مقامات الحريري
اشتهرت لغتنا العربيّة الأصيلة بكمِّ كبير وذخرٍ واسع من الإنتاجات والتُحف الأدبيّة القديمة والمُعاصرة، والتي أذهلت القرّاء وسحرت أذواق النُقّاد، فالتقى فيها فنُّ وإبداع الأديب مع مرونة وتناسق واتّزان اللغة العربيّة، وأثمرا فنًّا رفيعًا يسمو أيّما سمو، ولعلّ أحد أركان وكنوز الأدب الشعري والنثري هي المقامات الأدبيّة، التي اشتُهرت بفنّها العريق وأسلوبها الساحر البهي، وفي متناول أيدينا في هذا المقال، لفحةٌ من أصالة عربيّة مُتميّزة ألا وهي مقامات الحريري ، سنتناولها بشيء من التواضع عاجزين عن بلوغ حقّها في الشرح، وإنما مستعرضين لمحات موجزة عن هذا الفنِّ الرفيع.
ما هي المقامة
المقامة (maqāma)، وجمعها مقامات، هي إحدى الفنون العربية المُتأصّلة والتي عرفها العرب منذ أعجوبة بديع الزمان الهمذاني (الذي تُوفيَ سنة 395 للهجري) أواخر القرن الرابع الهجري، والذي أذهل القرّاء واستحلى آراء جميع النقّاد بمقامته الشهيرة. المقامة العربية هي نثرٌ عربي محكي يحيك قصّة بطلٍ خياليَ واسع الحيلة، وفطنٍ، وغزير الحنكة، ذو دهاءٍ فريد، وذَرِبُ اللسان، يلجأ إلى ذكائه في كسب رزقه وتجاوز عقبات دربه، ومع هذا البطل راوٍ يلازمه أينما حلَّ وغدا.
تدور بين البطل وراويه حوارات نثريّة رفيعة المُستوى يُظهر من خلالها المؤلّف ملكته الأدبيّة ويبرز تفنّنه النثري، واصفًا لنا على لسان الراوي الأحداث والطوارئ والمُجريات التي يصادفها البطل، وصفًا ذاخرًا بجدِّ الكلام وهزله، ودقّة القول وجزله، وتفرّد البيان ودُرَره.
كتاب الحريري هو الرابع من نوعه تاريخيًّا، ولكن يتصدّر المقامات العربيّة مجاورًا مقامات بديع الزمان الهمذاني بالإتقان والإبداع الأدبي، والمقامات الأربعة الأشهر حسب تسلسلها التاريخي هي:
خصائص المقامات الأدبية العربيّة
تتميّز المقامات العربيّة بخطوطٍ عريضة تشترك بها لتقدّم نتاج الأدب ذاك، وهي:
من هو الحريري
الحريري هو أبو محمد القَاسم بن عليّ بِن محمد بِن عُثمان الحريريّ البصريّ الحراميّ، أديبٌ فريد من أدباء البصرة، وُلد سنة 446 للهجرة (1054 م) وتُوفي سنة 516هـ (1122م)، أشهر أعماله على الإطلاق، المقامة التاريخيّة، مقامات الحريري ، وقد نال شُهرةً واسعة بين أوساط أدباء وعلماء عصره، حتى بلغ به الأمر أن جاءته الوفود من الأندلس ومن باقي أصقاع العالم العربي، يقرؤون عليه مقاماته ناقلين إيّاها حرفيًّا إلى مواطنهم كنزًا أدبيًّا فريدًا.
مقامات الحريري
بدأ محمد الحريري بنَظم مقاماته عام 495 للهجري (1101م)، وانتهى منها سنة 504هـ (1110م)، وهي في نسقٍ نثري يتضمّن خمسين مقامةً، وبخلاف مقامات بديع الزمان الهمذاني، ألّف الحريري مقاماته ونسبها إلى الراوي الحارث بن همام، وهو شخصيّة غير حقيقية، أما عن بطل الرواية فهو أبو زيد السروجي، وكان متسوّلًا امتهن التسوّل بُحسن كلامه ونُدرة فطتنه ودهائه في جذب واستحسان عواطف الناس.
تبدأ المقامة بلقاء البطل والراوي، أبو زيد السروجي والحارث بن همام في صنعاء، حيث كان أبو زيد في جمع من الناس يخطبهم ويوعظهم بُحسن كلامه وعذابة لسانه، فاستوقف هذا المشهد الحارث واستحسن حُسن خطابة أبو زيد، تبعه ليكتشف بعدها أنه ليس سوى سوّالٍ مُخادع، وخطّ الحريري هذه المقامة الأولى تحت عنوان “المقامة الصنعائيّة”.
