قيام الدولة العباسية وأبرز خلفائها
- بواسطة: سميحة ناصر خليف - ٢٤ أكتوبر ٢٠١٨
قيام الدولة العباسية:
بدأت تحركات العباسيين للسيطرة على الخلافة من بني أمية في العام التاسع والتسعين للهجرة، وبالتحديد بعد زيارة من أبي هاشم عبدالله بن محمد لابن عمه محمد بن على بن عبد الله بن عباس الذي كان والياً على الحميمة، فقاموا باختيار الكوفة وخراسان لتكونا المنطلق لدعوتهم، حيث أرسلوا أبا مسلم الخرساني لنشر دعوتهم في خرسان التي كانت تشهد صراعات بين العرب اليمانية والقيسية، واختاروا الكوفة كمركز للدعوة أيضاً، لأن أكثر أهل الكوفة كانوا من الناقمين على بني أمية، ومن الجدير بالذكر أن بداية دعوة بني العباس كانت سرية للغاية، وأخذت بالتوسع في خرسان والكوفة، حتى جاء الأمر لأبي مسلم الخرساني بأن يظهر في خرسان ويدعو بشكل علني، وكان ذلك في عام 129 للهجرة، فظهر الخرساني، وحصل أول صدام مسلح بين بني أمية وبني العباس، وانتصرت على أثره قوات بني العباس بقيادة أبي مسلم الخرساني على قوات نصر بن يسار، ثم تمكن أبو مسلم من خرسان كلها في عام 131 للهجرة، وهرب نصر بن يسار ومن معه، ثم توجه الخرساني بقواته إلى العراق وحقق فيها انتصارت متتالية حتى اقترب من الكوفة، وفي عام 132 للهجرة مات ابراهيم بن محمد في السجن وأوصى بالخلافة لأخيه عبد الله بن محمد الملقب بالسفاح، وبعد أن بويع لأبي العباس السفاح بالخلافة أمر الجيوش بالتوجه إلى منازلة بني أمية، فسحقهم، واستتب الأمر لبني العباس، إلّا الأندلس.[١]
أبرز خلفاء الدولة العباسية:
أبو العباس السفاح:
هو أول خليفة من خلفاء الدولة العباسية، واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه هي ريطة الحارثية، وقد ولد في عام مئة وثمانية للهجرة في منطقة الحميمة التي تقع بالقرب من البلقاء، وروى الأحاديث عن أخيه إبراهيم بن محمد الإمام، وعن عمه عيسى بن علي، ومن الجدير بالذكر أن بني العباس كانوا يتوقعون الخلافة في كل وقت، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عمه العباس بن عبد المطلب أن الخلافة ستكون في سلالته، ومما يدل على ذلك أن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس التقى بابن عمه أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية في الشام، فقال أبو هاشم: (يابن عم، إن عندي علماً أريد أن أنبذه إليك، فلا تطلعن عليه أحداً، إن هذا الأمر الذي ترتجيه الناس فيكم)، فقالقد علمته فلا يسمعنه منك أحد)، ثم أخذ محمد الإمام يدبر للأمر، فكان ينتظر ثلاثة أمور، وهي موت يزيد بن معاوية، وفتق في إفريقية، وانطلاق دعوة العباسيين حتى تقبل أنصارهم من المشرق، وبعد أن قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية، ونقضت البربر، فبدأ بتنفيذ مخططه فبعث رجلاً إلى خرسان، وأمره أن يدعوا إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم من غير أن يسمي أحداً، ووجه أبا مسلم الخرساني وغيره، ولكن توفاه الله تعالى قبل أن يتم الأمر، فعهد إلى ابنه إبراهيم، ولكن سرعان ما علم الخليفة مروان بأمره، فسجنه، ثم قتله، فعهد إلى أخيه عبد الله الذي لُقب بالسفاح، فاجتمع إليه أنصار العباسيين في الكوفة، وبايعوه للخلافة وقامت بذلك دولة بني العباس، وكان ذلك في الثالث من ربيع الأول من عام مئة واثنين وثلاثين للهجرة.[٢]
