الفنُّ التشكيليُّ في "سورية".. محطاتٌ من الذاكرة
مايا حماده
دمشق
ثمّة أعمالٌ مهمةٌ نشطت بها الحركة الفنية التشكيلية في "سورية"، وأثرت في الواقع الفني المحلي منذ بدايات القرن العشرين حتى اليوم، حيث ساهمت الأبحاث المتخصصة ودور النقد في تقييم هذه التجارب الفنية لعدد من روّاد الفن التشكيلي عبر دراسة أعمالهم ومعارضهم، بالمقابل ما زال فنانو اليوم يحاولون التجديد في الأسلوب الفني السابق والتعبير عن خبايا الواقع بكل تفصيلاته وعرضها بطريقة خاصة، من خلال طرح إنتاجات ذات مستوى تقني وجمالي لافت يؤثر في ذهن المتلقي.
مراحلُ التوثيقِ
ترجع بدايات الفن التشكيلي السوري الحديث إلى مطلع القرن العشرين، وثمة إجماع على عدّ "توفيق طارق" رائداً له، هكذا يقول الناقد التشكيلي "سعد القاسم" لموقع مدوّنة وطن ويشير إلى أنه مع تباين اتجاهات الفنانين وأساليبهم في مرحلة الريادة عموماً، فإنها لم تخرج عن الواقعية والانطباعية - يعد "ميشيل كرشة" رائدها في "سورية" - اللتين ظلتا مستمرتين في الأجيال الفنية المتتالية بأشكال شتى، ويضيف قائلاً: في المرحلة التالية لمرحلة الرواد ظهرت العديد من الاتجاهات التي ترجمت مفاهيم فكرية تشكيلية تراوحت بين تأصيل الإبداع التشكيلي، وتوثيق صلته بعصره فمّثل"أدهم إسماعيل ونعيم إسماعيل" اتجاهاً يسعى لاستلهام الخيط الزخرفي العربي والزخرفة الهندسية والنباتية، وكذلك الحكاية في صنع لوحة معاصرة، وفي المسار ذاته اتجه فنانون نحو استخدام الكتابة العربية بصيغ مختلفة نُسبت إلى (الحروفية)، من أهمهم "محمود حماد" الذي انتقل من الواقعية التعبيرية ليؤسس اتجاهاً تجريدياً يعتمد تحوير الحرف العربي إلى صيغة تشكيلية معاصرة، و"سامي برهان" الذي اعتمد في لوحته نصاً أدبياً يعيد صياغته برؤية تشكيلية.
"المدرّس" رائدُ الحداثة
ظهر اتجاه بالغ الأهمية بعد جيل الرواد الثاني على يد "فاتح المدرس"، يتابع الناقد التشكيلي "سعد القاسم" حديثه ويبين بأن لوحة الفنان فاتح (كفر جنة) عام 1952 تعد بداية لاتجاهات الحداثة في الفن التشكيلي السوري، وهذا الاتجاه الذي وصف بالتعبيري حيناً وبالواقعي التعبيري حيناً آخر، حيث كان يستلهم الفنان موضوعاته وأشكاله من العلاقة بين الإنسان والمكان، ومن التراث الحضاري على امتداد تاريخه وشواهده في "سورية"، وإلى جانب ما سبق ظهر اتجاه التجريد، كما أن السريالية لم تغب عن المشهد التشكيلي السوري، وبالتالي يجد الجيل الجديد من التشكيليين أمامه ثلاثة مصادر ثرية تغني تجاربهم، أولها التراث الخالد للحضارات التي عرفتها الأرض السورية، وثانيها التراث الفني العالمي، والثالث تجارب أسلافه من جيلي الرواد، ومن تلاهم.
