ما هي المادة المظلمة
إن كوننا الفسيح يحمل من الأمور العجيبة والأسرار الغريبة ما لا يستطيع العلم في وقتنا الحاضر تفسيره وإيجاد مبرّراتٍ منطقيّةٍ له. وأحد أكثر الأمور الغامضة التي لا زلنا نجهل كثيرًا عنها في فضائنا الشاسع هو ما يُعرف بـ المادة المظلمة.
فما هي المادّة المظلمة تبعًا نظريّات علمائنا اليوم؟ وكيف تمّ التوصّل إلى وجود مثل هذه المادّة في كوننا؟ وما هي وظيفتها بالضبط؟ سنخوض في رحاب هذا المقال رحلةً قصيرةً نجيب فيها عن هذه التساؤلات ونستعرض آخر المعلومات التي توصّلت إليها البشريّة بخصوص المادّة المظلمة.
المادة المظلمة Dark Matter
المادّة المظلمة (بالإنكليزية Dark Matter) هي في الواقع مادّة غير ذات سماتٍ وخصائصٍ محدّدةٍ. وعلى الرغم من أن العلماء في وقتنا الحاضر لا يعلمون ماهيّة هذه المادّة بالضبط، إلّا أنّهم تمكّنوا من تحديد بعض السلوكيّات الخاصّة بها.
على خلاف سلوك المواد الطبيعية حولنا، إن المادّة المظلمة لا تتفاعل مع الحقل الكهرومغناطيسي. هذا يعني في الواقع أن المادّة المظلمة لا تمتص أو تعكس الأمواج الضوئيّة إطلاقًا، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان أن نحدّد وجودها وخصائصها بشكلٍ دقيقٍ.
والجدير بالذّكر أن العلماء رصدوا وجود المادة المظلمة عن طريق تأثير الجاذبيّة التي تطبِّقه على المواد والعناصر الماديّة المرئيّة حولها. إن كتلة المادّة المظلمة تزيد عن كتلة المواد الطبيعية بستّة أضعاف وتشكّل 27% من مكوّنات كوننا الواسع.
الطاقة المظلمة Dark Energy
إن ما لا نعرفه عن الطاقة المظلمة أكثر بكثيرٍ ممّا نعرفه في وقتنا الحاضر. والحقيقة أنّ العلماء تمكّنوا من اكتشاف وجود مثل هذه الطاقة في كوننا فقط عبر تأثيرها على ظاهرة توسّع الكون، أما اختبار وجودها بشكلٍ حقيقيٍّ مرئيٍّ فهذا ما لم يتمكّن منه العلم حتى الآن.
والأمر المثير
للاهتمام أن العلماء قد حدّدوا نسبة وجود الطاقة المظلمة في الفضاء وهي تشكّل 68%
من مكوّنات الكون، و 27%، كما ذكرنا سابقًا، مادّة مظلمة، ولكن الغريب في الأمر أن
جميع النجوم والأجرام والكواكب وما سوى ذلك من عناصر الفضاء والمواد الطبيعي
المرئيّة لنا لا تشكّل سوى 5 % من مكوّنات كوننا!
وأحد التفسيرات التي قدّمها العلماء تنسِبُ وجود الطاقة المظلمة إلى خصائص الكون نفسه، كأن نقول مثلًا أن البحر رطبٌ، فالبحر في أصله ماء، والرطوبة أحد مظاهر وجود الماء الطبيعية. وكان ألبرت أينشتاين أول من أدرك أن الفضاء ليس فراغًا خاليًا.
أدلة وجود المادة
المظلمة
المزيد والمزيد من الاكتشاف تظهر باستمرارٍ مع تعمّق علماء الفلك في دراسة المجرّات البعيدة. وكان آخرها دراسة العناقيد المجريّة (والتي تتشكل من اجتماع 50 مجرّة، وقد يصل العدد إلى آلاف المجرّات) في محاولةٍ لتقصّي وجود بقعٍ من الغازات الساخنة جدًا والتي لم يتم اكتشافها سابقًا من قبل الأجهزة والحسّاسات، على أمل أن تكون هذه الغازات هي المادّة المظلمة التي يصبوا العلماء لاكتشاف طبيعتها.