يُكمل الحريري في مقاماته سرد الهمام بن حارث لرحلته في أصقاع الأرض، مُلتقيًا مع أبي زيد في جميع وُجهه، ويكون آخر لقاء لهما في مسجد البصرة بعد ضربٍ من السنين، جعلتهما طاعنَين في السن وقد تقدّم العمر بهما وسلبهما شبابهما. يروي لنا الحريري على لسان الحارث في ذلك اللقاء، كيف استوقف أبو زيد جمعًا من الناس وأعلن توبته عن الخداع، لينعزل بعدها إلى الصلاة والعبادات، في حين يعلن الحارث انتهاء رحلته واستقراره للراحة، في آخر مقامة من المقامات الخمسين.
مؤلّفات في مقامات الحريري
حظيت مقامات الحريري بعناية فائقة للباحثين والأدباء على مرّ العصور، وأُعِدَّ منها حوالي أربعين شرحًا ومؤلّفًا مُستفيضًا، ومن أشهر هذه الشروحات:
بالإضافة إلى ذلك تُرجمت المقامات إلى الكثير من اللغات وانتشرت في الكثير من الأمصار حول العالم، ومن أبرز الترجمات:
اشتهرت لغتنا العربيّة الأصيلة بكمِّ كبير وذخرٍ واسع من الإنتاجات والتُحف الأدبيّة القديمة والمُعاصرة، والتي أذهلت القرّاء وسحرت أذواق النُقّاد، فالتقى فيها فنُّ وإبداع الأديب مع مرونة وتناسق واتّزان اللغة العربيّة، وأثمرا فنًّا رفيعًا يسمو أيّما سمو، ولعلّ أحد أركان وكنوز الأدب الشعري والنثري هي المقامات الأدبيّة، التي اشتُهرت بفنّها العريق وأسلوبها الساحر البهي، وفي متناول أيدينا في هذا المقال، لفحةٌ من أصالة عربيّة مُتميّزة ألا وهي مقامات الحريري ، سنتناولها بشيء من التواضع عاجزين عن بلوغ حقّها في الشرح، وإنما مستعرضين لمحات موجزة عن هذا الفنِّ الرفيع.
ما هي المقامة
المقامة (maqāma)، وجمعها مقامات، هي إحدى الفنون العربية المُتأصّلة والتي عرفها العرب منذ أعجوبة بديع الزمان الهمذاني (الذي تُوفيَ سنة 395 للهجري) أواخر القرن الرابع الهجري، والذي أذهل القرّاء واستحلى آراء جميع النقّاد بمقامته الشهيرة. المقامة العربية هي نثرٌ عربي محكي يحيك قصّة بطلٍ خياليَ واسع الحيلة، وفطنٍ، وغزير الحنكة، ذو دهاءٍ فريد، وذَرِبُ اللسان، يلجأ إلى ذكائه في كسب رزقه وتجاوز عقبات دربه، ومع هذا البطل راوٍ يلازمه أينما حلَّ وغدا.
تدور بين البطل وراويه حوارات نثريّة رفيعة المُستوى يُظهر من خلالها المؤلّف ملكته الأدبيّة ويبرز تفنّنه النثري، واصفًا لنا على لسان الراوي الأحداث والطوارئ والمُجريات التي يصادفها البطل، وصفًا ذاخرًا بجدِّ الكلام وهزله، ودقّة القول وجزله، وتفرّد البيان ودُرَره.
كتاب الحريري هو الرابع من نوعه تاريخيًّا، ولكن يتصدّر المقامات العربيّة مجاورًا مقامات بديع الزمان الهمذاني بالإتقان والإبداع الأدبي، والمقامات الأربعة الأشهر حسب تسلسلها التاريخي هي:
- مقامات بَديعِ الزّمان الهمذاني (المُتوفى سنة 395 هـ).
- مقامات ابنِ نَباتة (المُتوفى سنة 405 هـ).
- مقامات ابن نَاقيّا (المُتوفى سنة 485 هـ).
- مقامات محمد الحريري البصري (المُتوفى سنة 516 هـ).
خصائص المقامات الأدبية العربيّة
تتميّز المقامات العربيّة بخطوطٍ عريضة تشترك بها لتقدّم نتاج الأدب ذاك، وهي:
- البلاغة الأدبيّة وطبيعتها: تعتمد وترتكز المقامات الأدبيّة على الأساليب اللغويّة البلاغيّة بما فيها الجناس والطّباق، وتنتهج السجع انتهاجًا كاملًا في جميع أجزائها، ما يعطيها طعمًا موسيقيًا عذبًا واتّزانًا رائقًا للسمع.
