رحلة ابن خلدون في المشرق والمغرب
هذا الكتاب هو عبارة عن مذكرات شخصية كان "ابن خلدون" يدونها يومياً، وأطلق عليها اسم "التعريفات بابن خلدون" حيث ضمت ترجمته ونسبته وتاريخ أسلافه، ومراسلاته وقصائده التي نظمها، كما ضم رحلاته في المشرق والمغرب وما عاناه في حياته.
ظل هذا الكتاب طوال قرنين ملحقاً لكتاب "العبر" ولم يظهر بشكل مستقل حتى عام 1951، بجهود العالم المغربي "محمد ابن تاويت الطنجي" الذي عمل حوالي عشر سنوات في تحقيقه ومقابلة مخطوطاته العديدة مع المصادر، بما في ذلك تعليق هوامشه التي يمكن أن نعدّها، من دون مبالغة، السّراج الذي أنار جوانب العمل، وكشف غوامضه، وربطه بالمحيط الثقافيّ لعصره وبالأصول المعرفية التي خرج منها "ابن خلدون" بفكره البصير.
وكان هذا الكتاب جزءاً تابع لتاريخ ابن خلدون، وما كان يفصله عن بقية أبواب الكتاب إلا عنوانه الذي ينقلك من موضوع إلى آخر، وكان عنوانه "التعريف بابن خلدون" وظل بهذا الشكل إلى أن رحل ابن خلدون إلى الأندلس مرتين، وإلى مصر والحجاز والشام، فأصبح اسمه "التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً".
كان الجزء الأول من كتاب "رحلة ابن خلدون" بمثابة ترجمة شخصيّة، حيث ضم حياة ابن خلدون (تاريخ ولادته والعلوم الذي تلقاها ومراحل حياته وشبابه). أما الجزء الأكبر من الكتاب فكان عبارة عن رسائل ويوميات ابن خلدون خلال أسفاره ورحلاته المتكررة ما بين المغرب والأندلس ورحلته إلى المشرق العربي، نحو مصر أولاً، فالجزيرة العربية لقضاء فريضة الحج، ثم الحج إلى بيت المقدس، وأخيراً رحلته المثيرة إلى دمشق أثناء غزو التتار للمدينة سنة 803 إلى 1400 للهجرة.
ويتضمّن هذا الكتاب أيضاً، أخبار تولّيه المناصب وعزله عنها في المشرق العربي، وما لعبه من أدوار في السياسة والقضاء، وما تضلّع به من أدوار في الوساطة بين سلاطين المشرق وسلاطين المغرب، وبين أهل دمشق وتيمورلنك لأيام قبل وقوعها في قبضة التتار.
هذا الكتاب عمل قائم في ذاته، بالشكل الذي أراده له واضعه، قدم فيه ابن تاويت الطنجي للقارئ المفتاح الأول لمعرفة شخصية ابن خلدون، إلا أن عمل ابن تاويت كان من الدقّة العلميّة والإشراق الفكري، بحيث أعاد بناء الكتاب بناء جديداً، استدرك معه كلّ التغييرات والإضافات والشّروح والملاحظات التي دوّنها ابن خلدون على مدار سنوات، ووزعها على النسخ المختلفة للكتاب، فاختلفت باختلافها، وتعدّدت بتعدّدها، وكلّها تقع في باب استدراك العالم القلق، والمفكّر النّاقد الذي لا يستثني من ممارسته النقدية مراجعة نظرته الخاصّة وأحكامه وآراءه. ليأتي ابن تاويت فيمر على كل النسخ واختلافاتها مرور عالم متأنّ، وباحث يتطلع إلى الأكمل، فلا يرضى عن عمله حتى يراه أقرب في صياغته الأخيرة، من الصورة التي ربّما طمح إليها ابن خلدون. لقد فحص ابن تاويت الاختلافات في النّسخ المختلفة من مخطوطات الكتاب فحصاً دقيقاً، فثبّتها في مواضعها بالنسخة الأخيرة التي جعلها المرجع الجامع لكلّ ما أنجزه ابن خلدون ودوّنه وراسله خلال حياته.
كما أنه لابد من الإشارة على أن ما اعتمد عليه ابن تاويت من اختلاف في النّسخ المتعدّدة للعمل ليس مصدره اختلاف الأشخاص المرسلة إليهم النّسخ وحسب، وإنما أيضاً التطوّر الذي طرأ على فكر ابن خلدون واتّساع آفاق ثقافته ونضج تأملاته مع تقدّم الزّمن، فكانت (الإضافات ـ الاستدراكات) مع كلّ نسخة جديدة تحمل رؤى وأفكاراً جديدة، وإعادة نظر في المسائل تكشف عن وعي متجدّد وفكر خلّاق.
