Mohammed Dunia
١٦ سبتمبر ·
النوم في حياة الإنسان (1 من 2 )
شباباً كنا أم شيوخاً، ليس لدينا جميعاً حاجات النوم نفسها، ولا التوقيتات ذاتها، حتى ولو كانت الدورات التي تشكل ليلنا تتعاقب بالطريقة عينها.
نمضي ثلث حياتنا في النوم؛ وبدون نوم، لا يمكننا أن نحيا. ويشير وقت النوم، الذي يتكرر كل ليلة، إلى طبيعتنا البيو إيقاعية. ويعد التعاقب نوم – يقظة أحد الجوانب الأوضح في هذا الإيقاع البيولوجي، غير أن هندسة النوم نفسها خاضعة لإيقاعات. في الواقع، يتكون النوم من دورات تتكرر من ثلاث إلى ست مرات خلال الليل، ويتشكل كل منها (على الأقل منذ سن السنة تقريباً) من نمطين من النوم: النوم البطيء أولاً ( خفيف وعميق )، ثم نوم الأحلام. خلال النوم البطيء العميق، يكون جسمنا، ودماغنا بشكل خاص، في حالة راحة. وخلال نوم الأحلام، إذا كان جسمنا في حالة راحة، فإن دماغنا يكون ناشطاً كما لو أننا في حالة تنبه. ويفسر انبثاق الأحلام جزئياً هذا النشاط الدماغي المكثف. وأياً كانت مدة نومنا، فإننا نحتاج إلى " حد أدنى حيوي " يتشكل من جزء من النوم البطيء العميق ونوم الأحلام.
بتنا اليوم أفضل فهماً لدور النوم. ويعزو الرأي السائد للنوم وظيفة إصلاح عيوب حالة اليقظة. في الواقع، يصب بعض المعطيات في هذا الاتجاه، غير أن النوم ضروري للدماغ أيضاً وليس لبقية الجسم فقط. و ربما كان النوم البطيء العميق حتمياً بالنسبة للترميم الدماغي. من جانب آخر، يبدو أن النوم يؤدي دوراً أساسياً ونوعياً في تنظيم المعلومة وحفظها وفي ضبط الانفعالات. ويتدخل نوم الأحلام على هذا المستوى بالتشارك المحتمل مع النوم البطيء. وهكذا، يؤدي نوم الأحلام ( أو النوم القلق عند الوليد ) دوراً رئيسياً في التعلم ويكون وافراً للغاية في بداية الحياة. وربما كانت غزارة نوم الأحلام لدى الثدييات عند الولادة ( وتلك هي الحال تماماً لدى الإنسان ) تتيح أيضاً ترتيب بعض السلوكيات الغريزية الخاصة بالنوع. يتغير النوم طيلة الحياة. وينتظم منذ المرحلة الجنينية. ونضجه سريع جداً في الواقع، ذلك أن الخاصيات الرئيسية لنوم الراشد تظهر خلال العامين الأولين من الحياة.
نوم الوليد مزدوج
خلال النوم الهادئ، يكون الوليد ساكناً، باستثناء بعض الرجفات النادرة، ووجهه هادئاً، وتنفسه منتظماً. خلال النوم القلق ( أو المضطرب )، تلاحظ لديه حركات عديدة، وتظهر على وجهه حركات إيمائية هي تعبير عن الاختلافات الانفعالية الكبيرة، بدءاً بالابتسام " الذي لا سبب له " وحتى انقباضات وعبوس القلق. ويكون التنفس غير منتظم، والقلب سريعاً، والعينان متحركتين. النوم في هذه السن طويل ( 16 ساعة وسطياً في اليوم )، لكنه مقطع إلى فترات من ثلاث إلى أربع ساعات، في الليل كما في النهار. ولكل وليد نوم خاص به: بعض الولدان ينامون كثيراً، حتى عشرين ساعة في اليوم؛ والبعض الآخر لا يحتاج لأكثر من ثلاث عشرة ساعة في اليوم.
من سن شهر إلى سن السنة
النوم القلق، الذي كان يمثل 50 إلى 60 % من النوم الإجمالي خلال الشهر الأول، يتضاءل حتى 30 % ويتحول بالتدريج إلى نوم أحلام شبيه بمثيله عند البالغ. أما النوم الهادئ، فيتحول شيئاً فشيئاً إلى نوم بطيء، مقسم إلى نوم بطيء – خفيف وعميق. وتظهر لديه دورية نهار– ليل: تطول فترات نوم الليل ( ست ساعات متعاقبة في سن 1 – 2 شهر، و9 ساعات في سن 3 – 6 أشهر، وعشر ساعات نحو سن السنة ). ويتضاءل النوم النهاري تدريجياً، فينتقل من أربع قيلولات وسطياً في اليوم نحو سن 6 أشهر إلى اثنتين نحو سن السنة. وتبقى مدة النوم الإجمالية الوسطية، في الأربع وعشرين ساعة، كبيرةً: بحدود خمس عشرة ساعة.
