قراءة نقدية في قصة ( الخاتم )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة نقدية في قصة ( الخاتم )

    قراءة نقدية في قصة ( الخاتم )
    للكاتب المبدع/ إبراهيم محمد عامر
    بقلمي.. محمد كامل حامد
    مكانت خديجة فتاة يتيمة في العشرين من عمرها.. في سنتها الأخيرة من الجامعة.. وكانت تقيم وحدها مع أمها بعد وفاة والدها منذ سبع سنوات.. وتعمل في متجر لبيع الاكسسوارات بوسط البلد.. وكل يوم بعد أن تنتهي من محاضراتها في الجامعة بالجيزة، تستقل الأتوبيس للحاق بعملها في المتجر الكائن بشارع قصر النيل..

    تدخل بسرعة وهي تلهث، لتستلم المفتاح من صاحب المتجر.. وهو رجل في الأربعين من عمره.. يملك أكثر من محل في وسط البلد.. لكنه يقيم في هذا المتجر طوال النهار، ويعتز به كونه، كما يقول عليه كثيرا: فاتحة الخير عليه وعلى أولاده.. ثم يودعها بعد أن يسألها إذا كانت تحتاج شيئا آخر، فتجيب دون أن تنظر له:

    ـ شكرا لحضرتك..

    فيبتعد بعد أن يرمقها طويلا، ويستقل الموتوسيكل الذي يركنه أمام بوابة المتجر.. ويذهب به إلى بقية المحلات..

    تمكث خديجة في المتجر لحظات تستريح فيها من تعب الطريق، ثم تقوم تنظف البضاعة المعروضة، وتعيد تنظيم طريقة عرضها بحسها الأنثوي.. وتقف حينا، وتعود للجلوس حينا.. وتطلب من أحد العمال في المحلات المجاورة أن يشتري لها الغداء.. وبين الحين والآخر يزور المحل زبائن، فتقف في نشاط لتعرض بضاعتها، وتبيعها.. ثم تضع النقود في الدرج بالمكتب الموضوع داخل المتجر.. وتعود لتتأمل الطريق والناس..

    وخديجة فتاة ليست على حظ من الجمال، بل أن نصيبها منه قليل، فهي سمراء طويلة جاحظة العينين، ذات وجه طويل ينبئ عن حدة المزاج والغضب.. ولولا أنها ابنة لصديق صاحب المتجر لما وافق على تشغيلها في متجره.. وكان يطلب منها دائما أن تبتسم في وجه الزبائن، فالابتسامة والقبول أساس كل بائع شاطر، فتوعده بأن تفعل ذلك، وتبتسم بالفعل في وجه كل زبون غير أنها تحس بأن ابتسامتها لا تخرج رائقة كما يتمنى صاحب المتجر..

    وحدث أن جلست ذات يوم بعد الغروب داخل المتجر، حين جاءت شابة مع رفيقها تتفحص الأكسسوارات في الفاترينة..

    فقامت إلى الزبونين، وابتسمت لهما ابتسامتها المضطربة..

    قالت الفتاة:

    ـ من فضلك.. كنت أرغب في هذا الخاتم؟

    ابتسمت لها، وقالت:

    ـ ذوقك ممتاز..

    ومضت تردد للشابة الجمل التي اعتادت تردديها للزبائن، مثل: أن هذا الخاتم قد ورد للمتجر قريبا، وأنه بالفعل جميل المظهر، وأنه سيليق جدا على إصبعها..

    لكن كان الحزن يملأ قلبها، فهذا الخاتم بالتحديد قد لاقى إعجابها منذ أحضره صاحب المتجر أول الأسبوع، وقررت أن تشتريه أول الشهر الجديد بعد أن تقبض راتبها منه.. وأخبرته بذلك، لكنه طلب منها أن تعرضه في الفاترينة، وألا تحجبه عن الزبائن..

    تناولته الشابة، وهي تبتسم بدورها، وارتدته..

    وهتفت لحبيبها:

    ـ أنظر.. كم هو جميلا!

    فابتسم الشاب لها ابتسامة عذبة، ورفع أصبعها إلى شفتيه، وقبله أمام مرآي خديجة التي وجدت في نفسها الغيرة من الشابة..

    سألها الشاب:

    ـ كم ثمنه؟

    لم تجب خديجة.. وظلت تنظر إليها لحظة، وقد تدلت يد الشاب اليسري علي كتفها، وأمسكت بكفه في حنان.. والخاتم يلمع في إصبعها..

    كان ثمن الخاتم مائة وخمسين جنيها.. لكنها قالت بعين مبرقة:

    ـ مائتان جنيها..

    نظر الشاب في حسرة إليها، وبهت وجه الفتاة أيضا.. فقد كان ثمن الخاتم أغلى مما توقعا سويا..

    قالت الفتاة في حزن:

    ـ ألا يمكن للسعر أن ينزل قليلا؟!

    وجدت نفسها تقول في قسوة:

    ـ لا..

    وانتبهت لحدتها في الرد، فاستدركت:

    ـ مكسبنا فيه عشرين جنيها فقط.. لا يمكن لسعره أن ينزل ولو جنيها واحدا..

    بدا على وجه الحبيبين التعاسة..

    ومدت الفتاة يدها لتخلع من أصبعها الخاتم، الذي حلا في عينين خديجة أكثر وأكثر، شاعرة بالشماتة في تلك الفتاة التي وجدت لها حبيبا يشتري لها الهدايا.. بينما هي – ولحظها التعس – غارقة في الكآبة والوحدة طوال الوقت..