لوحة للفنان التشكيلي فاتح المدرس
حركةُ تسويقٍ
لوحة بريشة خلّاقة
أكثر ما كان يميّز الفن التشكيلي السوري في مرحلة أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، هو انتعاش أو ازدهار حركة تسويق الأعمال الفنية، وحسب قول الفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي "أديب مخزوم": فإن بعض الفنانين كانوا يبيعون المعرض بكامله بحسب ما أكد له مدير صالة "أورنينا"، ومنهم الفنان "حمود شنتوت" الذي باع جميع لوحات معرضه في تلك الصالة، وكان قد أنجز بعضها في محترفات "البوزار" خلال دراسته للفن في "باريس"، كما أن ازدهار حركة الاقتناء انعكست بشكل إيجابي على حركة المعارض، وأدت إلى افتتاح صالات عرض خاصة جديدة (من ضمنها صالة وفاء وصالة دمشق وصالة زنوبيا وغيرها)، إلا أنّ هذه الصالات أغلقت الواحدة تلو الأخرى، إثر تراجع حركة شراء أو اقتناء العمل الفني، في حين استمرت الصالات الأخرى، وإلى يومنا هذا، رغم الأزمات المتفاقمة التي أدت إلى تقلص حركة الاقتناء إلى حد بعيد، حتى أن الجهات الرسمية لم تعد تقتني إلا ضمن نطاق محدود وبأسعار رمزية، وقد شهد الجميع في تلك المرحلة معارض في كل الصالات والمراكز الثقافية الأجنبية لكبار الفنانين ومن كل الأجيال، إضافة لأسماء جديدة موهوبة برزت في تلك الفترة، وأخذت موقعها المتقدم فيما بعد.
بعيداً عن التقليد
شكّلت معارض الفنانين في مرحلة أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، امتداداً لتجارب روّاد الحداثة في التشكيل السوري، يتابع الناقد "أديب مخزوم" حديثه بالقول: "ارتبطت أعمالهم بالأجواء المألوفة والمطروحة في الفنون الأوروبية منذ نهاية القرن التاسع عشر، حيث أن الفن السوري في كل مراحله دخل في إطار المغامرة والتجريب، ضمن الأطر الفنية الغربية، وبالتالي فهو يثير التساؤل وعلامات الاستفهام حول مفهوم التشكيل الحديث، ومسالك الابتكار وعلاقة التراث بالحداثة والمعاصرة، لأن التجديد في الفن التجريدي لا يعني استعادة الصيغ الغربية الجاهزة، وإنما الاندماج بنبض الحالة الداخلية الذاتية والمشاعر المعاشة أثناء إنجاز اللوحة، لأنه حين يكون الإحساس يكون الكشف في حركة الخطوط والإشارات والدلالات اللونية، هكذا نجد أن التعبير باللمسة اللونية العفوية في التجارب التشكيلية العربية الحديثة، هو في جوهره محاولة لاستعادة الطريقة ذاتها التي وضع أسسها الفنان الأوروبي الحديث".
مايا حماده
دمشق
ثمّة أعمالٌ مهمةٌ نشطت بها الحركة الفنية التشكيلية في "سورية"، وأثرت في الواقع الفني المحلي منذ بدايات القرن العشرين حتى اليوم، حيث ساهمت الأبحاث المتخصصة ودور النقد في تقييم هذه التجارب الفنية لعدد من روّاد الفن التشكيلي عبر دراسة أعمالهم ومعارضهم، بالمقابل ما زال فنانو اليوم يحاولون التجديد في الأسلوب الفني السابق والتعبير عن خبايا الواقع بكل تفصيلاته وعرضها بطريقة خاصة، من خلال طرح إنتاجات ذات مستوى تقني وجمالي لافت يؤثر في ذهن المتلقي.
مراحلُ التوثيقِ
ترجع بدايات الفن التشكيلي السوري الحديث إلى مطلع القرن العشرين، وثمة إجماع على عدّ "توفيق طارق" رائداً له، هكذا يقول الناقد التشكيلي "سعد القاسم" لموقع مدوّنة وطن ويشير إلى أنه مع تباين اتجاهات الفنانين وأساليبهم في مرحلة الريادة عموماً، فإنها لم تخرج عن الواقعية والانطباعية - يعد "ميشيل كرشة" رائدها في "سورية" - اللتين ظلتا مستمرتين في الأجيال الفنية المتتالية بأشكال شتى، ويضيف قائلاً: في المرحلة التالية لمرحلة الرواد ظهرت العديد من الاتجاهات التي ترجمت مفاهيم فكرية تشكيلية تراوحت بين تأصيل الإبداع التشكيلي، وتوثيق صلته بعصره فمّثل"أدهم إسماعيل ونعيم إسماعيل" اتجاهاً يسعى لاستلهام الخيط الزخرفي العربي والزخرفة الهندسية والنباتية، وكذلك الحكاية في صنع لوحة معاصرة، وفي المسار ذاته اتجه فنانون نحو استخدام الكتابة العربية بصيغ مختلفة نُسبت إلى (الحروفية)، من أهمهم "محمود حماد" الذي انتقل من الواقعية التعبيرية ليؤسس اتجاهاً تجريدياً يعتمد تحوير الحرف العربي إلى صيغة تشكيلية معاصرة، و"سامي برهان" الذي اعتمد في لوحته نصاً أدبياً يعيد صياغته برؤية تشكيلية.
