ليس من دون إبنتيNot Without My Daughter
هذا أول فيلم أمريكي يتناول الحياة الداخلية في ايران بعد قيام الجمهورية الإسلامية . لكنه ليس فيلماً سياسياً ، بل هو فيلمٌ إجتماعي ، غير أنه يحمل شحنة سياسية خفية يُدركها المُشاهِدُ لاحقاً ، حيث قدّم الفيلمُ هذا المجتمعَ على أنه مجتمعٌ متخلف ، و هذه هي النقطة الأساسية التي جعلت النقاد يستقبلونه بحذر و يتحفظون عليه . أما النقطة الثانية التي سجلها النقاد على الفيلم فتتعلق بالموسيقى التصويرية التي وضعها الموسيقي السينمائي الأمريكي " جيري غولد سميث " ( 1929 ـ 2004 ) ، لأنها ـ حسب بعض النقاد ـ ابتعدت عن المناخ الإيراني ، و هذه النقطة قد تأتي معكوسة و تُسجل على النقاد أنفسهم ، لأنه ليس شرطاً نقلُ المناخ الإجتماعي أو الجيوسياسي موسيقياً للبلد الذي تقع فيه الأحداث ، و إن كان ذلك مفضلاً . فلو أخذنا فيلم ( أغورا ) مثلاً ، نجد أن الموسيقار الإيراني الشهير " داريو ماريانيلي " قد قدّم الينا موسيقىً ذاتَ صبغةٍ ايرانية ، في حين أن الفيلم ، المُنتَج عام 2009 ، يتناول طبيعة الحياة الدينية والسياسية في الإسكندرية في القرن الرابع الميلادي ، و يركّز على شخصيةِ الفيلسوفة و عالمة الفلك و الرياضيات الشهيدة " هيباتيا " التي ذهبت ضحية التشدد الديني المسيحي في مصر ، في ذلك الوقت .
تبدأ أحداثُ فيلم ( ليس من دون إبنتي ) ، من منزل دكتور " سيد بُزُرگ محمودي " الذي يقع على بحيرةٍ في ولاية مشيغان ، عندما قرّر تركَ أمريكا و العودةَ الى بلده الأصلي ايران ، بعد نجاح ثورة " خميني " ، و هو طبيبُ تخدير في أحد مستشفيات ولاية مشيغان . ولكنه لم يُخبر زوجته " بيتي " بحقيقة قراره ، بل أخبرها بأنه ينوي زيارة شقيقته التي تربّى في كنفها بعد أن توفي والداه ، و أنه سيصطحبها و ابنتهما " مَهتاب " ( قمر ) لمدة أسبوعين فقط . غير أن الزوجة تُبدي قلقها و ترفض إقدامه على هذه الخطوة غير المحسوبة ، ولكنها توافق على مَضَض بعد أن رفع أمامها نسخة من القرآن و أقسم به ، لعلمها أن القرآن كتاب مقدس لديه . و هكذا حطت بهم الطائرةُ في مطار طهران ، ليتم استقبالهم بالورود و الذبائح و البخور ، و تبدأ بعدَها الأحداثُ الدراماتيكية عندما أخبر دكتور " محمودي " زوجته بأنه قررَ البقاءَ في ايران و عدمَ العودة الى أمريكا ، و من هذه اللحظة تبدأ حياتُهما الزوجية الهادئة بالإنعطاف الحاد و الإنحدار الشديد .
تدور أحداثُ الفيلم في طهران ، ولكنْ تم تصويرُه في كُلٍ من تركيا و إسرائيل ، ما عدا المشاهد الأولى .. فقد تم تصويرها في أمريكا ، و في أحد هذه المشاهد يمتعض دكتور " محمودي " من حديث زميليه الأمريكيين في المستشفى حين يصفان الإيرانيين بأنهم ( ختموا على أنفسهم بالعودة الى العصر الحجري ) ، كما أن طفلته " مَهتاب " تُخبره ـ في أحد تلك المشاهد ـ بأن صديقتها تقول أن الإيرانيين يكرهون الأمريكان .
