الانهيار الاقتصادي فاقم معاناة السجينات في لبنان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الانهيار الاقتصادي فاقم معاناة السجينات في لبنان




    الانهيار الاقتصادي فاقم معاناة السجينات في لبنان




    الأربعاء 2022/




    تأخير البتّ في القضايا المرفوعة يزيد من معاناة السجينات


    فاقمت الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ ثلاث سنوات من معاناة السجينات اللاتي وجدن أنفسهن غير قادرات على توفير أبسط مستلزمات عيش أطفالهن الرضع، وسط غياب تام للدولة. ومع ارتفاع أسعار الوقود والمواصلات أصبح من الصعب على الأهالي زيارة بناتهن الموجودات في سجون مكتظة، باتت إداراتها عاجزة عن توفير أبسط احتياجاتهن لاعتمادها إلى حدّ كبير على مساعدات من منظمات محلية وأجنبية.


    بعبدا (لبنان)- داخل زنزانة مكتظة في سجن للنساء قرب بيروت، تجد نور نفسها عاجزة في معظم الأحيان عن توفير حليب كاف لرضيعتها وحفاض نظيف ومياه استحمام لا تؤذي بشرتها، في ظل ظروف احتجاز فاقمتها الأزمة الاقتصادية سوءا.
    منذ ولادتها قبل أربعة أشهر، لم يعاين أي طبيب طفلتها قمر التي تكبر مع رضيعين آخرين و21 سجينة في زنزانة متواضعة داخل سجن بعبدا المركزي للنساء، الأكثر اكتظاظا بين سجون النساء الأربعة في لبنان.
    وتقول نور (25 عاما) التي غطت رأسها بشال أسود ولم تكشف عن وجهها المتعب أمام الكاميرا لوكالة فرانس برس من داخل باحة خارجية في السجن، تعلو سقفها قضبان من الحديد وأسلاك شائكة، “الحليب غير موفّر لابنتي، وليس لدي حليب كاف لإرضاعها”.
    وتضيف بينما تحمل ابنتها ذات العينين الخضرواين “أتصل بأهلي ليحضروا الحليب، أحيانا تنقطع منه لثلاثة أيام”، في حين أن وصول أهلها إلى السجن ليس سهلا مع ارتفاع كلفة المواصلات على وقع الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ ثلاث سنوات.

    لم توفر تداعيات الانهيار مع انهيار قيمة الليرة أي طبقة اجتماعية أو مرفق في لبنان، بما في ذلك إدارات السجون المكتظة التي باتت عاجزة عن توفير أبسط احتياجات السجناء، وتعتمد إلى حدّ كبير على تقديمات ومساعدات من منظمات محلية وأجنبية.
    وتوضح الأم الشابة بحسرة “يمكن لأهلي أن يساعدوني على توفير واحد في المئة من احتياجات طفلتي فقط”، مضيفة أنها تضطر أحيانا إلى أن تترك ابنتها تنام بحفاض غير نظيف إلى حين توفر الحفاضات من جديد.
    وتروي كيف أنها في كل مرة تريد أن تحمم رضيعتها تشعر بالقلق. وتقول “أحسب ألف حساب لأنني أخشى من بثور تظهر على بشرتها جراء عدم توفر مياه استحمام نظيفة”. وتتابع “لولا أننا نحنّ على بعضنا البعض ويحنّ الناس علينا، لما كان بمقدور أطفالنا أن يعيشوا هنا”.
    منذ أكثر من ثمانية أشهر على توقيفها بقضية مرتبطة بالمخدرات، لم يصدر أي حكم بحقها، لكنها تقول إن ما تعانيه ورضيعتها أكبر عقاب. وتقول “كل واحدة منا تخطئ في الخارج، لكن العقاب الذي نتلقاه هنا مضاعف”.
    اكتظاظ