    تدخل الشاب، وقال:

    ـ لا.. لا تخلعي الخاتم..

    ثم نظر إلى خديجة، وقال:

    ـ أوافق على السعر..

    قالت الفتاة:

    ـ لا.. يمكننا توفير ثمنه لشيء آخر..

    وضع يده على رأسها، وقربها منه، وهو يقول:

    ـ لا شيء أهم من سعادتك..

    كاد قلب خديجة أن يطق من الغل.. ومدت يدها في قسوة لتأخذ ثمن الخاتم من الشاب.. وعدته أمامهما..

    وسمعت الشاب يقول لفتاته:

    ـ هل أنت سعيدة؟

    فردت فتاته بصوت فرح:

    ـ بالطبع.. ولكن سعادتي أكبر بوجودك في حياتي..

    ومضيا من أمامها، بينما اتجهت نحو المكتب لتضع النقود في الدرج..

    وفجأة!!

    توجهت نحو بوابة المتجر.. وهتفت على الشاب والفتاة.. اللذان عادا في دهشة.. وجدت نفسها تقول:

    ـ أعذراني.. كنت قد نسيت.. يمكنني أن أمنحكما تخفيضا كونكما من زبائن المحل لأول مرة.. يمكنكما أخذ الخاتم بسعر مائة جنيها فقط!

    تهلل وجه الفتاة والشاب..

    بينما عادت للمكتب تأخذ من درجه المبلغ الباقي، ودفعته إلى الشاب الذي قال:

    ـ أشكرك يا آنستي..

    بينما قالت الفتاة ضاحكة:

    ـ يمكننا الآن أن نذهب للسينما..

    ضحك هو أيضا فرحا، وقال:

    ـ نعم بالطبع..

    تأملتهما وهما يبتعدان متعانقين فرحين.. ثم عادت لتضع من جيبها مبلغ الخمسين جنيها الباقية من ثمن الخاتم في الدرج.. قبل أن تعود وتجلس تعد الساعات الطوال، حتى تغلق المتجر، وتعود إلى بيتها في الليل.. وحدها..

    0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0
    كتبت في سبتمبر 2022، ونشرت في نوفمبر من نفس العام..

    القراءة بقلم/ محمد كامل حامد
    الخاتم عنوان جميل ومناسب للقصة، ويدفعنا للقراءة للوقوف على القصة وما يقصده الكاتب، لنكتشف أنه محور رئيسي ومحرك للحدث، استعرض الكاتب فكرته ببساطة وبلغة سلسة ومشوقة لينقلنا إلى عمق القصة، وما يدور بها من صراع نفسي داخل البطلة.
    تنتمي القصة للواقع الاجتماعي الذي نحيا فيه، ولكن الكاتب أبدع في الوصف والسرد، لينقل لنا حياة البسطاء التي تسود مجتمعنا، فالبطلة فتاة عشرينية بسيطة توفى والدها وتركها وأمها وحيدتين، اضطرت للعمل لتوفير نفقات الحياة، ولكنها فتاة ليست ذات جمال، وقد يكون هذا نعمة لها وليس نقمة، فالجمال كثيرا ما يكون محل رغبة واشتهاءِ وخاصة في تلك البيئات البسيطة، ولكنه في الوقت ذاته لم يجعلها تنعم بالحب والزواج؛ لتصارع الحياة وحيدة وتظل كئيبة تنعي حالها.
    السرد في القصة كلاسيكي يقدم لنا منذ البداية الشخوص والمكان والزمان الذي امتد، بدأ بالتمهيد للحدث حتى نصل إلى الذروة، يحتدم بداخل البطلة الصراع النفسي بين إيثارها لما تتمنى وبين التضحية به، فالخاتم الذي حاز إعجابها وتنوي امتلاكه اختارته الفتاة وحبيبها؛ فباتت مشاعرها حائرة فتغالي في الثمن في البداية، ولكنها رضخت أمام اصرار الشاب ورغبته في إسعاد فتاته؛ لتنادي عليهما بعدها وتتحمل جزءا من الثمن، فأحيانا كثيرة تصيبنا سعادة الأخرين بالرضا؛ للتغلب في هذه اللحظة على مشاعرها الغاضبة وانانيتها.
    ولكن شخصية صاحب المحل والذي لم يكن له دورا مؤثرا في القصة، بإستثناء أنه قبلها للعمل لعلاقته السابقه بوالدها، تبدو شخصية زائدة نوعا ما على القصة، رغم أنه ساعدها على ظروف الحياة ووفر لها العمل، كذلك تبدو نظرته الطويلة لها غير مبررة فهل هو طامع بها رغم أنها غير جميلة، هذه الشخصية تثير التسأولات بداخلنا.
    الحوار في القصة كان موظفًا توظيفًا جيدًا، يكشف لنا عن رغبة الفتاة والشاب في اقتناء الخاتم، ولكن ظروفهم القاسية تحول دون ذلك، ليصر الشاب على إسعادها، وهنا تضحي البطلة بنفسها وتتنازل عن رغبتها، فالحوار دقيق ومؤثر وبلغة بسيطة.
    وتأتي النهاية متطقية ومتوقعة، لتسيطر عليها حالة من الرضا عن الذات رغم ما تعانيه من وحدة.
يعمل...
X