لقد كانت مخاوفُ الزوجة واقعيةً و مشروعة ، فقد كانت تداعيات عملية اختطاف الدبلوماسيين الأمريكيين في طهران ـ بعد قيام ثورة " خميني " ـ متفاعلة ، و الإيرانيون باتوا يحملون عداءً و كراهية مؤدلجة تجاه الأمريكان ، وَفق أدبيات تلك الثورة ، و فوقَ كل هذا و ذاك فأن الحربَ العراقية الإيرانية كانت في أوجها ( عام 1984 ) . ولكن " بيتي " و معها ابنتهما ، رافقت زوجها .. ليحصلَ التحوّلُ الحادُّ في سلوكِهِ ، و ليَحصلَ لهما ـ بالتالي ـ ما حصل ، قبل أن تقطعا مسافة 800 كيلومتر عبر جبال ( زاغروس ) ، لتُدِّون " بيتي " القصةَ ، من بدايتها الى نهايتها ، في كتابٍ حملَ عنوان ( ليس من دون إبنتي ) الذي حوّله الكاتب " ديفيد رينتيلز " الى سيناريو فيلمٍ بذات العنوان ، أخرجه المخرج " براين غلبرت " بطولِ ساعةِ و 56 دقيقة من الإثارة و الشَد و المُتابعة .. حتى اللحظة الحاسمة .
عنوانُ الكتاب ( ليس من دون ابنتي ) كان يُعبّرُ تعبيراً عميقاً و حقيقياً و صادقاً عن انشداد الأم " بيتي " نحو إبنتها " مَهتاب " ، و ما يفسر ذلك ـ عدا الإنشداد الطبيعي ـ هو خِشية الأم من أن تتغذى إبنتُها بمشاعر الكراهية تجاه أمريكا و تجاه مواطنيها الأمريكان لو أنها بقيت في ايران ، و كذلك الخوفُ الشديدُ من تزويج البنت ، حين تبلغ التاسعة من عمرها ، و هو مبدأ الزواج الذي يستسيغُهُ شيعةُ ايران .
بالمقابل ، دكتور " سيد بُزُرگ محمودي " ، ألف كتاباً ـ أيضاً ـ يردُّ فيه على كتاب زوجته ، ولكنه لم يلقَ صدىً . فيما أصدرت إبنتهما " مَهتاب محمودي " كتاباً بعنوان ( إسمي مهتاب ) عام 2015 ، هو بمثابة تتمة لكتاب والدتها ، و ذكرت في مقابلة تلفزيونية أنها غفرت لوالدها أفعاله .
دكتور " سيد بُزُرگ محمودي " ولد عام 1939 في ( شوشتار ) ، في إيران ، والداه كانا طبيبين . توفيا و هو طفل ، فعاش في كنف أخته الكبرى التي مثلت دورها في الفيلم " موني راي " . و في سن الثامنة عشرة سافر " محمودي " الى بريطانيا لدراسة الأدب الإنجليزي ، ولكنه انتقل الى الولايات المتحدة ، فأصبح أستاذاً جامعياً للرياضيات ، ثم عمل في وكالة ناسا الفضائية ، درس بعدَها طبَ التخدير و عمل في أحد المستشفيات في ولاية مشيغان .. قبل أن يتخذ قرارَه بتحويلِ مسارِ حياته الإجتماعية الَسلِسلة الهادئة في أمريكا .. بعودته الى ايران .
فيلم ( ليس من دون إبنتي ) فيلمٌ مثير و شاد ، أبدع فيه " الفريد مولينا " في دور دكتور " محمودي " ، رغم أنه استغرب من إسناد الدور اليه ، مثلما أبدعت في دور الزوجة ـ كعادتها ـ " سالي فيلد ـ الحائزة على الأوسكار مرتين ، في العامين 1979 و 1984 .