من سن سنة إلى المراهقة
يقترب النوم يوماً بعد يوم من نوم الراشد؛ ويتمايز بوضوح في نوم بطيء ونوم الأحلام، مترابطين في دورات متكررة أربع إلى ست مرات في الليلة. وتتناقص مدة النوم الإجمالية على الأربع وعشرين ساعة: أربع عشرة ساعة نحو سن 2 سنة، واثنتي عشرة ساعة نحو سن خمس سنوات، وأقل من اثنتي عشرة ساعة في الفترة التالية. وتتلاشى القيلولة نحو سن 6 سنوات. ومنذ هذا الوقت، يكون هناك نوامون لمدة قصيرة وآخرون لمدة طويلة، وأيضاً نوامون مبكراً / مستيقظون مبكراً ونوامون متأخراً / مستيقظون متأخراً. وتعزز مقتضيات التوقيت المدرسي، عند الغالبية، تنظيم إيقاع يقظة / نوم بفرض ساعة استيقاظ محددة. إلا أن بعض " طوال " النوم الذين ينامون متأخراً ويستيقظون متأخراً قد يتعرضون لاضطرابات النوم بسبب هذه التوقيتات.
في أثناء المراهقة
يخضع إيقاع يقظة / نوم للعديد من المتطلبات الاجتماعية والمدرسية، بل والتغيرات البيولوجية والنفسية المرتبطة بالبلوغ. ولما كان الغفو يأتي متأخراً غالباً جداً، فإن مدة النوم تميل إلى التضاؤل، في حين تبقى الحاجات النومية كبيرة. وبذلك، غالباً ما نجد المراهق في عوز مزمن إلى النوم، عوز ترممه فترات نوم استعادة القوى الطويلة، الملاحظة عند غالبية المراهقين، والتي تمتد حتى وقت متأخر جداً من الصباح أيام العطل. وأياً كان تنظيم إيقاع نوم / يقظة الخاص بكل مراهق، فإن توقيتات النوم غير منتظمة إلى حد كبير، ولا تتوافق والحاجات الفعلية.
في سن الرشد
يستقر النوم بالنسبة لكل شخص في تنظيم إيقاعي خاص صارم نسبياً. وتبقى إمكانات تغيير الغفو والاستيقاظ، وكذلك مدة النوم، محدودة. إن النوّام متأخراً / المستيقظ متأخراً ( من 1 إلى 9 مثلاً كتوقيت مثالي للغفو والاستيقاظ ) يبقى كذلك طيلة حياته ويتضايق في حياته المهنية من العمل باكراً في الصباح. بالمقابل، لا يصادف النوام مبكراً / المستيقظ مبكراً (من 22 إلى 9 مثلاً) أية عقبة، غير أنه يقاوم بصعوبة النعاس خلال النشاطات الاجتماعية التي تتم مساءً. يلزم النوام طويلاً أكثر من تسع ساعات نوم ليلاً كي يكون في وضع جيد، مقابل خمس ساعات لقصير النوم، وأحياناً أقل.
من جانب آخر، ليس النوم العادي كتلة متجانسة. فالمدة الضرورية وتوقيتات الرقاد والاستيقاظ متعلقة بإيقاع يقظة / نوم الخاص بكل شخص. إن حدوث بعض فترات الاستيقاظ في الليل هو القاعدة، حيث تتم العودة للنوم من جديد سريعاً وبشكل طبيعي. إلا أن حالات الاضطراب النفسي أو مجرد الخوف من الأرق يمكن أن تجعل حالات التنبه الفيزيولوجي هذه مديدةً.
يبقى تركيب النوم ثابتاً نسبياً. ويشغل نوم الأحلام، الأوفر قسطاً في نهاية الليل منه في بدايته، خمس نومنا. ويشغل النوم البطيء العميق، هو أيضاً، خمس النوم، في بدايته أساساً. و من الأهمية بمكان معرفة هذا التوزع الذي يميز نوم الأحلام بعد منتصف الليل والنوم البطيء العميق قبل منتصف الليل. في الواقع، إن لأي تغير في مساحة نومنا انعكاسات على تركيبه. فالاستيقاظ قبل الفجر يتمخض عن قدر أقل من نوم الأحلام، كما أن الرقاد في بداية النهار ينتهي بنقص النوم البطيء العميق.
الشيخوخة
تغير الشيخوخة النوم على نحو بليغ. يصبح النوم أخف وأقل ثباتاً، ومتقطعاً غالباً. وعند حدوث استيقاظ، يغدو من العسير العودة إلى النوم. وتكون فترات الاستيقاظ هذه متواترة في القسم الثاني من الليل، ويتولد لدى الشخص آنئذ انطباع بأن نومه سيء جداً. كما أن تركيب النوم يتغير مع التقدم في العمر: يتضاءل النوم البطيء العميق منذ العقد الرابع إلى أن يتلاشى، بعد سن السبعين غالباً. ويبقى نوم الأحلام مستقراً نسبياً حتى سن متقدمة. مع ذلك، ونحو سن 70 – 80 سنة، يميل إلى التناقص، والتقطع، والحدوث في وقت أبكر من الليل. ويمكن تفسير تضاؤل الأداءات البدنية والذهنية المرتبطة بالشيخوخة جزئياً من خلال هذه التغيرات الطارئة على هندسة النوم.
