العراقي فائق العبودي يستعيد أثر بلاده في نفسه والعالم
خطوط ونقوش من تاريخ العراق
رغم هجرته نحو الغرب، ظل الفنان فائق العبودي وفيا “لعراقه” كما يحبه، وكما تبدو تفاصيله وشخوصه في ذاكرته المتمسكة بانتمائه وهويته، فصارت معارضه الفنية خارج العراق امتدادا لإشعاع بلاده الثقافي ورمزية جمالية تدعو إلى قبول الآخر والتعلّم من الاختلاف.
إن أهم ما يميز تجربة الفنان التشكيلي العراقي المغترب فائق العبودي أنها تغور في الأسلوب التجريدي المشبع برمزية عالية للموضوعات المتناولة، وعلى الرغم من سنوات اغترابه في بلدان أوروبا، إلا أنه لا ينفصل عن كينونته الشرقية العراقية المتجذرة في أعماله، فمهما تعددت رؤاه وثقافته ولغته، إلا أنه يطرح مشروعه الفني والجمالي بذائقة تشكيلية لها فلسفتها الخاصة، ولعلّ هذا الأسلوب يعبّر عن مقولة كبار النقاد في الفن إن «الفن التشكيلي العراقي حاصر في كل بلدان العالم بمنجزه وحضوره ومشاركاته الفاعلة»، ولا ير في ذلك حين فهم العبودي فكرة الحضور هذه بوعي مضاف إلى ما تمتعت ب عيناه في زوايا جمالية أخرى.
فائق العبودي: البلد الذي أسكنه فيه هدوء وسكينة ما فتح مخيلتي للإمساك بالعديد من الأفكار التي نفذتها واشتغلت عليها
فائق العبودي في كل تجاربه نجده يعاصر تحولات المرحلة التي نشاهد من خلالها عالم اللوحة، فلوحاته هي العالم المعاش بدقائق الاختيارات (الثيمية) المعبرة عن واقع وحضارة ورموز، وما إلى ذلك من تفاصيل تتمحور حول قبول الآخر في تلقيها.
ومن خلال التفحص الدقيق لأعماله، نلمس وبدقة كيفية اشتغاله على ثيمات الوجه والشبابيك والأقبية والأبواب والمربعات التي ترمز إلى بعد عرفاني، بالإضافة إلى استخدامه الأحرف التي من خلالها يمسك بإحساسه غير المباشر بعروبته، كلّها كانت مشاريع جمالية في غاية الانضباط كفنان محترف.
ولم تكن استخدامات الفنان اللّونية سوى لعبة مازجت بين وحدة المضمون (الفكرة) والمتخيّل الشكلي، فما كانت طريقة «الكونتراست»، ووجود ألوان حارة ومضيئة وغامقة في داخل اللوحة الواحدة سوى تناغم شكلي أعطى بعدا جماليا هائما، ولم يكن المنظور للشكل «المتضاد» سوى معادلة شكلية متوازنة.
ولعل أهم ما انتبه إليه الفنان فايق العبودي أن البيئة وتفاصيل واقعه الأول وما يحمله بلده من أعراف وتقاليد وحضارة، هي الفيصل الذي جعله قادرا على أن يكمل مشواره الجمالي في بيئة أخرى، وهي سمة تحسب له، مثل الكثير من الفنانين الذي غادروا العراق أو بلدانهم عامة وأقاموا مشاريعهم على الإرث الأول لهم، وهو إرث كبير وحاضر في كل الأجيال وفي كل الأزمان.
ويولد استعادة الرمز الشرقي/الرافديني، والاشتغال على وحدات وحفريات الحس الصوفي في بعض الأعمال، انعطافة كبيرة ودراية موضوعية تحيل إلى مساحات الفكر التأملي، بمعنى هناك تشكلات وتكوينات لها دلالات واسعة وبعيدة انطوى خلالها الفنان في جعل لوحته ذات أثر واضح يتناغم مع الإحساس والشعور بالأزمنة وبالطقوس وهذا رأي الناقد الراحل عادل كامل أيضا، لذا، جاءت جميع التجارب معبأة معمقة بالخيوط الممتدة بالأثر المستعاد، والاستعادة هنا ليست بمفهومها الحرفي، إنما بالطريقة التي وظفها لنفسه، وبالأسلوب الذي اشتغل عليه، وهذا ما جعل تفرده واضحا.
وفي حقيقة الأمر هناك العديد من فناني العراق دخلوا هذا الاشتغال، كله له طريقته الخاصة، لكنّ فائق العبودي، آثر على نفسه أن يصوغ عالمه التشكيلي بنفسه.
والملفت للنظر أيضا، التنوع الذي شاهدناه في أعماله، فمع رسوماته على قطع القماش، يناظر ذلك اشتغاله على قطع الخشب، وهذه الطريقة تحتاج إلى تقنية خاصة، لكن طريقة الأداء واستخدام اللون ذاتها التي عرف بها في رسمه للوحة القماش، أعني ما جاءت به ثيمة الموضوع، وفي كلا الحالتين بانت هوية الفنان وأخذت مكانها المعهود، فالأسلوب هو ذاته الأسلوب، أو كما يقول الفيلسوف بوفون «الأسلوب هو الرجل»، فكانت هويته واضحة وبارزة.
