تحليل فيلم Persona: التجربة النفسية الأكثر غموضاً وجاذبية
فيلم برسونا من إخراج إنجمار برجمان
- Post author:وائل الشيمي
- Post published:05/02/2022
- Post category:فن
- معنى Persona
- من أين جاءت الفكرة
- قصة فيلم Persona
- تحليل مشاهد فيلم Persona
- المحادثة الأولى
- لقاء الليل
- رسالة البريد
- زوج إليزابيث
- اعتراف إليزابيث
- تحليل نهاية فيلم Persona
- مراجعة فيلم Persona
- الواقع والخيال في برسونا
فيلم Persona هو أحد أكثر أفلام المخرج السويدي الغني عن التعريف إنجمار بيرجمان تعقيداً؛ وعلى الرغم من إنه فيلم متقلب المزاج يحوي بداخله الكثير من الانفعالات إلا أنه يتطلب بعض التركيز لما يتضمنه من أفكار نفسية صعبة إلى حد ما. في هذا المقال نتناول تحليل فيلم Persona بشيء من التفصيل.
معنى Persona
قبل أن نخوض معاً في قصة الفيلم لابد من التنويه إلى بعض الأمور الخاصة به. في البداية يشير عنوان الفيلم وهي كلمة لاتينية تعني الأقنعة التي يرتديها الممثلون في الدراما الكلاسيكية، وهو مصطلح استخدمه عالم النفس كارل يونج لوصف الشخصية المصطنعة التي يستخدمها الفرد لإخفاء ذاته الحقيقية.
من أين جاءت الفكرة
في عام 1965، كان بيرجمان مخرجاً ذائع الصيت عالمياً؛ وذلك بعد إخراجه لأفلام مثل The Seventh Seal وWild Strawberries في عام 1957. وفي ذلك الوقت كان يستعد لتصوير فيلم جديد، لكنه أصيب بنزلة برد سرعان ما تحولت إلى التهاب رئوي حاد. لذا قضى بيرجمان شهوراً في المستشفى غير قادر على العمل. وفي ذلك الوقت خطرت له فكرة فيلم Persona حينما كان مستلقياً على فراشه في المستشفى. حيث يقول:
“كنت مستلقياً هناك، نصف ميت، وفجأة بدأت أفكر في وجهين متداخلان، وكانت تلك هي البداية. ثم ذات يوم رأيت أمامي فجأة امرأتين تجلسان بجانب بعضهما البعض وتقارنان الأيدي ببعضهما البعض. وتخيلت في نفسي أن إحداهما صامتة والأخرى تتحدث”.
قصة فيلم Persona
تدور أحداث الفيلم حول امرأتين: هما إليزابيث فوغلر – ليف أولمان – وهي ممثلة مسرحية مشهورة، وألما – بيبي أندرسون – وهي ممرضة شابة. ولكن قبل تقديم هاتين الشخصيتين، بدأ إنجمار بيرجمان فيلمه بشكل غامض من خلال جهاز لعرض الأفلام عرض عليه فيلم قديم ثم بعض الصور المنفصلة، تتضمن هذه الصور بعض أفلام الكوميديا الهزلية الصامتة، وعنكبوت، ومشاهد صلب، وذبح حمل. ثم نرى صبياً صغيراً يستيقظ في سرير أطفال بالمستشفى وينظر حوله، وأخيراً يحدق في شاشة كبيرة تظهر صورة ضبابية لوجه امرأة.
ثم نتعرف على المرأتين إليزابيث وألما. ففي منتصف أحد عروض إليزابيث المسرحية توقفت فجأة وكأنها تفاجأت بشيء ما؛ ومنذ تلك اللحظة ظلت صامتة لا تتحدث لأحد قرابة الثلاثة أشهر. قرر أطباؤها في وقت لاحق أنه لا يوجد أية مشكلة جسدية أو صحية بها. وأن صمتها المطلق جاء نتيجة لقرار عنيد من جانبها.
تعتقد طبيبة إليزابيث النفسية – مارجريتا كروك – أن انسحاب إليزابيث الكامل ناتج عن قلق متعصب بشأن أصالتها الشخصية – ويبدو أن إليزابيث لا تريد التعبير عن أي شيء ليس صحيحاً بشكل أساسي عن نفسها، ولذا فهي متمسكة بصمتها. وبناءً على ذلك، تكلف الطبيبة الممرضة ألما بأخذ إليزابيث إلى كوخ نائي في جزيرة لقضاء بعض الوقت في الاسترخاء مع الممثلة والمساعدة في إخراج المرأة من هذه الحالة.
تحليل مشاهد فيلم Persona
نال الفيلم العديد من الانتقادات الخاصة بالقصة؛ وقد أشار النقاد إلى أن الأحداث المعروضة في الفيلم لا تجعل له قصة واحدة متماسكة؛ مما يترك للمشاهدين حرية بناء قصصهم الخاصة من تلك الأجزاء السردية التي تم تقديمها في الفيلم. لكن يمكننا تجميع هذه القطع السردية المتفرقة في ست مجموعات لنحاول فهم ما تحاول القصة إيصاله.