أبو جعفر المنصور:
تولى أبو جعفر المنصور الخلافة في شهر ذي الحجة من عام 136 للهجرة، وقد كان أعظم رجال بني العباس، حيث كان شديد اليقظة، سريع البديهة، قوي البأس، ثابت القلب، وكان يطلب العلوم ومنها الحديث والفقه في شبابه ويروى أنه كان يقضي فترة الصباح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحقق من أمن الطرق، وشحن الثغور، والولايات والعزل، والنظر في النفقات والخراج، ثم يستريح بعد الظهر حتى العصر، وبعد صلاة العصر يجلس مع أهل بيته وينظر في مصالحهم الخاصة، وبعد العشاء يقرأ ما وصله من رسائل الثغور، ويقوم بالرد عليها، حتى إذا جاء ثلث الليل ذهب إلى النوم، وقام في الثلث الآخير من الليل يصلي في محرابه حتى طلوع الفجر، وكان من إنجازاته بناء بغداد لتكون عاصمة للدولة العباسية، ويُقال أنه أنفق في سبيل ذلك ثمانية عشر مليون دينار، وانتهى من تشييدها في عام 146 للهجرة، وبعث ابنه المهدي لغزو طبرستان في عام 141 للهجرة، وأمر ببناء الرصافة في الجهة الشرقية من بغداد، فتم بناؤها في عام 151 لهجرة وجعل لها سوراً وخندقاً، وتم فيها تجديد البيعة للمنصور، ومن بعده ابنه المهدي، ومن بعدهما عيسى بن موسى، وتوفي رحمه الله وهو في طريقه للحج،
وكان أخر كلامه: (اللهم بارك لي في لقائك)، وكان ذلك في عام 158 للهجرة، ودُفن بمكة المكرمة.[٣]
هارون الرشيد :
هو هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور الهاشميّ، وأمه الخيزران، وقد ولد في عام 148 للهجرة بالري، حين كان أبوه والياً عليها، ونشأ الرشيد نشأة خاصة فكان من الذين يُضرب بهم المثل في القوة والشجاعة، مما أهله لقيادة الحملات في عهد أبيه قبل أن يبلغ من العمر عشرين عاماً، وقد ذكر ابن خلكان في كتابه وفايات الاعيان وصفاً للرشيد، حيث قال:
(كان هارون الرشيد من أنبل الخلفاء، وأحشم الملوك، ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي)، ومن الجدير بالذكر أن الرشيد تولى الخلافة في هام 170 للهجرة بعهد من أبيه المهدي، وكان يبلغ من العمر آنذاك خمسة وعشرين عاماً، وقد كان محباً للعلم والعلماء؛ فهو أول ملك يخرج في رحلة لطلب العلم، وذلك عندما خرج بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ من الإمام مالك، وقد ضرب أروع الأمثلة في العبادة، فقد قال عنه الخطيب البغدادي في كتاب تاريخ بغداد:
(وحكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبناءهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمئة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة)، كما أنّه جاهد الروم حتى ذلت رقابهم لعظمته، ففي عام 187 للهجرة أرسل نقفور ملك الروم رسالة إلى الرشيد يبلغه فيها بنقض العهد مع المسلمين، فلما وصلت الرسالة إلى الرشيد استشاط غضباً، وكتب على ظهر الرسالة كلمات خلّد التاريخ ذكرها، حيث كتب:
(بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه)، ثم جهز الجيش وتوجه به نحو مدينة هرقل، وخاض فيها معركة وفتحاً عظيماً، فطلب نقفور الموادعة على أن يدفع الخراج للرشيد في كل عام، وقد فتح الله تعالى على المسلمين في عهده حتى كان يخاطب السحابة المارة، ويقول: (أمطري حيث شئت؛ فسيأتيني خراجك).[٤]