوجا عام 1929. كانت مثل عصفور جريح، وكان قوياً كالحصان. رأت فيه وجهاً مختلفاً، وبدا لها، لثيابه المدعوكة وقبعته المغطاة بالغبار، كأنه ينام في صندوق قمامة. وفي ليلة العرس، ظهرت أمامه مثل حمامة بجانب فيل. وأحب كل منهما الآخر حباً صدامياً. ولم يكن وفياً لها، فراحت ترسمه طفلاً رضيعاً، بعد أن عجزت عن امتلاكه في الواقع.
التقت عام 1938 في مكسيكو بالشاعر الفرنسي " أندريه بروتون "، الذي أبدى إعجابه برسومها، وأصر على أنها سوريالية الانتماء. وزارت باريس بدعوة منه. وأقامت معرضاً لرسومها. كان " كاندينسكي " رائد التجريدية هناك، وكان شديد التأثر بلوحاتها، وشد " ميرو " الرسام الإسباني على ذراعيها مبدياً إعجابه بفنها، وامتدحها " أرنست " أيضاً. وعلقت يومها قائلة: يا لهؤلاء السورياليين كم هم غريبو الأطوار. واشترى متحف اللوفر إحدى صورها الذاتية. وكتب " بيكاسو " إلى " دييغو ريفيرا " يقول: " لا أنت، ولا ديران، ولا أنا نجيد رسم الوجوه مثلما ترسمها فريدا ..". لم تحب باريس، وشعرت فيها بالوحدة، ولم تزر سوى المعالم التي سبق أن زارها " دييغو "، وأحبتها لأنه أحبها.
وخلال السنوات العشرة الأخيرة من حياتها، راحت الفنانة تكتب مذكراتها، ربما لأنها لم تعد تقوى على الرسم. واشتد الصراع في داخلها بين اليأس والرغبة المتوحشة في الحياة. وروت تقول: جسدي قاحل حزين، لم أعد أستطيع النجاة. وكحيوان يحس بنهايته، أشعر بدنو أجلي بقوة تنتزع مني كل قدرة على المقاومة.
وفي عام 1953، نظم " ريفيرا " معرضاً استعادياً لزوجته، التي كانت على موعد مع الموت في السنة التالية. ووصلت " فريدا " إلى المعرض في سيارة إسعاف، هزيلة الجسم، بثوب ملائكي، لتتلقى مديح المعجبين وهي مستلقية.
ماتت " فريدا " عام 1954، وحضر جنازتها كبار الفنانين والسياسيين ورئيس البلاد. وكانت قد أوصت بحرق جثمانها. أرادت أن تتحول إلى رماد. وكانت قد خاطبت والدها: لا أريد أن أستلقي، حتى في النعش. وحملت آخر لوحة رسمتها عنوان " تحيا الحياة ".
#
عن " باري ماتش " الفرنسية ترجمة محمد الدنيا