Mohammed Dunia
التهاب المفاصل المتعددة
خلافاً لالتهاب المفاصل، الذي هو التهاب شديد وباق في المفصل، فإن التهاب المفاصل الرثياني هو مرض تمانعي autoimmune، أي موجه نحو النسج الذاتية للمريض. ونتحدث عن التهاب المفاصل المتعددة عندما تكون عدة مفاصل مصابة في اليدين، والمعصمين، والمرفقين، والقدمين، والركبتين، والوركين، والعقبين والفقرات الرقبية.
يحدث هذا المرض عند 0,5 إلى 1 % من السكان، غير أن ثلث المرضى فقط يطورون مرضاً متقدماً، ويبقى العلاج صعباً عند جزء صغير فقط من هؤلاء المرضى. إن الألم هو أكثر ما يشكو منه هؤلاء. في الصباح الباكر، تكون المفاصل متيبسة، وتتطلب عدة ساعات كي تتلين. وتصبح الحركات اليومية المعتادة متعذرة على التنفيذ أحياناً: فتح الباب، وإدارة المفتاح، وتزرير القميص، ومسك الوعاء، والتقاط شيء ما عن الأرض. ولكن، منذ ظهور الأدوية الجديدة، لم تعد هذه المعاناة كبيرة عند المرضى المصابين بالتهاب المفاصل المتعددة الرثياني.
إن الكشف المبكر عن هذا المرض هو أمر جوهري لتطبيق العلاج الأمثل، خصوصاً بالنسبة للمرضى الذين ينحو مرضهم منحى تطورياً: إن العلاج الهجومي القوي وحده، المطبق جيداً، كفيل بالتوصل إلى الأمل في إبطاء، إن لم نقل في إيقاف، الأذيات العظمية – المفصلية. لكن الوصول إلى هذا التشخيص ليس سهلاً دائماً: يمكن أن تشير بداية المرض إلى وجود التهاب مفصلي عادي جداً. أما المعايير فهي أولاً تناظر المفاصل المصابة وتعددها ودوام هذه الالتهابات المفصلية رغم العلاج. وتنبغي معاينة المريض كل خمس عشرة يوماً وتسجيل تطور كل التهاب مفصلي بشكل دقيق خلال الأشهر الثلاثة الأولى. واستمرار العلامات هو حجة قوية جداً للتشخيص.
حينئذ، يصبح وضع حصيلة لشدة المرض أمراً ضرورياً. في الواقع، تبرر الأمراض التي تتطور بقسوة إعطاء العلاجات الأقوى فوراً، باقتران عدة أدوية. وهناك مظاهر سريرية تنبئ بشدة المرض: إصابة عدة مفاصل في الوقت نفسه، والآلام التي توقظ المريض في القسم الثاني من الليل. ويتم البحث عن بعض الواسمات البيولوجية. ووجود العامل الرثياني هو علامة هجمة تمانعية، غير أنها لا توجد دائماً. كما أن تركزها المرتفع دفعة واحدة هو عامل منبئ بالشدة. وفي المراكز المتخصصة، يبحثون عن عوامل التأهب الوراثي الذي تشكله بعض الزمر الدموية التي تحملها الكريات البيض. ومنذ هذه المرحلة، تظهر الصور الشعاعية وجود تآكلات عظمية تشكل علامة على الشدة، وهذا ما يتطلب إعطاء أدوية قوية فوراً تجنباً لتطور فقدان الغضاريف والعظام، التي تسبب تشوهات عظمية وآلاماً ميكانيكية.
تخرب عظمي
بعد هذه الحصيلة، يتبين لنا أن ثلث المرضى يعانون من التهاب المفاصل المتعددة التطوري ويتعرضون لمرض قاس. من أجل هؤلاء، غيرت الكيفيات العلاجية الجديدة مسار الأمور. وبات الأطباء يقرنون على الأقل مضاداً للالتهاب بعلاج أساسي يتم العلاج به دفعة واحدة. وقد اتضح أن هذا النوع من المستحضرات فعال جداً مع تحمل كاف إلى حد كبير، لكنه يتطلب متابعة بيولوجية منتظمة لأن بعضها قد يسبب اضطرابات دموية وكبدية.
وللأسف، في التهابات المفاصل المتعددة الرثيانية الأقسى، لا يجعل هذه العلاج المريض في مأمن تام من حالات التخرب العظمي. إنها تترك المريض متيبساً، يصادف صعوبات في حركات الحياة اليومية. حينذاك، يضاف دواء أو عدة أدوية أخرى، غير أن تخرب المفاصل قد يستمر. وفي جميع الأحوال، الأدوية المتاحة فعالة اليوم، ويمكن أن تشفي تماماً 10 % من المرضى، مع إمكان تخليهم عن مضادات الالتهاب والمسكنات. أما الآخرون، فيمكن التوصل إلى استقرار حالتهم بالعلاج الذي يحوي على قدر ضئيل جداً من الكورتيزون – 10 مغ / اليوم – بالاقتران مع علاج أساسي.
من جانب آخر، بفضل استبدال المفاصل بالبدائل الصنعية، أحدثت الجراحة تحولاً في حياة عدد من مرضى التهاب المفاصل المتعددة الرثيانية. ولولاها، لكانوا طريحي الفراش. وهكذا، يمكن استبدال وركي المريض وركبتيه. وتتطلب الاستعادة الوظيفية، بالتضافر مع إعادة التأهيل بعد العمل الجراحي، ثلاثة أشهر وسطياً. حينها، يحصل المريض على مفاصل مستقرة، ومتحركة وغير مؤلمة. وتعتبر تثبيتات المفاصل ( المعصم والعرقوب والقدم ) من الحلول التلطيفية، إذ أن البدائل الصنعية قد تبدو غير فعالة حتى الآن، غير أن مثل هذا الحل يقضي على الألم. وتتأمن حركية الطرف عندئذ من خلال المفاصل الأخرى. ولكن، قبل الوصول إلى هذه المرحلة، يمكن التأثير على الغشاء الزليلي في المفصل من أجل إيقاف تخريب الغضاريف.
عن " لوموند " الفرنسية ترجمة محمد الدنيا