أنطوان أبو زيد
يقول الشاعر الليتواني- البولوني تشسواف ميووش (1911-2004) الحائز نوبل للآداب عام 1980، عن أعماله الشعرية: "إنّ المنفى هو قدَرُ الشاعر في هذا العصر. وأينما وجدتَه، سواء في وطنه أو في الغربة، تراه شديد التعلّق بهذا الكون الأليف من معتقدات الطفولة وتقاليدها. وليس للمنفى، بحدّ ذاته، أي جانب سلبيّ أو إيجابي. وإنما ينبغي قبول المنفى فحسب، إذ يتعلّق الأمر بما يمكن للمرء أن يفيد منه في تلك الأثناء".
أقام تشسواف، منذ ولادته، في عاصمة ليتوانيا، فيلنيو، حيث أتمّ دروسه الثانوية والجامعية، ولما بلغ العشرين أنشأ وزملاء له إحدى حلقات الأدب الطليعي، تبلورت في اتّجاهه الرؤيوي والكارثي الذي اتّبعه. وفي عام 1933، نشر أولى مجموعاته الشعرية بعنوان "قصائد الزمن الجامد"، وقد بدا متأثّراً بالفيلسوف الصوفي الجديد إيمانويل سويدنبرغ، ولم يلبث أن نال جائزة نقابة الكتّاب البولونيين في ويلنيوس.
تنقّل الشاعر ميووش، في وظائفه؛ فكان معدّاً للبرامج الثقافية في إذاعة فيلنيوس الرسمية، وإبّان احتلال الجيش الأحمر البلاد، تابع إعداده الأكاديمي عبر المحاضرات السرية التي كانت تُعطى للطلاب والأكاديميين، ولمّا أسندت إليه مهمّة المستشار الثقافي لبلاده في الولايات المتحدة الأميركية، تحيّنها فرصة لإعلان انشقاقه عن الجمهورية الشعبية في بولونيا، طالباً اللجوء إلى فرنسا، حيث واصل دفاعه عن حرية الرأي والفكر في بلاده، لا سيما في الأدب والشعر، ولكن من دون أن يلقى القبول لدى النخبة المثقفة هناك، الميّالة بغالبيتها العظمى إلى اليسار.
في أوائل الستينيات، انتقل الشاعر ميووش إلى أميركا حيث أمكنه أن يواصل تجربته الشعرية، وأن يصدر العديد من الأبحاث الفكرية نظير كتابه "استلام السلطة" (1962) الذي نال شهرة عالمية واسعة، وفيه تحليل للتوتاليتارية الشيوعية وكشف لفظائعها. وأعمال نقدية، من مثل "تاريخ الأدب البولوني" (1969) والذي بات مرجعاً معتمداً في هذا الشأن. وكان قد عيّن أستاذاً زائراً لدى جامعة باركلي منذ عام 1960 إلى أن حاز نوبل للآداب عن مجمل أعماله عام 1980، وخطر له أن يعود إلى بلاده بولونيا وقد انتصرت فيها نقابة التضامن وحازت قبولاً من غالبية المواطنين، وباتت أشعاره على كل شفة ولسان، ولا سيما في غدانسك، حيث نقش هذه الابيات له: "أنتَ، يا منْ جرحتَ إنساناً بسيطاً، بأن هزئتَ بمأساته. حاذرْ، فإنّ الشاعر يتذكّر ذلك. وإن أمكنك قتله فلسوف يولد آخر. ذاك أنّ الأعمال والأقوال لن تُمحى
يقول الشاعر الليتواني- البولوني تشسواف ميووش (1911-2004) الحائز نوبل للآداب عام 1980، عن أعماله الشعرية: "إنّ المنفى هو قدَرُ الشاعر في هذا العصر. وأينما وجدتَه، سواء في وطنه أو في الغربة، تراه شديد التعلّق بهذا الكون الأليف من معتقدات الطفولة وتقاليدها. وليس للمنفى، بحدّ ذاته، أي جانب سلبيّ أو إيجابي. وإنما ينبغي قبول المنفى فحسب، إذ يتعلّق الأمر بما يمكن للمرء أن يفيد منه في تلك الأثناء".
أقام تشسواف، منذ ولادته، في عاصمة ليتوانيا، فيلنيو، حيث أتمّ دروسه الثانوية والجامعية، ولما بلغ العشرين أنشأ وزملاء له إحدى حلقات الأدب الطليعي، تبلورت في اتّجاهه الرؤيوي والكارثي الذي اتّبعه. وفي عام 1933، نشر أولى مجموعاته الشعرية بعنوان "قصائد الزمن الجامد"، وقد بدا متأثّراً بالفيلسوف الصوفي الجديد إيمانويل سويدنبرغ، ولم يلبث أن نال جائزة نقابة الكتّاب البولونيين في ويلنيوس.
تنقّل الشاعر ميووش، في وظائفه؛ فكان معدّاً للبرامج الثقافية في إذاعة فيلنيوس الرسمية، وإبّان احتلال الجيش الأحمر البلاد، تابع إعداده الأكاديمي عبر المحاضرات السرية التي كانت تُعطى للطلاب والأكاديميين، ولمّا أسندت إليه مهمّة المستشار الثقافي لبلاده في الولايات المتحدة الأميركية، تحيّنها فرصة لإعلان انشقاقه عن الجمهورية الشعبية في بولونيا، طالباً اللجوء إلى فرنسا، حيث واصل دفاعه عن حرية الرأي والفكر في بلاده، لا سيما في الأدب والشعر، ولكن من دون أن يلقى القبول لدى النخبة المثقفة هناك، الميّالة بغالبيتها العظمى إلى اليسار.
في أوائل الستينيات، انتقل الشاعر ميووش إلى أميركا حيث أمكنه أن يواصل تجربته الشعرية، وأن يصدر العديد من الأبحاث الفكرية نظير كتابه "استلام السلطة" (1962) الذي نال شهرة عالمية واسعة، وفيه تحليل للتوتاليتارية الشيوعية وكشف لفظائعها. وأعمال نقدية، من مثل "تاريخ الأدب البولوني" (1969) والذي بات مرجعاً معتمداً في هذا الشأن. وكان قد عيّن أستاذاً زائراً لدى جامعة باركلي منذ عام 1960 إلى أن حاز نوبل للآداب عن مجمل أعماله عام 1980، وخطر له أن يعود إلى بلاده بولونيا وقد انتصرت فيها نقابة التضامن وحازت قبولاً من غالبية المواطنين، وباتت أشعاره على كل شفة ولسان، ولا سيما في غدانسك، حيث نقش هذه الابيات له: "أنتَ، يا منْ جرحتَ إنساناً بسيطاً، بأن هزئتَ بمأساته. حاذرْ، فإنّ الشاعر يتذكّر ذلك. وإن أمكنك قتله فلسوف يولد آخر. ذاك أنّ الأعمال والأقوال لن تُمحى