بلورة الخيال والواقع..قراءة في قصة"البكاء في لوحات" للكاتب ا/أحمد حنفي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بلورة الخيال والواقع..قراءة في قصة"البكاء في لوحات" للكاتب ا/أحمد حنفي

    الكاتبة نيرمين دميس تكتب

    بلورة الخيال والواقع..قراءة في قصة"البكاء في لوحات" للكاتب
    ا/أحمد حنفي..
    ***************
    لا يعتبر هذا الطرح قراءة، بقدر ماهو وصف لتأثير النص علي كمتلقي..
    "البكاء في لوحات" عنوان أحالني لتوقع الحزن، بل والبحث عنه في اللوحات الثلاث، بمعني أنني صرت مؤهلة لاستقبال تيمة الحزن، التي ستكون بالتأكيد مشتركة بينهم، ومع القراءة الأولية، لم أجد الأمر سهلا أو مباشرا، بل هو حزن نستشعره ما بين السطور.
    ينقسم النص الى ثلاث لوحات، بدا لنا لاحقا أنها تكاملية، فاللوحتان الأولى والثانية تصلح كل منهما أن تكون قصة مكتملة، ومستقلة البنية والحدث، يمكن أن يستمتع بها القارئ العادي، أما اللوحة الثالثة، وإن كانت تصلح أيضا كقصة منفصلة ولكن ذات طراز خاص، يكون للقارئ فيها دور أساسي في صناعة الحدث واكتماله، حيث تبدو وكأنها بدأت من المنتصف إذا قرأت منفصلة، إلا أنني وجدتها كالعقدة التي تلضم حبات العقد فلا ينفرط، حيث فسرت الملغز وأوضحت المبهم، وكأن الكاتب ترفق بالمتلقي من العصف الذهني، فأراد أن يفك له بعض الرموز، أو يعطيه بضعة مفاتيح.
    هنا وجدت نفسي وقد أشبعت فضول القارئ داخلي، أعود لأتذوق النص، فرأيته كبلورة زجاجية تتغير داخلها الصور والألوان، كلما حركتها على راحة يدي، فتارة أرى مشهد صائد الأفيال، وتارة أخرى يطالعني أفلاطون وشاعر المدينة المطرود، وعند إتجاه معين يخيم الضباب على المشهدين، فأجد نفسي في منطقة البين بين، فيظهر المشهد الثالث، والذي أطلت الوقوف أمامه، أعمل العقل وأكتشف الروابط، فأخرج بالتفاسير.
    فرأيت كيف استطاع الكاتب أن يذيب الحلم والخيال في الواقع والحقيقة الملموسة، فصنع توليفة خاصة، فبينما نقف في منتصف الحلم، نراه واقعا، وعندما نظن أننا ثبتنا أقدامنا على أرض الواقع، نعود مرغمين إلى الحلم، كما استطاع أن يستدعي الماضي بأساطيره وشخوصه إلى الحاضر، وأحالهما معا إلى المستقبل في ذهن القارئ، وكأنه يذيب الزمان والمكان أيضا.
    فحكايات الجدات محض خيال تهدف إلى المتعة الممزوجة بالعبرة، تماما كما فعلت جدة السارد كي تنغره من أن يكون ذاك الصياد دون أن تصرح له بذلك، ومن قلب الخيال نجده يبكي، خوفا من أن يكون يوما ذاك الصياد الذي تقتله أرواح طرائده كل مساء.
    ومدينة أفلاطون الفاضلة أيضا لم توجد إلا في خياله فقط، ومع ذلك وجدناه يكفر بالخيال وتأثيره على النفس، ينادي بالمثالية والفضائل، ويكون أول من يدنسها، ينتصر للجمال والكمال، فنفاجأ به ناقصا، يدعو إلى الصدق وهو أول الكاذبين، هكذا استثمر الكاتب الخيال، وانتقل بنا إلى قسوة الواقع، وعند ذروة الصدمة، يذكرنا أنه مجرد خيال، ولكنه خيال خاص يحكي حزن الحياة، وألم الواقع.
    فسمعت بكاء السارد الذي صار الصياد الذي كان يخاف أن يكونه يوما، وأكلت معه حزن الحقيقة التي استأثر بها وحده، عندما ورث ذاكرة الحزن عن جده شاعر أفلاطون.
    لأجد هذا الرابط الذكي بين ذاكرة الأفيال التي أورثتهم حزنا، لم ينمح إلا بعد أن أخذوا بثأرهم من الصياد، وبين ذلك السارد الذي ورث هو أيضا ذاكرة الحزن عن جده الشاعر المطرود من الجنة، ليأخذ بثأره عندما فضح أفلاطون.
    وقد تمثلت الضحية في الأفيال وشاعر المدينة، بينما كان الصياد وأفلاطون هم الجناة، ليأتي السارد كنموذج للإنسان الذي يحمل في داخله كلا الإرثين. لم ينج من أن يكون جانيا كالصياد، كما عاش بذاكرة الشاعر، كي يقتص من أفلاطون، هذا الإنسان الذي دائما ما يحمل متناقضين داخله، الجاني والضحية طالبة الثأر.
    جاءت القصة بلوحاتها الثلاث، كلوحات رسام يقيم معرضا للفن التشكيلي يحمل عنوانا معينا، أو تتحدث لوحاته على اختلافها عن موضوع معين، لذا قد يرسم عدة لوحات غير مفهومة، لتأتي واحدة تربط المعاني، وتفسر التشكيل والألوان.
    العناوين جاءت فلسفية موحية ودالة على مضمون كل لوحة، إلا أنني أخذ على الكاتب طول عنوان اللوحة الأولى الذي جاء كاشفا شارحا لمضمون الحدث، فكان العنوان بمثابة قصة في حد ذاته، وكنت أتمنى لو جاء فلسفيا غير مباشر مثل عنواني اللوحتين الثانية والثالثة.
    اللغة جاءت قوية شاعرية معبرة تحمل الكثير من الدلالات.
    كنا أمام نص تجريبي ثري بالرموز والدلالات و التأويلات، حاول فيه الكاتب طرق أبواب عوالم سردية مختلفة مزجت بين الواقع والخيال.
يعمل...
X