"المدرّس" رائدُ الحداثة
ظهر اتجاه بالغ الأهمية بعد جيل الرواد الثاني على يد "فاتح المدرس"، يتابع الناقد التشكيلي "سعد القاسم" حديثه ويبين بأن لوحة الفنان فاتح (كفر جنة) عام 1952 تعد بداية لاتجاهات الحداثة في الفن التشكيلي السوري، وهذا الاتجاه الذي وصف بالتعبيري حيناً وبالواقعي التعبيري حيناً آخر، حيث كان يستلهم الفنان موضوعاته وأشكاله من العلاقة بين الإنسان والمكان، ومن التراث الحضاري على امتداد تاريخه وشواهده في "سورية"، وإلى جانب ما سبق ظهر اتجاه التجريد، كما أن السريالية لم تغب عن المشهد التشكيلي السوري، وبالتالي يجد الجيل الجديد من التشكيليين أمامه ثلاثة مصادر ثرية تغني تجاربهم، أولها التراث الخالد للحضارات التي عرفتها الأرض السورية، وثانيها التراث الفني العالمي، والثالث تجارب أسلافه من جيلي الرواد، ومن تلاهم.
لوحة للفنان التشكيلي فاتح المدرس
حركةُ تسويقٍ
لوحة بريشة خلّاقة
أكثر ما كان يميّز الفن التشكيلي السوري في مرحلة أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، هو انتعاش أو ازدهار حركة تسويق الأعمال الفنية، وحسب قول الفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي "أديب مخزوم": فإن بعض الفنانين كانوا يبيعون المعرض بكامله بحسب ما أكد له مدير صالة "أورنينا"، ومنهم الفنان "حمود شنتوت" الذي باع جميع لوحات معرضه في تلك الصالة، وكان قد أنجز بعضها في محترفات "البوزار" خلال دراسته للفن في "باريس"، كما أن ازدهار حركة الاقتناء انعكست بشكل إيجابي على حركة المعارض، وأدت إلى افتتاح صالات عرض خاصة جديدة (من ضمنها صالة وفاء وصالة دمشق وصالة زنوبيا وغيرها)، إلا أنّ هذه الصالات أغلقت الواحدة تلو الأخرى، إثر تراجع حركة شراء أو اقتناء العمل الفني، في حين استمرت الصالات الأخرى، وإلى يومنا هذا، رغم الأزمات المتفاقمة التي أدت إلى تقلص حركة الاقتناء إلى حد بعيد، حتى أن الجهات الرسمية لم تعد تقتني إلا ضمن نطاق محدود وبأسعار رمزية، وقد شهد الجميع في تلك المرحلة معارض في كل الصالات والمراكز الثقافية الأجنبية لكبار الفنانين ومن كل الأجيال، إضافة لأسماء جديدة موهوبة برزت في تلك الفترة، وأخذت موقعها المتقدم فيما بعد.
بعيداً عن التقليد
شكّلت معارض الفنانين في مرحلة أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، امتداداً لتجارب روّاد الحداثة في التشكيل السوري، يتابع الناقد "أديب مخزوم" حديثه بالقول: "ارتبطت أعمالهم بالأجواء المألوفة والمطروحة في الفنون الأوروبية منذ نهاية القرن التاسع عشر، حيث أن الفن السوري في كل مراحله دخل في إطار المغامرة والتجريب، ضمن الأطر الفنية الغربية، وبالتالي فهو يثير التساؤل وعلامات الاستفهام حول مفهوم التشكيل الحديث، ومسالك الابتكار وعلاقة التراث بالحداثة والمعاصرة، لأن التجديد في الفن التجريدي لا يعني استعادة الصيغ الغربية الجاهزة، وإنما الاندماج بنبض الحالة الداخلية الذاتية والمشاعر المعاشة أثناء إنجاز اللوحة، لأنه حين يكون الإحساس يكون الكشف في حركة الخطوط والإشارات والدلالات اللونية، هكذا نجد أن التعبير باللمسة اللونية العفوية في التجارب التشكيلية العربية الحديثة، هو في جوهره محاولة لاستعادة الطريقة ذاتها التي وضع أسسها الفنان الأوروبي الحديث".