وهذا ما حدث بالفعل، فعندما قام العلماء بتحرّي تلك العناقيد المجريّة بواسطة تيليسكوب الأشعة السينية (نوعٌ خاصٌ من التيليسكوبات بإمكانه كشف بعض المواد التي لا يستطيع التيليسكوب التقليدي كشفها) تمكّنوا من تأكيد وجود كميّاتٍ هائلةٍ من السحب الغازيّة الحارّة.
ولكن الأمر المثير للاهتمام هو أن الأرقام المشيرة إلى الضغوط في تلك السحب الغازيّة كانت هائلةً بكل معنى الكلمة، وأن وجود مثل هذه الضغوط الغازيّة الداخليّة بين العناقيد المجريّة لا بد سيؤدي إلى انفصالها عن بعضها على الرغم من قوى الجاذبيّة الكبيرة بين عناصر تلك المجرّات.
هذه الحقيقة وجّهت العلماء إلى ضرورة وجود عنصرٍ مادّيٍّ معيّنٍّ بكميّةٍ كبيرةٍ جدًا ضمن وحول هذه العناقيد المجريّة، يطبّق عليها قوى جاذبيّةٍ هائلةٍ ليضمن استمرار ارتباط هذه المجرّات ببعضها رغم الضغوط الكبيرة بداخلها، وهذا العنصر المجهول دعاه العلماء بالمادّة المظلمة.
ما هي أنواع
المادة المظلمة
على الرغم من أن العلماء لم يتمكّنوا من تحديد ماهيّة المادّة المظلمة على وجه التحديد، إلّا أنّهم قاموا برصد بعض الصفات والخصائص المُتباينة لهذه المادّة، وقاموا على خلفيّة ذلك بوضع تصنيفاتٍ للمادة المظلمة وفق التالي:
الصغيرة، الضعيفة
والمتبعثرة
إن العلماء الفيزيائيين يصنّفون هذا النوع من المادة المظلمة تحت عنوان الجُزيئات الثقيلة ضعيفة التفاعل (اختصارًا WIMPS). ما يميّز هذه الجُزيئات الثقيلة أنّها لا تتفاعل مع التأثيرات الكهرومغناطيسيّة، إلّا أنّها في الوقت نفسه تؤثّر وتتأثّر بالجُزيئات الماديّة المحيطة من خلال القوى النووية الضعيفة، وهذا يعني نظريًّا أن بإمكاننا تقصّي وجود هذه المادّة المظلمة.
الكبيرة السوداء
والقليلة
بدلًا من أن تُنسب المادة المظلمة إلى صنفٍ جديد وغريبٍ من المواد أو الجُزيئات التي لا نعرفها، يمكن أن تكون ببساطةٍ أجسامًا وجُزيئاتٍ عاديّةً ولكن ذات صفاتٍ وتأثيراتٍ غير عاديّةٍ. وأحد الموجودات الفلكيّة المرشّحة لذلك هي الأجسام الكبيرة المتراصة ذات الهالات (أو ما يُعرف اختصارًا في علم الفلك بـMACHOS)، وهي أجسامٌ كبيرةٌ شبيهةٌ بالتركيبات النجميّة إلّا أنّها لا تتوهّج بشكلٍ متناسبٍ مع حجمها الكبير.
نقطة الضعف في هذه
النظرية تكمن في أنّ هذه الأجسام الكبيرة يجب أن تغطّيَ ما يُقارب 85% من الفضاء
لكي تتمكّن من تطبيق تأثير الجاذبيّة نفسه الذي لوحظ من قبل المادة المظلمة
المجهولة.
لا وجود للمادة
المظلمة من الأساس
على الرغم من أن مثل هذا الاحتمال بعيد، إلّا أنّنا قد نكون مخطئين في طريقة فهمنا لعمل الجاذبيّة وكيف تبقى الأجسام الكبيرة كالعناقيد المجريّة متراصّةً مع بعضها رغم الضغوط الكبيرة داخلها.
ولا يزال العلماء حتى وقتنا الحاضر يجرون الاختبارات ويعيدون تطبيق الحسابات على نظرية أينشتاين للنسبية العامّة، في محاولةٍ منهم لرصد ثغرةٍ في تلك النظرية تمكّنهم من تفسير وجود المادة المظلمة دون أن نضطّر إلى افتراضها على أنّها جُزيئاتٌ جديدةٌ غريبةٌ أو أجسامٌ فوق طبيعيّة. ولكن حتى اللحظة لازالت نظرية النسبية العامّة صامدةً، ولا زال البحث قائمًا حول ماهيّة المادة المظلمة على وجه التحديد.
