تعريف الحق - بواسطة: محمد ابو خليف -٦ يونيو ٢٠٢٢
الحق الحق اسمٌ من أسماء الله الحسنى،
إذ جاء في قوله تعالى: (ثُمَّ رُدّوا إِلَى اللَّـهِ مَولاهُمُ الحَقِّ)،[١]
ومعناه الثابت بلا شكّ، وهو نقيض الباطل، وجمعه حقوقٌ وحِقاق.[٢] أمّا في فقه القانون، فقد اختلف فقهاء القانون على وضع تعريفٍ واحدٍ للحق، وذلك لكثرة الحقوق وتنوّع خصائصها، فكان من الصعب عليهم الاجتماع على رأيٍ واحدٍ، حتى إنّ البعض منهم قد أنكر فكرة الحقّ بذاتها، باعتبار أنّ الحقّ هو ميزةٌ أو سلطةٌ للشخص يعترف بها القانون، بينما اتجه البعض الآخر إلى إثبات فكرة الحق، وقد عُرّف الحقّ بعدّة تعريفات مختلفة، ومنها أنّ الحقّ هو مصلحة تقدّر بقيمة مالية يحميها القانون، أو أنّه السلطة المخوّلة لأحد الأشخاص من القانون في نوعٍ معين من النطاقات.[٣]
النظريات الفلسفية في تعريف الحق حاول فقهاء القانون وضع تعريف للحق بحسب انتماءاتهم الفقهية، فقد اهتم بعضهم بالشخص صاحب الحق، ومنهم من اهتم بمحل الحق أو موضوعه، ومنهم من جمع بين المذهب الموضوعي والمذهب الشخصي، ومن ثم ظهرت اتجاهات حديثة في تعريف الحق، تهتم بعنصري الاستئثار والتسلط، ومن هذه النظريات التي عرّفت الحق:[٣]
التعريف الشخصي (نظرية الإرادة): ينظر أنصار هذه النظرية إلى جوهر الحقّ بأنّه سلطة إراديّة مخوّلة لصاحب الحق، فقد تمّ تعريف الحق في هذه النظرية على أنّه سلطة إرادية أو قدرة يعترف بها القانون، وتثبت لشخص معين للقيام بعملٍ ما. وقد تمّ انتقاد هذه النظرية، لأنها ربطت بين الحقّ والإرادة بطريقة خاطئة، فليس هناك ما يمنع القانون من إقرار الحقّ لشخص دون إرادته، ولكنّ هناك أموراً تلزم فيها الإرادة باستعمال الحقّ، وأموراً أخرى لا تلزم فيها الإرادة، فعلى سبيل المثال، إذا أُصيب أحد الأشخاص بالجنون وكان يملك منزلاً، فسيبقى المنزل من حقّه دون أن تكون له إرادة، لأنّ الحقّ لا يزول بالجنون، لكن بالمقابل لا يستطيع بيع منزله في هذه الحالة وذلك لأنه ليست لديه إرادة قانونية تخوله التصرف بحقه.
التعريف الموضوعي (نظرية المصلحة): يُعرّف أصحاب هذه النظرية الحقّ بأنّه مصلحةٌ يحميها القانون، فالعنصر الجوهريّ في هذه النظرية هو المصلحة دون النظر إلى الإرادة، ووفقاً لهذا الرأي فإن الحقّ يتكون من عنصرين:
العنصر الموضوعي، وهي المصلحة التي تعود على صاحبها بالنفع، أما الآخر فهو العنصر الشكليّ، والذي يتمثل بحماية القانون من خلال الدعوى القضائية، التي يدافع صاحب الحق من خلالها عن حقه. فكلّ حقٍّ من الحقوق له قيمة ماديةٌ أو أدبية، وقد انْتُقدت هذه النظرية، وذلك لأنها عرّفت الحق بغايته، وتعريف الشيء بغايته أمرٌ غير منطقيّ، بالإضافة إلى أنها اعتبرت المصلحة معياراً لوجود الحق، ومعنى ذلك أن ليس كل صاحب مصلحة هو صاحب حق، ومن جانب آخر جعلت هذه النظرية الحماية من الأركان الجوهرية لقيام الحق، وهذا ما انتقده الفقهاء لأن الحماية من وجهة نظرهم لا يضيفها القانون إلا على الحقوق التي قامت بالفعل.
المذهب المختلط ( الحق قدرة ومصلحة):
جمع أنصار هذه النظرية بين عنصري الإرادة والمصلحة، ولهذا سُمّيت بالنظرية المختلطة، وعلى الرغم من اتفاقهم على الجمع بين هذين العنصرين، إلا أنّهم اختلفوا في تعريفهم للحق، فمنهم من قدّم الإرادة على المصلحة، فعرّف الحق بأنه قدريةٌ إراديةٌ مخوّلةٌ لأحد الأشخاص في سبيل تحقيق إحدى المصالح، أمّا من قدم المصلحة على الإرادة فقد عرف الحق بأنه مصلحة تحميها القدرة الإرادية وتسعى إلى تحقيقها. وقد تمّ انتقاد هذه النظرية أيضاً، وذلك لاعتمادها على نظريتين منتقدتين، بأن الحق لا يعدّ إرادةً ولا مصلحةً، ولا خليطاً من الاثنين، ولذلك فقد تمّ رفض هذه النظرية.