وفي حديث مع الفنان فائق العبودي الذي يقيم في سويسرا، أوضح «البلد الذي أسكنه فيه هدوء وسكينة ما فتح مخيلتي للإمساك بالعديد من الأفكار التي نفذتها واشتغلت عليها، لكني بقيت الفنان العراقي الذي تلقى تكوينا وتدريبا على أيدي كبار الفنانين العراقيين». وهذه الميزة تحسب للفنان كونه بقي ابن بيئته، بلد الرافدين، مهما تقادمت سنين الغربة.
ومع كل تجاربه الفنية التي تكللت في معارض شخصية، وأخرى عامة، فهو على استعداد لإقامة معرض شخصي في بلد أوروبي، ويسعى إلى أن يجدد ما جاء به من أعمال سابقة، لذا فهو في تواظب مستمر وإبداع دائم.
يذكر أن الفنان فائق العبودي هو من مواليد بغداد، درس الفنون الجميلة والتصوير الفوتوغرافي. كما درس التصميم الطباعي في سويسرا، وحصل على بكالوريوس فنون من الجامعة العربية المفتوحة في شمال الولايات المتحدة.
ويعيش العبودي في مدينة لوزان السويسرية منذ سنة 1999 وأسس فيها مركز فضاء الشرق الثقافي، ومجلة ألوان ثقافية وهي مجلة تهتم بالثقافة والإبداع والفنون. وشارك في عدد من المعارض الجماعية في مركز الفنون الجميلة في بغداد ما بين 1990 و1997. وأقام أول معرض شخصي له في بغداد سنة 1996.
وقدم أعماله الفنية في الإمارات العربية المتحدة سنة 1998 وفي سويسرا وفرنسا اعتبارا من سنة 1999. وهو عضو في عدد من أكاديميات الفنون الجميلة.
ومنذ بدايته الفنية، استلهم فائق العبودي، منذ بداية عمله الفني، تاريخ بلده، بلاد ما بين النهرين، وحضارته العريقة التي منحت البشرية أول رموز وعلامات الكتابة التي وجهت كل التاريخ البشري وقدم أكثر من عشرين معرضا شخصيا في عدد من دول العالم.
زهير الجبوري
كاتب وناقد عراقي
خطوط ونقوش من تاريخ العراق
رغم هجرته نحو الغرب، ظل الفنان فائق العبودي وفيا “لعراقه” كما يحبه، وكما تبدو تفاصيله وشخوصه في ذاكرته المتمسكة بانتمائه وهويته، فصارت معارضه الفنية خارج العراق امتدادا لإشعاع بلاده الثقافي ورمزية جمالية تدعو إلى قبول الآخر والتعلّم من الاختلاف.
إن أهم ما يميز تجربة الفنان التشكيلي العراقي المغترب فائق العبودي أنها تغور في الأسلوب التجريدي المشبع برمزية عالية للموضوعات المتناولة، وعلى الرغم من سنوات اغترابه في بلدان أوروبا، إلا أنه لا ينفصل عن كينونته الشرقية العراقية المتجذرة في أعماله، فمهما تعددت رؤاه وثقافته ولغته، إلا أنه يطرح مشروعه الفني والجمالي بذائقة تشكيلية لها فلسفتها الخاصة، ولعلّ هذا الأسلوب يعبّر عن مقولة كبار النقاد في الفن إن «الفن التشكيلي العراقي حاصر في كل بلدان العالم بمنجزه وحضوره ومشاركاته الفاعلة»، ولا ير في ذلك حين فهم العبودي فكرة الحضور هذه بوعي مضاف إلى ما تمتعت ب عيناه في زوايا جمالية أخرى.
فائق العبودي: البلد الذي أسكنه فيه هدوء وسكينة ما فتح مخيلتي للإمساك بالعديد من الأفكار التي نفذتها واشتغلت عليها
فائق العبودي في كل تجاربه نجده يعاصر تحولات المرحلة التي نشاهد من خلالها عالم اللوحة، فلوحاته هي العالم المعاش بدقائق الاختيارات (الثيمية) المعبرة عن واقع وحضارة ورموز، وما إلى ذلك من تفاصيل تتمحور حول قبول الآخر في تلقيها.
ومن خلال التفحص الدقيق لأعماله، نلمس وبدقة كيفية اشتغاله على ثيمات الوجه والشبابيك والأقبية والأبواب والمربعات التي ترمز إلى بعد عرفاني، بالإضافة إلى استخدامه الأحرف التي من خلالها يمسك بإحساسه غير المباشر بعروبته، كلّها كانت مشاريع جمالية في غاية الانضباط كفنان محترف.