المحادثة الأولى
كانت المحادثة الأولى داخل الكوخ. حيث أخبرت ألما رفيقتها الصامتة أنها سعيدة بالعثور أخيراً على شخص يستمع إلى ثرثرتها. وبدأت تتحدث عن خطيبها الحالي وأيضاً عن علاقتها الرومانسية الأولى التي كانت مع رجل أكبر سناً والتي استمرت خمس سنوات.
ثم تروي قصة أكثر تفصيلاً وصراحة عن تجربتها الجنسية على الشاطئ. وقد حدثت هذه التجربة في وقت كانت فيه بالفعل متورطة مع خطيبها وذهبت وحدها إلى الشاطئ. وهناك التقت بامرأة أخرى واستلقى الاثنان عرايا تحت اشعة الشمس. ثم ظهر شابان، وبدأت طقوس العربدة. وبعد ذلك عادت إلى خطيبها ومارست معه الجنس لتحمل في تلك الليلة ثم تضطر إلى إجراء عملية إجهاض لاحقاً. وهي لا تزال تشعر بالذنب لهذا الأمر. كل هذه القصص تقال شفهياً وإليزابيث تستمع إلى حديثها باهتمام.
لقاء الليل
لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن ألما معجبة بمريضتها إليزابيث، وتريد أن تكون مثل النجمة الشهيرة. وفي المساء، تعتقد ألما أنها تسمع إليزابيث تهمس لها لتذهب إلى الفراش. ثم في وقت لاحق من الليل، تستيقظ ألما لترى – أو ربما تحلم – إليزابيث وهي تأتي إليها وتحتضنها بحنان. لكن في الصباح، سألت ألما إليزابيث عن هاتين الحادثين، وتنفي المرأة بصمت وقوعهما.
رسالة البريد
في أحد الأيام، توجهت ألما إلى المدينة لإرسال بعض الرسائل التي كتبتها إليزابيث بالبريد، ولاحظت أن رسالة إليزابيث إلى طبيبها ليست مختومة، لذا شرعت في قراءتها. لتجد ألما فيها أن إليزابيث تذكر القصة الشخصية للممرضة عن العربدة على الشاطئ والإجهاض. لذا تغضب ألما وتشرع في كراهية إليزابيث. في هذه المرحلة، يتفكك الفيلم لفترة وجيزة مع بعض التعديلات السينمائية الاصطناعية كما في التسلسل الافتتاحي، وبالتالي تذكير المشاهدين بأنهم يشاهدون فيلماً فقط.
عندما تعود ألما إلى الكوخ، تواجه إليزابيث بغضب وتهددها بحرقها بقدر من الماء المغلي. وهنا وللمرة الأولى والأخيرة نسمع فيها صوت إليزابيث تتوسل إليها. لتتوقف ألما عن تهديدها. ومن ثم تهرب إليزابيث وتطاردها ألما لتطلب منها مسامحتها، إلا أن إليزابيث ترفض ذلك.
زوج إليزابيث
ذات ليلة، سمعت ألما رجلاً بالخارج ينادي إليزابيث، واتضح أنه زوج إليزابيث – يلعب دوره جونار بيورنستراند. ويبدو أن الرجل يعاني من ضعف في البصر، ويخطئ ألما بزوجته. وعلى الرغم من أن ألما أخبرته أنه مخطئ، إلا أنها سرعان ما تستسلم وتفترض هوية إليزابيث. ثم يمضي الزوجان في ممارسة الجنس معاً بينما تراقب إليزابيث، على مقربة منهما بصمت.
اعتراف إليزابيث
في وقت سابق، تلقت إليزابيث رسالة من زوجها تحتوي على صورة لابنها، والتي شرعت في تمزيقها. تلتقي ألما الآن بإليزابيث لتتحدث عن سبب تمزيق إليزابيث للصورة. هنا تشرع إليزابيث في تقديم روايتها، ونرى وجهها، لكن روايتها تُروى بصوت ألما. يقول الصوت أن الشيء الوحيد الذي أرادته إليزابيث ولم يكن لديها هو الأمومة، ولذلك حملت. ومع ذلك، سرعان ما أعربت عن أسفها لقرارها وحاولت إجراء عملية إجهاض ذاتية، لكنها فشلت. انتهى بها الأمر بإنجاب طفل كانت تأمل أن يموت وقد احتقرته دائماً منذ ذلك الحين. ومع ذلك فقد كان ابنها المرفوض يتمنى حبها دائماً.
ومن الغريب أن هذه القصة نفسها تتكرر كلمة بكلمة، ويظهر الآن فقط وجه ألما وهو يروي نفس القصة بالضبط.
تحليل نهاية فيلم Persona
ينتهي الفيلم بألما في حالة حزن. وأكدت بإصرار لإليزابيث أن لديها هويتها الخاصة التي تختلف كثيراً عن إليزابيث. وفي وقت لاحق تمكنت أخيراً من إقناع إليزابيث بقول شيء ما – كلمة “لا شيء”. ثم تحزم ألما أغراضها وتستقل حافلة لتغادر الكوخ، مصحوبة بلقطة تظهر طاقم تصوير يصورها.