    في لبنان، تشهد السجون أساسا اكتظاظا مع وجود قرابة ثمانية آلاف سجين، غالبيتهم لم تصدر أحكام بحقهم.
    وبمعزل عن الأزمة الاقتصادية، تتسبّب البيروقراطية داخل النظام القضائي بتأخير البتّ في القضايا المرفوعة وإصدار الأحكام النهائية. وفاقم إضراب ينفذه القضاة منذ الصيف احتجاجا على تدهور قيمة رواتبهم الوضع سوءا.
    خلال ورشة عمل حول واقع السجون والاحتياجات عقدت في سبتمبر الماضي، اعتبر وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أن “معاناة النزلاء في سجوننا مضاعفة من جراء الأزمة الاقتصادية الراهنة”.
    وقال “تضاف إلى الاكتظاظ معاناة الطبابة والاستشفاء، إضافة إلى الحاجة الملحة إلى صيانة المباني وآليات السوق والإسعاف”، عدا عن الحاجة إلى مصادر مستدامة للطاقة في ظل انقطاع الكهرباء.
    وتروي سجينات تحدّثن لفرانس برس بحضور مسؤولي السجن عن ظروف معيشية صعبة. فهن يضطررن أحيانا إلى الانتظار ساعة قبل دخول الحمام، الوحيد المخصص لزنزانة تضم 24 امرأة، وينمن على فرش مهترئة وغير نظيفة.
    وعلى وقع الأزمة الاقتصادية، تضاءلت قدرة العائلات على دعم أفرادها في السجون وحتى زيارتهم. ومنذ توقيفها قبل تسعة أشهر، لم تتمكن بشرى (28 عاما) من رؤية ابنتها البالغة 13 عاما.
    وتقول لفرانس برس بينما تحاول حبس دموعها “اشتقت إليها”، مضيفة “أمهات كثر يحتجن إلى رؤية أطفالهن، لا أنا فحسب”.
    وعلى غرار سجينات أخريات، تشتاق تاتيانا (32 عاما) لوالدتها التي “تعمل مقابل 50 ألف ليرة في اليوم (دولار تقريبا)، وبالكاد تؤمن إيجار منزلها”. وتسأل “كيف يمكنها زيارتي؟”.
    وتضيف الشابة التي تقبع في السجن منذ أكثر من ثلاث سنوات من دون محاكمة “نحتاج إلى الأمور الأساسية: شامبو، مزيل روائح وثياب… هذا أقل ما نحتاجه، لكن أهلنا غير قادرين على تأمينها لأنفسهم، فكيف لهم أن يأتونا بأموال لشرائها؟”.
    ويشكل الاكتظاظ أبرز مآسي السجون اللبنانية الـ25، والتي فاقت القدرة الاستيعابية فيها نسبة 323 في المئة، وفق تقديرات وزارة الداخلية.
    السجينات هن الفئة الأكثر تهميشاويقبع في سجن بعبدا للنساء حاليا 105 سجينات، تسعون في المئة منهن دون محاكمة، مقابل 80 قبل الأزمة، وفق ما تقول آمرة السجن النقيب نانسي إبراهيم، مشيرة إلى أن السبب الرئيسي خلف ذلك هو غياب المحاكمات التي فاقمها إضراب القضاة.
    وفي حال عقدت المحاكمات، لا تتمكن السجينات أحيانا من الحضور، ببساطة لعدم توفر الآليات أو الوقود أو العناصر، وفق ما تقول رنا يونس، العاملة في منظمة دار الأمل، التي تقدم مساعدات للسجون تتنوع من تأمين الحاجات الأساسية إلى استشارات قانونية للسجينات.
    وأمام تأزم الوضع في السجون، تعتمد إدارات السجون بشكل رئيسي على مساعدات من منظمات غير حكومية. وتقول إبراهيم “يؤمنون حصصا غذائية وأدوية مفقودة في السوق واللقاحات للأطفال، ويتولون تصليح أعطال”.
    تسأل السجينات عن حليب أطفال وحفاضات وثياب ولقاحات وفوط صحية وبدل زيارة المستشفيات وحاجات كثيرة أخرى، وفق منظمة دار الأمل، التي تولت العام الحالي أعمال صيانة أنابيب المياه في سجن بعبدا.
    وتقول مديرة المنظمة هدى قرى لفرانس برس “يصبح الوضع أسوأ كل شهر”، مشيرة إلى أن السجينات أحيانا يضطررن إلى استخدام قطع قماش بدلا من الفوط الصحية. وتضيف “لم يعد الأهالي قادرين على زيارة أولادهم أو شراء الحاجات الأساسية لهم، والدولة غائبة، نحاول بدورنا أن نملأ الفراغ”.
    وفي مجتمع لا تزال فيه النساء يعانين أبشع الانتهاكات وضعف تمتعهن بأبسط الحقوق الإنسانية وتعرضهن للعنف والتمييز المبني على أساس النوع الاجتماعي، من الطبيعي أن تكون السجينات الفئة الأكثر تهميشا وضعفا بحكم حجز الحرية والنظرة الدونية لهن والوصمة الاجتماعية ضدهن، وهذا يستدعي إرادة حقيقية بهدف حمايتهن والارتقاء بأوضاعهن.
    غياب الدولة

    ألم مضاعفأكد تقرير بعنوان “تقييم واقع سجون النساء في لبنان (سجن بعبدا، سجن بربر الخازن، سجن طرابلس وسجن زحلة)” أن التقارير السابقة أظهرت عدم تأمين الدولة المواد الضرورية (شامبو، صابون، معجون أسنان) للاهتمام بالنظافة الشخصية، ومواد التنظيف اللازمة لغسل الفراش والشراشف والبياضات، كما لا تتأمن حاجة السجينات من الفوط الصحية أبدا، إضافة إلى عدم معاينة الطبيب مدى اتباع قواعد الصحة والنظافة إلا نادرا، وبالمقابل يسمح بغسل الفراش والشراشف والبياضات مرة في الشهر.
    ويرى معدو التقرير أن توفير المرافق الصحية ومرافق الغسيل وتأمين الوصول إليها، إضافة إلى تأمين مواد النظافة الشخصية كالفوط الصحية والمناشف والشامبو، يحتل أهمية خاصة للنساء، ويجب توفيرها كي لا تضطر السجينات إلى الشعور بالحرج، ويرقى عدم توفير هذه الضروريات الأساسية إلى المعاملة المهينة، وفق رأيهم.
    وأشار التقرير إلى أنه يجب الإقرار بالمشاكل المحددة الخاصة بالنساء السجينات والحاجة إلى توفير الوسائل لحلها، كما يجب توفير البرامج والخدمات التي تتيح تأهيل السجينات لفترة ما بعد السجن. وأيضا يجب الاعتراف بأن العنف ضد المرأة هو “أي عمل قائم على نوع الجنس ويفضي إلى تعرض المرأة إلى ضرر أو ألم جنسي أو نفسي، ويشمل الحرمان من الحرية، سواء وقع في الحياة العامة أو الخاصة”.
    ◄ يقبع في سجن بعبدا للنساء حاليا 105 سجينات، تسعون في المئة منهن دون محاكمة، مقابل 80 قبل الأزمة