النظرية الحديثة (نظرية دابان):
درس دابان النظريات المختلفة في تعريف الحق، واستخلص تعريفاً جديداً له، وهو الاستئثار بميزة معينة، يمنحها القانون للإنسان، ويقوم بحمايتها، وقد قام هذا التعريف على ثلاثة أسس، وهي:
الاستئثار بإحدى القيم، والتي قد تكون ماليةً أو غير مالية معترف له الاستئثار بها.
حماية القانون شرط من شروط الاستئثار، فهو لا يكون حقاً إلا إذا حماه القانون.
استهداف القانون حماية مصلحة معينة، شرط أن تكون جديرة بالحماية.
ومن الجدير بالذكر أنّ هذه النظرية لم تسلم من الانتقاد أيضاً، فقد عدَّ الحقّ من الميزات، وهي تحمل معنيين فقط، وهما القدرة والمصلحة، كما أنّه اعتبر الحماية عنصراً من العناصر، وهذا ما جعله يقع في ذات ما أُخِذَ على نظرية المصلحة التي جعلت الحماية ركناً من أركان الحق.
أنواع الحقوق قسم الفقهاء الحقوق إلى تقسيمات عدة، حيث لم تكن لجميع هذه التقسيمات أهمية متساوية، وكما أن معظم تلك التقسيمات كانت متداخلة ببعضها البعض، ومن هذه الحقوق:[٤]
الحقوق السياسية: هي الحقوق التي تُمنح للشخص المنتمي إلى أي جماعة سياسية، وتمكنه من المشاركة في إدارة الدولة والحكم فيها، ومن أهم هذه الحقوق، حق الانتخاب، وحق الترشح في المجالس النيابية، أو المجالس المحلية، وحقّ تولي الوظائف العامة في الدولة.
الحقوق اللصيقة بالشخصية:
وتسمّى الحقوق الشخصية، والتي تثبت للشخص كونه إنساناً، بغض النظر عن جنسيته، سواءً كان من مواطني الدولة أو كان أجنبيّاً، ونظراً لارتباط هذه الحقوق بعناصر الشخصية فقد سُمّيت الحقوق اللصيقة بالشخصية، فهذه الحقوق ضرورية للمحافظة على كيان الإنسان والمعنوي، وبدونها لا يكون الإنسان آمناً على حياته، ومن أمثلتها: الحق في الحياة، والحق في سلامة الجسد.
حقوق الأسرة:
هي الحقوق التي تثبت للفرد باعتباره عضواً من أعضاء الأسرة، كالعلاقة بين الزوجين، أو علاقة الأب بأبنائه، حيث إنّ هذه الحقوق لا تمنح السلطة لأصحابها فقط، بل تتطلب منهم تقديم الواجبات في الوقت ذاته، كحق الزوج في الطاعة، وحق الزوجة في الإنفاق عليها، وحق الأب في تربية أولاده، وحق الأبناء في التعليم والنفقة عليهم.
الحقوق المالية:
وتنقسم هذه الحقوق إلى حقوق عينيّة، وحقوق شخصيّة، فالحقّ العينيّ هو السلطة المباشرة للشخص على شيء معين دون وساطة من أحد، كمالك السيارة الذي يملك الحق باستعمالها، أو تأجيرها، أو التصرف بها على النحو الذي يريده، بينما الحقوق الشخصية فهي رابطة قانونية تقوم بين شخصين، يخوّل القانون أحدهما وهو الدائن أن يطالب المدين بالقيام بعملٍ، أو الامتناع عن عملٍ، أو إعطاء شيء معين.
الحقوق الذهنية:
أو حقوق الملكية الفكرية، وهي الحقوق التي يقرّها القانون على أشياء معنوية غير محسوسة كالنتائج الفكرية أو الذهنية للأشخاص. الفرق بين الحق والرخصة قد يخلط البعض بين تعريف الحق والرخصة، ويعدّهما مرادفين للمعنى نفسه، وفي الحقيقة يُرجّح أنّ الرخصة ما هي إلا إباحة استعمال الحريات العامة، مثل حرية العمل والتعاقد والتملك والتنقل، فحرية التملك مثلاً رخصة، أما الملكية ذاتها فتعدّ حقّاً، وهنا نجد فرقاً واضحاً بين الحق والرخصة، فمثلاً حرية الشخص في التملك والزواج مجرد رخصة لا يثبت له بذلك ملك أو معاشرة.[٥]
ومن الجدير بالذكر أنّ هناك منزلة وسطى بين الحقّ والرخصة، وهي حقّ الشخص في الرغبة بالتملك، كأن يعجبه أحد المنازل ويقرر شراءه، فهو في هذه المرحلة يملك الحقّ في تملّك هذا المنزل بشكلٍ عام، وذلك قبل التحدث إلى صاحب المنزل، أما عندما يصدر منه القبول بشراء المنزل فيصبح المنزل من ملكيّته، وبين هاتين المرحلتين مرحلة وسطى قبل القبول وبعد الإيجاب، له أكثر من رخصة التملك، وأقلّ من حقّ الملك.[٥]