إن كوننا الفسيح يحمل من الأمور العجيبة والأسرار الغريبة ما لا يستطيع العلم في وقتنا الحاضر تفسيره وإيجاد مبرّراتٍ منطقيّةٍ له. وأحد أكثر الأمور الغامضة التي لا زلنا نجهل كثيرًا عنها في فضائنا الشاسع هو ما يُعرف بـ المادة المظلمة.
فما هي المادّة المظلمة تبعًا نظريّات علمائنا اليوم؟ وكيف تمّ التوصّل إلى وجود مثل هذه المادّة في كوننا؟ وما هي وظيفتها بالضبط؟ سنخوض في رحاب هذا المقال رحلةً قصيرةً نجيب فيها عن هذه التساؤلات ونستعرض آخر المعلومات التي توصّلت إليها البشريّة بخصوص المادّة المظلمة.
المادة المظلمة Dark Matter
المادّة المظلمة (بالإنكليزية Dark Matter) هي في الواقع مادّة غير ذات سماتٍ وخصائصٍ محدّدةٍ. وعلى الرغم من أن العلماء في وقتنا الحاضر لا يعلمون ماهيّة هذه المادّة بالضبط، إلّا أنّهم تمكّنوا من تحديد بعض السلوكيّات الخاصّة بها.
على خلاف سلوك المواد الطبيعية حولنا، إن المادّة المظلمة لا تتفاعل مع الحقل الكهرومغناطيسي. هذا يعني في الواقع أن المادّة المظلمة لا تمتص أو تعكس الأمواج الضوئيّة إطلاقًا، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان أن نحدّد وجودها وخصائصها بشكلٍ دقيقٍ.
والجدير بالذّكر أن العلماء رصدوا وجود المادة المظلمة عن طريق تأثير الجاذبيّة التي تطبِّقه على المواد والعناصر الماديّة المرئيّة حولها. إن كتلة المادّة المظلمة تزيد عن كتلة المواد الطبيعية بستّة أضعاف وتشكّل 27% من مكوّنات كوننا الواسع.
الطاقة المظلمة Dark Energy
إن ما لا نعرفه عن الطاقة المظلمة أكثر بكثيرٍ ممّا نعرفه في وقتنا الحاضر. والحقيقة أنّ العلماء تمكّنوا من اكتشاف وجود مثل هذه الطاقة في كوننا فقط عبر تأثيرها على ظاهرة توسّع الكون، أما اختبار وجودها بشكلٍ حقيقيٍّ مرئيٍّ فهذا ما لم يتمكّن منه العلم حتى الآن.
والأمر المثير
للاهتمام أن العلماء قد حدّدوا نسبة وجود الطاقة المظلمة في الفضاء وهي تشكّل 68%
من مكوّنات الكون، و 27%، كما ذكرنا سابقًا، مادّة مظلمة، ولكن الغريب في الأمر أن
جميع النجوم والأجرام والكواكب وما سوى ذلك من عناصر الفضاء والمواد الطبيعي
المرئيّة لنا لا تشكّل سوى 5 % من مكوّنات كوننا!
وأحد التفسيرات التي قدّمها العلماء تنسِبُ وجود الطاقة المظلمة إلى خصائص الكون نفسه، كأن نقول مثلًا أن البحر رطبٌ، فالبحر في أصله ماء، والرطوبة أحد مظاهر وجود الماء الطبيعية. وكان ألبرت أينشتاين أول من أدرك أن الفضاء ليس فراغًا خاليًا.
أدلة وجود المادة
المظلمة
المزيد والمزيد من الاكتشاف تظهر باستمرارٍ مع تعمّق علماء الفلك في دراسة المجرّات البعيدة. وكان آخرها دراسة العناقيد المجريّة (والتي تتشكل من اجتماع 50 مجرّة، وقد يصل العدد إلى آلاف المجرّات) في محاولةٍ لتقصّي وجود بقعٍ من الغازات الساخنة جدًا والتي لم يتم اكتشافها سابقًا من قبل الأجهزة والحسّاسات، على أمل أن تكون هذه الغازات هي المادّة المظلمة التي يصبوا العلماء لاكتشاف طبيعتها.
