كما التحرّر من الرغبة، يبدو التحرّر من الخوف أمراً أجمل ممّا هو في الواقع، كلنا نعرف شعور الرعب عندما يبتلعنا،لكن قلة هم من يعرفون الحياة دون خوف، نحن نتخيل أن هذا سيجعلنا أكثر جرأة وشجاعة، في الواقع هذا سيجعلنا أكثر حماقة، الخوف على ما يبدو جزء مهم من إتخاذ القرار.
خذ مثلاً حالة إمرأة عمرها 24 عاماً سنسميها لوسي، بدأت لوسي تتعرض لنوبات بعد حرارة مرتفعة مستمرة لأسبوع، ثم أصبحت النوبات أكثر تردداً حتى مع الأدوية.
وخلال أسبوع صار دماغها في حالة حرجة تسمى “epilepticus-essentially”، هذه الحالة عبارة عن نوبة مستمرة، وحين فشل العلاج المعتاد في مساعدتها نفذ أطبائها عملية جراحية لمنع تدهور الحالة أكثر و تفادي إصابة الدماغ بأضرار إضافية أو حتى الموت، العملية المدعوة بالإستئصال الصدغي أزالت جزءً من دماغ لوسي يبدو أنه المسؤول عن حوالي 80% من النوبات، وحققت العملية النجاح: صارت نوبات لوسي تحت السيطرة وخرجت من المستشفى.
لكن هذه لم تكن نهاية القصة، فبعد خمسة سنوات دخلت لوسي غرفة الطوارئ مرة أخرى، وكانت تعاني من نوبة عامة، وصفها الأطباء الحاضرون وقتها بأنها “سباتية وغير متجاوبة، لكنها مستقرة سريرياً” ، هنا تصبح الأمور غريبة، فوفقاً لتقرير الحالة الأصلي في مجلة علم الأعصاب ،الجراحة العصبية وعلم النفس(the journal of neurology، Neurosurgery، and Psychiatry) “تركت دون مراقبة في غرفة المعاينة، وبعد ثلاثين دقيقة تم العثور عليها في غرفة مجاورة في وضع جنسي مع مريض قلب كبير في السن”.
حسناً، هذا ليس السلوك المعتاد لمرضى المستشفيات، كما لم تكن أول علامة على قدوم المشاكل، على مايبدو إستمرت لوسي بالتعرض لنوبات بعد إجرائها العملية، غالباً عند نسيانها الأدوية، ومن ساعة إلى ساعتين بعد كل نوبة تنخرط بطيف واسع من السلوكيات الجنسية غير المعتادة، كالإستمناء في العلن ومحاولة إغواء أفراد العائلة والجيران، كما فقدت السيطرة عند تواجدها قرب الطعام في الفترة التالية للنوبات، إذ ذكرت عائلتها نوبات أكل إحتفالية صاخبة تختفي بين النوبات.
ما الذي قد يشرح هذا السلوك المتهور اللذي غطى وجه سلوك لوسي الطبيعي والذي هو خاطئ وفقاً للمجتمع؟. بداية، من المفيد أن نعلم بالضبط مافعله جرَّاح لوسي، بدماغها، الإستئصال الصدغي الذي نفذه الطبيب أزال الجزء الأيسر من الجسم اللوزي من دماغها، منطقة مسؤولة عن تحديد المخاطر والشعور بالخوف، يعتقد أن الجسم اللوزي منطقة بدائية تحث ردود الفعل الغريزية، كالهرب من الخطر، ترى نمراً يطاردك فتهرب مثلاً،كما أنها جزء مهم من سبب الشعور بأن شيئاً ما ليس جيداً.
وبتذكيرنا بالخطر المحدق والضرر الذي يكاد يقع يستطيع هذا الجزء تعطيل اندفاعات أخرى، قد تشعر بالرغبة لإغواء جارك، لكن عامل الخوف (أو في هذه الحالة الشعور بالذنب والقرف) يستطيع سحق تلك الرغبة بأسرع مما يلزمك لتقول “ماذا لو تم إكتشافي؟”، تم إستئصال الجسم اللوزي لدى لوسي من جانب واحد، الجانب الأيسر، والقسم الأيمن منه ظل سليماً، والذي على مايبدو كان كافياً للعمل بشكل سليم رغم إستئصال القسم الأيسر، لكن نوباتها المتكررة عطلت ماتبقى من الجسيم اللوزي مؤقتاً.
أي أن كل نوبة خلقت فترة زمنية كانت فيها بحال عملي كما لو تعرضت لإستئصال صدغي كامل، وفي هذه الفترة تحول سلوكها من الطبيعي إلى الغريب، حيث فقدت سيطرتها على إثنتين من الشهوات التي يحكمها الفرد بأكبر قدر من الحذر: الشهوة الجنسية وشهوة الطعام.
ما عبرة هذه القصة بالنسبة لنا؟ أولاً، أعتقد أننا سنتفق على أن تقارير الحالات الطبية في المجلات العلمية الكثيرة الجدية أكثر إثارة للإهتمام مما كنا نتصور.
ثانياً، هذه الحالة تبدي أن غرائز الخوف البدائية مهمة في السيطرة على النفس كقدرة تتخطى سلطتها الغرائز الباقية، كما الكثير منا يسمح للخوف بإعتراض أهدافه الطويلة المدى، لكن هذا شيء سيء، لكنه من الخطأ أن تعتقد أن الحل يكمن في التخطي المطلق للخوف كلياً.
لن تستطيع (على الأقل دون إستئصال صدغي)، وحتى إن استطعت، لن تعجبك النتائج، نحن بحاجة غرائزنا لتعلمنا بأن شيئاً ما خاطئ، تقييم عاطفي فوري أقوى حتى من الحجج المعقدة والمنطق.
حينما يتعلق الأمر بالتحكم بالنفس، ذلك الشعور الغريزي سيساعدك على إتخاذ قرار حكيم، على سبيل المثال، الناس اللذين يتعرضون لتشغيل مناطق الشعور بالألم عند التفكير بدفع ثمن شيء مكلف يكونون أكثر ميلاً إلى التمسك بأموالهم، والناس اللذين يرون الكعك كتهديد لصحتهم وأهدافهم أكثر ميلاً إلى الإلتزام بحمياتهم، في الكثير من الحالات يكون الضغط عدواً للسيطرة على النفس، ولكن أحياناً يكون هو حليفنا للإنتصار في الحرب.
المصدر:ibelieveinsci.