تتسم نهارات الشخص المسن بفترات نوم صغيرة في الأحوال العادية. وتعود القيلولات لتصبح ضرورية من جديد عندما لا تتجاوز نصف ساعة، بعد أن كانت قد تلاشت. وإذا طالت أكثر مما ينبغي شوشت إمكانات النوم وحالته الطبيعية في الليلة الآتية. إذن، قد يكون الأمر نوعاً من الرمز. إن لكل شخص، من الطفولة إلى الشيخوخة، تنظيماً بيولوجياً إيقاعياً. ينبغي احترام هذه الأصالة. ليس ممكناً أبداً تحويل النوّام لوقت طويل إلى نوّام لوقت قصير ولا جعل نوّام المساء نوّام صباح. وقد يؤدي فرض إيقاع معين بذريعة أنه إيقاع الأغلبية أن يجعل النوّام السوي شخصاً ميزة نومه الأرق .
في أثناء الحلم، الدماغ يعيد صياغة العالم
ليس النوم فترة كل راحة. حينما نكون نائمين، يستمر دماغنا في العمل. ويشكل الحلم، بشكل خاص، عاصفة دماغية حقيقية. وقد نجح الباحثون في استكشافه.
ساد انطباع، حتى السنوات الأخيرة، بأن لا شيء يحدث في أثناء النوم. ولكن، تبين أن الكثير من الأشياء تحدث خلاله، إذ يستمر الدماغ في العمل طيلة الليل. وببساطة، يقوم بشيء آخر غير ما يقوم به إبان النهار. في الحقيقة، لا يتوقف الدماغ عن العمل، غير أن الأسلوب يختلف. ينخفض مستوى كهربائية الدماغ، ولكن تتنشط وظائف أخرى، كإفراز بعض الهرمونات، هرمون النمو بشكل خاص، الذي يتحرر خلال الساعات الأولى من النوم. إنها فترة راحة ناشطة، يفرضها الدماغ. ذلك أنه عندما أقول " أنا ذاهب إلى السرير " فإن الدماغ هو من يقرر في الحقيقة. إن له حاجاته الخاصة، منها الحاجة إلى إعادة بناء عدد من الأشياء، خصوصاً خلال الحلم. في هذا الحين، يكون الدماغ ناشطاً جداً؛ غير أن عياراته الكيميائية مختلفة تماماً عما هي في حالة اليقظة.
لقد أظهر " بيير موكيه " ( في بلجيكا )، و" إريك نوفزنجر " ( في بيتسبورغ )، و" ألن براون " ( في بتسدا ) ما هي أقسام الدماغ التي تتنشط أو التي يتوقف نشاطها خلال الأحلام. وهكذا، تتنشِّط مناطق دماغية تتدخل في الانفعالات وأخرى تؤدي دوراً في الذاكرة، أي النواحي التي تمكننا من استخراج الذكريات، ولكن ليس التي نختزن فيها ذكريات جديدة.. أما القشرة ( الدماغية ) الجبهية، الحيوية، التي تمكننا من إجراء حوار مثلاً، فتكون على العكس في حالة تثبيط تام. إنها هي التي تتدخل في ذاكرة العمل، وإدارة الفكر، والأفعال الحركية الإرادية. إذا كانت الأحلام لا تترك لدينا ذكريات، فذلك ليس بنتيجة قمع كان " فرويد " قد تصوره، بل ببساطة بسبب فقدان ذاكرة مرتبط بعدم تنشُّط بعض الشبكات وعدم تنشط بعض المعدلات الكيميائية. وإذا لم يكن بإمكاننا أن نتعلم خلال النوم، فإن النوم مع ذلك يتدخل في التعلم. وتشير التجارب المنجزة في المختبر إلى أنه يؤدي دوراً في تمتين الذكريات. خلال النوم، يحدث نوع من الحوار بين قسمين من الدماغ، القشرة والحصين ( قرن آمون )، الذي يعزز النقل من الذاكرة. إن التعلم قبل الغفو هو أرسخ حفظاً ويجعل الأداءات أفضل إبان الجلسات التي تعقب الاستيقاظ.
هل يمكننا العيش دون أن نحلم؟ في الواقع، لا يمكن إلغاء نوم الأحلام. وإذا حاولنا إزالته، بإيقاظ الشخص بشكل منتظم، فإنه بعد أربعة أو خمسة أيام لا يعود يعيش سوى هذا الطور. يمكن الوصول إلى ذلك بواسطة مواد كيميائية تتفاعل مع منظومات الوسائط العصبية، لكن هذا موضوع آخر. بالمقابل، إلغاء النوم يعني الموت. لا يمكننا أن نحيا بدون نوم.
#
المصدر " الفيغارو " الفرنسية ترجمة محمد الدنيا