وهذا ما حدث بالفعل، فعندما قام العلماء بتحرّي تلك العناقيد المجريّة بواسطة تيليسكوب الأشعة السينية (نوعٌ خاصٌ من التيليسكوبات بإمكانه كشف بعض المواد التي لا يستطيع التيليسكوب التقليدي كشفها) تمكّنوا من تأكيد وجود كميّاتٍ هائلةٍ من السحب الغازيّة الحارّة.
ولكن الأمر المثير للاهتمام هو أن الأرقام المشيرة إلى الضغوط في تلك السحب الغازيّة كانت هائلةً بكل معنى الكلمة، وأن وجود مثل هذه الضغوط الغازيّة الداخليّة بين العناقيد المجريّة لا بد سيؤدي إلى انفصالها عن بعضها على الرغم من قوى الجاذبيّة الكبيرة بين عناصر تلك المجرّات.
هذه الحقيقة وجّهت العلماء إلى ضرورة وجود عنصرٍ مادّيٍّ معيّنٍّ بكميّةٍ كبيرةٍ جدًا ضمن وحول هذه العناقيد المجريّة، يطبّق عليها قوى جاذبيّةٍ هائلةٍ ليضمن استمرار ارتباط هذه المجرّات ببعضها رغم الضغوط الكبيرة بداخلها، وهذا العنصر المجهول دعاه العلماء بالمادّة المظلمة.
ما هي أنواع
المادة المظلمة
على الرغم من أن العلماء لم يتمكّنوا من تحديد ماهيّة المادّة المظلمة على وجه التحديد، إلّا أنّهم قاموا برصد بعض الصفات والخصائص المُتباينة لهذه المادّة، وقاموا على خلفيّة ذلك بوضع تصنيفاتٍ للمادة المظلمة وفق التالي:
الصغيرة، الضعيفة
والمتبعثرة
إن العلماء الفيزيائيين يصنّفون هذا النوع من المادة المظلمة تحت عنوان الجُزيئات الثقيلة ضعيفة التفاعل (اختصارًا WIMPS). ما يميّز هذه الجُزيئات الثقيلة أنّها لا تتفاعل مع التأثيرات الكهرومغناطيسيّة، إلّا أنّها في الوقت نفسه تؤثّر وتتأثّر بالجُزيئات الماديّة المحيطة من خلال القوى النووية الضعيفة، وهذا يعني نظريًّا أن بإمكاننا تقصّي وجود هذه المادّة المظلمة.
الكبيرة السوداء
والقليلة
بدلًا من أن تُنسب المادة المظلمة إلى صنفٍ جديد وغريبٍ من المواد أو الجُزيئات التي لا نعرفها، يمكن أن تكون ببساطةٍ أجسامًا وجُزيئاتٍ عاديّةً ولكن ذات صفاتٍ وتأثيراتٍ غير عاديّةٍ. وأحد الموجودات الفلكيّة المرشّحة لذلك هي الأجسام الكبيرة المتراصة ذات الهالات (أو ما يُعرف اختصارًا في علم الفلك بـMACHOS)، وهي أجسامٌ كبيرةٌ شبيهةٌ بالتركيبات النجميّة إلّا أنّها لا تتوهّج بشكلٍ متناسبٍ مع حجمها الكبير.
نقطة الضعف في هذه
النظرية تكمن في أنّ هذه الأجسام الكبيرة يجب أن تغطّيَ ما يُقارب 85% من الفضاء
لكي تتمكّن من تطبيق تأثير الجاذبيّة نفسه الذي لوحظ من قبل المادة المظلمة
المجهولة.
لا وجود للمادة
المظلمة من الأساس
على الرغم من أن مثل هذا الاحتمال بعيد، إلّا أنّنا قد نكون مخطئين في طريقة فهمنا لعمل الجاذبيّة وكيف تبقى الأجسام الكبيرة كالعناقيد المجريّة متراصّةً مع بعضها رغم الضغوط الكبيرة داخلها.
ولا يزال العلماء حتى وقتنا الحاضر يجرون الاختبارات ويعيدون تطبيق الحسابات على نظرية أينشتاين للنسبية العامّة، في محاولةٍ منهم لرصد ثغرةٍ في تلك النظرية تمكّنهم من تفسير وجود المادة المظلمة دون أن نضطّر إلى افتراضها على أنّها جُزيئاتٌ جديدةٌ غريبةٌ أو أجسامٌ فوق طبيعيّة. ولكن حتى اللحظة لازالت نظرية النسبية العامّة صامدةً، ولا زال البحث قائمًا حول ماهيّة المادة المظلمة على وجه التحديد.