هذا أول فيلم أمريكي يتناول الحياة الداخلية في ايران بعد قيام الجمهورية الإسلامية . لكنه ليس فيلماً سياسياً ، بل هو فيلمٌ إجتماعي ، غير أنه يحمل شحنة سياسية خفية يُدركها المُشاهِدُ لاحقاً ، حيث قدّم الفيلمُ هذا المجتمعَ على أنه مجتمعٌ متخلف ، و هذه هي النقطة الأساسية التي جعلت النقاد يستقبلونه بحذر و يتحفظون عليه . أما النقطة الثانية التي سجلها النقاد على الفيلم فتتعلق بالموسيقى التصويرية التي وضعها الموسيقي السينمائي الأمريكي " جيري غولد سميث " ( 1929 ـ 2004 ) ، لأنها ـ حسب بعض النقاد ـ ابتعدت عن المناخ الإيراني ، و هذه النقطة قد تأتي معكوسة و تُسجل على النقاد أنفسهم ، لأنه ليس شرطاً نقلُ المناخ الإجتماعي أو الجيوسياسي موسيقياً للبلد الذي تقع فيه الأحداث ، و إن كان ذلك مفضلاً . فلو أخذنا فيلم ( أغورا ) مثلاً ، نجد أن الموسيقار الإيراني الشهير " داريو ماريانيلي " قد قدّم الينا موسيقىً ذاتَ صبغةٍ ايرانية ، في حين أن الفيلم ، المُنتَج عام 2009 ، يتناول طبيعة الحياة الدينية والسياسية في الإسكندرية في القرن الرابع الميلادي ، و يركّز على شخصيةِ الفيلسوفة و عالمة الفلك و الرياضيات الشهيدة " هيباتيا " التي ذهبت ضحية التشدد الديني المسيحي في مصر ، في ذلك الوقت .
تبدأ أحداثُ فيلم ( ليس من دون إبنتي ) ، من منزل دكتور " سيد بُزُرگ محمودي " الذي يقع على بحيرةٍ في ولاية مشيغان ، عندما قرّر تركَ أمريكا و العودةَ الى بلده الأصلي ايران ، بعد نجاح ثورة " خميني " ، و هو طبيبُ تخدير في أحد مستشفيات ولاية مشيغان . ولكنه لم يُخبر زوجته " بيتي " بحقيقة قراره ، بل أخبرها بأنه ينوي زيارة شقيقته التي تربّى في كنفها بعد أن توفي والداه ، و أنه سيصطحبها و ابنتهما " مَهتاب " ( قمر ) لمدة أسبوعين فقط . غير أن الزوجة تُبدي قلقها و ترفض إقدامه على هذه الخطوة غير المحسوبة ، ولكنها توافق على مَضَض بعد أن رفع أمامها نسخة من القرآن و أقسم به ، لعلمها أن القرآن كتاب مقدس لديه . و هكذا حطت بهم الطائرةُ في مطار طهران ، ليتم استقبالهم بالورود و الذبائح و البخور ، و تبدأ بعدَها الأحداثُ الدراماتيكية عندما أخبر دكتور " محمودي " زوجته بأنه قررَ البقاءَ في ايران و عدمَ العودة الى أمريكا ، و من هذه اللحظة تبدأ حياتُهما الزوجية الهادئة بالإنعطاف الحاد و الإنحدار الشديد .
تدور أحداثُ الفيلم في طهران ، ولكنْ تم تصويرُه في كُلٍ من تركيا و إسرائيل ، ما عدا المشاهد الأولى .. فقد تم تصويرها في أمريكا ، و في أحد هذه المشاهد يمتعض دكتور " محمودي " من حديث زميليه الأمريكيين في المستشفى حين يصفان الإيرانيين بأنهم ( ختموا على أنفسهم بالعودة الى العصر الحجري ) ، كما أن طفلته " مَهتاب " تُخبره ـ في أحد تلك المشاهد ـ بأن صديقتها تقول أن الإيرانيين يكرهون الأمريكان .