    لذا يقتضي بالدول استعراض جميع القوانين والسياسات والممارسات التي تشتمل التمييز أو التي تحدث أثرا تمييزيا، مع كفالة تقييد الدولة بالالتزامات والتعهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان واتخاذ تدابير إيجابية ترمي إلى معالجة الأسباب الهيكلية المفضية إلى العنف ضد المرأة، وتعزيز الجهود الوقائية التي تعالج الممارسات والمعايير الاجتماعية التمييزية، لاسيما بما يرتبط بالنساء اللواتي يحتجن إلى عناية خاصة. كما يجب الاعتراف بأن العنف المبني على أساس الجنس يخلف آثارا محددة على تواصل النساء مع نظام العدالة الجنائية وعلى حقهن في عدم التعرض للاعتداء في السجون، حيث تعتبر السلامة الجسدية والنفسية ضرورة لكفالة حقوق الإنسان وتحسين النتائج بالنسبة للنساء المخالفات للقانون.
    وتعاني السجينات في لبنان إشكاليات تتعلق بالحق في الصحة، لاسيما ما يرتبط بضعف إجراء المعاينة السريرية أو الفحوصات الطبية لكل سجينة فور دخولها السجن، باستثناء إجراء فحصي السل والسيدا وعدم اشتمال المعاينة الأولية على ما يرتبط بالصحة الإنجابية، أي حالات الحمل الأخيرة والولادات، إلا في حالات تقدم الحمل وحالات الاعتداءات الجنسية التي عانت منها السجينة قبل دخول السجن.
    وأشارت التقارير أيضا إلى ظهور نقص كبير في خدمات الطبابة المقدمة، لاسيما ما يرتبط بعدم علاج الاضطرابات النفسية عبر الاستماع والإرشاد النفسي أو عبر الطب أو العلاج النفسي، إضافة إلى مخالفة المعايير الدولية عبر احتجاز الأشخاص في السجن حتى إن ظهر اختلال عقلي عندهن.
    كما أظهرت التقارير السابقة ضعف مراعاة الممارسات من جانب الإدارات لأي خصوصية لجهة عدم إجراء الفحوصات الطبية الأولية لأمراض فايروس نقص المناعة المكتسبة وللأمراض المنتقلة جنسيا فور دخول السجن، وإعادة الفحص بعد فترة لتأكيد العدوى، إضافة إلى عدم توفير التدابير الوقائية للأمراض الخاصة بالنساء من قبيل الالتهابات المهبلية، باستثناء التوعية أحيانا بالنظافة الشخصية وطلب تنظيف الحمامات والتعقيم، وكذلك عدم توافر الفحوصات اللازمة للكشف عن سرطان الثدي وسرطان الرحم.
    حاجة النساء السجينات إلى الرعاية الصحية تفوق حاجة السجناء الرجال، لهذا من الضروري مراعاة إجراء الفحوصات الشاملة الأولية
    ويرى الخبراء أن من المهم الإشارة إلى معاناة النساء السجينات، لاسيما أولئك اللواتي يتحدرن من خلفيات اقتصادية واجتماعية محرومة، وربما لا يقدرن على الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية والمناسبة بسبب أوضاعهن، لذلك تفوق حاجة النساء السجينات إلى الرعاية الصحية حاجة السجناء الرجال، لهذا من الضروري مراعاة إجراء الفحص الشامل الأولي، ومن المهم أيضا مراعاة احتمالات تعرض السجينات لأشكال العنف المتنوعة، لاسيما العنف الجنسي، ومراعاة أثر ذلك على صحتهن الجنسية والإنجابية، إضافة إلى ضرورة تشخيص أي أمراض جنسية أو إنجابية وتوفير العلاج المناسب.
    ومن الضروري خضوع كل سجينة للفحص الطبي، وتوفير العلاج المناسب لها، والتأكد من توفير الرعاية العقلية والنفسية وتشخيص أي أمراض جنسية أو بما يراعي احتياجات النوع الاجتماعي الخاصة بالنساء، وتعاظم الأزمات بسبب الاحتجاز والانفصال عن الأولاد والتعرض لمختلف أشكال العنف قبل أو أثناء الاحتجاز، مما يقتضي معه أيضا تدريب كوادر السجون على إدراك أعراض الضغط النفسي الذي تعانيه النساء.











يعمل...
X