إذن ما الذي يمكن قوله عن المعنى العام لهذا العمل الغريب والمفكك؟ أثناء مشاهدته، من الممكن تحديد بعض الموضوعات الرئيسية التي يتردد صداها في جميع أنحاء:
- الأصالة الشخصية. ما هو الجوهر الحقيقي للإنسان وكيف يتم الكشف عنه؟
- صور الوجه التي يمكن أن تكشف أو تخفي الشخصية الحقيقية للفرد.
- اللمس باليد الذي يمكن أن يؤكد بها المرء حقيقة ما يراه.
- عدم كفاية اللغة للكشف عن الطبيعة الأساسية للتجربة.
- البحث الذي لا ينتهي عن المعنى الحقيقي للحياة.
هذا التفسير هو الأكثر إقناعاً ويبدو واضحاً في العديد من مشاهد الفيلم على سبيل المثال
(أ) اللقاء الليلي بين إليزابيث وألما.
(ب) زوج إليزابيث أخذ ألما بدلاً من زوجته.
(ج) التكرار الدقيق لاعتراف إليزابيث، حيث أظهر وجه إليزابيث أولاً ثم وجه ألما، ولكن في كل مرة تحدث بصوت ألما.
مراجعة فيلم Persona
بعد تحليل فيلم Persona لا يتبقى سوى مراجعة هذا الفيلم الرائع. فهو عبارة عن دراسة عميقة للنفس البشرية. وهو قصة صادقة عن الوجود والآمال الكاذبة. وتشريح لليأس والعزلة العميقة. والتعبير عن الحياة وكأنها بمثابة قناع للمشاعر والتوقعات. إنه مجرد غرفة أخرى داخل عالم بيرجمان الكئيب الذي يستخدم فيه ألعابه المفضلة من الفلاش باك وتسلسل الأحلام والرؤى والذكريات.
يتناول الفيلم صراع نفسي بين امرأتين ويكشف عن صراع داخلي، بين حقيقة الذات التي تريد أن تتحدث بحرية تامة وبين الحياة الواقعية المزيفة الخفية للشخصية. إنه صراع داخل روح بائسة تحاول أن تعبر عما بداخلها من خلال الصمت. فالصمت وقسوة الرسائل وصرخات واعترافات ألما ليست سوى بنادق في حرب غريبة وغامضة. لذا، فإن أي فيلم لهذا المخرج العظيم هو رد شخصي ديني على الخوف الدائم الخفي.
الواقع والخيال في برسونا
يعد فيلم Persona أحد أكثر الأعمال التجريبية والحداثية لبرجمان، فهو يستخدم الحد الأدنى من السرد الذي يتم توجيهه بالكامل بين ألما وإليزابيت، حيث تتحدث واحدة بقلق شديدة بينما الأخرى صامتة. في البداية لابد أن نتساءل حول مشكلة إليزابيث التي جعلتها لا تتحدث طواعية. ربما يكمن هذا السبب في كونها ممثلة فهي تدرك تماماً مدى خداع الكلمات وزيفها، ليس للأخرين فحسب بل لذاتها كذلك. ففي كل مرة يقول المرء شيئاً ما، تكون خيانة لهويته.
بعد ذلك، يتغير التركيز نحو ألما. حيث تأخذ الوظيفة كتحدي للتأثير على عزم إليزابيث، وإعادتها إلى طبيعتها، ومن ثم تصادقها، وتكشف عن غير قصد أكثر الأمور شخصية لها – حول مغامرتها الجنسية، وخيانة خطيبها. لكن يتحطم كل التناغم الواضح عندما تقرأ ألما رسالة إليزابيت، ويؤدي شعورها المفاجئ بخيبة الأمل والخيانة إلى تصرفها العدواني والعدائي تجاه إليزابيث. ومن هنا، يزيل برجمان بهدوء القصة من أي إجراءات عادية للتماسك، ويخفي بجرأة التمييز الملموس للواقع والخيال، حيث يصبح سلوك ألما أكثر فأكثر غير عقلاني ومحموم. فهناك شظايا زجاجية، وماء مغلي، ومواجهات قاسية. ثم يأتي لعب الأدوار، وتكرار توضيحات للعلاقة البائسة بين إليزابيث وابنها، حتى تأتي النهاية عندما يندمج وجه ألما وإليزابيت في وجه واحد، كل شيء محير تماماً، من خلال اللقطات المقربة المتجاورة، والتصوير السينمائي الأثيري والكلمات خارج السياق، إنه أمر محبط ومتألق في نفس الوقت، وهو علامة مميزة لمدرسة بيرجمان في الإخراج.
في الختام وبعد تحليل فيلم Persona لابد من التنويه إلى أنه فيلماً مليئاً بالتحدي والحيرة، ويتطلب تركيزاً عالياً من أجل الاستمتاع به ومعايشته. وهو أحد الأفلام التي ربما لا تناسب البعض الذين يسعون إلى مجرد المتعة العابرة. فهو فيلم نفسي يدخل ضمن أفضل الأفلام في تاريخ السينما.