- نجوى محمود
- 23 كانون الأوّل 2022
هذا الكتاب هو عبارة عن مذكرات شخصية كان "ابن خلدون" يدونها يومياً، وأطلق عليها اسم "التعريفات بابن خلدون" حيث ضمت ترجمته ونسبته وتاريخ أسلافه، ومراسلاته وقصائده التي نظمها، كما ضم رحلاته في المشرق والمغرب وما عاناه في حياته.
ظل هذا الكتاب طوال قرنين ملحقاً لكتاب "العبر" ولم يظهر بشكل مستقل حتى عام 1951، بجهود العالم المغربي "محمد ابن تاويت الطنجي" الذي عمل حوالي عشر سنوات في تحقيقه ومقابلة مخطوطاته العديدة مع المصادر، بما في ذلك تعليق هوامشه التي يمكن أن نعدّها، من دون مبالغة، السّراج الذي أنار جوانب العمل، وكشف غوامضه، وربطه بالمحيط الثقافيّ لعصره وبالأصول المعرفية التي خرج منها "ابن خلدون" بفكره البصير.
وكان هذا الكتاب جزءاً تابع لتاريخ ابن خلدون، وما كان يفصله عن بقية أبواب الكتاب إلا عنوانه الذي ينقلك من موضوع إلى آخر، وكان عنوانه "التعريف بابن خلدون" وظل بهذا الشكل إلى أن رحل ابن خلدون إلى الأندلس مرتين، وإلى مصر والحجاز والشام، فأصبح اسمه "التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً".
كان الجزء الأول من كتاب "رحلة ابن خلدون" بمثابة ترجمة شخصيّة، حيث ضم حياة ابن خلدون (تاريخ ولادته والعلوم الذي تلقاها ومراحل حياته وشبابه). أما الجزء الأكبر من الكتاب فكان عبارة عن رسائل ويوميات ابن خلدون خلال أسفاره ورحلاته المتكررة ما بين المغرب والأندلس ورحلته إلى المشرق العربي، نحو مصر أولاً، فالجزيرة العربية لقضاء فريضة الحج، ثم الحج إلى بيت المقدس، وأخيراً رحلته المثيرة إلى دمشق أثناء غزو التتار للمدينة سنة 803 إلى 1400 للهجرة.
ويتضمّن هذا الكتاب أيضاً، أخبار تولّيه المناصب وعزله عنها في المشرق العربي، وما لعبه من أدوار في السياسة والقضاء، وما تضلّع به من أدوار في الوساطة بين سلاطين المشرق وسلاطين المغرب، وبين أهل دمشق وتيمورلنك لأيام قبل وقوعها في قبضة التتار.
هذا الكتاب عمل قائم في ذاته، بالشكل الذي أراده له واضعه، قدم فيه ابن تاويت الطنجي للقارئ المفتاح الأول لمعرفة شخصية ابن خلدون، إلا أن عمل ابن تاويت كان من الدقّة العلميّة والإشراق الفكري، بحيث أعاد بناء الكتاب بناء جديداً، استدرك معه كلّ التغييرات والإضافات والشّروح والملاحظات التي دوّنها ابن خلدون على مدار سنوات، ووزعها على النسخ المختلفة للكتاب، فاختلفت باختلافها، وتعدّدت بتعدّدها، وكلّها تقع في باب استدراك العالم القلق، والمفكّر النّاقد الذي لا يستثني من ممارسته النقدية مراجعة نظرته الخاصّة وأحكامه وآراءه. ليأتي ابن تاويت فيمر على كل النسخ واختلافاتها مرور عالم متأنّ، وباحث يتطلع إلى الأكمل، فلا يرضى عن عمله حتى يراه أقرب في صياغته الأخيرة، من الصورة التي ربّما طمح إليها ابن خلدون. لقد فحص ابن تاويت الاختلافات في النّسخ المختلفة من مخطوطات الكتاب فحصاً دقيقاً، فثبّتها في مواضعها بالنسخة الأخيرة التي جعلها المرجع الجامع لكلّ ما أنجزه ابن خلدون ودوّنه وراسله خلال حياته.
كما أنه لابد من الإشارة على أن ما اعتمد عليه ابن تاويت من اختلاف في النّسخ المتعدّدة للعمل ليس مصدره اختلاف الأشخاص المرسلة إليهم النّسخ وحسب، وإنما أيضاً التطوّر الذي طرأ على فكر ابن خلدون واتّساع آفاق ثقافته ونضج تأملاته مع تقدّم الزّمن، فكانت (الإضافات ـ الاستدراكات) مع كلّ نسخة جديدة تحمل رؤى وأفكاراً جديدة، وإعادة نظر في المسائل تكشف عن وعي متجدّد وفكر خلّاق.