- غرابة انتقاء الألفاظ: تتميّز المقامات الأدبيّة، بما فيها مقامات الحريري، بانتقاء الألفاظ الغريبة، سواء كانت هزليّة غير مُتعارفٍ عليها، أم أنّها من الذُخر والملكة البلاغيّة العربيّة للمؤلّف.
- الحِكم والمواعظ الحسنة: تتشارك معظم المقامات بهدفها السامي، وسردها للقصص بغية تبيان الثمار الأخلاقيّة والأدبيّة منها.
- تشارك البطل وراويه الرحلة: كما ذكرنا، يتشارك البطل وراوي قصصه جميع رحلاتهما، فيصنعان المؤلّف بالحوار والمناقشة بينهما، عملًا أدبيّا مميّزًا.
- سرد القصص القصيرة: آخر ما تتميّز به جميع المقامات العربيّة هو نسجها لقصص قصيرة لمجريات الأحداث والوقائع التي تصادف البطل وصديقه الراوي.
من هو الحريري
الحريري هو أبو محمد القَاسم بن عليّ بِن محمد بِن عُثمان الحريريّ البصريّ الحراميّ، أديبٌ فريد من أدباء البصرة، وُلد سنة 446 للهجرة (1054 م) وتُوفي سنة 516هـ (1122م)، أشهر أعماله على الإطلاق، المقامة التاريخيّة، مقامات الحريري ، وقد نال شُهرةً واسعة بين أوساط أدباء وعلماء عصره، حتى بلغ به الأمر أن جاءته الوفود من الأندلس ومن باقي أصقاع العالم العربي، يقرؤون عليه مقاماته ناقلين إيّاها حرفيًّا إلى مواطنهم كنزًا أدبيًّا فريدًا.
مقامات الحريري
بدأ محمد الحريري بنَظم مقاماته عام 495 للهجري (1101م)، وانتهى منها سنة 504هـ (1110م)، وهي في نسقٍ نثري يتضمّن خمسين مقامةً، وبخلاف مقامات بديع الزمان الهمذاني، ألّف الحريري مقاماته ونسبها إلى الراوي الحارث بن همام، وهو شخصيّة غير حقيقية، أما عن بطل الرواية فهو أبو زيد السروجي، وكان متسوّلًا امتهن التسوّل بُحسن كلامه ونُدرة فطتنه ودهائه في جذب واستحسان عواطف الناس.
تبدأ المقامة بلقاء البطل والراوي، أبو زيد السروجي والحارث بن همام في صنعاء، حيث كان أبو زيد في جمع من الناس يخطبهم ويوعظهم بُحسن كلامه وعذابة لسانه، فاستوقف هذا المشهد الحارث واستحسن حُسن خطابة أبو زيد، تبعه ليكتشف بعدها أنه ليس سوى سوّالٍ مُخادع، وخطّ الحريري هذه المقامة الأولى تحت عنوان “المقامة الصنعائيّة”.
يُكمل الحريري في مقاماته سرد الهمام بن حارث لرحلته في أصقاع الأرض، مُلتقيًا مع أبي زيد في جميع وُجهه، ويكون آخر لقاء لهما في مسجد البصرة بعد ضربٍ من السنين، جعلتهما طاعنَين في السن وقد تقدّم العمر بهما وسلبهما شبابهما. يروي لنا الحريري على لسان الحارث في ذلك اللقاء، كيف استوقف أبو زيد جمعًا من الناس وأعلن توبته عن الخداع، لينعزل بعدها إلى الصلاة والعبادات، في حين يعلن الحارث انتهاء رحلته واستقراره للراحة، في آخر مقامة من المقامات الخمسين.
مؤلّفات في مقامات الحريري
حظيت مقامات الحريري بعناية فائقة للباحثين والأدباء على مرّ العصور، وأُعِدَّ منها حوالي أربعين شرحًا ومؤلّفًا مُستفيضًا، ومن أشهر هذه الشروحات:
- شروح أبي عباس الشريري (توفي سنة 619هـ) وهي أجود الشروحات.
- ابن الساعي البغدادي (توفي سنة 674 هـ) وهي أضخم الشروحات.
- شرح أبو سعيد الحليّ (تلميذ الحريري) وهي أقدم الشروحات.
بالإضافة إلى ذلك تُرجمت المقامات إلى الكثير من اللغات وانتشرت في الكثير من الأمصار حول العالم، ومن أبرز الترجمات:
- ترجمة المستشرق الهولنديّ جوليوس سنة 1067 هـ (1656 م).
- ترجمة المستشرق الفرنسي كُوسان دِي برسفال سنة 1337 هـ (1918 م).
- ترجمة المُستشرق الألماني ركرت، وحظيت هذه الترجمة بشُهرة عريضة في أوساط المُستشرقين وتُرجمو إلى الانكليزية سنة 1284 هـ (1867 م).