ولم تكن استخدامات الفنان اللّونية سوى لعبة مازجت بين وحدة المضمون (الفكرة) والمتخيّل الشكلي، فما كانت طريقة «الكونتراست»، ووجود ألوان حارة ومضيئة وغامقة في داخل اللوحة الواحدة سوى تناغم شكلي أعطى بعدا جماليا هائما، ولم يكن المنظور للشكل «المتضاد» سوى معادلة شكلية متوازنة.
ولعل أهم ما انتبه إليه الفنان فايق العبودي أن البيئة وتفاصيل واقعه الأول وما يحمله بلده من أعراف وتقاليد وحضارة، هي الفيصل الذي جعله قادرا على أن يكمل مشواره الجمالي في بيئة أخرى، وهي سمة تحسب له، مثل الكثير من الفنانين الذي غادروا العراق أو بلدانهم عامة وأقاموا مشاريعهم على الإرث الأول لهم، وهو إرث كبير وحاضر في كل الأجيال وفي كل الأزمان.
ويولد استعادة الرمز الشرقي/الرافديني، والاشتغال على وحدات وحفريات الحس الصوفي في بعض الأعمال، انعطافة كبيرة ودراية موضوعية تحيل إلى مساحات الفكر التأملي، بمعنى هناك تشكلات وتكوينات لها دلالات واسعة وبعيدة انطوى خلالها الفنان في جعل لوحته ذات أثر واضح يتناغم مع الإحساس والشعور بالأزمنة وبالطقوس وهذا رأي الناقد الراحل عادل كامل أيضا، لذا، جاءت جميع التجارب معبأة معمقة بالخيوط الممتدة بالأثر المستعاد، والاستعادة هنا ليست بمفهومها الحرفي، إنما بالطريقة التي وظفها لنفسه، وبالأسلوب الذي اشتغل عليه، وهذا ما جعل تفرده واضحا.
وفي حقيقة الأمر هناك العديد من فناني العراق دخلوا هذا الاشتغال، كله له طريقته الخاصة، لكنّ فائق العبودي، آثر على نفسه أن يصوغ عالمه التشكيلي بنفسه.
والملفت للنظر أيضا، التنوع الذي شاهدناه في أعماله، فمع رسوماته على قطع القماش، يناظر ذلك اشتغاله على قطع الخشب، وهذه الطريقة تحتاج إلى تقنية خاصة، لكن طريقة الأداء واستخدام اللون ذاتها التي عرف بها في رسمه للوحة القماش، أعني ما جاءت به ثيمة الموضوع، وفي كلا الحالتين بانت هوية الفنان وأخذت مكانها المعهود، فالأسلوب هو ذاته الأسلوب، أو كما يقول الفيلسوف بوفون «الأسلوب هو الرجل»، فكانت هويته واضحة وبارزة.
وفي حديث مع الفنان فائق العبودي الذي يقيم في سويسرا، أوضح «البلد الذي أسكنه فيه هدوء وسكينة ما فتح مخيلتي للإمساك بالعديد من الأفكار التي نفذتها واشتغلت عليها، لكني بقيت الفنان العراقي الذي تلقى تكوينا وتدريبا على أيدي كبار الفنانين العراقيين». وهذه الميزة تحسب للفنان كونه بقي ابن بيئته، بلد الرافدين، مهما تقادمت سنين الغربة.
ومع كل تجاربه الفنية التي تكللت في معارض شخصية، وأخرى عامة، فهو على استعداد لإقامة معرض شخصي في بلد أوروبي، ويسعى إلى أن يجدد ما جاء به من أعمال سابقة، لذا فهو في تواظب مستمر وإبداع دائم.
يذكر أن الفنان فائق العبودي هو من مواليد بغداد، درس الفنون الجميلة والتصوير الفوتوغرافي. كما درس التصميم الطباعي في سويسرا، وحصل على بكالوريوس فنون من الجامعة العربية المفتوحة في شمال الولايات المتحدة.
ويعيش العبودي في مدينة لوزان السويسرية منذ سنة 1999 وأسس فيها مركز فضاء الشرق الثقافي، ومجلة ألوان ثقافية وهي مجلة تهتم بالثقافة والإبداع والفنون. وشارك في عدد من المعارض الجماعية في مركز الفنون الجميلة في بغداد ما بين 1990 و1997. وأقام أول معرض شخصي له في بغداد سنة 1996.
وقدم أعماله الفنية في الإمارات العربية المتحدة سنة 1998 وفي سويسرا وفرنسا اعتبارا من سنة 1999. وهو عضو في عدد من أكاديميات الفنون الجميلة.
ومنذ بدايته الفنية، استلهم فائق العبودي، منذ بداية عمله الفني، تاريخ بلده، بلاد ما بين النهرين، وحضارته العريقة التي منحت البشرية أول رموز وعلامات الكتابة التي وجهت كل التاريخ البشري وقدم أكثر من عشرين معرضا شخصيا في عدد من دول العالم.
زهير الجبوري
كاتب وناقد عراقي