لقد كانت مخاوفُ الزوجة واقعيةً و مشروعة ، فقد كانت تداعيات عملية اختطاف الدبلوماسيين الأمريكيين في طهران ـ بعد قيام ثورة " خميني " ـ متفاعلة ، و الإيرانيون باتوا يحملون عداءً و كراهية مؤدلجة تجاه الأمريكان ، وَفق أدبيات تلك الثورة ، و فوقَ كل هذا و ذاك فأن الحربَ العراقية الإيرانية كانت في أوجها ( عام 1984 ) . ولكن " بيتي " و معها ابنتهما ، رافقت زوجها .. ليحصلَ التحوّلُ الحادُّ في سلوكِهِ ، و ليَحصلَ لهما ـ بالتالي ـ ما حصل ، قبل أن تقطعا مسافة 800 كيلومتر عبر جبال ( زاغروس ) ، لتُدِّون " بيتي " القصةَ ، من بدايتها الى نهايتها ، في كتابٍ حملَ عنوان ( ليس من دون إبنتي ) الذي حوّله الكاتب " ديفيد رينتيلز " الى سيناريو فيلمٍ بذات العنوان ، أخرجه المخرج " براين غلبرت " بطولِ ساعةِ و 56 دقيقة من الإثارة و الشَد و المُتابعة .. حتى اللحظة الحاسمة .
عنوانُ الكتاب ( ليس من دون ابنتي ) كان يُعبّرُ تعبيراً عميقاً و حقيقياً و صادقاً عن انشداد الأم " بيتي " نحو إبنتها " مَهتاب " ، و ما يفسر ذلك ـ عدا الإنشداد الطبيعي ـ هو خِشية الأم من أن تتغذى إبنتُها بمشاعر الكراهية تجاه أمريكا و تجاه مواطنيها الأمريكان لو أنها بقيت في ايران ، و كذلك الخوفُ الشديدُ من تزويج البنت ، حين تبلغ التاسعة من عمرها ، و هو مبدأ الزواج الذي يستسيغُهُ شيعةُ ايران .
بالمقابل ، دكتور " سيد بُزُرگ محمودي " ، ألف كتاباً ـ أيضاً ـ يردُّ فيه على كتاب زوجته ، ولكنه لم يلقَ صدىً . فيما أصدرت إبنتهما " مَهتاب محمودي " كتاباً بعنوان ( إسمي مهتاب ) عام 2015 ، هو بمثابة تتمة لكتاب والدتها ، و ذكرت في مقابلة تلفزيونية أنها غفرت لوالدها أفعاله .
دكتور " سيد بُزُرگ محمودي " ولد عام 1939 في ( شوشتار ) ، في إيران ، والداه كانا طبيبين . توفيا و هو طفل ، فعاش في كنف أخته الكبرى التي مثلت دورها في الفيلم " موني راي " . و في سن الثامنة عشرة سافر " محمودي " الى بريطانيا لدراسة الأدب الإنجليزي ، ولكنه انتقل الى الولايات المتحدة ، فأصبح أستاذاً جامعياً للرياضيات ، ثم عمل في وكالة ناسا الفضائية ، درس بعدَها طبَ التخدير و عمل في أحد المستشفيات في ولاية مشيغان .. قبل أن يتخذ قرارَه بتحويلِ مسارِ حياته الإجتماعية الَسلِسلة الهادئة في أمريكا .. بعودته الى ايران .
فيلم ( ليس من دون إبنتي ) فيلمٌ مثير و شاد ، أبدع فيه " الفريد مولينا " في دور دكتور " محمودي " ، رغم أنه استغرب من إسناد الدور اليه ، مثلما أبدعت في دور الزوجة ـ كعادتها ـ " سالي فيلد ـ الحائزة على الأوسكار مرتين ، في العامين 1979 و 1984 .